كشف دبلوماسي رفيع لـ«الشرق الأوسط» عن بدء العمل على خريطة تنفيذية لتطبيق كامل الاتفاقيات المعلنة بين الرياض وإسلام آباد، المتضمنة التعاون الاقتصادي الاستراتيجي، مؤكداً أن المجلس التنسيقي الأعلى الذي تم التوقيع على إنشائه سيمضي بالعلاقات الثنائية إلى آفاق أعمق من التعاون والعلاقات في كافة المجالات والصعد بين البلدين.
وتتزامن هذه المستجدات مع زيارة رفيعة قام بها رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان للسعودية، بدعوة من الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، تضمنت بحث مجمل القضايا الإقليمية والدولية، ومناقشة سبل تعزيز علاقات البلدين في جميع المجالات، واتفقا على تكثيف الاتصالات والتعاون بين المسؤولين الحكوميين والقطاع الخاص في البلدين بهدف الارتقاء بالعلاقات الثنائية بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين.
اتفاقيات ومذكرات
وشهدت جلسة المباحثات التي جرت بين الجانبين توقيع ولي عهد السعودية ورئيس وزراء باكستان على اتفاق إنشاء مجلس التنسيق الأعلى السعودي الباكستاني، كما شهدا مراسم توقيع اتفاقيتين ومذكرتي تفاهم ثنائية بين السعودية وباكستان، شملت اتفاقيات اقتصادية بينها مذكرة تفاهم إطارية لتمويل المشاريع المؤهلة في مجالات الطاقة والبنية التحتية والنقل والمياه والاتصالات بين الصندوق السعودي للتنمية وجمهورية باكستان الإسلامية.
تبادل تجاري
في وقت أكدت فيه الرياض وإسلام آباد، على تكثيف التعاون والتنسيق الثنائي وتعزيزه في مختلف المجالات، أوضح المهندس خالد الفالح وزير الاستثمار أن إنشاء مجلس التنسيق الأعلى السعودي الباكستاني، سيفتح آفاقاً أوسع للنمو الاقتصادي وينمي العلاقات التجارية بين البلدين، من خلال استكشاف مجالات الاستثمار والفرص المتاحة في ضوء رؤية المملكة 2030.
وبين الفالح أن عدد تراخيص الاستثمار الباكستانية في المملكة خلال عام 2020. نما بشكل لافت، حيث تم منح 52 رخصة استثمارية لشركات باكستانية، في حين كان عدد الرخص الممنوحة في عام 2019. نحو 24 رخصة، مما يؤكد على الإقبال المتزايد للمستثمرين الباكستانيين للاستفادة من الفرص الاستثمارية الواعدة، والمزايا التنافسية التي يتمتع بها الاقتصاد السعودي.
وأفصح الفالح أن حجم التبادل التجاري بين البلدين بلغ 33 مليار ريال (مليار دولار) خلال 3 أعوام، منها 9 مليارات ريال خلال عام 2020، رغم تداعيات جائحة «كورونا» العالمية، وكان من أبرز السلع التجارية المتبادلة بين الجانبين هي المنتجات المعدنية والنفطية، والبتروكيماويات، والجلود، والملابس، والحبوب، واللحوم ومشتقاتها.
ولفت الفالح إلى أن البيئة الاستثمارية الخصبة والجاذبة وعوامل الأمن والاستقرار في المملكة أسهمت في ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر على مدى الأعوام الثلاثة الماضية، حيث شهدت تحسناً تجاوز 20 في المائة في عام 2020، مقابل عام 2019. رغم تحديات جائحة «كورونا»، ليصل عدد الشركات الأجنبية المرخصة في عام 2020، إلى 1278 شركة، بارتفاع بلغ 13 في المائة عن 2019.
من جهته، قال بلال أكبر السفير الباكستاني لدى السعودية، لـ«الشرق الأوسط» أن كل المؤشرات جيدة فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي والاستثماري والتجاري بين البلدين، وستكون على أفضل حال، على حد تعبيره، مستطرداً: «سنقوم على رسم خريطة تنفيذ كامل لتعميق هذا التعاون وترجمته على أرض الواقع»، مشيراً إلى أن المجلس التنسيقي الأعلى التي تم التوقيع عليها بين البلدين، سيعمق التعاون والعلاقات بين البلدين، والمضي بالعلاقات الثنائية إلى آفاق أرحب من التعاون في مختلف المجالات، في ظل تطلعات لمزيد من التعاون لتحقيق الأهداف المشتركة بين البلدين.
وأضاف أكبر: «إن الاتفاقيات التي تم توقعيها بين البلدين بحضور رئيس الوزراء عمران خان وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، تعد اتفاقيات مهمة وحيوية جداً لتعزيز التعاون بين الرياض وإسلام آباد على نحو كبير في مختلف المجالات، لا سيما الاتفاقيات الاقتصادية والاستثمارية والتجارية حيث ستعود بالنفع للبلدين. وأضاف: «ستقوم سفارتنا في السعودية بمتابعة تنفيذ كل هذه الاتفاقيات على نحو لصيق ومستمر وستكون هناك وفود من قطاع الأعمال لتعزيز التعاون في مختلف هذه المجالات».
وشدد أكبر على أن توقيع الاتفاقيات والمذكرات ستسهم بشكل كبير في تذليل كافة التحديات التي تواجه الاستثمار والتجارة بين البلدين، مشيراً إلى أن الصندوق السعودي للتنمية والجهات المعنية الباكستانية، ستعمل معاً على دعم وتمويل المشاريع المؤهلة في مجالات حيوية مهمة مثل قطاعات الطاقة والبنية التحتية والنقل والمياه والاتصالات، متطلعاً إلى استكشاف مجالات الاستثمار والفرص المتاحة في ضوء رؤية المملكة 2030.
ووفق إحصائيات وزارة الاستثمار، فإن عدد الاستثمارات الباكستانية في المملكة بلغ 362 منشأة، 19 في المائة منها مشتركة، والنسبة المتبقية هي استثمارات باكستانية 100 في المائة، مبينة أن قطاعي التشييد والصناعات التحويلية هما أبرز المجالات الاستثمارية التي تعمل فيها الشركات الباكستانية، بعدد 148 و124 منشأة على التوالي، يليهما قطاعا الاتصالات وتقنية المعلومات وتجارة الجملة والتجزئة.
وتعمل وزارة الاستثمار السعودية بالتعاون مع الجهات الحكومية الأخرى، على توفير مجموعة من الحوافز تسهل دخول المستثمرين للمملكة، بما في ذلك التعريف بالفرص الاستثمارية ومتطلبات الاستثمار، بالتنسيق مع الجهات المعنية في البلدين.
وعلى الصعيد الباكستاني، فإن عدداً من الشركات السعودية تعمل في عدد من القطاعات الحيوية، مثل شركة بترومين في صناعة زيوت السيارات، وشركة الجميح للطاقة والمياه، وشركة صافولا في قطاعي الأغذية والتجزئة، وشركة أكوا باور، في حين تتطلع عدد من كبريات الشركات الوطنية لدخول السوق الباكستانية واستكشاف الفرص الاستثمارية والتجارية المتاحة.
تطلع صناعي
من ناحيته، أكد وزير الصناعة والثروة المعدنية السعودي بندر الخريف، في تصريح لوكالة الأنباء السعودية أمس، أن التعاون القائم بين البلدين يعزز من المصالح المتبادلة في مختلف المجالات المهمة والحيوية، خاصة في قطاعي الصناعة والتعدين، مؤكداً أن حجم الصادرات السعودية غير النفطية إلى باكستان وصل خلال عام 2020م إلى أكثر من 2.7 مليار ريال (733 مليون دولار) في حين بلغ حجم الواردات من باكستان خلال العام نفسه قرابة 1.9 مليار ريال (525 مليون دولار).
وأشار الخريف إلى أن الحركة التجارية بين البلدين وعمليات التصدير والاستيراد للمنتجات غير النفطية تشمل العديد من القطاعات وتتمثل في خليط من المنتجات والصناعات المتعددة كمنتجات المواد الغذائية والمعادن، والكيماويات والمنسوجات ومواد البناء، إضافة إلى المنتجات الاستهلاكية المعمرة، والإلكترونيات، مبيناً أن هناك فرصاً واسعة لزيادة التبادل التجاري مع دولة باكستان، لا سيما في قطاعي الصناعة والتعدين عبر عدد من الأنشطة والفرص المتاحة لرفع مستوى التعاون، وفق مستهدفات رؤية المملكة 2030 التي توفر العديد من الفرص.
ووفق وزير الصناعة والثروة المعدنية، هناك العديد من الفرص للتعاون بين الدولتين، خاصة في قطاع التعدين وبعد إطلاق نظام الاستثمار التعديني في المملكة، وكذلك العديد من الفرص في القطاع الصناعي التي ستُبحث مع الجانب الباكستاني بما يسهم في زيادة الصادرات غير النفطية، مضيفاً أن هناك فرصاً للتعاون مع هيئة المساحة الجيولوجية لإجراء مسوحات جوية مغناطيسية وجيوفيزيائية لاستكشاف المعادن الموجودة في الأراضي الباكستانية لبناء قواعد بيانات للمعادن، مما يزيد فرص المستثمرين السعوديين والمحليين والأجانب.
القطاعات ذات الأولوية
من جانب آخر، اقترح رئيس مجلس الغرف السعودية عجلان العجلان، لتطوير العلاقات التجارية والاستثمارية، التركيز على استغلال المزايا النسبية والقطاعات ذات الأولوية في كلا البلدين بما في ذلك التجارة والصناعة والزراعة والسياحة والطاقة المتجددة والتكنولوجيا والعقارات.
ويرى العجلان ضرورة الاستفادة من كبر حجم السوق الباكستانية وموقعها الجغرافي المميز الذي يوفر الوصول للعديد من الأسواق الآسيوية لتمكين الصادرات السعودية غير النفطية.
فضلاً عن تكثيف اللقاءات بين أصحاب الأعمال ومعالجة المعوقات التي تحدّ من التجارة والاستثمار بين البلدين وتوفير المعلومات عن الأسواق والفرص التجارية وإقامة معارض للمنتجات السعودية والباكستانية ومشروعات صناعية مشتركة تسهم في رفع حجم الصادرات وتلبية حاجة الأسواق.