المرأة المُعيلة... حامية اجتماعية لعائلات مصرية

4.1 مليون أسرة تدير شؤونها سيدات

كثير من النساء المصريات يتولين مسؤولية ملايين الأسر (المجلس القومي للمرأة بمصر)
كثير من النساء المصريات يتولين مسؤولية ملايين الأسر (المجلس القومي للمرأة بمصر)
TT

المرأة المُعيلة... حامية اجتماعية لعائلات مصرية

كثير من النساء المصريات يتولين مسؤولية ملايين الأسر (المجلس القومي للمرأة بمصر)
كثير من النساء المصريات يتولين مسؤولية ملايين الأسر (المجلس القومي للمرأة بمصر)

عندما كتب صاحب «نوبل»، الأديب المصري البارع نجيب محفوظ، ثلاثيته الروائية الشهيرة لم تكن شخصية «أمينة» زوجة «سي السيد»، من وحي خيال مطلق، بل جاءت انعكاساً فنياً لواقع شريحة معتبرة من المصريات حتى قبل منتصف القرن العشرين؛ غير أن تلك السيدة التي «لم تعرف الخروج إلى الشارع للتنزه سوى لمرة واحدة نادرة»، وفق الرواية، باتت أقرانها اليوم في مصر يتولين إدارة ورئاسة شؤون 4.1 مليون أسرة، حسب ما تفيد إحصائيات رسمية موثقة.
تغيرت أحوال المصريات تأثراً بأحوال اقتصادية وسياسية عدة، وتصدر المشهد نساء حملن على عاتقهن مسؤوليات أُسر بأكملها، سواء كان ذلك «لغياب الرجل أو حتى في وجوده إن لزم الأمر». لكن تعريف المسؤولية وحدودها بالنسبة للسيدات، كان أمراً مُحيراً حتى بالنسبة لـ«الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء»، فهل المرأة المعيلة هي التي تُعيل أسرتها لغياب الرجل؟ أم أن الرجل لم يختف كلياً من المشهد لكنه تخلى عن مسؤولياته؟
لذلك، حدد «الإحصاء» وصفه بالنص على أن عدد «الأسر التي ترأسها (تدير شؤونها وتتخذ قرارتها) الإناث يقدر بـ4.1 مليون أسرة، والنسبة مقسمة بواقع 2.3 مليون أسرة في الريف مقابل 1.8 أسرة في الحضر»، وذلك حسب كتيب «الخصائص الديمغرافية والاقتصادية للأسر التي ترأسها إناث» ويقدم إحصائيات حتى عام 2019.
وبينما يقول «الإحصاء» إن «75.1 في المائة من المعيلات هن من الأرامل»، ترفض المحامية جواهر الطاهر، مديرة «برنامج الوصول للعدالة» بمؤسسة قضايا المرأة المصرية، ربط مفهوم المرأة المعيلة بوجود رجل أو اختفائه، وتقول لـ«الشرق الأوسط»، إن «كل امرأة تتحمل مسؤولية أسرة هي معيلة، لا سيما أن بعض الرجال يعتمدون على المرأة، سواء كانت زوجة، أو شقيقة، في تحمل الأعباء المادية».
وتضيف: «الزوجة التي تقدم راتبها بالكامل لأسرتها هي أيضاً معيلة، حتى وإن كان هناك زوج أو أب»، مُرجعة «سبب تزايد المعيلات إلى نسب الطلاق في مصر». وتستشهد المحامية بأزمة «كورونا» التي «ضاعفت مشكلات المعيلات، لا سيما أن أغلبهن أُميات أو حصلن على قدر محدود من التعليم، وبالتالي ينتمين إلى فئة العمالة المؤقتة التي طالتها البطالة أكثر من غيرها بسبب الجائحة».
السيدة سعدية عبد الكريم (44 عاماً) تقول لـ«الشرق الأوسط»، إنها «أم لـ5 أطفال بينهم مريض بالسكري، وتزوجت رجلاً يكبرني بسنوات كثيرة، لا أتذكر تحديداً فارق العمر، أنجبت بنتين وصبياً، ومنذ بداية الزواج كان عليّ أن أعول أطفالي، لا سيما أن بينهم مريض سكر يحتاج رعاية خاصة». وتستكمل: «حصولي على الشهادة الإعدادية لم يمكني من أي وظيفة. لذا، لم أجد أمامي سوى العمل في الخدمة المنزلية، وبعد سنوات في زيجة لم تحقق أي استقرار لي أو لأطفالي، طلبت الطلاق». تمضي سعدية في حكايتها التي تشبه الكثير من النساء المعيلات في مصر: «بعد أن تزوجت ابنتي الكبرى، في عمر مبكر حتى يقل العبء، ثم تعرضت لـ(النصب) فضاع (شقى عمري)».
حاولت سعدية الزواج مرة أخرى، لكن هذه المرة من رجل «لديه خمس بنات، ويريد إنجاب صبي، وتزوجته وأنجبت صبيين»، ولكن لم يتغير الحال، «رفض الزوج رعايتها» حسبما تقول، موضحة أنها عادت إلى «الخدمة في المنازل» حتى تتولى الإنفاق على أسرتها.
على المستوى الرسمي، تؤكد الحكومة المصرية ومؤسسات الدولة المعنية بالمرأة توفير برامج لرعاية السيدات. وتقول صفاء عبد البديع، المحامية وعضو «المجلس القومي للمرأة»، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الأرقام ربما تكون صادمة بشأن النساء المُعيلات، لكن الجهات المعنية في مصر تقدم الدعم الاقتصادي والنفسي لهؤلاء النساء، عبر تمويل للمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، وإقامة المعارض لتسويق منتجاتها، مثل معرض (ديارنا) ومعرض (بلدنا) وغيرهما».
وتؤكد عبد البديع أن «القومي للمرأة» ينظم «حملات تجوب كافة المحافظات للتوعية اللازمة للمعيلات عن كيفية مواجهة مشكلاتهن وكيفية تربية أولادهن وحمايتهم»، موضحة أن «هناك مكتباً مختصاً بتلقي شكاوى المرأة وتولي قضاياها أمام المحاكم بالمجان، من خلال فريق من المحامين المتطوعين».
وتعتقد الحقوقية جواهر الطاهر، أن «قضية السيدات المعيلات لا تتعلق فقط بدور الدولة، إذ إن هؤلاء النساء لا يعانين من قسوة الظروف الاقتصادية فقط، بل يواجهن بغض التمييز المجتمعي ضدهن».


مقالات ذات صلة

إيران: عيادة للصحة العقلية لعلاج النساء الرافضات للحجاب

شؤون إقليمية امرأتان تشربان الشاي في الهواء الطلق بمقهى شمال طهران (أ.ب)

إيران: عيادة للصحة العقلية لعلاج النساء الرافضات للحجاب

ستتلقى النساء الإيرانيات اللاتي يقاومن ارتداء الحجاب، العلاجَ في عيادة متخصصة للصحة العقلية في طهران.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شمال افريقيا صورة جرى توزيعها في يناير 2024 لنساء وأطفال بمخيم زمزم للنازحين بالقرب من الفاشر شمال دارفور (رويترز)

شهادات «مروعة» لناجيات فررن من الحرب في السودان

نشرت «الأمم المتحدة»، الثلاثاء، سلسلة من شهادات «مروعة» لنساء وفتيات فررن من عمليات القتال بالسودان الذي يشهد حرباً منذ أكثر من عام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
آسيا صورة من معرض الصور الفوتوغرافية «نو وومنز لاند» في باريس للتعرُّف إلى العالم الخاص للنساء الأفغانيات (أ.ف.ب)

معرض صور في باريس يلقي نظرة على حال الأفغانيات

يتيح معرض الصور الفوتوغرافية «نو وومنز لاند» في باريس التعرُّف إلى العالم الخاص للنساء الأفغانيات، ومعاينة يأسهن وما ندر من أفراحهنّ.

«الشرق الأوسط» (باريس)
آسيا امرأة يابانية مرتدية الزي التقليدي «الكيمونو» تعبر طريقاً وسط العاصمة طوكيو (أ.ب)

نساء الريف الياباني يرفضن تحميلهنّ وزر التراجع الديموغرافي

يعتزم رئيس الوزراء الياباني شيغيرو إيشيبا إعادة تنشيط الريف الياباني الذي انعكست هجرة السكان سلباً عليه.

«الشرق الأوسط» (هيتاشي (اليابان))
الولايات المتحدة​ صورة للصحافية الأميركية - الإيرانية مسيح علي نجاد مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون (صفحتها على موقع «إكس»)

واشنطن تتهم مسؤولاً في الحرس الثوري الإيراني بالتخطيط لاغتيال صحافية في نيويورك

وجّهت الولايات المتحدة اتهامات جديدة إلى مسؤول في الحرس الثوري الإيراني وآخرين بمحاولة خطف صحافية أميركية من أصل إيراني في نيويورك واغتيالها.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
TT

إشادة بانفتاح السعودية على تقديم الفن الراقي

نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»
نجوم حفل روائع الموجي في ضيافة المستشار تركي آل الشيخ «فيسبوك»

شهدت الرياض وجدة فعاليات مسرحية وغنائية عقب انتهاء شهر رمضان، انطلقت مع عيد الفطر واستقطبت مشاركات مصرية لافتة، منها مسرحية «حتى لا يطير الدكان»، من بطولة الفنانَيْن أكرم حسني ودرة، في موسمها الثاني على مسرح «سيتي ووك جدة»؛ إلى عرض ستاند أب كوميدي «ذا إيليت» المقام على «مسرح محمد العلي» بالرياض، بينما شاركت الفنانة المصرية أنغام بحفلات «عيد القصيم»، والفنان عمرو دياب بحفلات «عيد جدة».
وتشهد العاصمة السعودية حفل «روائع الموجي»، الذي تحييه نخبة من نجوم الغناء، بينهم من مصر، أنغام وشيرين عبد الوهاب ومي فاروق، بالإضافة إلى نجوم الخليج ماجد المهندس وعبادي الجوهر وزينة عماد، مع صابر الرباعي ووائل جسار، بقيادة المايسترو وليد فايد وإشراف فني يحيى الموجي، ومشاركة الموسيقار رمزي يسى.
عن هذا الحفل، يعلّق الناقد الفني المصري طارق الشناوي لـ«الشرق الأوسط»: «نشجّع تكريس الكلمة الرائعة والنغم الأصيل، فحضور نجوم مصر في فعاليات المملكة العربية السعودية، يشكل حالة تكامل من الإبداع»، معرباً عن غبطته بمشهدية الزخم الفني، التي يواكبها في الرياض وجدة.
ووفق «جمعية المؤلفين والملحنين الرسمية» في مصر، ورصيد محمد الموجي، صاحب مقولة «أنا لا أعمل كالآلة تضع فيها شيئاً فتخرج لحناً؛ إنها مشاعر وأحاسيس تحتاج إلى وقت ليخرج اللحن إلى النور»، قد وصل إلى 1800 لحن، ليعلّق رئيسها مدحت العدل لـ«الشرق الأوسط» بالتأكيد على أنّ «الاحتفاء بالرموز الفنية من (الهيئة العامة للترفيه)، كاحتفالية الموجي، أمر غاية في الرقي ويدعو للفخر»، موجهاً التقدير للجميع في المملكة على النهضة الفنية الكبيرة.
واستكمالاً لسلسلة الفعاليات الفنية، فإنّ مدينة جدة على موعد مع حفلين للفنان تامر عاشور يومي 5 و6 مايو (أيار) الحالي، بجانب حفل الفنانَيْن محمد فؤاد وأحمد سعد نهاية الشهر عينه. وعن المشاركات المصرية في الفعاليات السعودية، يشير الناقد الموسيقي المصري محمد شميس، إلى أنّ «القائمين على مواسم المملكة المختلفة يحرصون طوال العام على تقديم وجبات فنية ممتعة ومتنوعة تلائم جميع الأذواق»، مؤكداً أنّ «ما يحدث عموماً في السعودية يفتح المجال بغزارة لحضور الفنانين والعازفين والفرق الموسيقية التي ترافق النجوم من مصر والعالم العربي». ويلفت شميس لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ «هذا التنوع من شأنه أيضاً إتاحة مجال أوسع للمبدعين العرب في مختلف الجوانب، التي تخصّ هذه الحفلات، وفرصة لاستقطاب الجمهور للاستمتاع بها بشكل مباشر أو عبر إذاعتها في القنوات الفضائية أو المنصات الإلكترونية»، معبّراً عن سعادته بـ«الحراك الفني الدائم، الذي تشهده المملكة، بخاصة في الفن والثقافة وتكريم الرموز الفنية والاحتفاء بهم».
وشهد «مسرح أبو بكر سالم» في الرياض قبيل رمضان، الحفل الغنائي «ليلة صوت مصر»، من تنظيم «الهيئة العامة للترفيه»، احتفالاً بأنغام، إلى تكريم الموسيقار المصري هاني شنودة في حفل بعنوان «ذكريات»، شارك في إحيائه عمرو دياب وأنغام، بحضور نخبة من نجوم مصر، كما أعلن منذ أيام عن إقامة حفل للفنانة شيرين عبد الوهاب بعنوان «صوت إحساس مصر».
مسرحياً، يستعد الفنان المصري أحمد عز لعرض مسرحيته «هادي فالنتين» في موسمها الثاني، ضمن فعاليات «تقويم جدة» على مسرح «سيتي ووك‬» بين 3 و6 مايو (أيار) الحالي. وعنه كان قد قال في حوار سابق مع «الشرق الأوسط»، إنّ «الحراك الثقافي الذي تشهده المملكة يفتح آفاقاً وفرصاً متنوعة للجميع لتقديم المزيد من الفن الراقي».