مقبرة تعود لما قبل التاريخ بالسودان تظهر جحيم الحرب منذ آلاف السنين

الباحثتان مار هيلين ميرينو (يساراً) وإيزابيل كريفيكور خلال إعادة فحص رفات مقبرة جبل الصحابة في المتحف البريطاني في لندن (رويترز)
الباحثتان مار هيلين ميرينو (يساراً) وإيزابيل كريفيكور خلال إعادة فحص رفات مقبرة جبل الصحابة في المتحف البريطاني في لندن (رويترز)
TT

مقبرة تعود لما قبل التاريخ بالسودان تظهر جحيم الحرب منذ آلاف السنين

الباحثتان مار هيلين ميرينو (يساراً) وإيزابيل كريفيكور خلال إعادة فحص رفات مقبرة جبل الصحابة في المتحف البريطاني في لندن (رويترز)
الباحثتان مار هيلين ميرينو (يساراً) وإيزابيل كريفيكور خلال إعادة فحص رفات مقبرة جبل الصحابة في المتحف البريطاني في لندن (رويترز)

كشف فحص لرفات مدفونة في مقبرة بأحد أقدم المواقع، التي تبين أدوات الحرب بين البشر في العالم، أن حياة الشعوب التي سكنت الضفة الشرقية لنهر النيل في شمال السودان منذ نحو 13400 سنة لم تخل من الحروب فيما بينها.
وقال باحثون أن إعادة فحص بقايا مقبرة «جبل الصحابة» التي جرى التنقيب فيها في في حقبة الستينات قد أعطت نظرة ثاقبة جديدة حول إراقة الدماء في عصور ما قبل التاريخ، بما في ذلك أدلة على حدوث سلسلة من مواجهات دامية، وليس معركة واحدة كما كان يعتقد في السابق.
ومن بين بقايا 61 جثة لرجال ونساء وأطفال، ظهرت على 41 جثة بقايا إصابة واحدة على الأقل، غالبيتها من أسلحة المقذوفات بما في ذلك الرماح والسهام، وقد التأمت بعض الجروح، ما يدل على أن المصاب قد نجا من القتال.
16 من الضحايا أصيبوا بجراح ملتئمة وغير ملتئمة، ما يشير إلى أنهم نجوا من قتال مرة واحدة على الأقل قبل أن يموتوا في معركة لاحقة. وقد أظهر الفحص المجهري الجراح التي تحتوي على بقايا أسلحة حجرية مغروسة في العظام.
وحدد التحليل الأصلي الذي جرى في ستينات القرن الماضي 20 شخصاً فقط مصابين بجراح لم تلتئم. وأفادت عالمة الأنثروبولوجيا القديمة، إيزابيل كريفيكور، الخبيرة بالمؤسسة الفرنسية الوطنية التابعة لمركز البحث العلمي بجامعة بوردو والمؤلفة الرئيسية للدراسة المنشورة في مجلة «Scientific Reports»، إن العنف الواسع والعشوائي أثر على الرجال والنساء على حد سواء، حيث ضمت الرفات أطفالاً لم تتجاوز أعمارهم أربع سنوات.
استطردت كريفيكور قائلة: «يبدو أن إحدى الوسائل المميتة المتبعة كانت إحداث قطع يتسبب في فقدان الدم بإطلاق رمح أو سهم من مسافة بعيدة. كان هناك أيضاً دليل على قتال متلاحم ظهر من خلال العديد من حالات الكسور الناجمة عن ضربات في الساعد وعظام اليد أصيب بها الضحايا عند رفع الذراع لحماية رؤوسهم».
وأوضحت وكالة «رويترز» أن الصيادين كانوا يعيشون في وادي النيل في ذلك الوقت قبل ظهور الزراعة على اصطياد الثدييات مثل الظباء وصيد الأسماك وجمع النباتات، وكانوا يعيشون في مجموعات صغيرة ربما لا تتجاوز المائة.
رغم صعوبة معرفة دوافع القتال، فقد كان من الواضح أن المعارك اندلعت خلال فترة تغير المناخ في المنطقة في الفترات التي تراوحت بين الجفاف والرطوبة وفيضانات النيل الشديدة، ما قد يؤدي إلى إثارة المنافسة بين العشائر المتنافسة على الموارد والأراضي.
وأشار دانيال أنطوان، القائم بأعمال رئيس قسم مصر والسودان وأمين علم الآثار البيولوجية بالمتحف البريطاني في لندن، والمؤلف المشارك في الدراسة، إلى أن ما كان يجري «لم يكن معركة أو حرباً قصيرة، يبدو أن العنف كان للأسف حدثاً منتظماً وجزءاً من النسيج اليومي لحياتهم».
وذكرت إيزابيل كريفيكور أن الأدلة الأثرية المشار إليها كانت «اشتباكات متكررة على نطاق صغير على الأرجح تكررت في شكل غارات، ومناوشات، وكمائن بين مجموعات الصيد وجني الثمار، ولم تكن معركة واحدة. كذلك فإن الاختلافات الثقافية غير المعروفة بين المجموعات يمكن أن تلعب دوراً في ذلك». ويعد الموقع أقدم مجمع جنائزي معروف في وادي النيل وأحد أقدم المجمعات الجنائزية في أفريقيا.
والجدير بالذكر أن الرفات البشرية المكتشفة قد جرى حفظها في المتحف البريطاني. لطالما فكر الفلاسفة في تناقضات الطبيعة البشرية. فقد حقق جنسنا البشري إنجازات فكرية وتكنولوجية وفنية رائعة لكنه انخرط في حروب مروعة أظهرتها الأدلة الأثرية العنيفة بين الأشخاص خلال مراحل التطور البشري حتى قبل ظهور الإنسان العاقل منذ أكثر من 300 ألف عام.
وأضافت كريفيكور قائلة: «نعتقد أن النتائج التي توصلنا إليها لها آثار مهمة على النقاش حول أسباب وشكل الحرب. ما هو مؤكد هو أنه تم تسجيل أعمال العنف منذ مئات الآلاف من السنين ولم يقتصر الأمر على جنس بشري محدد، وربما كانت لهم دوافعهم المعقدة والمتنوعة أبعد مما نتخيل».


مقالات ذات صلة

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

يوميات الشرق زاهي حواس (حسابه على فيسبوك)

زاهي حواس يُفند مزاعم «نتفليكس» بشأن «بشرة كليوباترا»

أكد الدكتور زاهي حواس، أن رفض مصر مسلسل «كليوباترا» الذي أذاعته «نتفليكس» هو تصنيفه عملاً «وثائقي».

فتحية الدخاخني (القاهرة)
يوميات الشرق استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

استرداد حمض نووي لامرأة عاشت قبل 20000 عام من خلال قلادتها

وجد علماء الأنثروبولوجيا التطورية بمعهد «ماكس بلانك» بألمانيا طريقة للتحقق بأمان من القطع الأثرية القديمة بحثًا عن الحمض النووي البيئي دون تدميرها، وطبقوها على قطعة عُثر عليها في كهف دينيسوفا الشهير بروسيا عام 2019. وبخلاف شظايا كروموسوماتها، لم يتم الكشف عن أي أثر للمرأة نفسها، على الرغم من أن الجينات التي امتصتها القلادة مع عرقها وخلايا جلدها أدت بالخبراء إلى الاعتقاد بأنها تنتمي إلى مجموعة قديمة من أفراد شمال أوراسيا من العصر الحجري القديم. ويفتح هذا الاكتشاف المذهل فكرة أن القطع الأثرية الأخرى التي تعود إلى عصور ما قبل التاريخ المصنوعة من الأسنان والعظام هي مصادر غير مستغلة للمواد الوراثية

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

علماء: ارتفاع مستوى سطح البحر دفع الفايكنغ للخروج من غرينلاند

يُذكر الفايكنغ كمقاتلين شرسين. لكن حتى هؤلاء المحاربين الأقوياء لم يكونوا ليصمدوا أمام تغير المناخ. فقد اكتشف العلماء أخيرًا أن نمو الصفيحة الجليدية وارتفاع مستوى سطح البحر أدى إلى فيضانات ساحلية هائلة أغرقت مزارع الشمال ودفعت بالفايكنغ في النهاية إلى الخروج من غرينلاند في القرن الخامس عشر الميلادي. أسس الفايكنغ لأول مرة موطئ قدم جنوب غرينلاند حوالى عام 985 بعد الميلاد مع وصول إريك ثورفالدسون، المعروف أيضًا باسم «إريك الأحمر»؛ وهو مستكشف نرويجي المولد أبحر إلى غرينلاند بعد نفيه من آيسلندا.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

مروي أرض «الكنداكات»... في قلب صراع السودان

لا تزال مدينة مروي الأثرية، شمال السودان، تحتل واجهة الأحداث وشاشات التلفزة وأجهزة البث المرئي والمسموع والمكتوب، منذ قرابة الأسبوع، بسبب استيلاء قوات «الدعم السريع» على مطارها والقاعد الجوية الموجودة هناك، وبسبب ما شهدته المنطقة الوادعة من عمليات قتالية مستمرة، يتصدر مشهدها اليوم طرف، ليستعيده الطرف الثاني في اليوم الذي يليه. وتُعد مروي التي يجري فيها الصراع، إحدى أهم المناطق الأثرية في البلاد، ويرجع تاريخها إلى «مملكة كوش» وعاصمتها الجنوبية، وتقع على الضفة الشرقية لنهر النيل، وتبعد نحو 350 كيلومتراً عن الخرطوم، وتقع فيها أهم المواقع الأثرية للحضارة المروية، مثل البجراوية، والنقعة والمصورات،

أحمد يونس (الخرطوم)
يوميات الشرق علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

علماء آثار مصريون يتهمون صناع وثائقي «كليوباترا» بـ«تزييف التاريخ»

اتهم علماء آثار مصريون صناع الفيلم الوثائقي «الملكة كليوباترا» الذي من المقرر عرضه على شبكة «نتفليكس» في شهر مايو (أيار) المقبل، بـ«تزييف التاريخ»، «وإهانة الحضارة المصرية القديمة»، واستنكروا الإصرار على إظهار بطلة المسلسل التي تجسد قصة حياة كليوباترا، بملامح أفريقية، بينما تنحدر الملكة من جذور بطلمية ذات ملامح شقراء وبشرة بيضاء. وقال عالم الآثار المصري الدكتور زاهي حواس لـ«الشرق الأوسط»، إن «محاولة تصوير ملامح كليوباترا على أنها ملكة من أفريقيا، تزييف لتاريخ مصر القديمة، لأنها بطلمية»، واتهم حركة «أفروسنتريك» أو «المركزية الأفريقية» بالوقوف وراء العمل. وطالب باتخاذ إجراءات مصرية للرد على هذا

عبد الفتاح فرج (القاهرة)

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
TT

الذكاء الصناعي يهدد مهناً ويغير مستقبل التسويق

روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)
روبوتات ذكية تعزّز كفاءة الخدمات وجودتها في المسجد النبوي (واس)

في السنوات الأخيرة، أثّر الذكاء الصناعي على المجتمع البشري، وأتاح إمكانية أتمتة كثير من المهام الشاقة التي كانت ذات يوم مجالاً حصرياً للبشر، ومع كل ظهور لمهام وظيفية مبدعةً، تأتي أنظمة الذكاء الصناعي لتزيحها وتختصر بذلك المال والعمال.
وسيؤدي عصر الذكاء الصناعي إلى تغيير كبير في الطريقة التي نعمل بها والمهن التي نمارسها. وحسب الباحث في تقنية المعلومات، المهندس خالد أبو إبراهيم، فإنه من المتوقع أن تتأثر 5 مهن بشكل كبير في المستقبل القريب.

سارة أول روبوت سعودي يتحدث باللهجة العامية

ومن أكثر المهن، التي كانت وما زالت تخضع لأنظمة الذكاء الصناعي لتوفير الجهد والمال، مهن العمالة اليدوية. وحسب أبو إبراهيم، فإنه في الفترة المقبلة ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير آلات وروبوتات قادرة على تنفيذ مهام مثل البناء والتنظيف بدلاً من العمالة اليدوية.
ولفت أبو إبراهيم إلى أن مهنة المحاسبة والمالية ستتأثر أيضاً، فالمهن التي تتطلب الحسابات والتحليل المالي ستتمكن التقنيات الحديثة من تطوير برامج حاسوبية قادرة على إجراء التحليل المالي وإعداد التقارير المالية بدلاً من البشر، وكذلك في مجال القانون، فقد تتأثر المهن التي تتطلب العمل القانوني بشكل كبير في المستقبل.
إذ قد تتمكن التقنيات الحديثة من إجراء البحوث القانونية وتحليل الوثائق القانونية بشكل أكثر فاعلية من البشر.
ولم تنجُ مهنة الصحافة والإعلام من تأثير تطور الذكاء الصناعي. فحسب أبو إبراهيم، قد تتمكن التقنيات الحديثة من إنتاج الأخبار والمعلومات بشكل أكثر فاعلية وسرعة من البشر، كذلك التسويق والإعلان، الذي من المتوقع له أن يتأثر بشكل كبير في المستقبل. وقد تتمكن أيضاً من تحديد احتياجات المستهلكين ورغباتهم وتوجيه الإعلانات إليهم بشكل أكثر فاعلية من البشر.
وأوضح أبو إبراهيم أنه على الرغم من تأثر المهن بشكل كبير في العصر الحالي، فإنه قد يكون من الممكن تطوير مهارات جديدة وتكنولوجيات جديدة، تمكن البشر من العمل بشكل أكثر فاعلية وكفاءة في مهن أخرى.

الروبوت السعودية سارة

وفي الفترة الأخيرة، تغير عالم الإعلان مع ظهور التقنيات الجديدة، وبرز الإعلان الآلي بديلاً عملياً لنموذج تأييد المشاهير التقليدي الذي سيطر لفترة طويلة على المشهد الإعلاني. ومن المرجح أن يستمر هذا الاتجاه مع تقدم تكنولوجيا الروبوتات، ما يلغي بشكل فعال الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير.
وأتاحت تقنية الروبوتات للمعلنين إنشاء عروض واقعية لعلاماتهم التجارية ومنتجاتهم. ويمكن برمجة هذه الإعلانات الآلية باستخدام خوارزميات معقدة لاستهداف جماهير معينة، ما يتيح للمعلنين تقديم رسائل مخصصة للغاية إلى السوق المستهدفة.
علاوة على ذلك، تلغي تقنية الروبوتات الحاجة إلى موافقات المشاهير باهظة الثمن، وعندما تصبح الروبوتات أكثر واقعية وكفاءة، سيجري التخلص تدريجياً من الحاجة إلى مؤيدين من المشاهير، وقد يؤدي ذلك إلى حملات إعلانية أكثر كفاءة وفاعلية، ما يسمح للشركات بالاستثمار بشكل أكبر في الرسائل الإبداعية والمحتوى.
يقول أبو إبراهيم: «يقدم الذكاء الصناعي اليوم إعلانات مستهدفة وفعالة بشكل كبير، إذ يمكنه تحليل بيانات المستخدمين وتحديد احتياجاتهم ورغباتهم بشكل أفضل. وكلما ازداد تحليل الذكاء الصناعي للبيانات، كلما ازدادت دقة الإعلانات وفاعليتها».
بالإضافة إلى ذلك، يمكن للذكاء الصناعي تحليل سجلات المتصفحين على الإنترنت لتحديد الإعلانات المناسبة وعرضها لهم. ويمكن أن يعمل أيضاً على تحليل النصوص والصور والفيديوهات لتحديد الإعلانات المناسبة للمستخدمين.
ويمكن أن تكون شركات التسويق والإعلان وأصحاب العلامات التجارية هم أبطال الإعلانات التي يقدمها الذكاء الصناعي، بحيث يستخدمون تقنياته لتحليل البيانات والعثور على العملاء المناسبين وعرض الإعلانات المناسبة لهم. كما يمكن للشركات المتخصصة في تطوير البرمجيات والتقنيات المرتبطة به أن تلعب دوراً مهماً في تطوير الإعلانات التي يقدمها.