اكتشافات أثرية تؤكد ازدهار «اقتصاد الجنازات» بمصر القديمة

تجارة وورش للتحنيط وصناعة التوابيت

اكتشافات أثرية تؤكد ازدهار «اقتصاد الجنازات» بمصر القديمة
TT

اكتشافات أثرية تؤكد ازدهار «اقتصاد الجنازات» بمصر القديمة

اكتشافات أثرية تؤكد ازدهار «اقتصاد الجنازات» بمصر القديمة

تواصل البعثات الأثرية العاملة في منطقة سقارة عملها للكشف عن مزيد من الكنوز الأثرية التي تحكي جزءاً من تاريخ مصر القديم، وتعطي صورة أوضح عما يمكن وصفه بـ«اقتصاد الجنازات» في عهد الفراعنة، وكيف كانت هناك تجارة كاملة لخدمة المتوفين تتضمن إنشاء مقابر، وتصنيع توابيت وأثاث جنائزي، وورش التحنيط.
الدكتور مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، كان قد وعد عند الإعلان عن اكتشاف 100 تابوت أثري بسقارة نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، بأن عام 2021 سيشهد الإعلان عن اكتشاف ورشة لصناعة التوابيت في سقارة.
بدوره أوضح الدكتور صبري فرج، مدير عام آثار سقارة، لـ«الشرق الأوسط» أنّ «أعمال الحفائر مستمرة بمنطقة الآثار فيها للكشف عن تفاصيل المنطقة التي ما زالت تخفي الكثير من الأسرار».
ويعود تاريخ الاكتشافات والبعثات الأثرية المنتظمة في جبانة منف (سقارة) إلى عام 1850 مع بداية حفائر عالم المصريات أوغوست مارييت، وشهدت السنوات الثلاث الأخيرة بعثات عمل مكثفة في المنطقة لاكتشاف أسرارها.
الاكتشافات الأثرية الأخيرة في سقارة أثبتت أهمية المنطقة وألقت الضوء على مفهوم اقتصاد الجنازات في مصر القديمة، خصوصاً في أعقاب الكشف عن ورشة التحنيط في عام 2018، التي يجري حالياً دراسة مقتنياتها ومن المنتظر الإعلان قريباً عن نتائج هذه الدراسة حسب الدكتور رمضان حسين، أستاذ الآثار المصرية بجامعة «توبينغن» الألمانية ورئيس البعثة الأثرية الألمانية التي كشفت عن هذه الورشة.
وأوضح حسين لـ«الشرق الأوسط» أنّ «الجنازات كانت صناعة مزدهرة في العصور القديمة، وكانت هناك ورش لتحنيط الإنسان والحيوان، حيث عثر على عقود بين المصريين القدماء وبين الكهنة الذين يديرون المقابر والجبانات وورش التحنيط، يلتزم الكاهن بتسلم جثة المتوفى، وشراء مستلزمات التحنيط والتابوت والتماثيل والأثاث الجنائزي وحتى المقبرة، في وظيفة أشبه بمتعهد الدفن حالياً». وأضاف أنّ «الجبانة كانت تخضع لإدارة نوعين من الكهنة، الأول هم الكهنة المحنطون المسؤولون عن عملية التحنيط، والثاني هم كهنة واح مو، وهم المسؤولون عن رش المياه على المقابر»، مشيراً إلى أنّه مع زيادة سكان منف، العاصمة الإدارية لمصر منذ عام 3100 قبل الميلاد، زاد دور كهنة واح مو داخل جبانة سقارة.
كانت سقارة هي العاصمة الإدارية لمصر، لمدة ثلاثة آلاف سنة، وقد أُسست عام 3100 قبل الميلاد، كعاصمة سياسية وإدارية ظلت تدير البلاد حتى نهايات العصر البطلمي، وكانت تضم الجهاز الإداري للدولة، وهو ما جعلها جاذبة للسكان.
وقال حسين إنّ «زيادة عدد السكان وبخاصة بدءاً من عصر الأسرة 26 فرض إعادة التخطيط العمراني لمنف، وغيّر نمط الإنفاق، حيث ظهرت طبقة متوسطة كبيرة، وتفاوت دخل السكان، وهنا ظهرت فكرة المقابر الجماعية، ودور كهنة واح مو». وتابع: «كانت تلك تجارة رائجة، وتولى الكهنة عملية حفر آبار للدفن بها مجموعة من النيشات لتكون مقبرة جماعية، وكانوا حريصين على اختيار أماكن مميزة لهذه المقابر إلى جانب هرم ملك أوناس مثلاً مما يعطيها ميزة ويجعل المشتري يعتقد أنه سيحصل على مقبرة في مكان مقدس».
وهذا يفسر العدد الكبير من التوابيت الذي عُثر عليه في سقارة، حيث شهدت نهاية العام الماضي الإعلان عن اكتشاف 59 تابوتاً، في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وبعدها بشهر أُعلن عن اكتشاف 100 تابوت آخر في المنطقة، تعود لعصر الأسرة 26.
واستطرد حسين موضحاً أنّ «العثور على هذا العدد من التوابيت المتراصة بعضها فوق بعض يثبت أنّ الكهنة كانوا يتربحون من المقابر والتوابيت، كما يظهر تغيّر نمط الإنفاق في تلك الفترة»، مشيراً إلى أنّه «كانت هناك تجارة دولية تغذّي صناعة الجنازات في مصر، وكانت التوابيت تُصنّع تصنيعاً تجارياً». وأكمل قائلاً: إنّ «التوابيت المكتشفة مؤخراً، على الرّغم من جمالها فإنه لا يوجد بها شيء مميز أو خاص، مما يؤكد أنّها صُنعت تصنيعاً تجارياً، تتشابه فيه النقوش والرسوم»، لافتاً إلى أنّ «جميع النقوش على التابوت كانت باللغة الهيروغليفية، باستثناء اسم المتوفى الذي كُتب باللغة الديموطيقية أو خط الشعب، فالتابوت يُصنّع بالكامل ويضاف اسم المتوفى عليه بعد الشراء».
وأشار حسين إلى أنّ هناك كثيراً من الوثائق التي توثق اقتصاد الجنازات مثل فاتورة بيع 401 تمثال أوشابتي، والمعروفة ببردية المتحف البريطاني رقم 10800، والتي تقول إنّ شخصاً يدعى نس - بر - عنخ اشترى تماثيل أوشابتي لوالده المتوفى إيهافي من صانع التمائم با - دي - خنسو مقابل مبلغ من الفضة في حضور شهود، وقال إن «الشيء الجميل في هذه الفاتورة أنّ البائع يوجه حديثه للتماثيل، ويقول لها إنّه تسلم ثمنها ويطالبها بأداء الخدمة اليومية للمتوفى».
والأوشابتي هي تماثيل صغيرة، مصنوعة في الغالب من الفيانس (القيشاني)، منقوش عليها اسم المتوفى، وتسمى «التماثيل المجيبة»، وكان يُعتقد في مصر القديمة أنّها تُؤدي مهام المتوفى من أعمال زراعية في الجنة، ولذلك كانت توضع بعدد كبير في كل مقبرة، حيث يؤدي كل تمثال الخدمة عن المتوفى ليوم واحد، لمدة عام، وتقسم التماثيل إلى مجموعات من عشرة لكل مجموعة رئيس عمال، مما يجعل عددها 401 تمثل عدد أيام السنة ورؤساء المجموعات.
وقال حسين إنّ «الدولة في العصر البطلمي كانت تفرض ضرائب على الكهنة في استيراد مستلزمات التحنيط، وضريبة على صاحب بئر الدفن لو أخرج جثة المتوفى قبل مرور 70 يوماً على دفنه، لأنّ إخراجها معناه أنّه سيبيع حجرة الدفن مرة أخرى».
وعن طريقة التعامل المالي أو الدفع في تلك الفترة قال حسين إنّ «الفضة كانت المعامل النقدي في تلك الفترة وكان ثمن التوابيت والأثاث الجنائزي يُدفع بوحدات من الفضة».


مقالات ذات صلة

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) يصافح رئيس الحكومة الآيرلندية سيمون هاريس خلال زيارة إلى دبلن (أ.ف.ب)

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

أعلنت وزارة الخارجية المصرية استعادة مجموعة من القطع الأثرية من آيرلندا، وذلك عقب الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الآيرلندية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

عقد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري اجتماعاً، الأحد، لاستعراض إجراءات الطرح العالمي لتخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق إناء شرب على شكل رأس بيس من واحة الفيوم في مصر يعود إلى العصر البطلمي - الروماني (القرن الرابع قبل الميلاد - القرن الثالث الميلادي)... (جامعة جنوب فلوريدا)

كوكتيلات مخدرة وطقوس سحرية: كشف أسرار أكواب المصريين القدماء

كشف الباحثون عن استخدام أكواب خاصة لتقديم مزيج من العقاقير المخدرة، والسوائل الجسدية، والكحول.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق كلب ضال أمام هرم خوفو في منطقة أهرامات الجيزة (أ.ف.ب)

بفضل «أبولو»... «كلاب الأهرامات» تجذب السياح وتنشِّط المبيعات

مقطع مصور غير اعتيادي لكلب يتسلق الهرم يجذب الزوار والسائحين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».