وقف نار غير مشروط في غزة بوساطة مصرية

خلافات إسرائيلية قبيل إعلان وقف الحرب... وضغوط مكثفة مارستها واشنطن

إطلاق نار من الجيش الإسرائيلي من الحدود قرب غزة أمس (رويترز)
إطلاق نار من الجيش الإسرائيلي من الحدود قرب غزة أمس (رويترز)
TT

وقف نار غير مشروط في غزة بوساطة مصرية

إطلاق نار من الجيش الإسرائيلي من الحدود قرب غزة أمس (رويترز)
إطلاق نار من الجيش الإسرائيلي من الحدود قرب غزة أمس (رويترز)

وافقت كل من إسرائيل و«حماس» على وقف حرب الصواريخ بينهما، ابتداء من الثانية من فجر اليوم (الجمعة)، بعد وساطة مصرية وضغوط أميركية، وسط خلافات علنية بين شركاء الحكم في إسرائيل. وقالت مصادر سياسية في تل أبيب إنها تأمل أن يتم الالتزام بهذا الاتفاق، إلا أن اتفاقاً شبيهاً كان قد تحقق في سنة 2014 في اليوم الثامن من الحرب، ويومها تجدد القصف المتبادل إلى 51 يوماً.
وكانت مصر قد حصلت على موافقة «حماس» و«الجهاد» وغيرها من الفصائل الفلسطينية، مساء أمس (الخميس). ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية في حكومته إلى اجتماع، وبعد 3 ساعات أصدر بياناً يقول إن «المجلس قبل بالإجماع بتوصية قادة الأجهزة الأمنية أجمعين، بمن فيهم رئيس هيئة الأركان العامة لجيش الدفاع، أفيف كوخافي، ورئيس الشاباك (المخابرات) نداف أرغمان، ورئيس الموساد (المخابرات الخارجية) يوسي كوهين، ورئيس هيئة الأمن القومي مئير بن شبات، بقبول المقترح المصري لوقف إطلاق النار من قبل الطرفين وبدون أي شروط». وأكد أن وقف إطلاق النار سيدخل حيز التنفيذ في ساعة سيتم تحديدها لاحقاً. وأعلنت مصر أن الساعة المقررة هي الثانية فجراً.
وقرر المجلس الإسرائيلي «البقاء متيقظين لاحتمال خرق الاتفاق»، وأعطى تعليمات بالرد بقسوة. وجاء في البيان الإسرائيلي أن رئيس هيئة الأركان العامة لجيش الدفاع وقادة الجيش ورئيس الشاباك استعرضوا أمام الوزراء «الإنجازات الكبيرة التي حققتها إسرائيل في المعركة حيث تعتبر بعضها إنجازات غير مسبوقة»، وأن «المستوى السياسي يؤكد على أن الواقع على الأرض هو الذي سيحدد استمرار المعركة».
وفي تلخيص أولي، ارتفعت حصيلة ضحايا هذه الحرب المتواصلة على غزة منذ 10 الحالي، إلى 232 شهيداً، بينهم 65 طفلاً و39 سيدة، وأكثر من 1900 جريح. فيما قتل في إسرائيل 12 شخصاً، بينهم جندي واحد، و3 عمال أجانب، ومواطنان عربيان من فلسطينيّي 48.
وتم التوصل إلى تفاهمات حول وقف إطلاق النار بموجب اقتراح الوسيط المصري. وفيما كلّف الكابينت مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، مئير بن شبات، التواصل مع مصر لتحديد موعد وقف إطلاق النار؛ أخطر الوسيط المصري، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، أن وقف إطلاق النار يدخل حيّز التنفيذ بدءاً من الساعة الثانية فجر الجمعة.
من جهته، قال مسؤول في حركة «حماس» إن الحركة وإسرائيل ستوقفان إطلاق النار في قطاع غزة في الساعة الثانية من صباح الجمعة (23:00 بتوقيت غرينتش).
وجاء هذا التطور بعد يوم من حثّ الرئيس الأميركي جو بايدن لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على السعي إلى التهدئة، ووسط محاولات وساطة من مصر وقطر والأمم المتحدة. وقال مسؤول في «حماس» لـ«رويترز» إن وقف إطلاق النار سيكون على أساس «متبادل ومتزامن».
وفي خطوة غير مسبوقة، خرج زعيم المعارضة الإسرائيلية رئيس الحكومة المكلف، يائير لبيد، بهجوم شديد على نتنياهو، يتهمه بالفشل في الحرب ضد «حماس» على غزة، قبيل ساعات من اجتماع الكابنيت، المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية.
المعروف أن المعارضة الإسرائيلية اعتادت عبر السنين الامتناع عن انتقاد الحكومة في وقت الحرب، ووقفت دائما إلى جانب الحكومة حتى عودة الجنود إلى بيوتهم. لكن لبيد كسر هذه القاعدة لأنه رأى أن الكيل قد طفح. وكتب في منشور على صفحته في «فيسبوك» أمس: «هذه الحكومة فشلت في كافة المجالات الموجودة تحت مسؤوليتها. فشلت في مشروع تحصين البيوت، وفشلت فشلا ذريعا في الإعلام. وببساطة لا توجد كلمات لوصف هذا الإخفاق». وأضاف لبيد، المكلف بتشكيل الحكومة، أن حركة «حماس»، التي وصفها بأنها «منظمة إرهابية متعصبة، قاتلة وعنصرية»، «انتصرت على حكومة إسرائيل في المعركة الإعلامية في وسائل الإعلام الغربية الليبرالية. والحكومة فشلت عندما فضّلت الحفاظ على حكم (حماس) من أجل إضعاف السلطة الفلسطينية».
وتابع لبيد أنه «بعد 11 يوما على العملية العسكرية، سيسأل أي مواطن إسرائيلي نفسه: ماذا أرادت الحكومة أن تحقق من العملية العسكرية؟ ما هي سياستها وهدفها الاستراتيجي طويل الأمد مقابل (حماس) في غزة؟ ما الذي ينبغي أن يحدث هناك؟ هل تمنع العملية العسكرية الحالية الجولة المقبلة؟». وتوجه لبيد إلى نتنياهو مطالبا إياه بالاستجابة لطلب الرئيس الأميركي، جو بايدن، بوقف إطلاق النار. وقال: «لقد منح الرئيس بايدن في بداية العملية العسكرية دعما كاملا ومبررا لحق إسرائيل في الدفاع عن مواطنيها. وبعد 11 يوما، يتضح أن الرئيس يطلب إنهاء العملية العسكرية بعد أن حقق الجيش الإسرائيلي أهدافه وليس بإمكان إسرائيل تجاهل توجه كهذا. وتوجد أمامنا تحديات أكبر بكثير من غزة - إيران، الاتفاق النووي، التوتر في سوريا وتعاظم قوة «حزب الله». وهذه كلها بانتظارنا لاحقا. ولمواجهة جميعها سنحتاج إلى تنسيق وثيق وقريب مع الأميركيين».
وقال لبيد: «علينا إنشاء وضع يكون فيه لسكان غزة ما يخسرونه. والنموذج هو لبنان. والسبب الأساسي لحذر (حزب الله) من مواجهة مباشرة معنا، هو حقيقة أنه في حرب لبنان الثانية هاجمنا دون رحمة البنية التحتية لدولة لبنان. ونصر الله يعلم أنه إذا دخل إلى مواجهة معنا، فإن ميناء بيروت والمطار والصناعة المحلية والمراكز التجارية ستتحول إلى سحب غبار ونار. و(حزب الله)، مثل (حماس)، ليس منظمة إرهابية فقط وإنما حركة سياسية أيضا، وهو لا يريد أن ينقلب جميع سكان لبنان ضده بسبب مواجهة مدمرة مع إسرائيل. ونموذج مشابه ينبغي أن يكون في غزة أيضا».
وقد أكد مصدر مقرب من نتنياهو، أنه إلى جانب تفهم الموقف الإسرائيلي ومساندته في حماية المواطنين الإسرائيليين من إرهاب «حماس»، هناك ضغوط دولية كبيرة لوقف النار، وأنه يأخذها بالاعتبار. وذكرت تقارير إسرائيلية، أمس، أن إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، تمارس ضغوطا مكثفة على الحكومة الإسرائيلية من أجل وقف إطلاق النار وإنهاء عدوانها على قطاع غزة. وفي موازاة المحادثات الهاتفية الأربع بين الرئيس بايدن ونتنياهو، جرت محادثة أخرى بين وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، ونظيره الإسرائيلي، غابي أشكنازي، طالبه فيها بوقف إطلاق النار. ووفقا لموقع «واللا» الإخباري في تل أبيب، فإن بلينكن أبلغ أشكنازي أن الولايات المتحدة تلجم المبادرة الفرنسية في مجلس الأمن الدولي، ولكنها لن تتمكن من الاستمرار لوقت طويل في دعم إسرائيل علنا وفي المؤسسات الدولية، وصد مبادرات في مجلس الأمن. ونقل الموقع على لسان مسؤولين إسرائيليين أن جميع المسؤولين في إدارة بايدن الذين تحدثوا مع القادة الإسرائيليين، أشاروا إلى أن «الإدارة تتعرض لضغوط سياسية داخلية كبيرة من أجل وقف إطلاق النار، تطالب البيت الأبيض بممارسة ضغوط على إسرائيل.

 



وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
TT

وفد من «حماس» يبحث مع وزير الخارجية التركي مجريات تطبيق اتفاق غزة

«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)
«حماس» تقول إن المساعدات الإغاثية التي تدخل قطاع غزة لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات (رويترز)

قالت حركة «حماس» إن وفداً بقيادة رئيس الحركة في قطاع غزة خليل الحية التقى مع وزير الخارجية التركي هاكان فيدان في أنقرة اليوم الأربعاء، وبحث معه مجريات تطبيق اتفاق إنهاء الحرب، والأوضاع السياسية، والميدانية.

وذكرت «حماس» في بيان أن الحية أكد لوزير الخارجية التركي التزام الحركة ببنود اتفاق وقف إطلاق النار، محذراً من استمرار «الاستهدافات، والخروقات» الإسرائيلية المتكررة في قطاع غزة، والتي قال إنها تهدف إلى «عرقلة الانتقال إلى المرحلة الثانية من الاتفاق، وتقويض التفاهمات القائمة».

وفيما يتعلق بالأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، أشار الحية إلى أن المساعدات الإغاثية التي تدخل القطاع «لا ترقى للحد الأدنى من الاحتياجات»، موضحاً أن 60 في المائة من الشاحنات التي تسمح إسرائيل بدخولها هي شاحنات لبضائع تجارية، وليست مساعدات إنسانية.

وأكد الحية أن ذلك «يحرم الشريحة الكبرى من أبناء شعبنا من الحصول على احتياجاتهم الأساسية من غذاء، ودواء، وخيام بشكل إغاثي عاجل».

وتناول اللقاء أيضاً التطورات في الضفة الغربية، والقدس، حيث أكد وفد «حماس» على خطورة الممارسات «الإجرامية» الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، والمقدسات الإسلامية، والمسيحية.

كما ناقش الجانبان مسار تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية لمواجهة «المخططات» التي تستهدف تصفية القضية الفلسطينية، بحسب بيان «حماس».


العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)
العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)
TT

العليمي يرفض «تقطيع» اليمن ويؤكد حماية المركز القانوني للدولة

العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)
العليمي مستقبلاً في الرياض السفيرة الفرنسية لدى اليمن (سبأ)

شدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الدكتور رشاد العليمي، على رفضه القاطع لأي محاولات لتفكيك الدولة في بلاده، أو فرض وقائع أحادية خارج المرجعيات الحاكمة للمرحلة الانتقالية، مؤكداً أن حماية المركز القانوني للدولة، ووحدة القرار السياسي تمثلان أولوية وطنية لا تقبل المساومة.

وفي إشارة إلى تصعيد مجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت والمهرة، حذّر العليمي من أن أي مساس بوحدة الدولة سيقود إلى فراغات أمنية خطيرة، ويقوض جهود الاستقرار، ليس في اليمن فحسب، بل على أحد أهم خطوط الملاحة الدولية.

جاءت تصريحات العليمي خلال استقباله في الرياض، الأربعاء، سفيرة فرنسا لدى اليمن كاترين قرم كمون، حيث جرى بحث مستجدات الأوضاع المحلية، وفي المقدمة التطورات في المحافظات الشرقية، والدور المعول على المجتمع الدولي في دعم جهود التهدئة التي تقودها السعودية، وإعادة تطبيع الأوضاع في محافظتي حضرموت والمهرة.

وأشاد العليمي - حسب الإعلام الرسمي - بالدور الفرنسي الداعم لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية، وبموقف باريس الثابت إلى جانب وحدة اليمن وسيادته وسلامة أراضيه، على النحو الوارد في بيان مجلس الأمن الدولي الصادر، الثلاثاء. كما جدّد تقديره للعلاقات التاريخية بين البلدين، معرباً عن ثقته باستمرار الدعم الفرنسي المتسق مع مبادئ القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (سبأ)

وتطرق اللقاء - وفق ما أوردته وكالة «سبأ» الحكومية - إلى التحديات المتشابكة التي تواجهها القوى الوطنية في مسار استعادة الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، في ظل الإجراءات الأحادية التي اتخذها المجلس الانتقالي الجنوبي خارج الأطر الدستورية ومرجعيات المرحلة الانتقالية، وفي مقدمتها إعلان نقل السلطة واتفاق الرياض.

تحذير من المخاطر

أكد رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني أن الدولة ستقوم بواجباتها كاملة في حماية مركزها القانوني، مشدداً على أن هذا المسار يتطلب موقفاً دولياً أكثر وضوحاً لدعم الإجراءات الدستورية والقانونية التي تتخذها مؤسسات الشرعية. وأشاد في هذا السياق بالتوصيف المُقدَّم للأزمة اليمنية الوارد في إحاطة الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

وحذّر العليمي من أن أي تفكك داخلي سيعزز نفوذ الجماعات المتطرفة، ويخلق بيئات رخوة للجريمة المنظمة، مؤكداً أن أمن البحر الأحمر وخليج عدن يبدأ من استقرار الدولة اليمنية، وليس من شرعنة كيانات موازية أو مكافأة أطراف منقلبة على التوافق الوطني.

حشد في عدن من مؤيدي المجلس الانتقالي الجنوبي الداعي إلى الانفصال عن شمال اليمن (رويترز)

وأوضح أن ضبط النفس الذي مارسته القيادة خلال السنوات الماضية لم يكن تعبيراً عن ضعف، بل كان التزاماً وطنياً ومسؤولية سياسية لتجنُّب مزيد من العنف، وعدم مضاعفة معاناة الشعب اليمني، واحتراماً لجهود الأشقاء والأصدقاء الرامية إلى خفض التصعيد.

وجدّد رئيس مجلس القيادة الرئاسي التزام المجلس بحل عادل للقضية الجنوبية، يستند إلى الإرادة الشعبية، والانفتاح على الشراكات السياسية، وخيارات السلام، مع التأكيد على الرفض القاطع لتفكيك الدولة أو فرض الأمر الواقع بالقوة.

وفي سياق متصل، جدّد الاتحاد الأوروبي التزامه القوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامة أراضيه، ودعمه لمجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية. وأعلن الاتحاد، في بيان، الأربعاء، تأييده للبيان الصادر عن أعضاء مجلس الأمن، مؤكداً دعمه لجهود المبعوث الأممي إلى اليمن، والعمل من أجل سلام مستدام وازدهار دائم للشعب اليمني.

ودعا الاتحاد الأوروبي جميع الأطراف إلى خفض التصعيد، وتعزيز الجهود الدبلوماسية، مرحباً بالاتفاق الذي جرى التوصل إليه في مسقط بشأن مرحلة جديدة لإطلاق سراح المحتجزين.

كما أدان الاتحاد الأوروبي بشدة استمرار احتجاز الحوثيين لموظفين أمميين وعاملين في منظمات إنسانية ودبلوماسية، مطالباً بالإفراج الفوري وغير المشروط عنهم.


«اتفاق مسقط» لتبادل المحتجزين اختبار جديد لمصداقية الحوثيين

نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)
نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)
TT

«اتفاق مسقط» لتبادل المحتجزين اختبار جديد لمصداقية الحوثيين

نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)
نجاح صفقة تبادل الأسرى مرتبط بجدية الحوثيين والوفاء بالتزاماتهم (إعلام حكومي)

يُشكّل الاتفاق الذي أبرمته الحكومة اليمنية في مسقط مع الجماعة الحوثية لتبادل نحو 2900 أسير ومحتجز من الطرفين اختباراً جديداً لمدى مصداقية الجماعة في إغلاق أحد أكثر الملفات الإنسانية تعقيداً، بعد سنوات من التعثر والفشل.

فعلى الرغم من الترحيب الواسع بالاتفاق محلياً ودولياً، فإنه لا تزال الشكوك تحيط بآليات التنفيذ، في ظل غياب القوائم النهائية، واستمرار الغموض حول مصير القيادي في حزب «الإصلاح» محمد قحطان، المختطف منذ قرابة عشرة أعوام.

وحسب مصادر قريبة من المحادثات، فإن الاتفاق الذي رعاه مكتب المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، وبمساندة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لا يتجاوز في هذه المرحلة كونه اتفاقاً مبدئياً، يفترض تنفيذه خلال فترة لا تتجاوز شهراً.

العبء الأكبر يقع على الوسطاء لإنجاح الصفقة اليمنية لتبادل الأسرى (إعلام حكومي)

وأوضحت جهات مطلعة على مسار التفاوض لـ«الشرق الأوسط» أن البند الأول من الاتفاق يقتصر على إطلاق سراح أسرى تابعين لتحالف دعم الشرعية، إضافة إلى القيادي محمد قحطان، فيما لا تزال بقية تفاصيل الصفقة، وأسماء المشمولين بها، خاضعة لمقايضات ومفاوضات لاحقة بين الأطراف والوسطاء.

وأشارت المعطيات ذاتها إلى أن ما تم التوصل إليه حتى الآن لا يعني حسم الملف، إذ لطالما ارتبطت جولات التفاوض السابقة بمطالب حوثية معقدة، شملت إدراج أسماء مقاتلين مفقودين في الجبهات، تزعم الجماعة أنهم أسرى لدى الحكومة، من دون تقديم أدلة على ذلك، فضلاً عن رفضها المتكرر إدراج أسماء مختطفين مدنيين بحجة أنهم «قيد القضاء».

تغيّر المفاوضين

رأت الأوساط القريبة من المفاوضات أن ترؤس ممثل الحوثيين في اللجنة العسكرية، يحيى الرزامي، لفريق المفاوضين عن الجماعة، بدلاً من عبد القادر المرتضى، أسهم في تهيئة الأجواء للتوصل إلى هذا الاتفاق المبدئي.

وذكرت أن المرتضى، المتهم بالتورط في تعذيب بعض المعتقلين، كان سبباً رئيسياً في إفشال عدة جولات تفاوض سابقة، بسبب تشدده وإصراره على شروط وصفت بغير الواقعية.

مخاوف حكومية يمنية من إفراغ الحوثيين اتفاق تبادل المحتجزين من مضامينه (إعلام حكومي)

وأضافت تلك الأوساط أن وجود الرزامي على رأس فريق الحوثيين سهّل النقاشات، ومهّد للاتفاق على مبدأ تبادل شامل للأسرى والمعتقلين من الطرفين، وإن كان ذلك لا يزال مشروطاً بمدى التزام الحوثيين بتعهداتهم، وصدق نواياهم في تقديم معلومات دقيقة وموثوقة حول المحتجزين.

في المقابل، أبدت الحكومة اليمنية، وفق التقديرات نفسها، مخاوف جدية من سعي الحوثيين إلى إفراغ الاتفاق من مضمونه الإنساني، عبر المماطلة، أو إعادة طرح الشروط ذاتها التي أفشلت محاولات سابقة.

وتؤكد هذه المعطيات أن نجاح الصفقة مرهون بجدية الحوثيين في الوفاء بالتزاماتهم، والكشف الكامل عن مصير جميع المختطفين، وفي مقدمتهم محمد قحطان.

قحطان وعقدة الثقة

يظل مصير القيادي في حزب «الإصلاح» محمد قحطان من أبرز العوائق أمام المضي قدماً في تنفيذ الاتفاق. فعلى الرغم من إدراج اسمه ضمن المرحلة الأولى من الصفقة، فإن مصيره لا يزال مجهولاً منذ اعتقاله في عام 2015 من إحدى النقاط الأمنية عند مدخل مدينة إب. وحتى اليوم، لم يفصح الحوثيون عما إذا كان الرجل لا يزال على قيد الحياة أم لا.

وحسب المصادر، فإن هذا الغموض قوض تفاهمات سابقة، وأدى إلى إفشال جولات تفاوض سابقة، بعد أن اشترط الحوثيون الحصول على ثلاثين أسيراً في حال كان قحطان حياً، أو ثلاثين جثة إذا ثبت مقتله.

وترى الجهات المعنية بالملف أن هذا السلوك يثير شكوكاً كبيرة حول مصير الرجل، بعد أكثر من عشر سنوات وثمانية أشهر على إخفائه قسراً، ويضعف فرص بناء الثقة اللازمة لإنجاح بقية مراحل اتفاق التبادل.

وتؤكد المصادر أن نجاح أي صفقة تبادل لا يمكن أن يتحقق دون معالجة ملف قحطان بوضوح وشفافية، بوصفه قضية إنسانية وسياسية في آن واحد، واختباراً حقيقياً لمدى التزام الحوثيين بالقانون الدولي الإنساني.

مراحل التنفيذ

وفقاً للتفاهمات المعلنة، فقد جرى الاتفاق على تنفيذ الصفقة عبر ثلاث مراحل رئيسية. المرحلة الأولى تشمل إطلاق سراح أسرى تحالف دعم الشرعية، إضافة إلى القيادي محمد قحطان. وفي المرحلة الثانية، التي تبدأ بعد نحو أسبوع، سيتم تشكيل لجنة مشتركة للقيام بزيارات ميدانية إلى أماكن الاحتجاز، وتوثيق أسماء جميع المحتجزين على ذمة الصراع.

وبعد ذلك، ترفع اللجنة القوائم التي تم التحقق منها إلى مكتب المبعوث الأممي الخاص باليمن واللجنة الدولية للصليب الأحمر، ليجري اعتمادها رسمياً والشروع في تنفيذ عملية التبادل. أما المرحلة الثالثة، فستُخصص لملف «الجثامين»، وتشمل تبادل جثامين القتلى، والبحث عن رفات المفقودين في مناطق المواجهات، وصولاً إلى إغلاق هذا الملف المؤلم.

وتشير المصادر إلى أنه تم الاتفاق على عدد المشمولين بالصفقة من الطرفين، على أن يتم التوافق على أسمائهم خلال شهر، إضافة إلى انتشال جميع الجثامين من مختلف الجبهات وتسليمها عبر الصليب الأحمر. كما اتُفق على تشكيل لجان لزيارة السجون بعد تنفيذ الصفقة، وحصر من تبقى من الأسرى، تمهيداً لإطلاقهم.

وسيكون العبء الأكبر، حسب المصادر، على الوسطاء الدوليين، وفي مقدمتهم مكتب المبعوث الأممي واللجنة الدولية للصليب الأحمر، لضمان تنفيذ الاتفاق، ومنع أي طرف من الالتفاف عليه، ووضع آلية زمنية واضحة تبدأ بتجميع الأسرى والمختطفين في نقاط محددة، ومطابقة القوائم، وتحديد يوم البدء بعملية التبادل.