مساء يوم غد، الثالث والعشرين من هذا الشهر، تتم آخر عمليات التصويت بالنسبة لأعضاء «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب»، تمهيداً لحفلة منح جوائز «الغولدن غلوبز»، في الثامن والعشرين من الشهر ذاته. هذا في الوقت الذي نحن فيه على بُعد نحو ثلاثة أسابيع، من إعلان الترشيحات الرسمية لجوائز الأوسكار التي ستقام في الخامس والعشرين من مارس (آذار) 2021.
وفي عام مضى، وآخر حاضر بتبعاته، يقترب الخطّان المتوازيان من بعضهما أكثر من أي وقت آخر. الأفلام التي تجري في سباق كل من الجائزتين الكبيرتين غالباً ما كانت واحدة، كذلك الشخصيات السينمائية في شتّى مجالات العمل؛ من الإخراج إلى كتابة السيناريوهات والموسيقى وشتى التصنيفات التي تشهدها سباقات الممثلين.
لكن هذه السنة لا يوجد مفر من ظهور معظم الأفلام في قائمة «غولدن غلوبز» من دون تكرارها في قائمة «الأوسكار»، ومن المستبعد ألا تأتي النتائج ذاتها متقاربة. كل هذا في عام ثريّ بالأعمال المُستحقّة، رغم الوباء المعروف الذي فرض على صناعة السينما حول العالم (بما فيها من إنتاج وتوزيع وعروض ومهرجانات) ظروفاً غير مسبوقة.
- عام المرأة
يتضح ذلك أكثر من سواه في سباق أفضل الممثلات الرئيسيات لدى كل من «الأوسكار» و«غولدن غلوبز». وفي الأساس، موسم الجوائز هذا العام هو موسم نسائي بالدرجة الأولى. يتضح ذلك من قوّة المتنافسات في هذه المسابقة وكذلك، وفي حالة غير مسبوقة أخرى، في سباق «غولدن غلوبز» لأفضل مخرج الذي يشهد وجود ثلاث مرشّحات من أصل المرشحين الخمسة.
المرشّحات هن رجينا كينغ، عن «ليلة في ميامي»، وكلوي زاو عن «نومادلاند»، وإميرالد فَنَـل عن «امرأة شابّة واعدة». أما المرشحان الباقيان، فهما ديفيد فينشر عن «مانك»، وآرون سوركِن عن «محاكمة شيكاغو 7».
الغالب هنا هو أن تفوز سيّدة بـ«غولدن غلوب أفضل مخرج»، وأن يقع الاختيار على كلوي زاو عن فيلمها «نومادلاند». هذا الفيلم، كما سبق أن قدّمناه هنا، عمل ممتاز، لكن تحقيقه ليس أسهل على صانعه من تحقيق «ليلة في ميامي» أو «مانك». ما آخذه بعين الاعتبار هو أن هناك عدداً لا بأس به من الأعضاء من ذوي أصول جنوب آسيوية، كمحال كلوي زاو (ذات الأصل الصيني).
الأكثر من ذلك، نجد أنه لولا الالتزام بخمسة مرشحين في مسابقة «أفضل مخرج» في جوائز «غولدن غلوبز» وجوائز «الأوسكار»، لحفلت المسابقة بأسماء أخرى. فصوفيا كوبولا قدّمت «أون ذا روكس» مذكّرة بوميضها السابق عندما قدّمت «مفقود في الترجمة» الذي منحها «أوسكار أفضل سيناريو»، وترشيحها الوحيد حتى الآن لـ«أوسكار أفضل مخرج».
واستقبل المجتمع السينمائي جيداً فيلم كيلي رايشارد «بقرة أولى»، وفيلم إليزا هيتمان «أبداً نادراً أحياناً دائماً». لكن مَن فاز بترشيحات «غولدن غلوبز» في مجال الإخراج غالباً ما سيجد نفسه مرشّحاً لخوض منافسة أخرى مع رفاقه حين إعلان ترشيحات الأوسكار في السباق ذاته.
أما بالنسبة لأفضل الممثلات، فإن المرجح أكثر من سواه انتقال اللائحة التي أعلنتها «جمعية مراسلي هوليوود الأجانب» بكاملها إلى لائحة «أكاديمية العلوم والفنون السينمائية». إن لم يكن بكاملها فبغالبيتها على الأقل.
الممثلات اللواتي نتحدث عنهن هنا هن فيولا ديفيز عن «مؤخرة ما ريني السوداء»، وأندرا داي عن «الولايات المتحدة ضد بيلي هوليداي»، وفرنسيس مكدورمند عن «نومادلاند»، وكاري موليغن عن «امرأة شابة واعدة» وفنيسا كيربي عن «أشلاء امرأة».
إذا ما أسدلت الأكاديمية ستارتها على أي منهن، فإن البديل النسائي جاهز: هناك كيت ونسلت عن «أمونايت»، وميشيل فايفر عن «مَخرج فرنسي»، وزندايا عن «مالكولم وماري»، وحتى صوفيا لورِن عن «الحياة قُدُماً».
لا ننسى أن جائزة أفضل ممثلة أولى مزدوجة الشأن بالنسبة لـ«غولدن غلوبز»، فهناك مسابقة أخرى للممثلات في الأفلام الكوميدية والموسيقية. وبطلات هذه المسابقة هن آنا تيالور - جوي عن «إيما»، وروزمند بايك عن «أهتم كثيراً»، وميشيل فايفر عن «مَخرج فرنسي»، وكيت هدسون عن «موسيقى»، وماريا باكالوفا عن «فيلم بورات اللاحق».
عادة لا تنتقل الممثلات الكوميديات بصورة غالبة إلى ترشيحات «الأوسكار»، لكن كل من هدسون وفايفر تتبوآن الاحتمالات الأعلى، إذا ما بحث أعضاء الأكاديمية عن بديلات للممثلات المذكورات آنفاً.
- احتمالات رجالية
المقارنة تختلف أكثر بالنسبة للممثلين الرجال. في لائحة «غولدن غلوبز» لأفضل ممثل رجالي كوميدي هناك اسم واحد قد يتكرر في لائحة «الأوسكار»، وهو للهندي دف باتل، عن دوره في «التاريخ الشخصي لديفيد كوبرفيلد». الباقون إما لا حظ ملموساً لهم، أو أنه محدوداً جداً. هؤلاء هم ساشا كووَن عن «فيلم بورات اللاحق»، وآندي سامبرغ عن «بالم سبرينغز» (فيلمان من المستبعد أن نراهما في قائمة ترشيحات «الأوسكار» النهائية) ولين - مانويل ميراندا عن «هاميلتون»، ثم جيمس كوردون عن «حفل التخرّج».
وكما هو الحال بالنسبة للقائمة النسائية في سباق الأفلام الدرامية، نجد أن الممثلين الرجال الخمسة المرشحين لـ«غولدن غلوبز» مرشّحون أيضاً للأوسكار. إن لم يكن الطاقم بأكمله، فأربعة منهم على الأقل. هؤلاء الخمسة أساساً هم طاهر رحيمي عن «الموريتاني»، وريز أحمد عن «صوت المعدن»، (مسلمان لأول مرّة في القائمة ذاتها في ترشيحات «غولدن غلوبز») وأنطوني هوبكنز عن «الأب» (الأكبر سناً في تاريخ هذه الترشيحات بالنسبة لـ«غولدن غلوبز») وغاري أولدمن عن «مانك»، وشادويك بوزمَن عن «مؤخرة ما ريني السوداء».
إذا فاز بوزمن، فإنه سيكون أول ممثل أسود يفوز بتاريخ «غولدن غلوبز». أما إذا فاز الفرنسي طاهر رحيمي أو ريز أحمد بـ«غولدن غلوبز»، فسيكون ثاني ممثل مسلم يفوز بها بعد عمر الشريف الممثل العربي الراحل؛ فاز مرّتين الأولى سنة 1964 عن دوره المساند في «لورنس العرب» (إنتاج 1963)، والثانية سنة 1966 عن دوره الرئيس في «دكتور زيفاغو» (إنتاج 1965)، وكلا الفيلمين من إخراج ديفيد لين.
إذ قد نجد هذه الحقيبة تنتقل بالكامل تقريباً إلى سباق أوسكار أفضل ممثل، تطالعنا حقيقة أن الممثل الأفرو - أميركي دلروي ليندو (الذي أغفلته ترشيحات «غولدن غلوبز») لديه فرصة أفضل مع لائحة «الأوسكار». بالتأكيد سيغفل الأوسكار عن ضم واحد (على الأقل) من قائمة «غولدن غلوبز»، ما قد يتيح للممثل دلروي دخول السباق الأوسكاري.
هو الممثل الأبرز في فيلم سبايك لي «Da 5 Bloods» الذي غاب عن ترشيحات «غولدن غلوبز» كأفضل فيلم وكأفضل مخرج، لكنّ لديه احتمالاً كبيراً في دخول قائمة أوسكار أفضل فيلم. إذا ما فعل سيكون هناك ثلاثة أفلام على الأقل من بطولة وإخراج أفرو – أميركيين، هي «دا فايف بلودز» و«ليلة في ميامي» و«يهوذا والمسيح الأسود»، وإن لم يكن هذا الأخير، فإن البديل متوفر عبر «الولايات المتحدة ضد بيلي هوليداي» و«مؤخرة ما ريني السوداء». في هذا المجال (الذي سيتسع كالعادة لتسعة أو عشرة أفلام) هناك أفلام أخرى تقود الاحتمالات حالياً مثل «نومادلاند» لكلوي زاو، و«ميناري» للي أيزاك تشانغ، و«صوت المعدن» لداريوش ماردر، و«الأب» لفلوريان زَلر، و«مانك» لديفيد فينشر.
- عنقود العنب
هذا ما ينقلنا إلى مسابقة أفضل فيلم أجنبي- عالمي.
المقارنة بين القائمتين، تلك المعلنة لجوائز «غولدن غلوبز» والمُحتملة لـ«الأوسكار» تختلف في أكثر من وجه:
«غولدن غلوبز» رشّح الفيلم الفرنسي «كلانا» (عن علاقة عاطفية بين امرأتين بالغتين) والإيطالي «الحياة قُدما» (عن امرأة يهودية وفتى مسلم يتعايشان) والغواتيمالي «للورونا» Llorona (عن جنرال ديكتاتوري لاتيني سابق مشبع بالعنصرية)، والدنماركي «دورة أُخرى» (عن لقاء بين رجال يكشف كل منهم عن أسراره تحت وابل من الشُرب)، ثم «ميناري» وهو فيلم أميركي (حول عائلة كورية)، لكن حواره كوري في الغالب.
بينما لا تمانع الأكاديمية ضم «ميناري» لمسابقتها الرئيسية؛ كونه إنتاجاً أميركياً، فإن الخمسة الأكثر احتمالاً حتى الآن (كنا نشرنا قائمة «شورت ليست» أطلقتها الأكاديمية قبل أسبوعين تضم 15 فيلماً أجنبياً) هي التالية:
«دورة أخرى» (الدنمارك)، و«للورونا» (غواتيمالا)، و«كلانا» (فرنسا)، و«أنا لم أعد هنا» (المكسيك)، و«كيوفاديس، عايدة؟» (بوسنيا). حين كتابة هذه الكلمات تسعى جهات سينمائية تونسية لدفع فيلم «الرجل الذي باع ظهره» لكوثر بن هنية إلى هذه الترشيحات ممثلاً (ولأول مرّة) تونس. وهذا ما سيرفع من شأن احتمالاته لحد مرموق. مهرجان «آسيا وورلد فيلم فستيفال» في لوس أنجيليس سيعرضه قبل أسبوع من نهاية التصويت على جوائز «الأوسكار» موزّعاً الدعوة على أعضاء الأكاديمية، ليساهم في رفع حظوظ هذا الفيلم لديها.
كل ما سبق يشبه عنقود العنب؛ كل حبّة تقود إلى الأخرى، وفي النهاية هناك الحبّة الأخيرة، واسمها هنا «أوسكار أفضل مخرج». إذ ذكرت قائمة المخرجين المتنافسين في سباق غولدن غلوبر (زاو، سوركن، كينغ، فينشر وفَنل)، ومع احتمال تكرار بعض هذه الأسماء في قائمة «الأوسكار»، فإن العامل الأساسي لقائمة «الأوسكار» لا يستمد ترشيحاته من «غولدن غلوبز»، بقدر ما يستمدها من جائزة مهمّة أخرى تمنحها «جمعية المخرجين الأميركية». هذا لكون معظم أعضاء هذه الجمعية هم أعضاء الأكاديمية ما يضمن تكرار الترشيحات وتكرار النجاحات أيضاً.
تصويت جمعية المخرجين بدأ في الثامن عشر من هذا الشهر وفي التاسع من الشهر المقبل سيتم إعلان الترشيحات الرسمية للجمعية وبدء التصويت النهائي. هذا تمهيد لإعلان النتائج في الحفل الذي سيتم في العاشر من أبريل (نيسان). وهذا قبل 15 يوماً من إعلان نتائج سباق الأوسكار... وقت كافٍ لكي يعيد المخرجون المنتمون إلى جمعيتهم وإلى الأكاديمية ما صوّتوا له.
المرجّح أوسكارياً (وبالنسبة لجمعية المخرجين أيضاً) حتى الآن ترشيح المخرجة كلوي زاو عن «نوماندلاند» ولي إيزاك تشانغ عن «ميناري»، وديفيد فينشر عن «مانك»، ورجينا كينغ عن «ليلة في ميامي». في الصف التالي من الاحتمالات قد نقرأ أسماء آرون سوركِن عن «محاكمة شيكاغو 7» (كان سوركِن فاز بـ«أوسكار أفضل سيناريو» سنة 2010 عن «ذا سوشال نتوورك» الذي أخرجه منافسه الحالي ديفيد فينشر).
بول غرينغراس ربما لديه حظ لا بأس به، ولو محدوداً، عن «أخبار العالم»، كذلك حال فلوريان زَلَر عن «الأب»، وشاكا كينغ عن «يهوذا والمسيح الأسود». هذا من دون أن ننسى أن سبايك لي لديه حظ قوي في أن يكون أحد الخمسة الأقوى ترشيحاً عن «دا فايف بلودز».
هذه لن تكون القراءة الأخيرة في هذا الموسم الساخن. حال يقترب موعد حفل «غولدن غلوبز» سنتوقف عن الأعلى حظاً في نيل الجوائز. ثم سنلقي نظرة فاحصة أخرى، حين تُعلن الترشيحات الرسمية للأوسكار في الشهر المقبل. وما بين الاثنين ستطالعنا نتائج عديدة ذات أهمية، من بينها جوائز جمعية المصوّرين الأميركيين، وجوائز «بافتا» البريطانية.