الأردن: إجراءات استثنائية... ونتائج تقليدية

تراجع التمثيلين النسائي والحزبي وإقبال متواضع على الاقتراع

الأردن: إجراءات استثنائية... ونتائج تقليدية
TT

الأردن: إجراءات استثنائية... ونتائج تقليدية

الأردن: إجراءات استثنائية... ونتائج تقليدية

لم يحظَ أي مجلس نيابي أردني سابق بحصة النقد التي نالها مجلس النواب الأردني التاسع عشر المنتخب، وذلك عشية صدور نتائج الانتخابات، الثلاثاء والأربعاء الماضيين، التي تبعها تجمعات جماهيرية واسعة لأنصار مرشحين لم يحالفهم الحظ، ونواب ظفروا بالمقعد البرلماني.
مؤشر الثقة بالمجالس النيابية الأردنية لدى جمهور الرأي العام، بحسب استطلاعات الرأي، ما زال يتراوح عند حاجز 17 في المائة. وهي نسبة شكلت تحدياً للمجالس النيابية أمام تراجع منحنى الأداء التشريعي والرقابي، وسط غياب ملحوظ لأطر العمل الكتلوي - البرامجي الملزم للمنضوين تحت ألوائه، كعنوان ناظم للعمل الجماعي. وأيضاً، مع بروز ظاهرة النائب - الحزب التي أفرزتها قوانين الانتخاب على مدى العقود الثلاثة الأخيرة، وغياب الإرادة السياسية في دعم برامج إصلاح تمثيل السلطة التشريعية في مهمتها الدستورية.
ووسط مخالفة نواب فائزين لأوامر الدفاع التي منعت التجمّعات، طالت سهام النقد صفقات شراء الأصوات التي بثّتها فيديوهات تم إحالتها للقضاء. وللعلم، كانت الهيئة المستقلة للانتخاب، التي تشرف على إجراء الانتخابات حصريا منذ 2013 بموجب تعديلات دستورية، قد ذكرت بأن التجاوزات قد طالت أعدادا قليلة من المرشحين. وذكرت أيضاَ أن معظمهم التزم تقاليد التنافس خلال مراحل العملية الانتخابية، مع الأخذ في الاعتبار زيادة نسبة الترشح للانتخابات لهذه المرة بواقع 1674 مرشحاً، فاز منهم 130 نائباً، بينهم 15 مقعداً مخصصة للكوتا النسائية. من ناحية أخرى، ولد المجلس النيابي والأردن في حالة وبائية مركبة، ليفجر بعد ولادته قفزات صادمة، في سلسلة إصابات فيروس «كوفيد- 19» في البلاد.

كشفت النتائج النهائية لانتخابات مجلس النواب التاسع عشر في الأردن عن نجاح 98 نائباً جديداً، لم يسبق لهم العمل البرلماني. وهذا ما يضاعف من حجم التحديات أمام السلطة الشريكة الحكومة رئيساً ووزراء، ولا سيما في ظل ضعف الخبرة في مراجعة التشريعات وإقرارها على الأقل في الأيام الأولى لدورتهم متأرجحة الانعقاد، أو ربما لصالح تكثيف العمل الرقابي الذي عادة ما يأخذ بُعداً استعراضياً خلال الدورة النيابية الأولى من عمر المجلس الوليد.
بعودة 30 نائباً سبق لهم العمل البرلماني، سواء خلال المجلس السابق أو مجالس سابقة، يبدو أن الأقطاب النيابية قد تجد صعوبة في تشكيل كتل برلمانية على أساس برامجي، باستثناء الكتلة الحزبية الوحيدة، كتلة «الإصلاح»؛ الذراع النيابية لحزب جبهة العمل الإسلامي، المحسوب على جماعة «الإخوان المسلمين» غير المرخصة في البلاد. ولكن الكتلة لن تحظى بالتسجيل لدى المكتب الدائم، لأن نصابها لم يصل لحاجز 13 في المائة كنسبة للتشكيل بحسب النظام الداخلي للمجلس، إذ حازت على 10 مقاعد نيابية تضم حزبيين ومتحالفين، وسط مؤشر عام على تراجع نسبة الأحزاب في عضوية المجلس من 26 في المائة في المجلس السابق إلى نحو 13 في المائة في المجلس الجديد.
من هنا، فتحت تركيبة المجلس المنتخب، بنوابه الجدد غير المؤطرين سياسياً، على عدة قراءات مبكرة تستشرف أداءً مرتبكاً، مع وصول نحو 10 في المائة من النواب إلى قبة البرلمان، من فئة الشباب العمرية بين 30 - 40 سنة، تقابلها حصة وازنة من النواب من المتقاعدين العسكريين (نحو 30 نائباً وبما نسبته 23 في المائة)، ما يدعم تشتيت فرص الانسجام والتناغم في الأداء. من جهة أخرى، تراجعت حصة المرأة من 20 مقعداً في المجلس السابق إلى 15 مقعداً فقط، وهي المقاعد المخصصة للنساء، ما سيترك أثراً على تعميق أزمة في الدراسات البرلمانية الجندرية التي تعكف مؤسسات المجتمع المدني على رصدها.
وسط هذا كله، تبرز تساؤلات آنية عن التحوّلات البنيوية التي طرأت على شكل المجالس النيابية فعلياً وأدائها. إذ طالما نظر إليها جمهور الرأي العام على أنها صورة مستنسخة، بعضها عن بعض، خاصة بعدما غلب الأداء الخدماتي على الرقابي للنواب، وبعدما وجد النائب تحت القبة نفسه محاصراً بين «فكي كماشة» ناخبين يسعون لتحقيق وعود نائبهم، وحكومات لا تمنح النائب أي تسهيلات سوى بشروط التبعية لها بالتصويت والموافقة على قراراتها. وبذا يتضح حجم التأثير السلبي لغياب الحياة الحزبية، واتساع الفجوة بين البرامج الحزبية والاحتياجات الشعبية.
نظرة تاريخية
استؤنفت الحياة الديمقراطية في البلاد عشية اندلاع أحداث «هبّة أبريل - نيسان» من العام 1989 التي تفاعل الناس مع شعاراتها الاقتصادية المعيشية، لتصل حدود المطالبة بالحريات وعودة الحياة النيابية. يومذاك، التقط الراحل الملك الحسين الرسالة، وبادر إلى صناعة برنامج التحول الديمقراطي الذي سمح بإجراء الانتخابات في نهاية العام نفسه، لتفوز بعضوية ذلك المجلس الشهير حصة معتبرة من نواب المعارضة الإسلامية والكتلة المحسوبة على التيار القومي واليساري. القوميون واليسار كانا الكتلتين اللتين تسببتا «بصداع سياسي» لحكومات المملكة الثلاث خلال ذلك المجلس. وعانى من هذا «الصداع» كل من رئيس الوزراء الأسبق مضر بدران، ثم طاهر المصري، الذي استقال قبل جلسة التصويت على سحب الثقة من حكومته، وأخيراً الأمير زيد بن شاكر، قبل أن يتسلم بعده عبد السلام المجالي، الذي جعل من قرار «حل مجلس 89» أيقونة للمجالس النيابية حتى يومنا هذا، في أدائه المؤثر، سياسياً ورقابياً.
بعد «مجلس 89»، التقطت الحكومات إفرازات قانون الانتخاب آنذاك، لتتجه فوراً لإعادة إنتاجه وفق معادلة تحجم التعددية والتمثيل في النظام الانتخابي. وخرج صناع القرار بتوليفة «الصوت الواحد»، لتقليص حصة المعارضة في المجالس النيابية، عبر تفتيت الدوائر الانتخابية من دوائر على مستوى المحافظات، إلى دوائر على مستوى البيئات المحلية التي لا تفرز سوى نواب محسوبين على مناطقهم جغرافياً واجتماعياً. هذا القانون أسهم في إضعاف مخرجات صناديق الاقتراع تباعاً، وبشكل أثّر في صياغة منحنى تراجع أداء البرلمانات حتى يومنا هذا.
استمر العمل بقانون الصوت الواحد طيلة 20 سنة، قبل أن تجرى تعديلات على القانون في فبراير (شباط) من العام 2016. وبعده أقر مجلس النواب السابع عشر صيغة القوائم النسبية المفتوحة على مستوى الدوائر الانتخابية التي نص عليها القانون، بواقع توسيع الدوائر إلى 23 دائرة انتخابية عوضاً عن 45 دائرة، وهو ما أسهم في تفتيت لحمة المجتمعات وتذويب النخب السياسية بعد تحجيم أدوارها.
وأمام تحييد النخب التقليدية وتحجيم دور الحياة الحزبية، لم ينجح القانون الجديد في صناعة برلمانات قوية. ذلك أن التنافس انتقل من المرشحين الفرديين إلى المرشحين داخل القائمة الواحدة وعبر منافسة أقرب إلى التناحر، وسط سعي المرشحين لدعم قوائمهم بأعلى الأصوات، وبدعم مرشح واحد داخل القائمة على حساب شركائه. أيضاً اتسمت آلية الترشح بالفردية دون وجود تقاطعات سياسية بين مرشحي القائمة الواحدة أو حواضن سياسية مشتركة، وذلك لصالح أسس التحالفات المناطقية داخل الدائرة الانتخابية.
وتدريجياً، بين عامي 1989 و2020، أصبحت المؤسسة البرلمانية على المحك، مع تسجيلها نسب رضا متدنية لم تتجاوز 17 في المائة، بحسب أحدث التقديرات أمام قواعد الناخبين وحالة سخط شعبي؛ خصوصاً أمام استذكار كارثة تزوير الانتخابات النيابية عام 2007 والتلاعب بالنتائج عام 2010، بعد العبث الذي قام به مدير المخابرات الأسبق محمد الذهبي وخلفه محمد الرقاد. ومن ثم، تواصل نسب الرضا عن البرلمانات تدني أرقامها، ما أثر في الثقة بكل مخرجات السلطة التشريعية، في ظل تقزيم مقاعد المعارضة وتحجيم الأصوات المرتفعة من خلال نواب الموالاة الذين عادة ما يحظون بدعم الحكومات.
تحوّلات على طريق الانتخابات
لقد انحسرت الخيارات اليوم في حتمية الابتعاد عن المجالس النيابية بعدما فقدت عناصرها المؤثرة في تشكيلها، وتراجع أثر تراكم الخبرة بين أعضائها، وغياب معادلة القطبية النيابية التي شكلت حالة انجذاب للنواب الجدد. وهذا، بعدما كانت المجالس النيابية مصنعاً للنخب السياسية عبر إفرازات الناخبين لقيادات وازنة قوية، وبعد أن لجأ الراحل الحسين لشخصيات نيابية في حل مشكلات مستعصية، واختار منهم شخصيات لتولي مسؤولية تشكيل الحكومات أمثال طاهر المصري وعبد الكريم الكباريتي. وتكرر الأمر في عهد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني عند اختياره لعبد الرؤوف الروابدة وعلي أبو الراغب وعبد الله النسور، وجرى تشكيل حكومات من طيف عريض من أعضاء المجالس النيابية.
تحديداً في انتخابات مجلس النواب الخامس عشر من العام 2007 طرأ تحول، وُصف بـ«الخطير» في المشهد الانتخابي، وذلك بعد ممارسة أوضح عملية تزوير لنتائج الانتخابات النيابية، التي مورست على مرأى من الناخبين، وتدّخل بعد توجيه مباشر من مدير المخابرات الأردنية (آنذاك) محمد الذهبي، المحكوم حالياً على خلفية قضايا تتعلق باستثمار السلطة. وكانت نتيجة تلك الفضيحة تحييد أقطاب برلمانية ونخب سياسية، ما ترك ثغرات واضحة في الحياة البرلمانية بعدها.
تلك للانتخابات لم تتوقف عند ذلك الحد، بل فتحت مرحلة الترشح خلالها على طرح أسماء من طبقة رجال الأعمال، الذين تورطوا بعمليات ضخمة لشراء الأصوات، وأسسوا «لسابقة» حول المال الأسود الذي يلوث الانتخابات. وساهم هذا الأمر أكثر في تحييد النخب السياسية أمام نفوذ النخب الاقتصادية، واختلال مبدأ المنافسة. ومنذ ذلك الحين شهدت قبة البرلمان هبوطاً حاداً في نوعية التشريع والرقابة، نظراً لتحالف السلطة مع الاقتصاد عبر رجال أعمال، تركوا عنهم تقاليد العمل البرلماني خلف سباق تعظيم الثروة والنفوذ.
لم يدرك صنّاع القرار، يومذاك، حجم الضرر الذي لحق بالسلطة التشريعية، الأهم في الدستور. واستمر العبث حتى مجلس النواب السادس عشر من العام 2010 الذي عادت إلى واجهته الطبقة الاقتصادية التي دفعت الرأي العام لفقدان الثقة بممثليهم وقبتهم التشريعية. ولم يشفع لصنّاع القرار حل المجلسين، من دون أن يكملا مدتيهما، فعصف «الربيع الأردني» الذي بدأت إرهاصاته مطلع العام 2010 من خلال تدشين حراك المعلمين، الذي كان له ما بعده من صناعة حراك شعبي عريض، عابر لمناطق الولاء التقليدية في الجغرافيا الأردنية عند العشائر في مناطق الأطراف.
وفي خضم تصاعد «الربيع العربي» وحراك الشارع الأردني، جرت الموافقة على تعديل 42 مادة دستورية، وأنشئت هيئة مستقلة للانتخاب للحد من عمليات العبث وشراء الأصوات. كذلك جرى تعديل قانون الانتخاب ليحتوي عنصراً جديداً لم يحدث فارقاً يذكر، هو تخصيص 27 مقعداً لما عُرفت وقتها بـ«القائمة الوطنية» (صوت لنائب وطن)، من دون أن يسجل لها أي حضور استثنائي في مجلس النواب السابع عشر.
احتمالات الصمود
وسط احتمالات متعددة بعد صدمة مراكز القرار بنتائج الانتخابات النيابية ونسبة الاقتراع التي سجلت 29.9 في المائة من مجموع الناخبين، وإفرازاتها التي أخلت بمعايير التمثيل للمجاميع الجغرافية والحضرية، التبس قرار موعد عقد أولى الدورات لمجلس الأمة التي تتزامن قبل الأول من ديسمبر (كانون الأول) المقبل. إذ أفتى قانونيون بأحقية تأجيل موعد الدورة بسقف زمني لا يتجاوز 27 يناير (كانون الثاني) ليدخل المجلس في دورة غير عادية، ما يزيد الفرصة لحسم اسم رئيس المجلس النيابي، من بين المتنافسين على الرئاسة اليوم في ظل غياب وجوه سياسية فاعلة.
هذا، وتتجسد أهمية شخصية رئيس مجلس النواب، في قدرته على التجسير الحذر بين مواقف الأردن الرسمية واستحقاقات إنجاز التشريعات بأقل صخب برلماني ممكن، وبين الموقف النيابي الذي يستند على مخاطبة ود الشارع الذي قلما يستحسن مواقف النواب من قضاياه.
وهنا تجدر الإشارة إلى أنه يستمر موقع رئاسة المجلس ضمن استحقاق الدورة العادية لعامين متتالين. وفي استحقاق الدورة غير العادية سيكون لعام واحد فقط، في ظل النصوص الدستورية الملزمة في هذا المبدأ. إذ تزداد التوقعات بشأن الذهاب إلى الدورة غير العادية، لغايات اختبار الفائز ومدى انسجامه مع مراكز القرار، لكون المترشحين للرئاسة - باستثناء القطب البرلماني المخضرم الذي سبقت له رئاسة مجلس النواب السادس عشر في دورة يتيمة، عبد الكريم الدغمي - سيكونون أمام تجربة هي الأولى لهم. وفي هذا السياق، تنحصر المنافسة على الموقع بين الدغمي، والنواب أحمد الصفدي ونصار القيسي وأيمن المجالي، في حين ترددت فيه أنباء عن نية النائب خليل عطية - ثاني أقدم أعضاء مجالس النواب - الترشح. والمتوقع أن يحجم النواب الآخرون عن طرح ترشيحاتهم لرئاسة المجلس، إلى حين اكتساب الخبرات اللازمة في المنافسة على المواقع المتقدمة في المكتب الدائم الذي يضم الرئيس ونائبيه الأول والثاني ومساعدين اثنين.
وعلى ضوء ما تقدم، ستجد حكومة بشر الخصاونة - في أولى مواجهاتها مع المجلس الجديد ببيان طلب الثقة - أن الدورة البرلمانية الأولى عادة ما تشهد خطابات نارية بسقف مرتفع، وذلك في أول ظهور للنواب الجدد أمام الشارع والإعلام، وهو عادة يقتبس عناوين حادة لخطابات النواب الغاضبة. وستدخل الحكومة خلال ذلك بحسابات معقدة، للبحث عن ثقة مريحة تمكنها من العمل بأقل الكلف، إلا أنها ستخضع لابتزاز عبورها امتحان الثقة الذي قد ينقلب في أكثر من مناسبة ولأكثر من سبب. وهذا ما قد يجبر الحكومة على إجراء حسابات دقيقة لمعايير المزاج النيابي الفاقد لقيم العمل الجماعي تحت شعار برامج الكتل الملزمة لأعضائها، وسيطرة الفرد على سلوك الأعضاء، باستثناء محدود تمارسه كتلة الإصلاح النيابية المحسوبة على حزب جبهة العمل الإسلامي.
وعليه، ستبقى الخريطة أمام تكهنات المشهد البرلماني الأردني خلال الفترة المقبلة غير مكتملة، ومساحات تراجع المشاركة السياسية متأثرة بضعف الحياة الحزبية، وغياب النخب القادرة على التأثير بوعي الرأي العام وإعادة جذب اهتمامه إلى ما كان بوصلة العمل السياسي العام للطامحين. وكل هذا، في ظل ظروف استثنائية تمر بها البلاد اقتصادياً وصحياً بسبب جائحة «كوفيد 19» التي تشهد أسوأ مراحلها.
إحصائيات وأرقام انتخابية

> كشفت دراسة لمركز الحياة (راصد) الأردني المتخصص في الدراسات البرلمانية (مؤسسة مجتمع مدني)، أن عدد البرلمانيين والبرلمانيات الجدد الذين أصبحوا أعضاءً في مجلس النواب التاسع عشر وصل إلى 98 برلمانياً وبرلمانية، بينما وصل 23 برلمانياً وبرلمانية من المجلس السابق الثامن عشر إلى المجلس التاسع عشر، كما وصل 9 برلمانيين سابقين قبيل المجلس الثامن عشر إلى المجلس التاسع عشر. وعلى صعيد تمثيل الأحزاب والتيارات السياسية في البرلمان التاسع عشر، بيّنت الدراسة أن 17 برلمانية وبرلمانياً من الأحزاب والتيارات السياسية وصلوا إلى مجلس النواب التاسع عشر، منهم 13 حزبياً مسجلين في قوائم الأحزاب، و5 منهم ضمن التيارات السياسية المتحالفة مع الأحزاب. كذلك بيّنت النتائج أن 4 أحزاب فقط وصلت إلى البرلمان التاسع عشر، وهي حزب جبهة العمل الإسلامي، بواقع 5 برلمانيين وبرلمانيات حزبيين، وحزب الوسط الإسلامي بـ5 برلمانيين وبرلمانيات، وحزب الجبهة الأردنية الموحدة ببرلماني واحد، وحزب الوفاء الأردني ببرلماني واحد. يذكر أن الأصوات التي حصلت عليها قوائم الأحزاب الفائزة بلغ عددها إلى 145386 من أصل 1387711 مقترعاً ومقترعة في الانتخابات.
وعن توزيع البرلمانيين والبرلمانيات حسب الفئات العُمرية، تبين أن معدل أعمار مجلس النواب التاسع عشر وصل إلى 51.8 سنة، فيما كان عدد البرلمانيين والبرلمانيات ضمن الفئة العُمرية 41 – 50 قد وصل إلى 43 برلمانياً وبرلمانية، وكان 51 برلمانياً وبرلمانية ضمن الفئة العمرية 51 – 60، ووصل عدسد الذين تجاوزوا 61 سنة إلى 21 برلمانياً وبرلمانية.
وبخصوص مجموع الأصوات التي نالتها القوائم التي حصلت على مقاعد في المجلس التاسع عشر، وصل عدد الأصوات إلى 1060151 من أصل 1387711 مقترعاً ومقترعة في الانتخابات، وبنسبة 76.4 في المائة من المقترعين، وبنسبة 22.8 في المائة من مجموع من يحق له الاقتراع على مستوى المملكة. أما فيما يتعلق بمجموع الأصوات التي حصل عليها البرلمانيون والبرلمانيات الذين حصدوا مقاعد المجلس التاسع عشر فقد وصل عدد أصواتهم إلى 604126 مقترعاً ومقترعة، ووصلت نسبة الأصوات التي حصل عليها الفائزون إلى 43.3 في المائة ممن اقترعوا في الانتخابات، فيما وصلت نسبة الأصوات التي حصل عليها الفائزون من مجموع من يحق له الاقتراع إلى 13 في المائة.


مقالات ذات صلة

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

حصاد الأسبوع Chinese Foreign Minister Wang Yi (C) speaks during a press conference with Senegal's Foreign Minister Yassine Fall (L) and Congo Foreign Minister Jean-Claude Gakosso (R) at the Forum on China-Africa Cooperation (FOCAC) in Beijing on September 5, 2024. (Photo by GREG BAKER / AFP)

أفريقيا... ساحة تنافس جديد بين الهند والصين

منذ فترة ولايته الأولى عام 2014، كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي أكبر مناصر للعلاقات بين الهند وأفريقيا.

براكريتي غوبتا (نيودلهي)
حصاد الأسبوع نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في

فتحية الدخاخني ( القاهرة)
رياضة سعودية السعودية تستمر في تشكيل خريطة مختلف الرياضات العالمية بتنظيم واستضافات غير مسبوقة (الشرق الأوسط)

السعودية ستُشكل خريطة الرياضة العالمية في 2025

شارف عام حافل بالأحداث الرياضية بما في ذلك الألعاب الأولمبية التي حظيت بإشادة واسعة وأربع بطولات قارية لكرة القدم على الانتهاء ومن المتوقع أن يكون عام 2025 أقل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
حصاد الأسبوع فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

فرنسوا بايرو: رجل المصالحة أو الفرصة الأخيرة؟

بعد 9 أيام من سقوط الحكومة الفرنسية بقيادة ميشال بارنييه في اقتراع لحجب الثقة، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، فرنسوا بايرو، زعيم رئيس حزب الوسط (الموديم)،

أنيسة مخالدي (باريس)
حصاد الأسبوع خافيير ميلي (أ.ب)

خافيير ميلي... شعبية «المخرّب الأكبر» لا تعرف التراجع

في المشهد الشعبوي واليميني المتطرف، المتنامي منذ سنوات، يشكّل الصعود الصاعق لخافيير ميلي إلى سدّة الرئاسة في الأرجنتين، حالة مميّزة، لا بل فريدة، من حيث الأفكار

شوقي الريّس (مدريد)

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
TT

منطقة الساحل... ساحة صراع بين الغرب وروسيا

طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)
طائرة ميراج 2000 فرنسية في قاعدة بنيامي، عاصمة النيجر، يوم 5 يونيو 2021 (أ.ب)

يسدلُ الستارُ على آخر مشاهد عام 2024 في منطقة الساحل الأفريقي، ورغم أن هذه الصحراء الشاسعة ظلت رتيبة لعقود طويلة، فإن المشهد الأخير جاء ليكسر رتابتها، فلم يكن أحد يتوقع أن ينتهي العام والمنطقة خالية من القوات الفرنسية، وأن يحل محلها مئات المسلحين الروس، وأنّ موسكو ستكون أقربَ من باريس لكثير من أنظمة الحكم في العديد من بلدان القارة السمراء.ورغم أن الفرنسيين كانوا ينشرون في الساحل أكثر من 5 آلاف جندي لمحاربة الإرهاب، بينما أرسل الروس بدورهم مرتزقة شركة «فاغنر» للمساعدة في المهمة نفسها، التي فشل فيها الفرنسيون، فإن الإرهاب ما زال يتمدد، بل إنه ضرب في قلب دول الساحل هذا العام، كما لم يفعل من قبل.

لم يكن الإرهاب حجةً للتدخل العسكري الأجنبي فقط، وإنما كان حجة جيوش دول الساحل للهيمنة على الحكم في انقلابات عسكرية أدخلت الدول الثلاث، مالي، النيجر وبوركينا فاسو، في أزمة حادة مع جيرانها في المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، انتهت بالقطيعة التامة وانسحاب الدول الثلاث من المنظمة الإقليمية التي كانت حتى وقت قريب تمثّلُ حلماً جميلاً بالاندماج والتكامل الاقتصادي.

بالإضافة إلى تصاعد الإرهاب والعزلة الإقليمية، حمل عام 2024 معه لدول الساحل تداعيات مدمرة للتغيّر المناخي، فضرب الجفاف كثيراً من المحاصيل الزراعية، وجاءت بعد ذلك فيضانات دمّرت ما بقي من حقول وقرى متناثرة في السافانا، وتسببت في موت الآلاف، وتشريد الملايين في النيجر وتشاد ومالي وبوركينا فاسو.

صورة وزعها الجيش الفرنسي لمقاتلين من المرتزقة الروس خلال صعودهم إلى مروحية في شمال مالي في أبريل 2022 (الجيش الفرنسي - أ.ب)

الخروج الفرنسي

الساحل الذي يصنّف واحدة من أفقر مناطق العالم وأكثرها هشاشة، كان يمثّلُ الجبهة الثانية للحرب الروسية - الأوكرانية، فكان مسرحاً للصراع بين الغرب وروسيا، وقد تصاعد هذا الصراع في عام 2024، وتجاوز النفوذ السياسي والاستراتيجي، إلى ما يشبه المواجهة المباشرة من أجل الهيمنة على مناجم الذهب واليورانيوم وحقول النفط، والموارد الهائلة المدفونة في قلب صحراء يقطنها قرابة 100 مليون إنسان، أغلبهم يعيشون في فقر مدقع.

يمكن القول إن عام 2024 محطة فاصلة في تاريخ الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل، خصوصاً أن الفرنسيين دخلوا المنطقة مطلع القرن التاسع عشر، تحت غطاء تجاري واقتصادي، ولكن سرعان ما تحوّل إلى استعمار عسكري وسياسي، هيمن بموجبه الفرنسيون على المنطقة لأكثر من قرن من الزمان، وبعد استقلال هذه الدول، ظلت فرنسا موجودة عسكرياً بموجب اتفاقات للتعاون العسكري والأمني.

ازداد الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل بشكل واضح، عام 2013، بعد أن توجّه تنظيم «القاعدة» إلى منطقة الساحل الأفريقي، ليتخذ منها مركزاً لأنشطته بعد الضربات التي تلقاها في أفغانستان والعراق، ومستغلاً في الوقت ذاته الفوضى التي عمّت المنطقة عقب سقوط نظام العقيد الليبي معمر القذافي عام 2011. حينها أصبح الفرنسيون يقودون «الحرب العالمية على الإرهاب» في الساحل، وأطلقوا عملية «سيرفال» العسكرية في يناير (كانون الثاني) 2013، التي تحوّلت عام 2014 إلى عملية «برخان» العسكرية التي كان ينفق عليها الفرنسيون سنوياً مليار يورو، وينشرون فيها أكثر من 5 آلاف جندي في دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد.

على وقع هذه الحرب الطاحنة بين الفرنسيين وتنظيم «القاعدة»، وانتشار الجنود الفرنسيين بشكل لافت في شوارع المدن الأفريقية، تصاعد الشعور المعادي لفرنسا في الأوساط الشعبية، ما قاد إلى انهيار الأنظمة السياسية الموالية لباريس، وسيطر عسكريون شباب على الحكم في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وكان أول قرار اتخذوه هو «مراجعة» العلاقة مع فرنسا، وهي مراجعة انتهت بالقطيعة التامة.

حزمت القوات الفرنسية أمتعتها وغادرت مالي، ثم بوركينا فاسو والنيجر، ولكن المفاجأة الأكبر جاءت يوم 28 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 حين قررت تشاد إنهاء اتفاقية التعاون العسكري مع فرنسا، وهي التي ظلت دوماً توصف بأنها «حليف استراتيجي» للفرنسيين والغرب في المنطقة.

وبالفعل بدأ الفرنسيون حزم أمتعتهم ومغادرة تشاد دون أي تأخير، وغادرت مقاتلات «ميراج» الفرنسية قاعدة عسكرية في عاصمة تشاد، إنجامينا، يوم الثلاثاء 10 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في حين بدأ الحديث عن خطة زمنية لخروج أكثر من ألف جندي فرنسي كانوا يتمركزون في تشاد.

ربما كان تطور الأحداث خلال السنوات الأخيرة يوحي بأن الفرنسيين في طريقهم إلى فقدان نفوذهم التقليدي في منطقة الساحل، ولكن ما يمكن تأكيده هو أن عام 2024 شكّل «لحظة الإدراك» التي بدأ بعدها الفرنسيون يحاولون التحكم في صيغة «الخروج» من الساحل.

صورة جماعية لقادة دول "الإيكواس" خلال قمتهم في أبوجا بنيجيريا يوم 15 ديسمبر 2024 (أ.ف.ب)

لقد قرَّر الفرنسيون التأقلم مع الوضع الجديد في أفريقيا، حين أدركوا حجم الجهد الضائع في محاولة المواجهة والضغط على الأنظمة العسكرية المتحالفة مع روسيا، فهذه الأنظمة لا تتوقف عن «إذلال» القوة الاستعمارية السابقة بقرارات «استفزازية» على غرار اعتقال 4 موظفين بالسفارة الفرنسية في بوركينا فاسو، واتهامهم بالتجسس، وبعد عام من السجن، أُفرج عنهم بوساطة قادها العاهل المغربي الملك محمد السادس يوم 19 ديسمبر 2024.

وفي النيجر، قرَّر المجلس العسكري الحاكم، في يونيو (حزيران) 2024، إلغاء رخصة شركة فرنسية كانت تستغل منجماً لليورانيوم شمال البلاد، وسبق أن قرَّرت النيجر، على غرار مالي وبوركينا فاسو، منع وسائل الإعلام الفرنسية من البث في البلاد بعد أن اتهمتها بنشر «أخبار كاذبة».

يدخل مثل هذه القرارات ضمن مسار يؤكد أن «النقمة» تجاه الفرنسيين في دول الساحل تحوّلت إلى قرار نهائي بالقطيعة والخروج من عباءة المستعمِر السابق. وفي ظل مخاوف من اتساع رقعة هذه القطيعة لتشمل دولاً أفريقية أخرى ما زالت قريبةً من باريس، وضع الفرنسيون خطةً لإعادة هيكلة وجودهم العسكري في أفريقيا، من خلال تخفيض قواتهم المتمركزة في السنغال، وكوت ديفوار، والغابون، وجيبوتي.

أسند الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مهمة إعداد هذه الخطة إلى جان-ماري بوكل، حين عيّنه في شهر فبراير (شباط) 2024 مبعوثاً خاصاً إلى أفريقيا، وهي المهمة التي انتهت في نحو 10 أشهر، قدّم بعدها تقريراً خاصاً سلّمه إلى ماكرون، يوم 27 نوفمبر الماضي، ينصح فيه بتقليص عدد القوات الفرنسية المتمركزة إلى الحد الأدنى، وتَحوُّل القواعد العسكرية إلى «مراكز» أكثر مرونة وخفة، هدفها التركيز على التدريب العسكري، وجمع المعلومات الاستخباراتية، وتعزيز الشراكات الاستراتيجية.

الأميركيون أيضاً

حين كان الجميعُ يتحدَّث خلال العقدين الأخيرين عن الانتشار العسكري الفرنسي، والنفوذ الذي تتمتع به باريس في منطقة الساحل وغرب أفريقيا، كان الأميركيون حاضرين ولكن بصمت، ينشرون مئات الجنود من قواتهم الخاصة في النيجر؛ لمساعدة هذا البلد في حربه ضد جماعات مثل «القاعدة»، و«بوكو حرام»، و«داعش». واستخدم الأميركيون في عملياتهم قاعدة جوية في منطقة «أغاديز» خاصة بالطائرات المسيّرة التي تمكِّنهم من مراقبة الصحراء الكبرى وتحركات «القاعدة» من جنوب ليبيا وصولاً إلى شمال مالي.

ولا يزال الأميركيون أوفياء لاستراتيجية الحضور العسكري الصامت في أفريقيا، على العكس من حلفائهم الفرنسيين وخصومهم الروس، ولكن التحولات الأخيرة في منطقة الساحل أرغمتهم على الخروج إلى العلن، خصوصاً حين بدأت مجموعة «فاغنر» تتمتع بالنفوذ في النيجر. حينها أبلغ الأميركيون نظام الحكم في نيامي بأنه لا مجال لدخول «فاغنر» إلى بلد هم موجودون فيه.

وحين اختارت النيجر التوجه نحو روسيا و«فاغنر»، قرَّر الأميركيون في شهر أغسطس (آب) 2024 سحب قواتهم من النيجر، وإغلاق قاعدتهم العسكرية الجوية الموجودة في شمال البلاد.

وأعلن الأميركيون خطةً لإعادة تموضع قواتهم في غرب أفريقيا، فتوجَّهت واشنطن نحو غانا وكوت ديفوار وبنين، وهي دول رفعت من مستوى تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة، وتسلّمت مساعدات عسكرية كانت موجهة إلى النيجر، عبارة عن مدرعات وآليات حربية.

دبابة فرنسية على مقربة من نهر النيجر عند مدخل مدينة غاو بشمال مالي يوم 31 يناير 2013 (أ.ب)

البديل الروسي

لقد كانت روسيا جاهزة لاستغلال تراجع النفوذ الغربي في منطقة الساحل، وهي المتمركزة منذ سنوات في ليبيا وجمهورية أفريقيا الوسطى، فنشرت المئات من مقاتلي «فاغنر» في مالي أولاً، ثم في بوركينا فاسو والنيجر، كما عقدت صفقات سلاح كبيرة مع هذه الدول.

لكن موسكو حاولت في العام الماضي أن ترفع من مستوى تحالفها مع دول الساحل إلى مستويات جديدة. فبالإضافة إلى الشراكة الأمنية والعسكرية، كان الروس يطمحون إلى شراكة اقتصادية وتجارية.

ولعل الحدث الأبرز في هذا الاتجاه كان جولة قام بها وفد روسي بقيادة نائب رئيس الوزراء ألكسندر نوفاك، نهاية نوفمبر الماضي، وقادته إلى دول الساحل الثلاث: مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

كان الهدف من الجولة هو «تعزيز الشراكة الاقتصادية»، مع تركيز روسي واضح على مجال «الطاقة». فقد ضم الوفد الروسي رجال أعمال وفاعلين في قطاع الطاقة، وسط حديث عن اتفاقات لإقامة محطات لإنتاج الطاقة الشمسية، تتولى شركات روسية تنفيذها في الدول الثلاث.

وفي شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وقَّع رؤساء مالي وبوركينا فاسو والنيجر اتفاقاً مع وكالة الفضاء الروسية، ستقدم بموجبه الوكالة الروسية لهذه الدول «صور الأقمار الاصطناعية»؛ من أجل تعزيز مراقبة الحدود وتحسين الاتصالات، أي أن روسيا أصبحت العين الرقيبة على دول الساحل بعد أن أُغمضت العين الفرنسية. هذا عدا عن نجاح روسيا في اللعب بورقة الأمن الغذائي، فكان القمح الروسي أهم سفير لموسكو لدى دول الساحل، وفي العام الماضي أصبحت موسكو أكبر مورِّد للحبوب لهذه الدول التي تواجه مشكلات كبيرة في توفير حاجياتها من الغذاء، فأصبح القمح الروسي يسيطر على سوق حجمها 100 مليون نسمة.

رغم المكاسب التي حققتها روسيا في منطقة الساحل الأفريقي، فإن عام 2024 حمل معه أول هزيمة تتعرَّض لها مجموعة «فاغنر» الخاصة، منذ أن بدأت القتال إلى جانب الجيش المالي، قبل سنوات عدة.

جاء ذلك حين تصاعدت وتيرة المعارك بين الجيش المالي والمتمردين الطوارق، إثر انسحاب مالي من اتفاقية الجزائر المُوقَّعة بين الطرفين عام 2015، ودخل الطرفان في هدنة بموجبها امتدت لقرابة 10 سنوات. لكن الهدنة انتهت حين قرر الماليون الزحف العسكري نحو الشمال حيث يتمركز المتمردون.

استطاع الجيش المالي، المدعوم من «فاغنر»، أن يسيطر سريعاً على كبريات مدن الشمال، حتى لم تتبقَّ في قبضة المتمردين سوى قرية صغيرة، اسمها تينزواتين، على الحدود مع الجزائر، وعلى مشارفها وقعت معركة نهاية يوليو (تموز) 2024، قُتل فيها العشرات من الجيش المالي و«فاغنر»، ووقع عدد منهم في الأسر.

كانت هزيمة مفاجئة ومذلة، خصوصاً حين نشر المتمردون مقاطع فيديو لعشرات الجثث المتفحمة، بعضها يعود لمقاتلين من «فاغنر»، كان من بينهم قائد الفرقة التي تقدّم الدعم للجيش المالي من أجل استعادة السيطرة على شمال البلاد.

طائرة ميراج فرنسية تُقلع من قاعدة في إنجامينا... (أ.ف.ب)

المفاجأة الأوكرانية

اللافت بعد هزيمة «فاغنر» والجيش المالي في «معركة تينزواتين» هو اكتشاف دور لعبته أوكرانيا في دعم المتمردين من أجل كسر كبرياء روسيا، من خلال إذلال «فاغنر»، وهو ما أكدته مصادر أمنية وعسكرية أوكرانية.

تحدَّثت مصادر عدة عن حصول المتمردين في شمال مالي على تدريب خاص في أوكرانيا، واستفادتهم من طائرات مسيّرة حصلوا عليها من كييف مكّنتهم من حسم المعركة بسرعة، بالإضافة إلى معلومات استخباراتية وفّرتها لهم المخابرات الأوكرانية وكان لها الأثر الكبير في الهزيمة التي لحقت بقوات «فاغنر» وجيش مالي.

لم يكن لأوكرانيا، في الواقع، أي نفوذ في منطقة الساحل الأفريقي، ولا يتجاوز حضورها سفارات شبه نائمة، لكنها وبشكل مفاجئ ألحقت بروسيا أول هزيمة على صحراء مالي، وأصبحت تطمح لما هو أكثر من ذلك. ولكن مالي أعلنت بعد مرور أسبوع على «معركة تينزواتين»، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع أوكرانيا، وتبعتها في ذلك النيجر وبوركينا فاسو، كما تقدَّمت مالي بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي تتهم فيها أوكرانيا بدعم «الإرهاب» في منطقة الساحل الأفريقي.

رغم مكاسب روسيا في الساحل، إلا إن عام 2024 حمل معه أول هزيمة لمجموعة «فاغنر» منذ أن بدأت القتال إلى جانب جيش مالي

قادة مالي الكولونيل أسيمي غويتا، والنيجر الجنرال عبدالرحمن تياني، وبوركينا فاسو النقيب إبراهيم تراوري خلال لقاء لـ "تحالف دول الساحل" في نيامي، عاصمة النيجر، يوم 6 يوليو الماضي (رويترز)

خطر الإرهاب

في 2024 كثّفت جيوش دول الساحل حربها ضد التنظيمات الإرهابية، ونجحت في تحقيق مكاسب مهمة، وقضت على مئات المقاتلين من تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، وقد ساعدت على ذلك الشراكة مع روسيا، حيث حصلت جيوش الساحل على أسلحة روسية متطورة، كما كان هناك عامل حاسم تَمثَّل في مسيّرات «بيرقدار» التركية التي قضت على مئات المقاتلين.

لكن الخطوة الأهم في الحرب، جاءت يوم 6 مارس (آذار) 2024، حين أعلن قادة جيوش دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو إنشاء «قوة عسكرية مشتركة»؛ لمواجهة الجماعات الإرهابية التي تنشط في المنطقة، خصوصاً في المناطق الحدودية، ما قلّص من قدرة التنظيمات الإرهابية على التنقل عبر الحدود.

في هذه الأثناء قرَّرت دول الساحل رفع مستوى هذا التعاون مطلع يوليو 2024، من خلال تشكيل «تحالف دول الساحل»؛ بهدف توحيد جهودها في مجال محاربة الإرهاب، ولكن أيضاً مواقفها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، قبل أن تتجه نحو تشكيل عملة موحدة وجواز سفر موحد.

في غضون ذلك، لم تتوقف التنظيمات الإرهابية عن شنِّ هجماتها في الدول الثلاث، ولعل الهجوم الأهم في العام الماضي ذاك الذي نفَّذه تنظيم «القاعدة» يوم 17 سبتمبر الماضي ضد مطار عسكري ومدرسة للدرك في العاصمة المالية باماكو. شكّل الهجوم الذي خلّف أكثر من 70 قتيلاً، اختراقاً أمنياً خطيراً، أثبت من خلاله التنظيم الإرهابي قدرته على الوصول إلى واحدة من أكثر المناطق العسكرية حساسية في قلب دولة مالي.

في يوم 28 يناير 2024 أعلنت الأنظمة العسكرية الحاكمة، في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، الانسحاب من المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إيكواس)، التي فرضت عقوبات ضد دول الساحل إثر الانقلابات العسكرية التي وقعت فيها، وفي يوليو عادت لتُشكِّل «تحالف دول الساحل».

يؤكد التحالف الجديد رغبة هذه الدول في الانسحاب من المنظمة بشكل نهائي، ولكنه في المقابل يرسم ملامح الصراع الدولي في المنطقة. فتحالف دول الساحل يمثّل المحور الموالي لروسيا، أما منظمة «إيكواس» فهي الحليف التقليدي لفرنسا والغرب.

ورغم أن منظمة «إيكواس» في آخر قمة عقدتها خلال ديسمبر الحالي، تركت الباب مفتوحاً أمام تراجع دول الساحل عن القرار، ومنحتها مهلة 6 أشهر، إلا أن القادة العسكريين لدول الساحل ردوا على المنظمة بأن قرارهم «لا رجعة فيه».