قبل ثلاثة أيام تم الإعلان عن استحواذ مؤسسة أمازون على شركة «مترو - غولدوين – ماير» المعروفة بشعار الأسد وهو يزأر إيذاناً ببدء عرض الفيلم الذي قامت بإنتاجه. هي معروفة أيضاً كواحدة من أعمدة المؤسسات السينمائية العريقة في هوليوود لجانب «وورنر» و«يونيڤرسال» و«كولمبيا» و«ديزني» و«فوكس» (التي بيعت لديزني قبل سنوات قليلة) و«باراماونت».
ومعروفة ثالثاً بأنها من أقل الشركات إنجازاً للإيرادات في الكثير من السنوات الأخيرة. في الواقع، ورقة الجوكر الوحيدة التي تملكها الشركة هي سلسلة أفلام جيمس بوند التي ينتظر آخرها، وعنوانه «لا وقت للموت» (No Time to Die) العرض في سبتمبر (أيلول) في هذا العام بعد سلسلة من عمليات التأخير بسبب «كورونا» وإغلاق الصالات في معظم دول العالم خلال أواخر العام الماضي ومطلع هذه السنة.
قيمة العقد المبرم هي 8 مليارات و450 مليون دولار، وبمقتضاه يتم شراء كل الشركة ونشاطاتها الإنتاجية، بما فيها عقاراتها والمكتبة الكبيرة من الأفلام التي أنتجتها طوال حياتها الممتدة من منتصف العقد الثاني من القرن الماضي التي يصل عددها إلى نحو 4000 فيلم.
تحت وطأة التغييرات
تأتي الصفقة في أعقاب قيام شركة الاتصالات الأميركية الأولى AT&T بدفع مبلغ 43 ملياراً لشراء شركة «وورنر» وكل ما تملكه من فروع إنتاجية (تلفزيونية وسينمائية) وأفلام. كلتا الصفقتين توعز بأن هوليوود التي ألفناها تسير قدماً في عملية تغيير شاملة تذوب فيها الشركات السينمائية العملاقة داخل شركات صناعية وإعلامية أكبر حجماً وُلدت خلال عقود قليلة سابقة وفرضت حضورها على المشهد السينمائي بأسره. وما البدء في التهام الكعكة الصناعية لهوليوود سوى سبيل لإتمام السيطرة على كل مرافق العمل السينمائي من ولادة الفكرة إلى توزيعها في شرايين العروض المختلفة.
العروض في الحقيقة هي أقل مشاكل العمل بالنسبة لمؤسسة بحجم أمازون أو نتفليكس. الأولى كانت أعلنت أن أفلام جيمس بوند سوف تحظى بعروض سينمائية في الصالات حول العالم، كما المتوقع منها، لكن هذا لا يعني أن مصير الأفلام التي ستقوم بإنتاجها من بين مشاريع «م ج م» ستوزع صالاتياً أيضاً. معظمها سيذهب لتأمين العروض المنزلية المباشرة. وتملك أمازون حالياً 175 مليون مشترك بفاصل نحو 30 مليون مشترك بالمقارنة مع شركة نتفليكس (207 ملايين) وتأتي شركة ديزني ثالثاً في هذا الجدول (بـ103 ملايين مشترك).
الدوافع لقيام جبهة استحواذ شركات هوليوود الكبرى متعددة. مؤسسات مثل نتفليكس وأمازون وديزني عليها تأمين سيل من الإنتاجات لمشاهديها حول العالم. وفي حين أن شركات هوليوود التقليدية كانت تمزج ما تقوم بتوزيعه ما بين إنتاجات خاصة بها وأخرى تقوم بتوزيعها لحساب شركات أصغر، فإن المؤسسات الضخمة التي غزت السوق في العقدين الماضيين لا تحتاج إلا إلى مراعاة مصلحتها الكامنة في قطع الطريق أمام العروض السينمائية بتحويل العديد من الإنتاجات إلى منهج البث المباشر. بذلك توفر مئات ملايين الدولارات التي تذهب عادة لشؤون التوزيع والتسويق والإعلان.
إنتاجات كبيرة
إنه استحواذ غير مرحب به ليس من قبل صانعي الأفلام الصغيرة والمستقلة فقط، بل كذلك من أصحاب صالات السينما التي صار لزاماً عليها تسلم أوامرها من شركة ترعى مصالحها الخاصة أولاً. بالتالي، فإن خطورة الوجه المتغير لهوليوود باتت حقيقة أسوأ ما فيها أن هذا التغيير ليس لصالح العمل السينمائي كما كان سابقاً بل هو استيلاء عليه لتأمين دفق لا يهتم بالنوعية والتعددية، بل بتأمين الآلة التي ستحول المنتوج إلى سلعة منزلية اعتادت أمازون عليها عندما باشرت خدمات إيصال السلع الغذائية إلى المنازل قبل أربع سنوات. المحزن هو أن أمازون دفعت أكثر عندما اشترت سلسلة محلات Whole Foods سنة 2017 إذ دفعت 13 ملياراً و700 مليون دولار، بينما بلغت الصفقة الأخيرة أقل من 10 مليارات دولار.
تأسست «مترو غولدوين ماير» سنة 1924 كاتحاد لثلاث شركات عاملة في زمن السينما الصامتة. واحدة للويس ب. ماير والأخرى لسامويل غولدوين والثالثة لشركة مترو التي رأسها ريتشارد رولاند قبل أن تلتحق بالاتحاد في السابع عشر من أبريل (نيسان) في ذلك العام.
في أواخر الثلاثينات عززت «م - ج – م» مكانتها في هوليوود بالتخصص بإطلاق الأفلام الضخمة بدءاً بفيلم «ذهب مع الريح» (1939) الذي يبدو اليوم عنواناً مناسباً لنهاية الشركة. في العام ذاته أنجزت أحد أكثر أفلامها ربحاً وهو «ساحر أوز».
في الأربعينات والخمسينات قويت دعائم الشركة أكثر بإقدامها على المزيد من الإنتاجات الكبيرة ومنها «فتيات برودواي» (موسيقي، 1941) «كنوز الملك سليمان» (مغامرات أفريقية، 1950) «كيو ڤاديس» (تاريخي، 1951) و«سجين زندا» (مغامرات، 1952) و«قابلني في لاس فيغاس» (موسيقي، 1956) ومئات الأفلام الأخرى. هذا من دون أن تنسى تلك الأفلام الصغيرة والمتوسطة مثل سلسلة أفلام طرزان وأفلام الثنائي أبوت وكوستيللو.
في السنوات القريبة من حياتها داومت «م - ج – م» على إنتاج أفلام ذات قيمة كلاسيكية من بينها كل أفلام جيمس بوند (كانت استحوذت على شركة يونايتد آرتيستس التي وزعت أولى أفلام بوند) وسلسلة أفلام «روكي» لجانب أفلام منفصلة مثل «ثور هائج» لمارتن سكورسيزي و«ثلما ولويس» لريدلي سكوت والمئات غيرها.
لا يُخفى هنا أن الشركة تعرضت لتجاذب اهتمامات عديدة، خصوصاً عندما تولى المستثمر كيرك كركوريان رئاستها سنة 1969 فصرف معظم موظفيها وهبط بإنتاجها لنحو 5 أفلام في السنة. النكتة التي سادت في عهده هي أنه كان لديه درجان في مكتبه؛ واحد لصفقات البيع (وهو باع العديد من محتويات الشركة) وواحد لإعادة شرائها تمهيداً لإعادة بيعها مسجلاً نسبة من الأرباح في كل صفقة. وهو استمر على هذا النحو من العمليات الانتحارية إلى أن تسبب في إفلاس الشركة سنة 2010.
ليس أن «مترو غولدوين ماير» هي الوحيدة التي سبرت غور مثل هذه الصفقات التجارية. الأقرب مثالاً لها شركة كولمبيا (تأسست سنة 1913) التي قامت شركة «كوكا كولا» بشرائها في الثمانينات واستحوذت عليها بعد ذلك شركة «صوني» الشهيرة. كذلك شركة «يونيڤرسال» التي بيعت لشركة MCA قبل أن تشتريها محطة NBC في أواخر القرن الماضي.
رغم كل متاعب «مترو غولدوين ماير»، فإن نجاحاتها كمؤسسة إنتاجية مشهود لها بالعديد من الأفلام التي حملت في مقدمتها شعار الأسد. يكفي أنها ربحت 180 «أوسكار» في تاريخها واستطاعت في السنوات القليلة الماضية إعادة ضخ الحياة في شرايينها قبل أن تلفظ ما يبدو اليوم أنفاسها الأخيرة.