«كورونا» يصيب أسواقاً مصرية للحقائب المدرسية بالركود

أسر لجأت لمستلزمات قديمة خشية تعطيل الدراسة

TT

«كورونا» يصيب أسواقاً مصرية للحقائب المدرسية بالركود

في أسواق «الموسكي» الشهيرة، وسط العاصمة المصرية القاهرة، لا تهدأ حركة البيع والشراء، فمرتادو السوق والأزقة المتفرعة منها يجدون كل ما يحتاجونه من بضائع، في تجسيد حي لمقولة: «من الإبرة إلى الصاروخ»، إلا أنه بفعل جائحة «كورونا» هدأت حركة البيع والشراء بهذه الأسواق على عكس ما هو معتاد.
ويمكن رصد هذه الحالة عن قرب داخل «الدرب الجديد»، أحد أزقة «الموسكي» الذي يتخصص في بيع الحقائب بجميع أنواعها، ما جعله أشهر سوق مصرية في هذا المنتج؛ لا سيما المدرسية منها؛ حيث يكتظ مع بدء العام الدراسي الجديد والأيام السابقة له، من جانب الأسر المصرية على اختلاف فئاتها، للتسوق وشراء الحقائب لأبنائهم التي تلائم جميع المراحل التعليمية، إلا أن هذا العام تبدل الحال لتشهد السوق ركوداً كبيراً، في ظل انتشار فيروس «كورونا».
ويبدأ ملايين الطلاب في المدارس المصرية باختلاف مراحلها وأنواعها العام الدراسي الجديد هذا الأسبوع، في ظل ضوابط عامة وإجراءات وقائية واحترازية.
ويعد «الدرب الجديد» أحد الأزقة الضيقة المتفرعة من شارع الموسكي؛ حيث يبلغ عرضه أقل من مترين، ويمتد طوله إلى نحو 150 متراً، تتراص الحقائب فيه لجذب أنظار الزائرين على الواجهات وأمام المحال التي يقع بعضها في مواجهة بعض.
«الشرق الأوسط» تجولت بين الحقائب مختلفة الأحجام والأشكال. ومن داخل أحد أقدم المحال، يقول صاحبه أحمد عبد الحليم زكريا الذي ورث تجارة الحقائب أباً عن جد، إن السوق تشهد ركوداً كبيراً هذا العام بسبب «كورونا»؛ حيث اكتفت الأسر بحقائب العام الماضي التي لم تستعمل أو تستهلك بسبب انقطاع الدراسة بفعل الجائحة.
ويشير إلى أن التأثير السلبي لهذا الركود ظهر على كافة تجار السوق، واتضح جلياً مع الأيام التي سبقت الدراسة؛ حيث خلت السوق من الزبائن إلا فيما ندر، سواء زبائن الجملة أو القطاعي، رغم أن هذا التوقيت هو «موسم البيع» بالنسبة لكافة التجار.
في متجر آخر بالدرب، يلفت صاحبه الحاج عزت إلى أن السوق دائماً هي قبلة تجار البيع بالجملة وأصحاب المحلات الشهيرة، كما تقدم خدمة البيع بالتجزئة للمواطن العادي، وبفارق سعر كبير عن الأسواق الخارجية، إلى جانب ما تتمتع به المنتجات من جودة وسُمعة طيبة، مشيراً إلى أن السوق تغذي القاهرة والمحافظات بالحقائب على اختلافها، ولكن الحال تبدل قبل أشهر، فلا مجال لبيع الحقائب المدرسية لتوقف الدراسة، ولا مجال كذلك لبيع حقائب السفر لتوقف حركة الطيران.
وأمام متجره الذي يتخصص في بيع الخردوات وإكسسوارات الحقائب والأحزمة الجلدية، يقول الستيني جميل جندي، إنه موجود في هذه السوق من قبل نحو 50 عاماً، منذ أن كان طفلاً صغيراً، مؤكداً أنها المرة الأولى التي يشهد فيها الدرب موسماً مدرسياً من دون زبائن، واصفاً حركة البيع والشراء بـ«المعدومة».
ولسوق «الدرب الجديد» تاريخ طويل يرتبط بإنشاء حي الموسكي الذي تقول المراجع التاريخية إنه يُنسب للأمير الأيوبي عز الدين مؤسك، وعندما جاءت الحملة الفرنسية على مصر عام 1798م تم إنشاء طريق من قنطرة الموسكي إلى ميدان جامع أزبك، وهذا الطريق هو شارع الموسكي حالياً. ثم جاء محمد علي الذي أمر بتوسيع أزقة وشوارع منطقة الموسكي، وتسوية وتمهيد هذه الطرقات والشوارع. ثم استأنف الخديوي إسماعيل عمليات تطوير منطقة الموسكي التي بدأها جده محمد علي، عقب توليه الحكم في عام 1863م.
يعود تاجر الدرب أحمد عبد الحليم للحديث عن تاريخ المكان، موضحاً أنه كان متخصصاً وقت إنشائه قبل نحو مائتي عام في صناعة «سرج» الخيول الجلدية، ثم تطورت الصناعة إلى الصناعات الجلدية بشكل عام؛ لا سيما الحقائب التي طورها صناع الدرب عاماً وراء آخر، لنجد منها الأحجام والأشكال المتنوعة، إلى جانب التصنيع من خامات متعددة ولأغراض مختلفة.
ويبلغ عدد تلاميذ التعليم قبل الجامعي في مصر أكثر من 23 مليون تلميذ، وفق وزارة التربية والتعليم المصرية.
وساهم قرار تحرير سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية في نهاية عام 2016 في انتعاش تصنيع الحقائب المدرسية المحلية، والعزوف عن استيراد المنتجات الأجنبية، وخصوصاً «الصينية» التي كانت تغرق الأسواق، وفق تجار «الدرب الجديد» الذين يؤكدون أن تكلفة الحقيبة المحلية تقل عن مثيلاتها المستوردة بنحو 30 في المائة؛ لكن جائحة «كورونا» عرقلت طموحات المصنعين المصريين الذين كانوا يطمحون في إنتاج وبيع ملايين الحقائب هذا العام.


مقالات ذات صلة

صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

آسيا رجل يرتدي كمامة ويركب دراجة في مقاطعة هوبي بوسط الصين (أ.ف.ب)

الصين ترفض ادعاءات «الصحة العالمية» بعدم التعاون لتوضيح أصل «كورونا»

رفضت الصين ادعاءات منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها بعدم التعاون الكامل لتوضيح أصل فيروس «كورونا» بعد 5 سنوات من تفشي الوباء.

«الشرق الأوسط» (بكين)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».