في مواسم رمضان السابقة في لبنان، كانت المطاعم ومحلات الحلويات تشهد ذروة التهافت عليها قبل موعد مدفع الإفطار بدقائق قليلة. فالصائم يرى أن هذا الوقت الأنسب لحمل الطعام الجاهز الساخن وقطع الحلوى الطازجة إلى أفراد عائلته، فيكونون بانتظاره على أحر من الجمر، موعودين بالأطباق المنوعة التي اشتراها لهم. ومن بين تلك الأطباق فتة الحمص باللبن التي تروق بطعمها للصائم، خصوصاً في فصل الصيف، في ظل ارتفاع حرارة الطقس، حيث تؤكل مغطاة باللبن الزبادي الذي تعلوه المكسرات، مما يفتح الشهية ويرطب المعدة. فيستمتع أهل البيت بالتهامها طازجة، مطبقين القول اللبناني المأثور: «من الغلوة إلى الكلوة».
ولكن في ظل حظر التجول، وتطبيق قواعد التباعد الاجتماعي في زمن الوباء، خفت الزحمة في هذا الموعد من النهار أمام المحلات المذكورة، وصار الزبون يتفادى الوقوف أمامها محاطاً بعشرات الناس. فالوقوع بين براثن «كوفيد - 19» ليس بالأمر السهل، ويفضلون تفادي الإصابة به. ولذلك باتت غالبية اللبنانيين تقصد مطاعم الفول وفتة الحمص والبليلة والبيض بالقاورما في أوقات تسبق موعد الإفطار. وهذه الأطباق التي تناسب أيضاً أوقات السحور ما عادت متوفرة ليلاً بسبب حظر التجول المطبق في لبنان ما بعد التاسعة مساء.
ولأن الحاجة أم الاختراع، أطلق بعض أصحاب مطاعم فتة الحمص طريقة جديدة في تأمينها للزبون كي تبقى ساخنة عند موعد تناولها. وتحت عنوان «الفتة المفككة»، يروج اليوم بيع هذا الطبق اللذيذ من دون أن يفقد خصوصياته.
وترتكز طريقة بيع «فتة الحمص المفككة» على تزويدها للزبون في علب منفصلة. وعند موعد تناولها من قبله، في استطاعته إعادة تركيبها لتبدو طازجة، وكأنها وصلت للتو من المطعم المختص بتحضيرها.
ويشرح بلال عبد الهادي، أحد أصحاب مطعم «الدنون» المشهور في مدينة طرابلس شمال لبنان، كيفية ولادة هذه الفكرة. فكونه أستاذاً جامعياً يعطي حصصاً لطلابه في اللغة العربية، استوحى هذه الطريقة من فلسفة خاصة عنده يقول عنها لـ«الشرق الأوسط»: «في علم البلاغة، هناك ما يعرف بالاستعارة. فهي برأي أستاذ ماهر، يعلمك كيف تصيد وجوه الشبه المكنونة. فقارنت بين الجملة وصحن الفتة، وتساءلت عن أوجه الشبه بينهما، فالجملة هي مجموعة كلمات، والفتة هي مجموعة مكونات. وقلت في نفسي لأحول مكونات جملة صحن الفتة إلى كلمات (الخبز المقرمش مع الحمص واللبن الزبادي والتتبيلة والمكسرات)، وأعيد تركيبها وهي مفككة. وهكذا، أضفت الفتة المفككة إلى قائمة الطعام في مطعمي». ويرى دكتور بلال عبد الهادي أنه بهذه الطريقة، استطاع أن يتحرر من الحرارة والوقت وإمكانية «تشتشة» الخبز، فيحافظ على قرمشته. ويعلق: «صار بإمكان من يشتري الفتة المفككة أن يتناولها عند السحور، وكذلك الأمر في اليوم الثاني، من دون أن تفقد طزاجتها.
وتحتوي علب الفتة المفككة على الخبز المقلي المقرمش والحمص المسلوق وتبلة الفتة».
وتتألف الفتة المفككة من مراحل معينة يجري تركيبها في المنزل، كالتالي، بحسب بلال عبد الهادي: «المسألة سهلة جداً، تبدأ في صف الخبز المقلي في قعر الطبق، ليوضع عليها الحمص المسلوق، ويمكن إضافة كمية قليلة من المياه لا تتعدى فنجان القهوة عند تسخين الحمص، لنحتفظ بصلصلته فلا تتبخر ويصبح جافاً. ومن بعدها تأتي مرحلة سكب تتبيلة الفتة، من ثوم مدقوق وملح وطحينة ولبن زبادي فوقها. ومن ثم، يضاف إليها السمنة والمكسرات التي يرغب فيها. وفي النهاية، يمكن أن يزينها بالسماق أو الفلفل الحار، حسب الرغبة. ويمكن أن يحضر هذا الطبق قبل ضربة المدفع بدقائق قليلة، ويتناولها الصائم ساخنة لذيذة».
ويقول حسين، في مطعم الزعيم في مدينة صيدا، لـ«الشرق الأوسط»: «الفتة المفككة هي طبق مستجد عندنا في صيدا. قلة من الصيداويين يشترونه لأنهم يفضلون شراءه ساخناً، وتناوله مباشرة عندنا في المطعم.
ونحضر أحياناً الفتة المفككة لأشخاص يرغبون في حملها معهم إلى بيروت أو إلى أي مكان بعيد عن صيدا، فبذلك يستطيعون تسخين الحمض وتركيب باقي مكونات الفتة، بحيث يأكلونها في الزمان والمكان اللذين يرغبان به». ويختم حسين بقوله: «إننا عادة نبيع صحن فتة الحمص الذي يعد لشخص واحد بمبلغ 12 ألف ليرة. أما الطبق الذي يكفي لثلاثة على الأكثر فسعره هو 24 ألف ليرة».
«الفتة المفككة» طبق رمضاني يواكب حظر التجول في لبنان
نظراً للظروف الراهنة الناتجة عن الجائحة
«الفتة المفككة» طبق رمضاني يواكب حظر التجول في لبنان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة