صيانة الأخشاب الأثرية الملونة والمذهبة، من أصعب تخصصات مجال الترميم الأثري، إذ تحتاج إلى خبرة علمية دقيقة جداً للحفاظ على هذه الآثار العضوية النادرة، وللوصول إلى هذا الهدف، نظمت مكتبة الإسكندرية بمصر ورشة عمل على مدار 3 أيام للتدريب على الأساليب العلمية الحديثة لصيانة وعرض وتخزين الأخشاب الأثرية، تطبيقاً على أغلفة المخطوطات الخشبية، بالتعاون بين متحف المخطوطات ومُتحف الآثار بالمكتبة، وأدار الورشة الدكتور سعيد عبد الحميد حسن، خبير ترميم الأخشاب ومدير عام بوزارة السياحة والآثار المصرية، الذي عرض أفضل الأساليب والمواد العلمية الحديثة في علاج وصيانة الأخشاب الأثرية بصفة عامة، والأخشاب الملونة والمذهبة بصفة خاصة.
ويرى خبراء ترميم من بينهم الدكتور سعيد عبد الحميد، أن مجال الترميم لم يأخذ حقه من حيث درجة الاهتمام والتركيز عليه، بالنظر إلى أهميته في الحفاظ على القطع الأثرية المتنوعة.
ويقول عبد الحميد لـ«الشرق الأوسط»: «هذا التدريب المهم الذي حصل عليه 22 مرمماً أثرياً بمتحف المخطوطات، و2 آخرون من متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، قدم رؤية نظرية وعملية لترميم القطع الخشبية التي تعد من أسرع المواد العضوية في التعرض للتلف، فبينما تمتص المياه بكثافة في الأجواء الرطبة، فإنها تتعرض للتشقق والانفصال كذلك في حالة تلوينها بمواد كيميائية مختلفة في الأجواء الجافة».
ويؤكد عبد الحميد، أن تعرض القطع الخشبية الأثرية للضوء والرطوبة معاً من دون حماية، يجعلها جاذبة للحشرات التي تتغذى بدورها على الخشب، بجانب الغراء الحيواني المستخدم في عمليات اللصق.
ووفق خبير الترميم، فإن مصر الفرعونية كانت فقيرة جداً في امتلاك الأخشاب والأشجار الطويلة الجيدة، ولتجاوز هذه المعضلة، عكف صناع التوابيت الخشبية في مصر القديمة على تجميع أكثر من قطعة لتكوين التابوت والربط بينها بأسلوب التعشيق أو اللصق، لذلك فإن تعرض تلك التوابيت الخشبية للرطوبة أو الجفاف الزائد سوف يعرض فواصلها الكثيرة للتفكك والتلف، بالإضافة إلى سقوط وانفصال طبقة الألوان عن جسم القطع.
وفي حالة العثور على قطع خشبية أثرية تعاني من التلف، فإنه ينبغي أولاً، بحسب عبد الحميد، توثيق القطعة علمياً وجمع كافة المعلومات عنها على غرار، هويتها، والعصر الذي أنتجت فيه، والمواد الكيميائية والعضوية المكونة منها، وظروف عملية اكتشافها، بجانب إجراء فحوصات كاملة لمركباتها وألوانها، وهذه العملية من أهم مراحل الترميم لأنها أشبه بمرحلة تشخيص المرض لدى البشر، فإذا كان التشخيص جيداً والفحوصات دقيقة فإن المريض أو الأثر على حد سواء سوف يتم معالجتهما بدقة ونجاح، على حد تعبير الخبير المصري. ويؤكد عبد الحميد أن التشخيص الجيد سوف يؤدي إلى وضع خطة علاجية جيدة وناجعة للأثر، وفي هذه المرحلة يجب عدم تطبيق خطة العلاج على القطع الأثرية الخشبية الأصلية بل ينبغي تجربتها أولاً على قطع جديدة، يتم تعريضها للرطوبة والضوء لتحاكي نفس ظروف القطع الأصلية، مشيراً إلى أن نجاح بعض مواد الترميم في علاج تلف إحدى القطع لا يعني بالضرورة قدرته على علاج القطع الأخرى المكتشفة في المكان ذاته، إذ يجب التعامل مع القطع الأثرية كوحدات منفصلة حتى لو كانت متشابهة، وإذا ثبت نجاح بعض تلك المواد بالقطع الجديدة أو المقلدة يمكن استخدامها بالقطع الأصلية والأثرية، مع مراعاة عملية الضبط البيئي للأثر على غرار درجات الحرارة والرطوبة والإضاءة.
بدوره، يقول الدكتور حسين عبد البصير، مدير متحف آثار مكتبة الإسكندرية لـ«الشرق الأوسط» إن «متحف مخطوطات المكتبة من أهم مراكز حفظ وترميم المخطوطات الأثرية والكتب في مصر والعالم، حيث استطاع إنقاذ مخطوطات مصرية نادرة من التلف بفضل جهود العاملين فيه»، مشيراً إلى أن «مجال ترميم الآثار بشكل عام والقطع الخشبية بكل خاص مهم جداً، والمرممون الآثاريون يطلق عليهم في الأوساط الأثرية (أطباء الحضارة)، مؤكداً أن ورشة ترميم القطع الأثرية الأولى من نوعها في مكتبة الإسكندرية.
وأوضح عبد البصير أن «مرممي الآثار المصريين من أمهر المرممين في العالم حالياً، ولهم لمسة سحرية في ترميم الآثار».
في السياق، بدأت مكتبة الإسكندرية أمس عرض تمثال «تب - إم - عنخ» الذي يجسد الكاتب المصري في عصر الدولة القديمة بمتحف الآثار، بالتعاون بين مكتبة الإسكندرية ووزارة السياحة والآثار والمتحف القومي للحضارة المصرية بالفسطاط. ويعد هذا التمثال ذا قيمة أثرية وإضافة مهمة إلى القطع الأثرية التي يضمها متحف الآثار بمكتبة الإسكندرية، بحسب بيان المكتبة.
وعُثر على التمثال شمال هرم سقارة المدرج، وهو مصنوع من الجرانيت الوردي، ويقوم على قاعدة من الحجر الجيري الأبيض.
مكتبة الإسكندرية تبرز أحدث أساليب ترميم الأخشاب الأثرية
مكتبة الإسكندرية تبرز أحدث أساليب ترميم الأخشاب الأثرية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة