تشكيل الحكومة «في الثلاجة» ينتظر تحريك المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية

مع أن بري لم يسحب مبادرته من التداول

سعد الحريري زار عواصم عربية خلال الأيام الماضية (أ.ف.ب)
سعد الحريري زار عواصم عربية خلال الأيام الماضية (أ.ف.ب)
TT

تشكيل الحكومة «في الثلاجة» ينتظر تحريك المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية

سعد الحريري زار عواصم عربية خلال الأيام الماضية (أ.ف.ب)
سعد الحريري زار عواصم عربية خلال الأيام الماضية (أ.ف.ب)

ينتظر رئيس المجلس النيابي نبيه بري عودة الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة الجديدة سعد الحريري من الخارج للاطلاع منه على ما لديه من معطيات في جولته على عدد من القيادات في المنطقة ليكون في وسعه أن يبني على الشيء مقتضاه مع أنه لا يزال يتمسّك بمبادرته لإخراج عملية تأليفها من المراوحة القاتلة، ولم يقرر حتى الساعة سحبها من التداول، وإن كان تريثه في تحريكها يعود إلى رغبته في إفساح المجال أمام الأطراف السياسية الرئيسة للتمعُّن في بنودها لاتخاذ قرارها النهائي بعيداً عن تبادل الحملات الإعلامية التي يراد منها تقطيع الوقت، فيما لم يعد لبنان يحتمل تراكم الأزمات في ضوء انهيار النموذج الاقتصادي والمالي الذي بات في حاجة لإعادة النظر فيه للتأسيس لمرحلة جديدة من التعافي.
ورأى مصدر نيابي بارز أن مبادرة بري بعناوينها التي استمدّها من خريطة الطريق التي طرحها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لإنقاذ لبنان تقوم على تشكيل حكومة مهمة من اختصاصيين ومستقلّين ومن غير المحازبين وتضم 18 وزيراً ولا ثلث ضامن لأي فريق ما زالت موجودة على طاولة المفاوضات رغم أن رئيس الجمهورية ميشال عون يبدي تحفّظه عليها بعد أن انقلب وتراجع عن موافقته على عدد وزرائها لمصلحة رفعه إلى 20 وزيراً.
وكشف المصدر النيابي لـ«الشرق الأوسط» أن الحريري اتصل قبل أن يستأنف جولته الخارجية ببري، وتباحث معه في الاقتراح الذي تقدّم به الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، وأبدى فيه تفهّمه لمطالبة الرئيس المكلف بوزارة الداخلية ورفضه للثلث الضامن في مقابل استرضاء عون ومن خلاله رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بزيادة عدد الوزراء من 18 إلى 20 أو 22 وزيراً.
وفي هذا السياق، قال مصدر سياسي مواكب لاستمرار تعثّر تشكيل الحكومة إن السيد نصر الله لم يطرح مبادرة وإنما تدخّل في محاولة لإيجاد مخرج لفض النزاع بين الحريري وعون ومن معه حول عدد أعضاء الحكومة. وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن الرئيس المكلّف لم يبدِ حماسة لاقتراحه؛ خصوصاً أن مجرد زيادة عدد الوزراء سيتيح لباسيل وحلفائه أو على الأقل من تبقى منهم إلى جانبه الحصول على الثلث الضامن، ما يؤدي إلى تعطيل الجهود الرامية للوصول بالتشكيلة الوزارية إلى بر الأمان.
ولفت المصدر السياسي إلى أن باسيل هو من يفاوض تحت الطاولة وأحياناً من خلال حليفه «حزب الله» وبالنيابة عن عون في ملف تشكيل الحكومة، رغم أنه يدّعي عدم رغبة «التيار الوطني» المشاركة فيها، وقال إن المشكلة تكمن في قرار عون بإخلاء الساحة له للإمساك بورقة التفاوض لعله يتمكّن من إعادة تعويم دوره السياسي؛ خصوصاً أنه يراهن منذ الآن على إحياء المفاوضات بين واشنطن وطهران والتعاون معها بصورة غير مباشرة بأنها ستصب لمصلحته، وإلا ماذا كان يقصد في مؤتمره الذي عقده أمس بقوله إن التطورات الخارجية ستأتي لصالح الحفاظ على لبنان، وبالتالي فإن هناك من يضع تشكيل الحكومة «في الثلاجة» وهذا ما يفسّر عدم ضغط «حزب الله» على حليفه بدلاً من الوقوف على خاطره ومراعاته.
واعتبر أن السيد نصر الله باقتراحه أراد أن يصيب عصفورين بحجر واحد، الأول استرضاء عون - باسيل بزيادة عدد أعضاء الحكومة، والثاني ضمان تمثيل حليفهما المشترك النائب طلال أرسلان في الحكومة، والتأكيد من باب إصراره على عدم إخلاء الساحة لرئيس الحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط لشغوله منفرداً التمثيل الدرزي في الحكومة؛ خصوصاً أن الاتصالات بين «التقدّمي» و«حزب الله» مقطوعة بعدما اتفقا على تنظيم الاختلاف بينهما.
وسأل المصدر نفسه، لماذا تراجع «حزب الله» عن تأييده لتشكيل حكومة من 18 وزيراً؟ وما هي الضمانة لقطع الطريق على باسيل للحصول على الثلث الضامن؟ وهل جاءت استضافة أرسلان للقاء الدرزي وليدة الصدفة قبل الإطلالة المنتظرة لنصر الله؟ وأوضح أن بري وإن كان يبدي انفتاحاً على حكومة من 20 وزيراً شرط التقيُّد بمبادرته، فإنه يربط موافقته النهائية بموافقة الحريري، وسأل عن الأسباب الكامنة وراء عدم صدور موقف فرنسي ضاغط يستهدف مَن يعرقل تشكيل الحكومة، كما تعهّد ماكرون للرئيس المكلف الذي استجاب لرغبته والتقى عون في محاولة لإعادة التواصل من جهة وللتأكيد منه على عدم مقاطعته على خلفية الاتهام الذي وجّهه له بالكذب؟
وأضاف؛ لقد مضى على لقاء عون - الحريري أكثر من أسبوعين ولم يصدر أي ردّ فعل فرنسي مع أنه انتهى من دون أن يحقق تقدّماً يدفع باتجاه تزخيم المشاورات للعبور بتأليف الحكومة إلى بر الأمان مع أن أحداً لا يطلب من باريس أن توجّه لوماً شديد اللهجة إلى باسيل قد يصل إلى محاصرته بمقدار ما أنه يراهن على أن هناك ضرورة لتصحيح الخلل الناتج عن انعدام التوازن بسبب مضي عون في موقفه الرافض للتعاون مع الحريري.
واعتبر المصدر السياسي أنه من غير الجائز الانتظار إلى حين تبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود حيال احتمال استئناف المفاوضات الأميركية - الإيرانية برعاية أوروبية، وقال إن مجرد وضع الانهيار على لائحة الانتظار يعيدنا بالذاكرة إلى الرهان على أن الحكومة سترى النور فور انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، مع أن لبنان في حاجة ماسة إلى تحقيق توافق دولي - إقليمي يؤمّن له التأسيس للانتقال إلى مرحلة الإنقاذ.
وأخيراً، لا بد من رصد ردود الفعل على المؤتمر الصحافي لباسيل الذي حاول مراراً أن يبعد عنه وبالنيابة عن عمه عون تهمة تعطيل تشكيل الحكومة بمطالبتهما بالثلث الضامن وصولاً إلى مخاطبة المجتمع الدولي بموقف تصالحي بقوله خذوا الحكومة واعطونا الإصلاحات على أن تكون مقرونة بالأفعال وبالشروط التي أدرجها، أي باسيل، للوصول إليها، لكن يا ترى من يصدّق أن باسيل لا يريد شيئاً لنفسه؟



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».