كُشف النقاب الأسبوع الماضي في برشلونة عن تقرير أعدته منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية لصالح «الاتحاد من أجل المتوسط»، محوره تشخيص حالة التكامل الإقليمي الراهنة في المنطقة الأورومتوسطية. وجاء التقرير ترجمة لقرار من وزراء خارجية «الاتحاد من أجل المتوسط»، الذي يضم 42 دولة ومقره المدينة الإسبانية المتوسطية، يعود لعام 2017، وغرضه العمل على خريطة طريق للتكامل الإقليمي في المنطقة المتوسطية.
واختار الاتحاد أن يوكل المهمة لمنظمة معروفة بجديتها وحياديتها وكفاءتها، باعتبار أن خلاصات التقرير ستكون بمثابة توصيات ستُبنى عليها لاحقاً السياسات العامة. وحتى يتحلى التشخيص والتقييم بأعلى درجات العلمية، فقد اعتمد على مؤشرات موضوعية لقياس مدى التكامل الإقليمي الذي يبقى دون الاندماج. وتم التركيز على خمسة قطاعات رئيسية، هي تباعاً: التجارة، والتمويل، والبنية التحتية، وحركة الأفراد، وأخيراً البحث العلمي والتعليم العالي. ولن يكون التقرير الأخير الواقع في 200 صفحة الوحيد من نوعه؛ بل يرغب الاتحاد في أن يكون دورياً لقياس مدى التقدم في السير نحو التكامل الموعود.
بدايةً، ثمة أربع ملاحظات عامة تتناول الاتحاد نفسه. والأولى أنه منذ عشر سنوات يعاني من التطورات الجارية في جناحي المتوسط الجنوبي ش التي عناوينها حركات اجتماعية وانتفاضات وثورات وحروب، ما أثر بشكل كبير على أنشطة الاتحاد. والثانية أن النزاع الفلسطيني - الإسرائيلي المزمن، وآخر محطاته حرب الأيام العشرة بين غزة وإسرائيل وما جلبته من دمار وخراب وضحايا، كان دوماً ومنذ انطلاق الاتحاد في عام 2008 عائقاً رئيسياً أمام إنجاز المهمة التي أنشئ من أجلها؛ أي أن يكون حوض المتوسط فضاء تعاون وازدهار وسلام. والثالثة يمكن إدراجها في غياب التكافؤ والتوقعات بين جناحين غربي وشرقي: الأول صناعي متطور، والثاني أقل تطوراً. الأول يريد بالدرجة الأولى أسواقاً ومواد أولية، والثاني يبحث عن شراكات صناعية وعن مساعدات مختلفة الأشكال والأنواع. وجاء ملف الهجرات غير الشرعية التي يعرفها المتوسط لتزيد التباعد بين أطرافه ولتنسف أحد أهم تجليات التكامل وهي حرية التنقل بين بلدانه. ويفيد التقرير مثلاً بأنه في القطاع التجاري، فإن بلدان الاتحاد الأوروبي (التي تنتمي كلها إلى الاتحاد من أجل المتوسط) هي مصدر 95% من صادرات السلع الداخلية و93% من الصادرات الخارجية للمجموعة المتوسطية، ما يعني أن حصة بلدان الجنوب والشرق المتوسطيين ضئيلة للغاية. وأخيراً، فإن الاتحاد يعاني من الهامشية، بمعنى أن المنافع التي يوفرها إما غير كافية وإما غير معروفة خصوصاً من الجمهور العربي المتوسطي (إضافةً إلى الأردن)، رغم الجهود التي يقوم بها بما في ذلك في قطاع التأهيل وتمكين المرأة والتركيز على قطاع الشباب والمساعدة على توفير فرص العمل.
ويرى معدو التقرير بشكل عام أن التكامل «حقق تقدماً، إلا أنه ما زال بطيئاً ودون إمكانيات الاتحاد بالنظر إلى ما يحتضنه من إمكانيات ومصادر».... لكن هذا التعميم يغطي على الفروقات والخصوصيات. فهو يرى مثلاً أن المنطقة المغاربية حققت تكاملاً وثيقاً أكثر مما حققته المناطق الأخرى، الأمر المثير للدهشة، إذ يغفل أن الحدود بين الجزائر والمغرب ما زالت مغلقة منذ سنوات، وبالتالي فإن ذلك يعد عائقاً رئيسياً للتكامل. كذلك يعد التقرير أن تحديين رئيسيين يتعين على الاتحاد مواجهتهما: الأول هو ضعف البنى التحتية الخاصة في قطاعي النقل وربط شبكات الكهرباء بعضها ببعض، والآخر غياب الرؤية الجماعية لموضوع التنقل البشري بوصفه أحد محركات النمو والتجديد في المنطقة.
واضح أنه من الصعب تلخيص كل ما جاء به التقرير الحافل بالأرقام والبيانات أو سرد الخلاصات الثلاثين الرئيسية المتعلقة بالقطاعات الخمسة المعنية. لكن الثابت أنه مفيد وضروري لجلاء واقع الأمور والعمل على مستوى السياسات العام لمخططات تسد الهوة بين جناحي المتوسط وتجعل الجميع مستفيداً.
تقرير يكشف مكامن ضعف وإمكانيات تطور التكامل الأورو ـ متوسطي
30 توصية رئيسية للارتقاء بخمس قطاعات
تقرير يكشف مكامن ضعف وإمكانيات تطور التكامل الأورو ـ متوسطي
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة