وقف نار غير مشروط في غزة بوساطة مصرية

خلافات إسرائيلية قبيل إعلان وقف الحرب... وضغوط مكثفة مارستها واشنطن

إطلاق نار من الجيش الإسرائيلي من الحدود قرب غزة أمس (رويترز)
إطلاق نار من الجيش الإسرائيلي من الحدود قرب غزة أمس (رويترز)
TT

وقف نار غير مشروط في غزة بوساطة مصرية

إطلاق نار من الجيش الإسرائيلي من الحدود قرب غزة أمس (رويترز)
إطلاق نار من الجيش الإسرائيلي من الحدود قرب غزة أمس (رويترز)

وافقت كل من إسرائيل و«حماس» على وقف حرب الصواريخ بينهما، ابتداء من الثانية من فجر اليوم (الجمعة)، بعد وساطة مصرية وضغوط أميركية، وسط خلافات علنية بين شركاء الحكم في إسرائيل. وقالت مصادر سياسية في تل أبيب إنها تأمل أن يتم الالتزام بهذا الاتفاق، إلا أن اتفاقاً شبيهاً كان قد تحقق في سنة 2014 في اليوم الثامن من الحرب، ويومها تجدد القصف المتبادل إلى 51 يوماً.
وكانت مصر قد حصلت على موافقة «حماس» و«الجهاد» وغيرها من الفصائل الفلسطينية، مساء أمس (الخميس). ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية في حكومته إلى اجتماع، وبعد 3 ساعات أصدر بياناً يقول إن «المجلس قبل بالإجماع بتوصية قادة الأجهزة الأمنية أجمعين، بمن فيهم رئيس هيئة الأركان العامة لجيش الدفاع، أفيف كوخافي، ورئيس الشاباك (المخابرات) نداف أرغمان، ورئيس الموساد (المخابرات الخارجية) يوسي كوهين، ورئيس هيئة الأمن القومي مئير بن شبات، بقبول المقترح المصري لوقف إطلاق النار من قبل الطرفين وبدون أي شروط». وأكد أن وقف إطلاق النار سيدخل حيز التنفيذ في ساعة سيتم تحديدها لاحقاً. وأعلنت مصر أن الساعة المقررة هي الثانية فجراً.
وقرر المجلس الإسرائيلي «البقاء متيقظين لاحتمال خرق الاتفاق»، وأعطى تعليمات بالرد بقسوة. وجاء في البيان الإسرائيلي أن رئيس هيئة الأركان العامة لجيش الدفاع وقادة الجيش ورئيس الشاباك استعرضوا أمام الوزراء «الإنجازات الكبيرة التي حققتها إسرائيل في المعركة حيث تعتبر بعضها إنجازات غير مسبوقة»، وأن «المستوى السياسي يؤكد على أن الواقع على الأرض هو الذي سيحدد استمرار المعركة».
وفي تلخيص أولي، ارتفعت حصيلة ضحايا هذه الحرب المتواصلة على غزة منذ 10 الحالي، إلى 232 شهيداً، بينهم 65 طفلاً و39 سيدة، وأكثر من 1900 جريح. فيما قتل في إسرائيل 12 شخصاً، بينهم جندي واحد، و3 عمال أجانب، ومواطنان عربيان من فلسطينيّي 48.
وتم التوصل إلى تفاهمات حول وقف إطلاق النار بموجب اقتراح الوسيط المصري. وفيما كلّف الكابينت مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شبات، التواصل مع مصر لتحديد موعد وقف إطلاق النار؛ أخطر الوسيط المصري، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، أن وقف إطلاق النار يدخل حيّز التنفيذ بدءاً من الساعة الثانية فجر الجمعة.
من جهته، قال مسؤول في حركة «حماس» إن الحركة وإسرائيل ستوقفان إطلاق النار في قطاع غزة في الساعة الثانية من صباح الجمعة (23:00 بتوقيت غرينتش).
وجاء هذا التطور بعد يوم من حثّ الرئيس الأميركي جو بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على السعي إلى التهدئة، ووسط محاولات وساطة من مصر وقطر والأمم المتحدة. وقال مسؤول في «حماس» لـ«رويترز» إن وقف إطلاق النار سيكون على أساس «متبادل ومتزامن».
وفي خطوة غير مسبوقة، خرج زعيم المعارضة الإسرائيلية رئيس الحكومة المكلف، يائير لبيد، بهجوم شديد على نتنياهو، يتهمه بالفشل في الحرب ضد «حماس» على غزة، قبيل ساعات من اجتماع الكابنيت، المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية.
المعروف أن المعارضة الإسرائيلية اعتادت عبر السنين الامتناع عن انتقاد الحكومة في وقت الحرب، ووقفت دائما إلى جانب الحكومة حتى عودة الجنود إلى بيوتهم. لكن لبيد كسر هذه القاعدة لأنه رأى أن الكيل قد طفح. وكتب في منشور على صفحته في «فيسبوك» أمس: «هذه الحكومة فشلت في كافة المجالات الموجودة تحت مسؤوليتها. فشلت في مشروع تحصين البيوت، وفشلت فشلا ذريعا في الإعلام. وببساطة لا توجد كلمات لوصف هذا الإخفاق». وأضاف لبيد، المكلف بتشكيل الحكومة، أن حركة «حماس»، التي وصفها بأنها «منظمة إرهابية متعصبة، قاتلة وعنصرية»، «انتصرت على حكومة إسرائيل في المعركة الإعلامية في وسائل الإعلام الغربية الليبرالية. والحكومة فشلت عندما فضّلت الحفاظ على حكم (حماس) من أجل إضعاف السلطة الفلسطينية».
وتابع لبيد أنه «بعد 11 يوما على العملية العسكرية، سيسأل أي مواطن إسرائيلي نفسه: ماذا أرادت الحكومة أن تحقق من العملية العسكرية؟ ما هي سياستها وهدفها الاستراتيجي طويل الأمد مقابل (حماس) في غزة؟ ما الذي ينبغي أن يحدث هناك؟ هل تمنع العملية العسكرية الحالية الجولة المقبلة؟». وتوجه لبيد إلى نتنياهو مطالبا إياه بالاستجابة لطلب الرئيس الأميركي، جو بايدن، بوقف إطلاق النار. وقال: «لقد منح الرئيس بايدن في بداية العملية العسكرية دعما كاملا ومبررا لحق إسرائيل في الدفاع عن مواطنيها. وبعد 11 يوما، يتضح أن الرئيس يطلب إنهاء العملية العسكرية بعد أن حقق الجيش الإسرائيلي أهدافه وليس بإمكان إسرائيل تجاهل توجه كهذا. وتوجد أمامنا تحديات أكبر بكثير من غزة - إيران، الاتفاق النووي، التوتر في سوريا وتعاظم قوة «حزب الله». وهذه كلها بانتظارنا لاحقا. ولمواجهة جميعها سنحتاج إلى تنسيق وثيق وقريب مع الأميركيين».
وقال لبيد: «علينا إنشاء وضع يكون فيه لسكان غزة ما يخسرونه. والنموذج هو لبنان. والسبب الأساسي لحذر (حزب الله) من مواجهة مباشرة معنا، هو حقيقة أنه في حرب لبنان الثانية هاجمنا دون رحمة البنية التحتية لدولة لبنان. ونصر الله يعلم أنه إذا دخل إلى مواجهة معنا، فإن ميناء بيروت والمطار والصناعة المحلية والمراكز التجارية ستتحول إلى سحب غبار ونار. و(حزب الله)، مثل (حماس)، ليس منظمة إرهابية فقط وإنما حركة سياسية أيضا، وهو لا يريد أن ينقلب جميع سكان لبنان ضده بسبب مواجهة مدمرة مع إسرائيل. ونموذج مشابه ينبغي أن يكون في غزة أيضا».
وقد أكد مصدر مقرب من نتنياهو، أنه إلى جانب تفهم الموقف الإسرائيلي ومساندته في حماية المواطنين الإسرائيليين من إرهاب «حماس»، هناك ضغوط دولية كبيرة لوقف النار، وأنه يأخذها بالاعتبار. وذكرت تقارير إسرائيلية، أمس، أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تمارس ضغوطا مكثفة على الحكومة الإسرائيلية من أجل وقف إطلاق النار وإنهاء عدوانها على قطاع غزة. وفي موازاة المحادثات الهاتفية الأربع بين الرئيس بايدن ونتنياهو، جرت محادثة أخرى بين وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ونظيره الإسرائيلي، غابي أشكنازي، طالبه فيها بوقف إطلاق النار. ووفقا لموقع «واللا» الإخباري في تل أبيب، فإن بلينكن أبلغ أشكنازي أن الولايات المتحدة تلجم المبادرة الفرنسية في مجلس الأمن الدولي، ولكنها لن تتمكن من الاستمرار لوقت طويل في دعم إسرائيل علنا وفي المؤسسات الدولية، وصد مبادرات في مجلس الأمن. ونقل الموقع على لسان مسؤولين إسرائيليين أن جميع المسؤولين في إدارة بايدن الذين تحدثوا مع القادة الإسرائيليين، أشاروا إلى أن «الإدارة تتعرض لضغوط سياسية داخلية كبيرة من أجل وقف إطلاق النار، تطالب البيت الأبيض بممارسة ضغوط على إسرائيل.

 



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.