جورج كلوني يعود في فيلم جديد فوق أرض لا تصلح للعيش

كلوني كما يبدو في «سماء منتصف الليل»
كلوني كما يبدو في «سماء منتصف الليل»
TT

جورج كلوني يعود في فيلم جديد فوق أرض لا تصلح للعيش

كلوني كما يبدو في «سماء منتصف الليل»
كلوني كما يبدو في «سماء منتصف الليل»

هناك العديد من الأحداث السينمائية التي تحتشد في شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل، وأحدها الفيلم الجديد «سماء منتصف الليل (The Midnight Sky)» الذي تتأهب محطة «نتفليكس» لإطلاقه في الثالث والعشرين منه.
أخرجه جورج كلوني عن رواية بالعنوان نفسه لمارك سميث الذي كان المخرج أليخاندرو غونزاليز إيناريتو صور له «الانبعاث» (The Revenant) قبل خمس سنوات. مثل الرواية السابقة تتعامل رواية سميث «سماء منتصف الليل» مع رحلة رجل واحد في الطبيعة القاسية سعياً لغاية لا مفر منها.
هي رواية مستقبلية تنتمي إلى حقبة زمنية ماضية (القرن التاسع عشر). كلوني يؤدي دور عالم اسمه أوغستين يحاول إقناع رواد فضاء بعدم العودة إلى الأرض لكونها أصبحت خطراً على سكانها. في هذا السبيل، عليه أن يقطع مسافات طويلة لاهثاً للوصول قبل فوات الأوان… إن لم يكن هذا كافياً، فما البال لو عرفنا أن أوغستين ملزم برعاية طفل يشاركه الرحلة؟

سيرة فيلمية
هذا هو الفيلم السابع لكلوني مخرجاً. كان في الحادية والأربعين من عمره، سنة 2002. عندما حقق أول فيلم له «اعترافات عقل خطير» (Confessions of a Dangerous Mind). وكان بدأ التمثيل في عدد من أفلام الرعب الشبابية سنة 1983. أحدها «عودة البندورة القاتلة (Return of the Killer Tomatoes)» سنة 1988، وأشهرها «من الغسق إلى الفجر (From Dusk till Dawn)» سنة 1996.
أدى نجاح «من الغسق إلى الفجر» إلى لفت اهتمام هوليوود إليه كمشروع نجم جديد. هذه النظرة الجادة أدت به إلى دوره العاطفي الكبير الأول تحت عنوان «في يوم ممتاز (One Fine Days)» الذي قام ببطولته (سنة 1996) أمام ميشيل فايفر.
هذا قاد لانتخابه في دور «باتمان» في فيلم جويل شوماكر «باتمان وروبِن» في العام التالي، وفي العام ذاته لعب بطولة فيلم تشويقي جيد هو «ذا بيسماكرز» أخرجته ميمي لَدر ووقف فيه لجانب نيكول كيدمان.
فيلمه الأول مع المخرج ستيفن سودربيرغ تلا ذلك سنة 1998. كان ذلك في «مخفي (Out of Sight) الذي جاور التشويق مع الكوميديا. الفيلم الثاني بين كلوني وسودربيرغ ورد بعد عامين في «يا أخ، أين أنت؟» (O Brother‪، ‬ Where Art Thou‪?‬).
قبله فيلمان مهمان: «الخط الأحمر الرفيع» (The Thin Red Line) لترنس مالك (1998) و«ثلاثة ملوك» (Three Kings) لديفيد أو راسل (1999). بعدهما خمسة أفلام أخرى في الفترة ذاتها لحساب سودربيرغ هي «أوشن 11» (2001) و«سولاريس» (2002) و«أوشن»: «أوشن 12» (2004) و«الألماني الجيد» (2006) ثم «أوشن 13» (2007).
«ثلاثة ملوك» كان تجربة في الفيلم ذي النبرة السياسية. منهج عاد إليه جورج كلوني لاحقاً وباختياره. حكاية ثلاثة مجندين (كلوني، ومارك وولبرغ وآيس كيوب) يكتشفون وجود حمولة من الذهب يودون الحصول عليها والهرب بها، لكن المأساة العاصفة (والفيلم يقع في العراق بعد الحرب الأولى) يجبر الجميع على الاهتمام بمآسي المواطنين البسطاء.
بعد عامين من «ثلاثة ملوك»، وجدنا كلوني يقرر التحول إلى الإخراج وموضوعه الأول كان شائكاً: سيرة حياة تشاك باريس الذي كان نجماً لبرامج الألعاب التلفزيونية، لكنه اعترف لاحقاً بأنه كان محترف قتل لحساب وكالة المخابرات الأميركية.
يتعامل الفيلم مع أمرين لافتين. الأول أنه، مثل فيلم كلوني اللاحق «تصبحون على خير، وحظ سعيد» (Good Night‪، ‬ and Good Luck)، يتعامل مع أحداث حقيقية ذات إطار تلفزيوني من دون أن ننسى أن جورج هو ابن المقدم التلفزيوني الناجح نك كلوني. الثاني هو أن الفيلم كان إطلالة كلوني الأولى، كمخرج، على الموضوع السياسي ولو ضمن السياق التشويقي للفيلم.
من هذا السياق انتقل في «تصبحون على خير، وحظ سعيد» (2005)، إلى السياسة نفسها. هذا لأن الفيلم يتعاطى مسألة الثقل الذي تركته حملة مكارثي على الإعلام من الخمسينات وحتى الستينات عندما تصدى الإعلامي إدوارد مورو (قام بإداء دوره ديفيد ستراثيرن) للسيناتور جوزف مكارثي نفسه منادياً باستعادة حرية التعبير الأميركية.
في العام ذاته كان لجورج كلوني عودة إلى موضوع الشرق الأوسط في فيلم يشبه «ثلاثة ملوك» من حيث تعامله مع سياسات الشرق الأوسط. الفيلم من إخراج ستيفن غاغان وقائم على أحداث تقع في بلد خيالي (لو أن الاسم قريب جداً من سوريا) ويتعامل مع السياسة الأميركية حيال النفط في المنطقة وسعي الشركات المتنافسة لاستحواذها. الموضوع قديم الآن وكان قديماً حين إنتاج الفيلم كذلك، لكنه يفي برغبة صانعيه الحديث عن السياسات الخارجية للولايات المتحدة حيال المنطقة ودور المخابرات الأميركية فيها.

سياسي بمبادئ
فيلم آخر لجورج كلوني، ممثلاً ومنتجاً هذه المرة، ارتبط بأوضاع الشرق الأوسط هو «الرجال الذين يحدقون بالماعز» (2009). هذا الفيلم الساخر عرضه مهرجان فينيسيا (وكان سبباً لواحد من عدة لقاءات تمت بيني وبين كلوني في المدينة). خدماته، حسب الفيلم، دخلت عماد الحرب العراقية آنذاك.
في «سوبربيكون» (الذي عرضه كذلك مهرجان فينيسيا سنة 2017)، استدار صوب السياسة الأميركية الداخلية ملقياً الضوء على أحداث خيالية موزعة على وضعين متوازيين: زوج يتخلص من زوجته ليرث تأمينها لتخلو له شقيقتها (التي تعلم ما فعل)، وعائلة أفرو - أميركية تنتقل للعيش في هذه البلدة الصغيرة المشمسة التي اختارها سكانها (والأحداث تقع في الخمسينات) مكاناً لعيش نظيف، مريح، مشمس و... من دون أفرو - أميركيين.
وعلى نحو متوازٍ، يقدم كلوني خطي الأحداث كما لو كان يتعامل مع موضوعين مختلفين، لكنهما في الواقع موضوعاً واحداً متصلاً عند الصرة الاجتماعية. واحداً محدداً بحكاية تشويق عائلية والآخر محدد بإطار اجتماعي واسع.
الموضوع الذي يحيط بجنوح الزوج (مات دامون) الإجرامي مستأجراً رجلين بلا قيم اجتماعية للقيام بالجريمة، هو من كتابة الأخوين كووَن قبل عدة سنوات. عندما أخرجا «فارغو» سنة 1996 الذي احتوى أيضاً على مؤامرة زوج للتخلص من زوجته باستقدام قتلة، ركنا هذا المشروع جانباً إلى أن اشترى كلوني حقوقه مضيفاً إلى السيناريو الذي كتبه مع شريكه في الإنتاج غرانت هسلوف الموضوع الاجتماعي الذي يصب مباشرة في رحى ما يحدث في عام 2017 (ثم لاحقاً) من هزات عنصرية وشغب عرقي في الولايات المتحدة معيداً الموضوع الذي تسبب بنشوب الحرب الأهلية في ستينات القرن التاسع عشر إلى الطرح.
إمعاناً في رغبة كلوني الحثيثة طرح المواضيع السياسية، من جملة ما أنتجه ومثله أو أخرجه، نجده في سنة 2011 عمد إلى تحقيق فيلم «منتصف شهر مارس (آذار)» (The Ides of March). يؤدي كلوني هنا دور رجل سياسي بمبادئ لا يساوم عليها. في مطلع الفيلم نستمع إلى بعض تلك المبادئ: «أنا لست مسيحياً، ولست ملحداً. لست يهودياً ولست مسلماً. أنا أؤمن بالدستور الأميركي».
خلال الفيلم سنستمع إلى مبادئ أخرى تعكس آراء الرجل ومواقفه من المشاكل التي تعيشها الولايات المتحدة الأميركية. يخطب ضد القلة من الأثرياء التي تهيمن على المقدرات الاقتصادية للبلاد، ومع حق الطلاب في تعليم مجاني كامل. ينتقد تراجع الولايات المتحدة عن مكانتها السابقة ويدعو إلى بداية عصر جديد من الثورة التكنولوجية تكون الرائدة فيه. الأهم: «علينا أن نجلس وأعداء أميركا على طاولة المفاوضات، عوض أن نلقي على العراق القنابل».
الفيلم بأسره، ورغم محدودية ميزانيته، هو تحية للسينما الرصينة. لدى كلوني القدرة على تحريك الأحداث بفاعلية من دون افتعالها أو افتعال إيقاعها. لا يفوته في الوقت ذاته التوقف لفحص الشخصيات ومن خلالها مواقفها المتباينة. المصالح التي تتوزعها ولماذا - في نهاية كل مطاف - لا يفوز من يحمل أراءً تشبه تلك التي يحملها موريس.

مشاريع اليوم والغد
يأتي «سماء منتصف الليل» بعد فترة انقطاع عن العمل السينمائي تمتد من سنة 2017 حال إخراجه «سوبربيكون». لكنه انقطاع مرحلي. ففي هذه الفترة كان تزوج من اللبنانية أمل علم الدين وأنجبا توأماً وأسسا صندوق دعم للقضايا الاجتماعية.
على ذلك، أمضى كلوني الكثير من الوقت معاينا المشاريع التي تثير اهتمامه وقسمها إلى مشاريع يود إنتاجها وأخرى يود إخراجها من دون أن يغفل عن رغبته في تمثيل بعضها. كمخرج فإن فيلمه التالي هو «سانت جون»، واللاحق عنوانه «هاك أتاك» ولديه كذلك «صدى» الذي خطط ليكون فيلمه لعام 2023.
أما منتجاً فلديه ثلاثة تنتظره: «الفيلق الأحمر» (Red Platoon) الذي يدور حول الحرب الأميركية في أفغانستان و«رائد» (Pioneer) المستوحى من فيلم نرويجي بالعنوان ذاته، ثم «مات هلم (Matt Helm) وهي شخصية بوليسية لعبها دين مارتن في بعض أفلام السبعينات.
أما «سماء منتصف الليل» فكان أنهى تصويره في مارس الماضي، واستغل حالة الركود الذي تسبب به وباء كورونا، لكي ينجز توليفه وإعداده في راحة بيته في لوس أنجيلس. لكن المشروع في الأساس هو لـ«نتفليكس» التي كانت اتصلت به لكي تعرض عليه القيام بتمثيل الدور الرئيسي فيه. يقول في محادثة سريعة: «عندما قرأت السيناريو قررت أن أخرج الفيلم بنفسي. وجدت فيه ما استرعى انتباهي. وجدت أجواءه قريبة من فيلمين لي أحبهما كثيراً «سولاريس» لسودربيرغ و«جاذبية» لألفونسو كوارون».
نتيجة ذلك، اتصل كلوني برئيس إنتاجات «نتفليكس»، وقال له إنه يود إخراج الفيلم أيضاً. يقول:
«اشترطت بعض التغيير. الشخصية التي أؤديها تقوم بالرحلة مع فتاة صغيرة لا تتكلم. لكنه كثير الكلام. الفيلم مليء بالحوار ووجدت أن الوضع لا يمكن أن يكون واقعياً هكذا. أقصد إذا كنت تقوم برحلة مع شخص صامت فإنك لن تشعر بالرغبة في الحديث طويلاً إليه. اشترطت أن يُحيد هذا الحوار المكثف وبالتالي الاعتماد على الصورة. وجدت أنها تكفي وحدها».
تم التصوير في آيسلندا حيث لم يتطلب الأمر الكثير من ابتداع الجو البارد في شتاء مطلع 2020:
«نعم كان التصوير صعباً. الرياح كانت شديدة وإذا وضعت يدك أمام وجهك لن تراها. رُبطت والفتاة بحبال غير مرئية، لكي نضمن بقاءنا سوياً وصاحبنا عدد قليل من الفنيين في هذه الظروف الصعبة. لكني كنت مصراً على تصوير واقعي في مقابل التصوير في استوديو مثلاً».
لم يحاول كلوني اعتماد الطريق السهل، ليس فقط بالنسبة للتصوير في أماكن طبيعية، بل بالنسبة كذلك إلى علاقته بالكاميرا خلفها وأمامها. فدوره كمخرج كان ينص على أن يهتم بتفاصيل العمل لكل لقطة ومشهد. هذا طبيعي لأي مخرج يريد إنجاز فيلم جيد، لكن عند كلوني هو حرص شديد لا يوازيه سوى حرصه للظهور أمام الكاميرا متعاملاً مع تفاصيل الدور جيداً.
كمثال، يذكر كلوني التالي: «ألعب دور العالم الذي لا يشعر بأن لديه الكثير من الوقت قبل أن يموت، لكنه يريد تحقيق غايته قبل ذلك. خسرت الكثير من الوزن. وربيت لحية بيضاء، وبقي أن أفحص علاقته بالتفاصيل، حين يمسك بالمسدس. كيف يُمسك العالم بالمسدس؟ لا يُمسك به كما يُمسك به إنسان آخر. هو أداة جديدة عليه. تعامله معه يختلف. وهناك تفاصيل أخرى كنت على ثقة بأنني أحتاج العمل بمقتضاها لكي يأتي الفيلم متكامل.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».