أوغور شاهين وأوزلم توريتشي... معركة اللقاح ضد «كورونا»

الطبيبان الزوجان المتحدران من أصول تركية باتا من كبار أغنياء ألمانيا

أوغور شاهين وأوزلم توريتشي... معركة اللقاح ضد «كورونا»
TT

أوغور شاهين وأوزلم توريتشي... معركة اللقاح ضد «كورونا»

أوغور شاهين وأوزلم توريتشي... معركة اللقاح ضد «كورونا»

قبل شهرين تقريباً، لم يكن كثيرون قد سمعوا باسمي أوغور شاهين وأوزلم توريتشي. ولكن بياناً صحافياً واحداً صدر عن شركة «بيونتك» في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، كان كافياً لتحويلهما إلى «شخصي العام» بحسب صحيفة «فايننشال تايمز» و«بطلين» يحتفي بهما العالم لإنقاذه من كابوس فيروس «كوفيد 19». ذلك البيان أكد أن اللقاح الذي كانا يعملان على تطويره منذ يناير (كانون الثاني) 2020، قبل أن يتفشى الفيروس في العالم، وتعلنه منظمة الصحة العالمية «جائحة»، أثبت أن بإمكانه تأمين نجاعة تصل إلى 95 في المائة. وهكذا، تحوّل العالمان الألمانيان المتحدّران من أصول تركية، شاهين (55 سنة) وزوجته توريتشي (53 سنة)، إلى شخصيتين من الأكثر شعبية وشهرة في العالم.
بل اتصلت بهما المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في لقاء عبر الفيديو، لتعلمهما بأن الجميع فخور بهما. وبأن دول العالم بدأت تتهافت على شراء اللقاح الذي طوّراه في مختبر صغير بمدينة ماينز الألمانية، حتى أصبح العالمان من بين أغنى أثرياء ألمانيا. ولكن مع ذلك، فإن الزوجين يبدوان أكثر تصميماً من ذي قبل على التركيز على عملهما، إذ إنهما يدرّسان في جامعة ماينز (يوهانس غوتنبورغ)، ويعملان على تطوير لقاح للسرطان، وهو ما كانا يعملان عليه قبل بدء العمل على تطوير لقاح «كوفيد 19»، مستفيدين من التقنية نفسها التي كانا يدرسانها لتطوير لقاح للسرطان.
منذ بداية صعود أوغور شاهين، وزوجته أوزلم توريتشي إلى دائرة الضوء، يتمحور الاهتمام بهما حول أصولهما المهاجرة. وفي ألمانيا على الأقل، كان الاحتفاء بإنجازهما أكبر لكونهما تركيي الأصل، وليسا ألمانيين أصلاً. ولقد كتبت مجلة «فوكس» المحافظة عنهما، معلقة: «مع هذين الزوجين، أصبح لدى ألمانيا مثال لامع على الاندماج الناجح».
تعبير «الاندماج الناجح» تكرّر في تعليقات كثيرة، سياسية وصحافية، وبات كأنه الإنجاز الأكبر الذي حققه هذان العالمان. حتى إن أرمين لاشيت، رئيس وزراء ولاية شمال ووستفاليا، الطامح لخلافة المستشارة ميركل، دعا حزب «البديل لألمانيا» اليميني المتطرف إلى «التفكير بأشخاص مثلهما لدى الحديث عن المهاجرين». وللعلم، فإن هذا الحزب لا يتردد في تصوير المهاجرين واللاجئين على أنهم «فتيات يرتدين النقاب ورجال يحملون السكاكين»، كما قالت مرة زعيمة الحزب أليس فيدل داخل مبنى البرلمان.
مع ذلك، فإن الزوجين يقولان إنهما لا يحبان استغلالهما سياسياً، ويفضلان الحديث عن العلوم عوضاً عن الهجرة. وفي هذا السياق، نقلت «فايننشال تايمز» عن الدكتورة تورتشي قولها إنها تتفهم أنها وزوجها «يملآن مربعات معينة تثير الاهتمام»، ولكنها توافق زوجها الدكتور شاهين الذي يقول إنه «يفضل الحديث عن العلم» عوضاً عن خلفيته المهاجرة. وإذا كان لا بد من الحديث عن خلفية لنجاحهما، يقول الزوجان للصحيفة إنهما يريدان أن يعكسا شعاراً لمدرسة درس فيها شاهين في مدينة كولون، تحت اسم كاتب للأطفال، يدعى إريش كاستنر، يقول ذلك الشعار: «لا شيء جيداً سيحدث إذا لم تجعله يحدث».
تركيا... وإردوغان
أما في تركيا نفسها، فإن الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يبدو أنه هو الآخر يحاول استغلال قصة نجاح الزوجين العالمين سياسياً. وهو دائماً ما يجري اتصالات بألمان من أصول تركية معروفين أو حققوا نجاحات. وصورته الشهيرة مع مسعود أوزيل، نجم كرة القدم الألماني التركي، كانت «بداية النهاية» للاعب لامع بدأ يفقد بريقه عندما وافق على أن يرتبط اسمه بإردوغان. ومن ثم، دفعه انقلاب الصحافة الألمانية عليه في النهاية إلى مغادرة المنتخب الوطني الألماني نهائياً. واليوم، تتناقل مواقع تركية معارضة أن الزوجين لا يردان على اتصالات إردوغان بهما، وأنهما لا يريدان ربط اسميهما به لاعتراضهما على سياسته في تركيا. ولكن، ليس واضحاً بعد ما إذا كان الأمر صحيحاً أم لا. والزوجان نفساهما لم يتحدثا بالأمر.
ولكن الواضح، هو صمت شاهين وتوريتشي أمام التهنئة العلنية التي وجّهها لهما إردوغان من على المنصة الافتراضية للجمعية العامة للأمم المتحدة، والإطراءات التي أمطرهما بها. والواضح أيضاً إحجامهما عن إجراء أي مقابلة مع أي وسيلة إعلام تركية، مع أنهما تكلما لوسائل إعلام بريطانية وأميركية وألمانية، حتى عربية. ولم يمانعا في إجراء مكالمة مطولة عبر الفيديو مع ميركل التي امتدحت عملهما وتحدثت عن «اعتزازها بوجود عالمين مثلهما في ألمانيا»، من دون أن تأتي على ذكر أصولهما المهاجرة.
رغم ذلك، لا شك أن لأصول الزوجين المهاجرة دوراً في جعلهما الشخصين اللذين هما عليه اليوم. فشاهين ولد في مدينة الإسكندرونة، جنوب وسط تركيا، وانتقل إلى مدينة كولون الألمانية مع والديه اللذين قدما للعمل في شركة فورد للسيارات، عندما كان لا يزال في الرابعة من العمر. أما زوجته أوزلم فقد ولدت في ألمانيا لوالدين تركيين مهاجرين، الوالد طبيب. وفي مقابلة أدلى بها شاهين أخيراً لصحيفة «بيلد» الشعبية الواسعة الانتشار، قال عندما سئل عن أصوله المهاجرة: «ليست لديّ نصيحة سياسية أقدمها، فبالنسبة إليّ المهم أن نعيش في مجتمع يحترم فيه بعضنا بعضاً ونخلق إمكانية أن يحقّق كل شخص أحلامه وأهدافه». وتابع متوجهاً بكلامه إلى العائلات الموجودة في ألمانيا والآتية من دول مختلفة، فقال: «بالنسبة لوالدي كان من المهم جداً أن أذهب للمدرسة وأتعلم، فهما كانا يعملان يومياً، ويستيقظان في الساعة الرابعة والنصف كل صباح ويذهبان للعمل، وكان لديهما حلم بأن يصبح أولادهما شيئاً أفضل في المستقبل عن طريق العلم».
اليوم، يفخر أوغور شاهين بأن شركته بيونتك، التي توظّف 1800 شخص، تعبّر عن التنوّع الذي يؤمن به، فهؤلاء جاؤوا من 60 دولة مختلفة بحسب ما يقول، ونصفهم من النساء. وواقع أنه يتحدّر من أصول تركية، ساعده أيضاً على إنشاء علاقة صداقة شخصية مع المدير التنفيذي لشركة فايزر الأميركية الأميركي اليوناني الأصل ألبرت بورلا. وبالتالي، سهّل الاتفاق بين شركتي بيونتك وفايزر للتعاون في تطوير اللقاح بشكل سريع وفعّال. وعن ذلك، يقول شاهين لصحيفة «نيويورك تايمز» في لقاء معه: «عرفنا منذ البداية أنه من اليونان وأنا من تركيا، وكان الأمر شخصياً جداً منذ البداية... الثقة والعلاقة الشخصية مهمة جداً في تعاملات كهذه، لأن الأمور تتطور بسرعة، ونحن ما زلنا لم نوقع اتفاق تعاون شاملاً، وما زلنا نتعاون على أساس ورقة مبادئ».
- بدايات «بيونتك»
عندما بدأت شركة بيونتك التي أسسها شاهين مع زوجته عام 2008 بتطوير لقاح لـ«كوفيد 19» في بداية العام المنتهي، عُرفت سريعاً بأنها، كونها شركة صغيرة، لن تكون قادرة وحدها على تطوير لقاح سريعاً. ولا بد لها من الاستعانة بشركة أكبر تساعدها على إجراء التجارب الواسعة المطلوبة، ثم الإنتاج في مرحلة لاحقة. وهكذا كانت العلاقة الموجودة أصلاً بين الرجلين الذين كانا قد تعارفا قبل سنتين وعملا معاً على تطوير لقاحات للإنفلونزا، مفيدة في تسريع بدء التعاون لإنتاج اللقاح والانتهاء من التجارب سريعاً.
وحقاً، ساهم هذا التعاون السريع بين الشركتين في إنتاج واحد من أسرع اللقاحات تطويراً في التاريخ. والواقع أن رؤية شاهين، وقدرته على توقع تحوّل الفيروس إلى جائحة، قبل شهرين من إعلان منظمة الصحة العالمية كذلك، ساهم أيضاً في تحويل شركته إلى الأولى في سباق العثور على لقاح. ففي يناير 2020 بدأ شاهين العمل على اللقاح بعدما قرأ مقالاً في مجلة «لانسيت» الطبية البريطانية المرموقة جعلته مقتنعاً بأن الفيروس المنتشر في الصين سيتحول إلى جائحة عالمية. وطلب من العلماء العاملين في شركته الصغيرة إلغاء إجازاتهم والتوقّف عن العمل على المشروعات السابقة من أجل التفرغ للعمل على لقاح ضد الفيروس الجديد. وفي حينه، سُمّيت المهمة بـ«سرعة الضوء»، لأنه كان يعلم بأن عليه وفريقه العمل بسرعة الضوء للتوصل إلى لقاح فعال.
ثم إن شاهين نفسه قال عن ذلك في نوفمبر الماضي: «لم تكن هناك شركات كثيرة في العالم لديها القدرة والكفاءة على العمل بالسرعة التي عملنا فيها على اللقاح، لكننا لم نشعر بأنها فرصة، بل بأنها واجب». وفي الشهر الماضي، قال في مقابلة مع «بيلد» إن فريقه كان يعمل ليل نهار 7 أيام في الأسبوع، من دون توقف لتطوير اللقاح، وإن 3 فرق مقسمة للعمل طوال الليل والنهار في نوبات مختلفة. ومما قاله عن بدايات العمل على اللقاح ونتائجه: «سمينا المشروع سرعة الضوء، لأننا كنا نعلم أن الجائحة آتية إلينا، وليس لدينا أي وقت لإضاعته... وعلمنا منذ البداية أننا قد نكون الأوائل في تطوير لقاح، لأننا كنا نبني على تكنولوجيا وخبرات وأبحاث منذ 20 سنة». وبعدما تمكن العلماء في شركة بيونتك من تحديد عدد من اللقاحات المرشحة للنجاح، مستندين إلى تكنولوجيا طوّرها شاهين وزوجته خلال السنوات الماضية بأمل تطوير لقاح للسرطان، بدأ التعاون خلال مارس (آذار) الماضي مع شركة فايزر، مستعيناً بصداقته الشخصية مع مديرها التنفيذي.
- الجوانب التقنية
في الحقيقة، قبل أن يتحوّل الفيروس إلى جائحة، أدرك شاهين أهمية التكنولوجيا التي كانت تعمل عليها شركتها منذ سنوات، وهي تعرف بـmRNA (الحمض الريبي الساعي أو «مسنجر آر إن أيه»). فقبل سنتين، قال في محاضرة كان يلقيها في العاصمة الألمانية برلين إن شركته ستكون قادرة وبسرعة كبيرة على تطوير لقاح في حال انتشار أي وباء استناداً إلى هذه التكنولوجيا. وبالفعل تحقق ذلك. ونجحت «بيونتك» في بداية العام بالحصول على تمويل من الحكومة الألمانية، ثم من الاتحاد الأوروبي، للمساعدة على تطوير وإنتاج اللقاح بسرعة. وخلال الأشهر الأخيرة، ارتفع سعر سهم الشركة بشكل كبير، لتصل قيمتها إلى 21 مليار دولار أميركي، ما وضع الزوجين في لائحة أغنى 100 شخص في ألمانيا. وعن ذلك، تقول زوجته، الدكتورة توريتشي، التي تشغل منصب كبير الأطباء في شركة بيونتك، وفق صحيفة «الفايننشال تايمز» إن زوجها «يصيب في كثير من الأحيان عندما يتعلق الأمر بتنبؤ أشياء ما».
- خلفية شخصية
على الصعيد الشخصي، يقول أوغور شاهين إنه دائماً منذ كان طفلاً يحلم بأن يغدو طبيباً. وبالفعل التحق عام 1984 بجامعة كولون لدراسة الطب، وتخرّج عام 1992 في الجامعة نفسها، حاملاً شهادة دكتوراه الطب في مجالي السرطان والمناعة الخلوية. وخلال التسعينات، التقى شاهين بزوجته أوزلم توريتشي التي درست الطب أيضاً، في جامعة زارلاند بمدينة زاربروكن (جنوب غربي ألمانيا)، وذلك إبان عمله في مستشفى زارلاند الجامعي، بينما كانت تنهي دراستها. وتزوّج الطبيبان الشابان عام 2002 ورزقا ببنت، هي اليوم في السادسة عشرة من العمر، وتعيش معهما. وحتى اليوم ما زالت توريتشي، التي تعد بدورها رائدة في مجال العلاج المناعي للسرطان، أستاذة في جامعة ماينز، إلى جانب زوجها.
مع هذا، لم يكن صعود الزوجين سهلاً. فعندما بدآ أبحاثهما في مجال mRNA لم يحصلا على دعم كبير من زملائهما، ولم يلقيا ثقة بأن أبحاثهما قد تؤدي إلى اكتشافات جادة. ثم إنهما أصلاً اصطدما بكثير من العراقيل التي أوقفت أبحاثهما حول السرطان بعدما اكتشفا بأنه كثير التحوّر والتغيّر. وأكثر من هذا، فإن شركتهما التي تعمل على تطوير لقاحات منذ تأسيسها لم تحصل على ترخيص لاستخدام أي لقاح إلى أن جاء لقاح «كوفيد 19».
- انطباعات العاملين
العاملون مع أوغور شاهين يصفونه بأنه «شديد الذكاء». وذات مرة قال إندرياس كون، الذي يشغل منصب نائب الرئيس الأول للشركة في الكيمياء الحيوية، عنه، إنه «نادراً ما التقى شخصاً بذكاء شاهين، فهو دائماً متقدم بخطوة على الجميع». ثم رغم اضطرار شاهين وتوريتشي في الأشهر الماضية للتحول إلى الأعمال، فإنهما يفضلان العلم على الأعمال. وحول هذا الأمر يعلّق رئيس «فايزر» التنفيذي، ألبرت بورلا: «أوغور شخص فريد للغاية، لا يأبه إلا بالعلم. مناقشة الأعمال ليست ما يفضل، لا يحب ذلك أبداً، إنه عالم ورجل مبادئ، وأنا أؤمن به 100 في المائة».
وبالفعل، بلغ شغف شاهين وزوجته بعملهما وأبحاثهما حد دفعهما للعودة إلى المختبر يوم زفافهما بعد الحفل. وطوال سنواتهما معاً، كتبا مئات الأوراق البحثية في مجال تخصصي للغاية. ومع أنهما كان أول من عثر على لقاح لجائحة غيّرت العالم، فهما يقولان إن الهدف ليس فقط تطوير لقاح فعال، بل إيصال هذا اللقاح لأكبر قدر ممكن العالم، حتى في الدول الفقيرة التي لا يمكنها شراؤه. وهذا ما يوضحه شاهين أكثر بقوله: «هدفنا الآن هو إنتاج 1.3 مليار جرعة من اللقاح في العام 2021. ونحن ندرس الآن كيف يمكننا إنتاج مزيد من الجرعات. هذا الأمر يتطلب تخطيطاً حذراً وتعاوناً مع عدة شركاء». ثم يتابع: «أعتقد أن حاجات الناس في كل مكان من الكوكب هي نفسها، إنهم يتوقعون وصولاً عادلاً للقاح... ونحن نسأل أنفسنا منذ البداية؛ كيف يمكننا ضمان ذلك؟».
هل سينجح أوغور شاهين وزوجته أوزلم توريتشي في إيصال لقاحهما بشكل عادل لكل العالم أم لا؟ يبقى ذلك محل تساؤل حتى الآن... لكن المؤكد أنهما دخلا التاريخ عالمين مميزين سبّاقين إلى تطوير لقاح ضد جائحة أهلكت الدنيا.


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
TT

حذر روسي في التعامل مع «انفتاح» ترمب على كسر الجليد مع موسكو

من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)
من لقاء الرئيسين دونالد ترمب وفلاديمير بوتين في العاصمة الفنلندية هلسنكي عام 2018 (آ ب)

طوال فترة الحملات الانتخابية في الولايات المتحدة، حرص الرئيس المنتخب دونالد ترمب على تأكيد قدرته على كسر كل الحواجز، وإعادة تشغيل العلاقات مع موسكو عبر تفاهمات سريعة وفعالة لوقف القتال في أوكرانيا، ووضع خريطة طريق لمعالجة الملفات الخلافية المتراكمة مع الكرملين. وقبل أيام قليلة من تسلم صلاحياته رسمياً، برزت اندفاعة جديدة من الرئيس الجمهوري نحو روسيا، عندما أعلن استعداده لتنظيم لقاء عاجل مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين يرسم ملامح العلاقة المستقبلية ويضع خطط إنهاء الحرب وتخفيف التوتر على مسار التنفيذ. لكن اللافت أن هذه التصريحات لم تُقابَل بشكل حماسي في روسيا. بل فضَّل الكرملين التزام لهجة هادئة تؤكد الانفتاح على الحوار، مع التذكير في الوقت ذاته، بعنصرين ضروريين لنجاح أي محاولة لكسر الجليد بين البلدين، أولهما اتضاح الملامح الأولى لرؤية الرئيس الأميركي الجديد لتسوية الملفات الخلافية المتراكمة، والآخر التذكير بشروط الكرملين لإنهاء الحرب في أوكرانيا. وبالتوازي مع ذلك، بدت تعليقات الأوساط المقربة من الكرملين متشائمة للغاية، حيال فرص إحراز تقدم جدّي على أي مسار... لا في الحرب الأوكرانية ولا العلاقات مع «ناتو»، ولا ملفّات الأمن الاستراتيجي في أوروبا.

لا ينظر أحد في روسيا بجدية إلى إمكانية تحقيق قفزات سريعة تؤدّي إلى تحسّن العلاقات مع الولايات المتحدة، وتضع إطاراً واقعياً للحوار حول الملفات الخلافية. وعلى الرغم من أن الرئيس الأميركي العائد دونالد ترمب صرّح مرّات عدة بأن موقف روسيا يمكن فهمه، وأن سبب الصراع كان إلى حد كبير السياسة المناهضة لروسيا التي تنتهجها «الدولة العميقة» الأميركية، فإن الأوساط الروسية تنظر بريبة إلى قدرة ترمب، العائد بقوة إلى البيت الأبيض، في تجاوز الكثير من «المطبّات» التي تعترض طريق إعادة تشغيل العلاقات بين موسكو وواشنطن.

رسائل روسية واضحة

في هذا الصدد، كان لافتاً أن موسكو تعمّدت توجيه رسائل واضحة إلى الإدارة الأميركية الجديدة، عبر إطلالتين إعلاميتين لشخصيتين تعدّان من أبرز المقربين لبوتين، هما وزير الخارجية سيرغي لافروف والمستشار الرئاسي وعضو مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف. وفي الحالتين كان التوقيت وشكل التعامل مع «اندفاعة ترمب» يحظيان بأهمية خاصة.

جوهر كلام المسؤولين ركّز على قناعة بأن العالم قد يكون أمام «فرصة حقيقية للسلام» في عهد ترمب، بيد أن الانفتاح الروسي على الحوار مرتبط باستناد هذا الحوار إلى أسس «مبادرات ملموسة وخطوات ذات معنى بشأن الاتصالات على أعلى مستوى»، والأهم من ذلك، أن تتوافر لدى ادارة ترمب «اقتراحات محددة» بشأن أوكرانيا، وفق تعبير لافروف.

والاقتراحات المحددة المطلوبة روسياً، ينبغي أن تنعكس - كما قال الوزير – بـ«جدية في الاستعداد لحل المشاكل المتراكمة عبر الحوار لا عبر الضغوط والتهديدات» التي لم ينجح سلف ترمب في معالجتها.

وفي إشارة ذات مغزى، قال لافروف إنه «من المفيد أن نرى ما هي الأساليب التي سيستخدمها ترمب لجعل أميركا أعظم». وهذه عبارة أكملها باتروشيف بقوله: «هل سيكون ترمب قادراً على ترجمة نواياه بالكامل؟ وكما أظهرت ولايته الأولى، فإن (الدولة العميقة) السيئة السمعة في الولايات المتحدة... قوية للغاية».

أوكرانيا «رأس الأولويات»

الموقف الذي أعرب عنه المسؤولان الروسيان ينطلق من «الاستعداد للمناقشة والاتفاق على أي شيء باستثناء شيء واحد - أوكرانيا. (...) لقد عبّرنا عن موقفنا مراراً وتكراراً، وهو موقف لا يمكن تغييره». وفي هذا الإطار، لوّح لافروف بأنه إذا توصّلت روسيا إلى استنتاج مفاده أن واشنطن ستواصل دعم «النظام النازي المعادي في كييف» فإنها (أي موسكو) ستضطر إلى اتخاذ قرارات صعبة. في حين قال باتروشيف إن أوكرانيا «قد تختفي عن الخريطة خلال هذا العام» إذا استمرت السياسات الغربية السابقة.

الرسالة الروسية الثانية لترمب كان فحواها أن أي تسوية أو ضمانات لأوكرانيا، يجب أن تكون مرتبطة باتفاقيات أوسع نطاقاً. وهنا قال لافروف إن «روسيا مستعدة لمناقشة الضمانات الأمنية لأوكرانيا، لكنها يجب أن تكون جزءاً من اتفاقيات أكبر». بينما أوضح باتروشيف أنه بالإضافة إلى التوصل إلى ترتيبات أمنية في القارة الأوروبية «يجب وقف التمييز ضد السكان الروس في عدد من البلدان، وبالطبع، في دول البلطيق ومولدوفا».

أما النقطة الثالثة التي تحدّد شروط الحوار، فتنطلق من ضرورة البدء بمنح روسيا ضمانات كاملة عبر ملفي: وقف مسار ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الاطلسي (ناتو) وتأكيد حيادها لعشرات السنوات، وتقليص القدرات العسكرية لهذا البلد ومنع تسليحه مجدداً.

هكذا، ترى موسكو المدخل الصحيح للحوار، الذي يجب أن يتأسس - كما قال الرئيس الروسي سابقاً - على قاعدة الإقرار بالتغييرات الميدانية التي وقعت خلال سنتين، بما يضمن الاعتراف الغربي بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع التي ضمتها روسيا خلال عام 2022.

تشكل هذه القاعدة التي تنطلق منها موسكو سبباً وجيهاً للتوقعات المتشائمة حول فرص إحراز تقدم، تضاف إلى الشكوك المحيطة بقدرة ترمب الفعلية على تجاوز كل العقبات والضغوط الداخلية والانطلاق نحو تقديم تنازلات مهمّة للروس.

يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية،

لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية

التداعيات على أوكرانيا

كيف يتأثر الوضع في أوكرانيا؟

في هذا الإطار، وضع أحد أبرز خبراء السياسة في «المجلس الروسي للسياسة والأمن»، وهو مؤسسة مرموقة ومقربة من الكرملين، التصور التالي لشكل العلاقة مع ترمب في ملفات رئيسة:

بدايةً، في أوكرانيا ستفشل محاولة ترمب للتوصل إلى وقف إطلاق النار على طول خط التماس. وذلك لأن المخططات الأميركية لـ«وقف الحرب» تتجاهل تماماً المصالح الأمنية الروسية، كما تتجاهل الأسباب التي أدت أولاً إلى الأزمة ثم إلى الصراع العسكري واسع النطاق في أوكرانيا.

في المقابل، لن تقبل واشنطن الشروط الروسية لبدء المفاوضات ومعايير السلام التي أعلن عنها الرئيس فلاديمير بوتين في يونيو (حزيران) الماضي؛ لأنها تعني في الواقع استسلام كييف وهزيمة استراتيجية للغرب. وخلافاً لتوقعات التهدئة، فإن ترمب «المهان»، رداً على رفض خطته، سيعلن دعمه لأوكرانيا ويجمع حزمة أخرى من العقوبات على موسكو. لكنه في الوقت نفسه، سيمتنع عن التصعيد الجدي للصراع؛ كي لا يستفز روسيا ويدفعها إلى ضرب أراضي دول «ناتو»، بما في ذلك القواعد الأميركية الموجودة هناك. ومع هذا، ورغم غطاء الخطاب القاسي المعادي لروسيا، فإن المساعدات الأميركية لنظام كييف ستنخفض، وسيتعيّن على الأوروبيين تغطية العجز الناتج من ذلك. ومن حيث المبدأ، فإن الاتحاد الأوروبي مستعدٌ لذلك، وبالتالي لن يكون هناك خفض كبير في الدعم المادي لأوكرانيا من الغرب في العام الجديد على الأقل.

إلى جانب ذلك، قد تحاول واشنطن، وفقاً للخبير البارز، بدعم من بريطانيا وحلفاء آخرين، تعزيز الموقف السياسي الداخلي لنظام كييف من خلال المطالبة بإجراء انتخابات في أوكرانيا، وبالتالي استبدال فولوديمير زيلينسكي وفريقه المكروهين بشكل متزايد بمجموعة أخرى بقيادة رئيس الأركان السابق فاليري زالوجني. لكن التأثير السياسي المحلي لمثل هذا الاستبدال سيكون قصير الأجل.

العلاقة مع أوروبا

أيضاً، يرى خبراء روس أن ترمب لن ينجح في قلب الموازين الداخلية، لصالح إطلاق تغييرات جذرية في السياسة الخارجية الأميركية. وهذا يعني أنه لن يحقق وعوده حيال علاقة الولايات المتحدة مع «ناتو»، وبدلاً من ذلك، سيرفع السعر الذي يتوجب على الأوروبيين دفعه للانضمام إلى التكتل.

ووفقاً لبعض الخبراء، سيكون لزاماً على الأوروبيين، الذين كانوا يخشون عودة ترمب، أن يقسموا يمين الولاء له. وبالتالي، «لن تكون هناك معارضة ضد ترمب بأي شكل من الأشكال؛ لأن دول الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى أميركا زعيمةً: ليس فقط حاميةً عسكريةً، بل وأيضاً زعيمةً سياسيةً ــ لا تقل عن حاجتها إلى روسيا باعتبارها «تهديداً مباشراً على الأبواب».

بهذا المعنى، تتطابق آراء الخبراء في مسألة أن «العداء لروسيا سيظل العامل الحاسم في توحيد أوروبا في عام 2025».

ويضيف بعضهم القناعة بأنه خلافاً للفكرة الرائجة بأن الأوروبيين متردّدون في مواجهة روسيا، بشكل رئيس بسبب الضغوط الأميركية، فإن الحقيقة أن روسيا، باعتبارها عدواً، تشكل عاملاً قوياً في توحيد النخب الأوروبية ودولها. بمعنى أنه كان لا بد من «اختراع التهديد الروسي»، وتقديم الحرب في أوكرانيا باعتبارها المرحلة الأولى من «الاختطاف الروسي لأوروبا».

في السياق ذاته، ينظر إلى الانتخابات المقبلة في ألمانيا، بأنها ستحمل إلى السلطة ائتلافاً جديداً، سيعمل أيضاً على تشديد السياسة تجاه موسكو. ولكن في الوقت نفسه، من غير المرجح إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا بناءً على دعوة من فرنسا، لأن أوروبا تنظر إلى خطر الصدام العسكري المباشر مع روسيا على أنه مفرط في المخاطرة.

وداخلياً، ينتظر أن تواصل أوروبا الاستعداد بنشاط للحرب مع روسيا - وفقاً لأنماط الحرب الباردة في النصف الثاني من القرن العشرين، لكن على حدود جديدة، تحولت بشكل كبير نحو الشرق. كذلك، سيزداد الإنفاق العسكري للدول، ويتوسع الإنتاج العسكري، وتتحسن البنية التحتية العسكرية، وبخاصة، على الجانب الشرقي لـ«ناتو». وبناءً عليه؛ سيصبح المناخ الاجتماعي والسياسي أكثر صعوبة أيضاً.

وهكذا، بشكل عام، يقول خبراء روس إن عام 2025 عموماً سيكون مليئاً بالصراعات، الممتدة من عهد ولاية الرئيس جو بايدن حول روسيا وفي أوروبا، كما سيكون محفوفاً بالمنعطفات غير المتوقعة والخطيرة.

ومع القناعة بأن الاضطراب الاستراتيجي يتزايد باطراد، فإن نتيجة المعركة من أجل النظام العالمي الجديد ليست مُحددة مسبقاً بأي حال من الأحوال. إذ إن نقطة التوازن الافتراضية في النظام العالمي لا تزال بعيدة كل البعد عن الأفق. وفي هذا الصدد، يرون أن روسيا ستواجه في عهد الإدارة الجديدة تحدّيات جديدة في العديد من المجالات... ولا بد أن تكون مستعدة لها.