مهرجانات الموسم تقررها أفلام الافتتاح

بدأها «كان» وتستمر حتى «نيويورك»

«أمهات موازيات» يفتتح «فينيسيا»
«أمهات موازيات» يفتتح «فينيسيا»
TT

مهرجانات الموسم تقررها أفلام الافتتاح

«أمهات موازيات» يفتتح «فينيسيا»
«أمهات موازيات» يفتتح «فينيسيا»

سيبقى مثيراً للجدل موضوع كيف يختار أي من المهرجانات الكبيرة فيلم الافتتاح؟ ما هي العناصر والمبررات التي تتداخل في عملية اختيار الفيلم الذي سيدشّن دورة المهرجان المقبل؟ لماذا هذا الفيلم وليس سواه؟
دخل بنا مهرجان «كان» موسم المهرجانات الواقع في النصف الثاني من كل عام، التي عادة ما كانت تبدأ بمهرجان لوكارنو السويسري. الذي حدث هو أن إدارة المهرجان الفرنسي لم تستطع إطلاق الدورة الـ74 في موعدها في الشهر الخامس من هذا العام (بسبب وباء كورونا طبعاً) مما استدعى تأجيلها إلى مطلع هذا الشهر كما بات معلوماً. المهرجانات الأخرى التي ستكرُّ كالدومينو في هذه الفترة تنقسم إلى قسمين: مهرجانات عالمية كبيرة ومهرجانات أقل عالمية، لكنها مهمّة على أكثر من نطاق. في القائمة الأولى لوكارنو وكارلوفي فاري وفينيسيا وسان سابستيان وتورونتو ونيويورك. في القائمة الثانية نجد مهرجانات مثل لندن وساراييفو ودوفيل وقرطاج والجونة ثم مراكش والقاهرة ومونتريال. ستُضاف لهذه المهرجانات الدورة الأولى من مهرجان البحر الأحمر - في ديسمبر (كانون الأول) المقبل - وحسب حجم نجاحه سيتم تحديد انتمائه وسط هذه المهرجانات في قائمتيها.

- اعتبارات
اختيار مهرجان ما للفيلم الذي سيفتتح الدورة يقوم على عدد من الاعتبارات والشروط. فيلم الافتتاح عليه أن يحدث صدى كبيراً على ثلاثة أصعدة: السينمائيون المحترفون والنقاد والإعلاميون والجمهور داخل البلد الذي يُقام المهرجان فيه. على أهمية الجمهور المحلي إلا أنه المستقبِل البريء في هذه الحالة. لا يقرر لكن الإدارة تتخوى أن يُثير اختيارها قبولاً لديه.
الاعتبارات مبنية على عدة قواعد. مثلاً أن يكون الفيلم المختار عرضاً عالمياً أوّلاً (برميير). هذا مهم كأهمية استقبال المهرجانات الكبرى أفلاماً لم تعرض بعد حول العالم. اعتبار ثانٍ، أن يكون منتمياً إلى مخرج مشهود له بالمكانة. إذا تعذّر ذلك أن يكون الفيلم منتمياً إلى إنتاج كبير بقضية موازية في كبرها. وجود نجوم معروفين في الفيلم أمر يُساعد لكنه ليس أمراً حاسماً في الاختيار. كذلك بات يُفضل أن يكون الفيلم ناطقاً بالإنجليزية لكن هذا أيضاً ليس شرطاً. قيمة الفيلم وعناصره الإنتاجية (الميزانية وما توفّره من إمكانات، الإخراج، التصوير، الكتابة إلخ…) تبقى أساسية في كل الأحوال. بات مستحدثاً أن يستطيع الفيلم المختار للافتتاح برمجة نفسه بعد ذلك في عروض عالمية أو أن يترك أثراً كبيراً لكي يبلغ ترشيحات الأوسكار. في هذا الشأن يقود مهرجان فينيسيا بعدد الأفلام التي شقّت طريقها من العروض الأولى التي تمّت فيه إلى حفل الأوسكار في أي من مسابقاته. فهناك ما لا يقل عن 16 فيلماً انتقلت من فينيسيا إلى مسابقات الأوسكار المختلفة من عام 2014 حتى العام الماضي. من بينها أفلام حققت الأوسكار فعلاً مثل «بيردمان» و«لا لا لاند» و«روما» و«نومادلاند» في العام الماضي. السبب في أن المهرجانات الرئيسية الأولى حول العالم (يمكن ضم برلين وصندانس اللذين يُقامان في مطلع كل سنة) باتت تتسابق لإدخال أفلامها منافسات الأوسكار هو أن ذلك سيدعمها إعلامياً وبالتالي سينمائياً، من حيث عدد الذين يختارون هذا المهرجان دون ذاك على أمل الوصول منه إلى ترشيحات الأوسكار أو الأوسكار نفسه.
في كل الأحوال فإن اختيار المهرجانات للأفلام التي ستفتتح دوراتها يضعنا على مشارف تلك المهرجانات وما ستعرضه من أعمال. من دون أن ننجرف للحديث عن كل الأفلام التي سيشهدها كل مهرجان على حدة (بعضها ما زال يُضيف أفلاماً حين كتابة هذا الموضوع) فإن أفلام الافتتاح تم تعيينها في خمسة مهرجانات هي لوكارنو، كارلوفي فاري، فينيسيا، تورونتو ونيويورك. لكن مهرجان سان سابستيان لم يُعلن فيلم افتتاح دورته الـ69، تُقام من 17 إلى 25 سبتمبر (أيلول).

- لوكارنو
بعد «كان» يتقدّم مهرجان لوكارنو السويسري الخاص بالأفلام التي ينجزها مخرجون جدد (وإن كان يعرض خارج المسابقة أفلاماً مختلفة) مهرجانات الموسم الكبرى. تنطلق دورته الرابعة والسبعين ما بين 4 و14 أغسطس (آب) المقبل. والفيلم الذي قام باختياره هو «بَكيت» (Beckett) والاختيار هنا مثير بحد ذاته. هو الفيلم الأول لفرنديناندو سيتو فيلومارينو الذي عمل مساعداً للإيطالي لوكا غوادانينو على فيلم «تستطيع أن تناديني باسمك» (2017) الذي قام بإنتاج هذا الفيلم. وكان فيلومارينو قصد مهرجان لوكارنو (يُقام على سفوح الألب السويسري) سنة 2010 بفيلم قصير عنوانه Diarchia («إسهال»).
ما هو مثير هو أن الفيلم من تمويل «نتفلكس» المنفتحة الآن على المهرجانات وبعض العروض السينمائية، خصوصاً إذا ما ارتبطت باحتمالات الأوسكار. هذا الفيلم يحتوي على هذه الشروط علاوة على أنه ناطق بالإنجليزية ومن بطولة جون ديفيد واشنطن وأليسا فيكاندر وفيكي كريبس. حكايته تجمع بين الترفيه والسياسة: بَكيت (واشنطن) كان في رحلة سياحية في اليونان عندما تعرّض لحادثة اكتشف فيها أن هناك من يريد قتله لأسباب تتعلق بوجود مؤامرة سياسية داخل اليونان.

- كارلوفي فاري
وفي العشرين من الشهر ذاته (أغسطس- آب) يتقدّم المهرجان التشيكي كارلوفي فاري بنخبته من الأفلام (32 فيلماً لم يسبق لها أن عرضت في أي مهرجان آخر). دوره الخامسة والخمسين تستمر حتى الثامن والعشرين منه.
الفيلم الذي تم اختياره للمناسبة عنوانه «زاتوبك» لديفيد أوندريشك. فيلم سيرة لحياة إميل زاوبك الفائز بأربع ميداليات ذهبية في الركض. تنطلق الأحداث في خريف 1968 بوصول لاعب آخر فائز بالذهبيات هو الأسترالي رون كلارك الذي يصل إلى براغ (في الحقبة الشيوعية) لمقابلة زاتوبك والتعرّف إليه. مثل هذه الأفلام تبقى عادة محجورة في عروضها المحلية والمهرجان لديه قائمة مثيرة للأفلام التشيكية التي يعرضها خلال الدورة.
نلاحظ أن السينما التشيكية كان لها مهرجانها الخاص الذي كان مناسبة لدعوة النقاد الأجانب إلى بودابست للتعرّف عليها. هذا المهرجان توقّف عندما حلمت السينما التشيكية برقعة أكبر على خارطة الإنتاج بدعوة الأميركي أندي فاينا للإشراف على تحويل هذا الحلم إلى حقيقة، لكنه أخفق ثم توفي قبل عامين.

- فينيسيا
في الأول من سبتمبر، يأتي دور مهرجان فينيسيا، بدورته الثامنة والسبعين، لكي يخطف الأضواء من كل مهرجان آخر هذا العام. ما بين الأول والحادي عشر من الشهر يُطلق مسيرته بفيلم الإسباني بدرو ألمودوفار «أمهات موازيات» (Parallel Mothers). هناك القليل مما يمكن استطلاعه حول القصّة ذاتها، لكن المخرج الإسباني صوّر الفيلم خلال وباء «كورونا» (ما زال نشطاً في ربوع إسبانيا) مع بطلته المفضّلة بينيلوبي كروز في دور واحدة من ثلاث نساء حاملات (أنيتا سانشيز غيجون، التي كانت فاز بجائزة أفضل ممثلة في سان سابستيان والممثلة الجديدة ميلينا سميت).
ما نعرفه عن الفيلم هو أنه يدور حول الأمومة، بطبيعة الحال. لكن عوض منحها الصورة الحانية والإيجابية التي شاهدناها في فيلمين سابقين له (هما «كل شيء عن أمّي» و«ألم ومجد») يتناول هنا حكاية ثلاث نساء ربما أقل من مثاليات.
في تصريحه قال المودوفار إنه وُلد هنا ويعود إلى حيث وُلد. بكلماته: «ولدت سينمائياً في فينيسيا سنة 1983. وبعد 38 سنة أعود إليه. لا أستطيع شرح الشعور بالبهجة والشرف، وكم يعني لي هذا التقدير». ورد ألبرتو باربيرا، رئيس المهرجان، على تحية المخرج بالقول: «أنا ممتن لبدرو ألمودوفار لسماحه لنا بعرض الفيلم في الافتتاح». هذه عودة مرحّب بها جداً للمخرج الإسباني الذي كان تسلم سنة 2019 جائزة «الأسد الذهبي للإنجاز»، وهي فرصة سارعت شركة صوني بيكتشرز كلاسيكس لاحتوائها، حيث ستعمد إلى عرضه تجارياً في الولايات المتحدة قبيل إغلاق ترشيحات الأوسكار.

- تورونتو ونيويورك
قبل أن ينتهي مهرجان فينيسيا من إطلاق محتويات دورته من الأفلام بيومين، يبدأ مهرجان تورونتو عروض دورته الثالثة والأربعين من التاسع إلى الثامن عشر من سبتمبر. هذا المهرجان الكندي هو أحد أهم مهرجانين في شمالي القارة الأميركية (الثاني صندانس) والفيلم الذي اختاره للمناسبة عنوانه «العزيز إيفان هانسن» (Dear Evan Hansen) من بطولة بن بلات وكاتلين دَفر مع دور مساند لجوليان مور. الفيلم للمخرج ستيفن تشوبسكي والنوع موسيقي: سيرة حياة مُصاب بمرض عصبي يتحدّى مشاكله وأحداثاً مضنية التأثير في حياته (من بينها حادثة انتحار لصديقة له) لكي ينجز أحلامه ويعيش سعيداً. الفيلم من توزيع يونيفرسال التي ستأمل أن ينتهج «العزيز إيفان هنسن» الطريق ذاتها التي أوصلت «لا لا لاند» لبعض أوسكارات العام. وفي أعقاب تورونتو (وبموازاة سان سابستيان) ينطلق مهرجان نيويورك السينمائي في دورته التاسعة والخمسين. هذا المهرجان المهم الذي يقيمه «مركز لينكولن فيلم سنتر» سيحتل الرقعة ما بين الرابع والعشرين من سبتمبر إلى العاشر من أكتوبر (تشرين الأول).
‫الفيلم الذي اختاره للافتتاح يتبع سلسلة نجاحات المهرجان في اختياراته في السنوات القليلة الماضية. إنه الفيلم الجديد لجووَل كووَن والأول له من دون شقيقه إيتن كووَن وعنوانه «تراجيديا ماكبث» (عن مسرحية ويليام شكسبير طبعاً). الفيلم مزيّن ببعض أهم نجوم اليوم ومن بينهم دنزل واشنطن في دور ماكبث، كما فرنسيس مكدورماند وبرندن غليسون.‬


مقالات ذات صلة

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

يوميات الشرق المخرج عدي رشيد مع بطل فيلمه عزام أحمد علي (الشرق الأوسط)

عُدي رشيد لـ«الشرق الأوسط»: لم أقرأ نصاً لغيري يستفزني مخرجاً

قال المخرج العراقي عُدي رشيد المتوج فيلمه «أناشيد آدم» بجائزة «اليسر» لأفضل سيناريو من مهرجان «البحر الأحمر» إن الأفلام تعكس كثيراً من ذواتنا.

انتصار دردير (جدة)
يوميات الشرق مريم شريف في لقطة من فيلم «سنو وايت» (الشركة المنتجة)

بطلة «سنو وايت»: الفيلم يُنصف قِصار القامة ويواجه التنمر

رغم وقوفها أمام عدسات السينما ممثلة للمرة الأولى؛ فإن المصرية مريم شريف تفوّقت على ممثلات محترفات شاركن في مسابقة الأفلام الطويلة بـ«مهرجان البحر الأحمر».

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق جوني ديب لفت الأنظار بحضوره في المهرجان (تصوير: بشير صالح)

اختتام «البحر الأحمر السينمائي» بحفل استثنائي

بحفل استثنائي في قلب جدة التاريخية ، اختم مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي» فعاليات دورته الرابعة، حيث أُعلن عن الفائزين بجوائز «اليُسر». وشهد الحفل تكريمَ

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين عبد العزيز في كواليس أحدث أفلامها «زوجة رجل مش مهم» (إنستغرام)

«زوجة رجل مش مهم» يُعيد ياسمين عبد العزيز إلى السينما

تعود الفنانة المصرية ياسمين عبد العزيز للسينما بعد غياب 6 سنوات عبر الفيلم الكوميدي «زوجة رجل مش مهم».

داليا ماهر (القاهرة )

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».