الطفل المغرور.. ضحية التربية الخاطئة

مديح الآباء المفرط يزرع فيه النرجسية منذ الصغر

الطفل المغرور.. ضحية التربية الخاطئة
TT

الطفل المغرور.. ضحية التربية الخاطئة

الطفل المغرور.. ضحية التربية الخاطئة

يعتقد معظم الآباء في العالم كله أن تكرار كلمات التشجيع والمبالغة في تقدير الأبناء ينعكس بالإيجاب على الطفل ويزيد من ثقته بنفسه ويشعره بالتميز ويدفعه إلى التفوق سواء الدراسي أو في الحياة بشكل عام. ويفعل الآباء ذلك إما بشكل غريزي بطبيعة الحال؛ حيث يشعر كل الآباء بتميز أبنائهم عن الآخرين، خاصة أن اعتقادهم أن هذا الإطراء لا يؤذي الطفل في شيء؛ بل على العكس يشعره بالزهو. لكن أحدث الدراسات التي ناقشت أثر التربية على سلوك الأبناء وتكوين شخصياتهم، خلصت إلى أن الآباء الذين يفرطون في المديح الزائد لأطفالهم يقومون دون قصد منهم بزرع الغرور والنرجسية في الطفلnarcissistic children مما يؤدي إلى مشكلات نفسية لاحقا في البلوغ.

* مديح غامر
كانت الدراسة التي قام بها علماء من جامعة أوهايو بالولايات المتحدة وكذلك باحثون من جامعة أمستردام بهولندا ونشرت في بداية شهر مارس (آذار) الحالي في مجلة أكاديمية العلوم الوطنيةNational Academy of Sciences، قد قامت بتتبع 565 طفلا تتراوح أعمارهم بين 7 و11 عاما وذويهم. وكان هدف الدراسة بشكل أساسي معرفة بداية ظهور الغرور، والفرق بينه وبين الثقة بالنفس، ودور الآباء في غرسه في الطفل.
وتم طرح أسئلة على الآباء والأطفال تم إعدادها من الأطباء النفسيين، وكانت على 4 مراحل، يفصل بين كل مرحلتين 6 أشهر. وفي التجربة سئل الآباء عن: «لأي درجة يتفقون مع جمل مثل: (طفلي شديد التميز عن الآخرين)، أو أنه (مثال يجب الاحتذاء به من قبل أقرانه). وأيضا سئل الأبناء والآباء عن مشاعر الود والحنان التي يعامل بها الآباء الأبناء. وكانت هذه الأسئلة للآباء حول مدى اتفاقهم مع جملة مثل: (دائما أخبر أولادي بحبي لهم)، والأبناء حول مدى اتفاقهم مع جملة مثل: (والدي أو والدتي يحبونني جدا)».

* الثقة والنرجسية
وأوضحت التجربة الفرق بين الأطفال الذين يتمتعون بالثقة في النفس والأطفال المغرورين. وظهر أن الأطفال الواثقين من أنفسهم راضون عن أنفسهم، ولديهم تقدير جيد لذواتهم، إلا أنهم يعتقدون أنهم جيدون كما يعتقدون أن الآخرين جيدون؛ حيث كان ردهم على جملة مثل: «هل تعتقد أنك طفل لطيف أو جيد؟» بـ«نعم». ولكن في الإجابة عن جملة مثل: «هل تعتقد أنك أفضل من زملائك؟»، كانت الإجابة: «لا». وذلك يعكس قوة شخصيتهم وثقتهم بأنفسهم بعكس الأطفال الذين يعانون من النرجسية.
وظهر أن الذين يعانون من النرجسية لديهم اعتقاد تام بأنهم أفضل من أقرانهم. وكانت إجابتهم عن السؤال نفسه (هل تعتقد أنك أفضل من أقرانك؟) بـ«نعم». وأيضا تم تتبع هؤلاء الأطفال الذين تم وصفهم من قبل ذويهم بأنهم أكثر تميزا ويستحقون قدرا أكبر من التقدير وسجلوا جميعا نتائج أعلى في الاختبارات النفسية للغرور والنرجسية.
وكان تفسير الدراسة هو أن الأطفال يصدقون آباءهم بطبيعة الحال، ويعتقدون اعتقادا راسخا بأنهم أفضل من زملائهم، والمثير أن الأطفال الذين كانت لديهم ثقة بأنفسهم اتفقوا جميعا على حب ذويهم لهم وعدم افتقادهم مشاعر الحنان والاهتمام. وأشارت الدراسة إلى أن الأمر يبدو محيرا بعض الشيء بالنسبة للآباء؛ حيث إنهم يعتقدون أن واجبهم دائما هو إشعار أولادهم بأنهم الأفضل وإخبارهم بذلك، وأن عدم فعل ذلك يمكن أن يؤدي بالطفل إلى فقدان الثقة بالنفس والانطواء والفشل لاحقا إذا اعتقد أن قدراته أقل من زملائه. وأوضحت الدراسة أن الأمر بسيط؛ حيث يجب على الآباء بطبيعة الحال تشجيع الأبناء دون استخدام ألفاظ مثل: «أفضل» أو «أكثر قدرة» أو «أكثر تميزا»، وهو خطأ في الأغلب يقع فيه جميع الآباء.

* دور الآباء
وقد اعترف بذلك أحد أفراد الفريق البحثي وهو الدكتور بوشمان Prof. Bushman حيث قال إنه هو شخصيا كان يمارس هذه التربية الخاطئة قبل الدراسة، فهو أب لثلاثة أطفال وكان دائما يخبرهم بأنهم شديدو التميز عن الآخرين. ولكن بعد الدراسة تغير موقفه وأصبح يشجع أطفاله ويظهر لهم الحنان والعطف من دون مبالغة في تقديرهم overvaluing حتى لا يصابوا بالغرور، خاصة أنه قاد دراسة بحثية سابقة تهدف إلى رصد الظاهرة نفسها، وتم عمل اختبار للآباء الذين يعاني أطفالهم من الغرور، حول ما إذا كان أطفالهم على دراية ببعض الكتب الحقيقية التي في الأغلب يعرفها معظم الأطفال. وبجانب تلك الكتب الحقيقية اخترع الفريق البحثي بعض أسماء الكتب الوهمية مثل: «الأرنب العجيب» على سبيل المثال. وكانت النتيجة أن الآباء أجابوا بأن أطفالهم على دراية تامة بهذه الكتب حتى الوهمية، وهو الأمر الذي يفسر الدور الكبير الذي يلعبه الآباء في نشأة الغرور عند الطفل.
وأشارت الدراسة أيضا إلى أنه ليس بالضرورة أن تؤدي كلمات التقدير الزائد إلى الإصابة بالغرور، ولكنها تعتبر «مُعامل خطورة»، وأن عاملا جينيا يمكن أن يكون المتسبب في الإصابة بالغرور والنرجسية بجانب العامل التربوي أو البيئي، بمعني أن بعض الأطفال قد يكونون مهيئين جينيا لكي يصبحوا أكثر نرجسية من غيرهم بغض النظر عن كلمات الإطراء من عدمه. وعلى هذا الأساس يجب أن يتعامل الآباء باعتدال مع أطفالهم؛ بحيث يظهرون الاهتمام والتعضيد والحب دون المبالغة، لحماية أطفالهم في المستقبل.

* استشاري طب الأطفال



الكالسيوم وأمراض القلب: ما الصلة؟

الكالسيوم وأمراض القلب: ما الصلة؟
TT

الكالسيوم وأمراض القلب: ما الصلة؟

الكالسيوم وأمراض القلب: ما الصلة؟

كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية):جولي كورليس

*من بين الاختبارات التي يلجأ إليها الأطباء، لفهم مخاطر الإصابة بأمراض القلب على نحو أفضل، فحص الكالسيوم في الشرايين التاجية، وهو نوع خاص من التصوير المقطعي المحوسب.

اختبار الكالسيوم

ويقيس هذا الاختبار كمية الكالسيوم في جدران شرايين القلب، لتحديد درجة (تركيز) الكالسيوم. وكلما ارتفعت الدرجة، زاد خطر الإصابة بنوبة قلبية.

جدير بالذكر هنا أن الكالسيوم يشكل جزءاً ضئيلاً فقط من الترسبات الضارة (المعروفة باسم اللويحة plaque)، التي تسبب ضيق شرايين القلب. وفي هذا الصدد، أوضح د. راندرسون كاردوسو، اختصاصي أمراض القلب بمستشفى بريغهام والنساء، التابع لجامعة هارفارد: «تحتوي اللويحة كذلك على كوليسترول وخلايا التهابية وأنسجة ندبية». وفي التصوير المقطعي المحوسب، لا يكون الكوليسترول مرئياً، بينما من السهل رؤية الكالسيوم. ونظراً لوجود ارتباط وثيق بين كمية الكالسيوم وحجم اللويحة، فإن «درجة الكالسيوم» تعد مؤشراً جيداً على نوع اللويحة داخل الشرايين.

ومع ذلك، ربما يتساءل البعض - مثلما فعل مرضى د. كاردوسو وغيرهم - حول ما إذا كان تناول الكالسيوم في نظامك الغذائي، أو من المكملات الغذائية، يؤثر على درجة الكالسيوم لديك.

اللافت أن الأبحاث حول هذا الموضوع متضاربة إلى حد ما، لكن دراسة نشرت في عدد يوليو (تموز) 2024 من دورية الكلية الأميركية لأمراض القلب «أدفانسيز» تقدم إجابات أوضح.

تناول الكالسيوم يقلل تكلّس الشرايين

جاءت النتائج بناءً على دراسة 1914 شخصاً، في إطار جهود للتعرف على مخاطر تصلب الشرايين على المدى البعيد داخل المجتمعات المتنوعة. وتراوحت أعمار من شملتهم الدراسة بين 45 و64 عاماً، في أواخر الثمانينات من القرن الماضي. وتمكن الباحثون من تقدير كمية الكالسيوم التي يتناولها المشاركون عادةً، بناءً على استبيانات النظام الغذائي التفصيلية التي أجريت عند تسجيلهم للمرة الأولى، ومرة أخرى بعد 10 سنوات.

وبعد نحو 20 عاماً من بدء الدراسة، خضع المشاركون لفحوصات التصوير المقطعي المحوسب، لقياس حجم التكلس في الشرايين التاجية، وكذلك في الشريان الأورطي والصمام الأورطي والصمام التاجي، حيث قد يتراكم الكالسيوم كذلك.

وخلص الباحثون إلى أن الأشخاص الذين استهلكوا الكميات الأكبر من الكالسيوم، كان لديهم تكلس أقل بالشرايين التاجية (وكذلك في أجزاء من الشريان الأورطي والصمام الأورطي)، مقارنة بالأشخاص الذين استهلكوا الكميات الأقل.

وتتوافق هذه النتائج مع أبحاث أخرى كشفت أن الكالسيوم الغذائي مفيد، حسبما أفاد د. كاردوسو. وأضاف: «يساعد الكالسيوم على خفض ضغط الدم، ربما عبر تحسين وظيفة بطانة الأوعية الدموية. ويعد هذا أحد الأسباب التي تجعل النظام الغذائي المعروف باسم «داش» DASH- Dietary Approaches to Hypertension (النهج الغذائي لوقف ارتفاع ضغط الدم)، يتضمن حصتين من منتجات الألبان قليلة الدسم والغنية بالكالسيوم يومياً».

جرعات الكالسيوم اللازمة

حسب استطلاعات النظام الغذائي، لا يحصل الكثير من الأميركيين (خاصة البالغين الأكبر سناً) لا يحصلون على مستويات الكالسيوم الموصى بها. وتشير أحدث البيانات إلى أن الأشخاص، الذين تبلغ أعمارهم 60 عاماً أو أكثر، يستهلكون في المتوسط 875 ملليغراماً فقط من الكالسيوم يومياً، بدلاً عن 1000 ملليغرام الموصى بها (للرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 51 و70 عاماً) أو 1200 ملليغرام (للنساء في سن 51 عاماً أو أكثر، والرجال الذين تبلغ أعمارهم 71 عاماً أو أكثر).

في هذا الصدد، قال د. كاردوسو: «أنصح مرضاي بالتأكد من حصولهم على كميات كافية من الكالسيوم من وجباتهم الغذائية».

جدير بالذكر أن ما يقرب من ثلاثة أرباع الكالسيوم الغذائي يأتي من منتجات الألبان، والأطعمة التي تحتوي على منتجات الألبان، داخل الولايات المتحدة.

وشرح د. كاردوسو أن الأشخاص الذين يتبعون نظاماً غذائياً نباتياً، يستبعد منتجات الألبان والأطعمة الأخرى القائمة على الحيوانات، ربما ينبغي لهم استشارة اختصاصي تغذية للتأكد من حصولهم على ما يكفي من الكالسيوم. ومع ذلك، هناك الكثير من ماركات حليب اللوز أو حليب الشوفان أو غيرها من أنواع الحليب النباتي، مدعمة بالكالسيوم.

والآن، ماذا عن مكملات الكالسيوم، والتي غالباً ما يُنصح بها للنساء بعد انقطاع الطمث، للمساعدة في منع هشاشة العظام؟ رغم أن بعض الأبحاث تشير إلى وجود صلة بين مكملات الكالسيوم بجرعات عالية (1000 ملليغرام يومياً) وأمراض القلب، فإن أبحاثاً أخرى لا تشير إلى ذلك.

ومع ذلك، فمن الأفضل الحصول على الكالسيوم من الطعام، وتجنب المكملات الغذائية ما لم يوصِ بها طبيبك، وينصح الكثير من الخبراء بعدم تناول أكثر من حبة واحدة بجرعة 500 ملليغرام يومياً، مع الطعام لتحسين الامتصاص.

* رسالة هارفارد للقلب

ـ خدمات «تريبيون ميديا»