المؤتمر الاقتصادي يثير «عاصفة جدلية» بين فريقين في السودان

حمدوك يخاطب عبر الفيديو الدورة الـ75 للجمعية العمومية في الأمم المتحدة (أ.ف.ب)
حمدوك يخاطب عبر الفيديو الدورة الـ75 للجمعية العمومية في الأمم المتحدة (أ.ف.ب)
TT

المؤتمر الاقتصادي يثير «عاصفة جدلية» بين فريقين في السودان

حمدوك يخاطب عبر الفيديو الدورة الـ75 للجمعية العمومية في الأمم المتحدة (أ.ف.ب)
حمدوك يخاطب عبر الفيديو الدورة الـ75 للجمعية العمومية في الأمم المتحدة (أ.ف.ب)

يثير المؤتمر الاقتصادي المقام في الخرطوم، عاصفة من الجدل بين توجهين اقتصاديين داخل الحكومة ومرجعيتها السياسية من جهة، ومتفائلين بتأثيره إيجاباً على أوضاع الاقتصاد المنهار، ومتشائمين يرون فيه «تحصيل حاصل» بعد اتفاق السودان مع «صندوق النقد الدولي».
والجدل الذي يثيره المؤتمر الاقتصادي الوطني، ليس بين المتفائلين والمتشائمين وحدهم، بل هو جدل بين حكومة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، التي ترى أن الحل يكمن في «روشتة» صندوق النقد الدولي التي تتضمن هيكلة الاقتصاد ورفع الدعم، فيما ترى المرجعية السياسية في رفع الدعم عن السلع وتحرير سعر الصرف صدمة و«جزاء» للثوار والمواطنين.
كان من المقرر عقد المؤتمر الاقتصادي القومي في مارس (آذار) الماضي، وتم تأجيله إلى يونيو (حزيران) الماضي بسبب جائحة «كورونا»، ليتم تأجيله مجدداً لينعقد في 26 سبتمبر (أيلول) الحالي لمدة ثلاثة أيام. ويُنتظر أن يقدم المؤتمر توصياته بشأن التوجهات الاقتصادية للبلاد، بنهاية جلساته اليوم، لكن خبراء يرون أنها ستكون مجرد «تحصيل حاصل»، لأن الحكومة السودانية حددت توجهها الاقتصادي مسبقاً، بتوقيعها اتفاقاً مع «صندوق النقد الدولي»، يتضمن تنفيذ إصلاحات اقتصادية خلال 12 شهراً ينتظر أن تدعم الاقتصاد السوداني، وإعفاء ديونه التي تتجاوز 60 مليار دولار.
وقالت وزيرة المالية هبة محمد علي في بيان عشية عقد المؤتمر إن المجلس التنفيذي لـ«صندوق النقد الدولي» أبرم اتفاقية بين حكومة السودان والصندوق، الأربعاء الماضي، يمكن أن تمهد لمعالجة صعوبات الاقتصاد السوداني، وإصلاح تشوهاته التي خلّفها النظام البائد. وتوقعت الوزيرة أن توفر الإصلاحات التي يطالب بها الصندوق فوائد ملموسة للسودان، من بينها إعفاء متأخرات الديون، بالاستفادة من مبادرة إعفاء الدول المثقلة بالديون المعروفة اختصاراً بـ«هيبك»، والحصول على تمويل للمشاريع التنموية والإنتاجية الكبرى في البلاد، وتطوير الثروات والخدمات.
ووفقاً للوزيرة، فإن السودان حال تنفيذه للبرنامج سيكون مؤهلاً للحصول على أكثر من 1.5 مليار دولار على شكل منح مباشرة لتحفيز الاستثمار وانعاش الاقتصاد.
ويقول محللون إن الانقسام داخل الصف الحاكم بشأن التوجه الاقتصادي يجعل من المؤتمر مجرد امتداد لمؤتمرات عديدة سبقته، ولم تنفذ، بما في ذلك مؤتمرات عقدت إبان الديمقراطية الثالثة وفي عهد النظام المباد، لجهة أن الحكومة تتمسك برفع الدعم والالتزام بسياسات «صندوق النقد الدولي»، بينما ترى مرجعيتها السياسية والقوى الشعبية والشبابية أن حزمة «صندوق النقد الدولي» تزيد من الفشل الاقتصادي، وترفع من وتيرة الفشل السياسي، وتضع المزيد من الأعباء على كاهل المواطنين، ما يهدد استقرار الفترة الانتقالية برمتها، ويهدد الأوضاع بثورة شعبية جديدة.
وتراهن الحكومة السودانية على مقررات وتوصيات المؤتمر الاقتصادي القومي، للخروج من الأزمة الاقتصادية الخانقة التي قد تؤدي لإسقاطها، وعلى الدعم الدولي والمساعدات المالية المنتظرة، حال حذف السودان من القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب مقابل التطبيع مع إسرائيل، فيما تتمسك المرجعية السياسية «الحرية والتغيير» بما تطلق عليه «الاعتماد على الموارد الذاتية» للنهوض بالبلاد، وترفض شرائح واسعة منها التطبيع مع إسرائيل، وترى في ذلك «بيعاً» للإرادة الوطنية.
من جهته، وصف أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم محمد الجاك أحمد أوراق المؤتمر بالشاملة، بيد أنها ترهن التنمية الاقتصادية لـ«القطاع الخاص»، ما يجعل منه «سيراً حذو النعل» في طريق النظام المباد، القائم على تهميش دور الدولة وريادتها في التنمية، ويتابع: «ما لم يتم إعطاء أولوية للدولة في النشاط الاقتصادي، على غرار فترة ما بعد الاستقلال، التي حققت خلالها المشروعات الحكومية الاكتفاء الذاتي من بعض السلع والخدمات، فإن هذه التوصيات لن تجد طريقها للتنفيذ».
ويرى الجاك في الاعتماد على القطاع الخاص «مخاطرة» كبيرة، لأنه لن يستطيع إزالة تشوهات الاقتصاد، ما يجعل من التوصيات استمراراً لسياسات النظام المباد، والسير في طريق التحرير الاقتصادي، رغم عدم توفر مقومات التحرير الاقتصادي في البلاد، بل وكل الاقتصادات النامية، ويضيف: «دون الاكتراث للأزمات الناتجة عن التحرير الاقتصادي وانعكاسها على حياة الناس، فإن الاستراتيجيات المقدمة في أوراق المؤتمر لا يمكن أن تسهم في التنمية، في ظل ابتعاد الدولة عن العملية الإنتاجية، وبالتالي ابتعادها عن توفير ضمانات التنفيذ، لأن ذلك يتطلب تغييراً جذرياً في المؤسسات المالية»، ويستطرد: «بنك السودان مثلاً الجميع يتحدثون عن استقلاليته حتى في النظام المباد، لكن لأن الدولة بعيدة عن النشاط الاقتصادي لم تُنفذ هذه السياسة».
وينتقد الجاك في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أمس، ما سماه «عجز الحكومة الانتقالية عن اتباع سياسات مالية رشيدة ترفع الإيرادات وتقلل النفقات»، بقوله: «لم تكن هناك مبادرات أو توجهات حقيقية لتخفيض النفقات، بل توسع جهاز الدولة بخلق وظائف سيادية لإرضاء المعارضين والأحزاب، فزاد الترهل خلال الفترة الانتقالية». ويحذر الأكاديمي الجاك من عدم تطبيق التوصيات التي قد يخرج بها المؤتمر، ويقول: «إذا استمرت الحكومة في نهج التوسع في الإنفاق في ظل تراجع الإيرادات، والاعتماد على الضرائب وحدها، فلن يتعالج العجز المستمر للموازنة».
ويصف الجاك التوصيات المتوقعة بأنها امتداد لتوصيات المؤتمرات الاقتصادية السابقة، بما في ذلك المؤتمر الاقتصادي الذي عُقِد في عام 1985. وقال: «أوراقه موجودة لم يستفد منها المؤتمر الحالي»، وتابع: «الحديث عن رفع الدعم وتخلي الدولة عن دورها الخدمي يجعل من المؤتمر استمراراً لمؤتمرات النظام البائد».
وقلل الأكاديمي الجاك من أهمية الاتفاق مع «صندوق النقد الدولي»، ووصفه بأنه غير قابل للتنفيذ، لأن المرجعية السياسية للحكومة لن تقبله، مثلما لن يقبله الأشخاص الحقيقيون الذين قاموا بالثورة، لأن لهم رأياً واضحاً من معالجات «صندوق النقد الدولي».



انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.