طموحات لبنانية وفلسطينية وعراقيل إسرائيلية

طموحات لبنانية وفلسطينية وعراقيل إسرائيلية
TT

طموحات لبنانية وفلسطينية وعراقيل إسرائيلية

طموحات لبنانية وفلسطينية وعراقيل إسرائيلية

تاريخياً، بدأت أول أعمال استكشافية في حوض شرق المتوسط خلال النصف الثاني من عقد الثمانينات في مصر بعدما قررت السلطات البترولية المصرية مساواة التعامل بالاكتشافات الغازية بالاكتشافات النفطية، بمعنى منح الشركات العاملة نفس الامتيازات لاكتشاف الغاز كما لاكتشاف النفط.
وكانت حتى عقد السبعينات للقرن الماضي، تغلق فوهة البئر عند اكتشاف الغاز لعدم توفر الطلب على الغاز بشكل كاف حتى تلك الفترة. لكن تدريجيا ومع ارتفاع أسعار النفط منذ أوائل عقد السبعينات، ازداد استهلاك الغاز ليصبح الوقود المفضل في توليد الكهرباء والصناعات البتروكيماوية والثقيلة وتعاظم الطلب على الغاز نظرا لانخفاض نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون منه مقارنة بالانبعاثات من النفط. وازداد بشكل مضطرد الطلب عليه عالميا، وبالذات في مصر، حيث تشكل محطات الكهرباء التي تستعمل الغاز نحو 85 في المائة من محطات الكهرباء اليوم في مصر.
واستطاعت مصر استقطاب كبرى شركات البترول العالمية في صناعتها الغازية، مثل «شل» و«إيني» و«توتال» و«بريتش بتروليوم» و«بريتش غاز» هذا عدا العديد من الشركات البترولية الأصغر حجما. واهتمت شركات البترول بمصر لأسباب عدة، بينها: تاريخ الاستكشافات في أرضها ومياهها الواسعة وعقودها الاستكشافية والتطويرية، وتوفر يدا عاملة ماهرة محلية، هذا ناهيك عن سوقها المحلية التي تضم نحو مائة مليون نسمة. واستطاعت مصر قبل غيرها من الدول العربية مد أنابيب الغاز للاستهلاك المنزلي، بالإضافة طبعا إلى المصانع ومحطات الكهرباء. واستطاعت الشركات العالمية اكتشاف حقول غازية ضخمة في المناطق الاقتصادية الخالصة المصرية، حيث اكتشفت شركة «إيني» حقل «ظهر» العملاق في صيف 2015 وهو أكبر حقل غازي في البحر المتوسط تم اكتشافه حتى الآن. وساعد اكتشاف هذا الحقل العملاق بالذات، بالإضافة إلى الحقول البحرية الأخرى في تمكن مصر من الاكتفاء الذاتي الداخلي من الغاز الطبيعي ولو لسنوات محدودة (حتى عام 2025 تقريبا)، ومن ثم يتوجب اكتشاف حقول جديدة لملاءمة الطلب المتزايد على الغاز وتعويض ما يتم إنتاجه. هذا طبعا بالإضافة إلى الزيادة العالية لعدد السكان المحلي الذي يزداد حوالي 5 في المائة سنويا. يعني هذا أنه يتوجب على مصر الاستمرار في عمليات الاستكشاف البحرية (شرق المتوسط ودلتا النيل والبحر الأحمر) واليابسة (الصحراء الغربية). كما يتوجب على مصر إعادة النظر بشكل كامل بسياسة تصدير الغاز. وبالفعل تستمر مصر في إضافة قطع جديدة للاستكشاف سنويا.
- عراقيل إسرائيلية
أدى نجاح مصر الاستكشافي في منطقتها الاقتصادية الخالصة شمال الإسكندرية وبورسعيد إلى تشجيع الدول القريبة منها للاستكشاف في المنطقة الجيولوجية «دلتا النيل»، فبادرت السلطة الفلسطينية في 1999 بالتوقيع على عقد حصري مع شركة «بريتش غاز» للاستكشاف والتنقيب عن البترول في مياه غزة. وانضمت كل من «شركة اتحاد المقاولات» (مقرها في أثينا) وصندوق الاستثمار الفلسطيني، شريك «بريتش غاز» التي اكتشفت حقل «غزة مارين» البحري في عام 2000، ويبلغ الاحتياطي المؤكد للحقل حوالي 1.50 مليار متر مكعب من الغاز. ورغم أن هذا الاحتياطي يعتبر محدودا نسبيا، فإنه يفي الطلب المحدود في نفس الوقت لكل من قطاع غزة والضفة الغربية. وعند البدء بتطوير الحقل استعدادا للإنتاج، تمنعت إسرائيل عن إعطاء الموافقة ولا يزال الحقل دون تطوير حتى يومنا هذا. وبعد فترة، قررت شركة «بريتش غاز» بيع أصولها وممتلكاتها العالمية لشركة «رويال داتش شل». وشملت عملية البيع ونقل الممتلكات هذه حقل «غزة مارين»، لكن «شل» قررت رغم شرائها للحقل، تحويل ملكيته لشركة أخرى. ولا تزال عملية تحويل الملكية من «شل» هذه جارية حتى يومنا هذا، وإسرائيل تخلق العراقيل المتواصلة أمام تطوير الحقل والبدء بالإنتاج.
- حدود بحرية
تبنت كل من قبرص ولبنان سياسات لاكتشاف البترول على أثر الاكتشافات في المناطق المجاورة. فبادرت قبرص برسم حدودها البحرية مع مصر ولبنان وإسرائيل. وعند محاولة رسم الحدود مع لبنان برزت مشكلة رسم الحدود شمالا (مع سوريا) وجنوبا (مع إسرائيل)، إذ إن الحدود البحرية بين لبنان وسوريا غير مرسومة، بناء على قرار دمشق. أما بالنسبة للحدود مع إسرائيل، فبما أن لبنان في حالة حرب مع إسرائيل، فمن غير الممكن للمفاوض اللبناني الجلوس على طاولة مشتركة مع إسرائيل.
ومن ثم، تم رسم الحدود اللبنانية - القبرصية بطريقة غير نهائية، مع النص في الاتفاقية الحدودية هذه أنه لا يحق لأي من الطرفين (اللبناني أو القبرصي) الاتفاق مع طرف ثالث دون الحصول على موافقة مسبقة من الطرف الآخر (اللبناني أو القبرصي). وفي نفس الوقت، أرسلت الحكومة اللبنانية مذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة توثق فيها حدودها البحرية حسب الاتفاقات والأعراف الدولية، لكن اتفقت قبرص وإسرائيل على حدود بحرية مشتركة بينهما، ما أدى إلى وضع إسرائيل اليد على مساحة كبيرة من القطع اللبنانية الجنوبية البحرية 8 و9 و10. وبادرت الولايات المتحدة إلى الوساطة بين بيروت وتل أبيب لحل المشكلة، بعد أن اعتذر الأمين العام للأمم المتحدة عن ذلك. ولا تزال هذه الوساطة جارية، مع مؤشرات وتصريحات من بعض المسؤولين المشاركين في الوساطة الدبلوماسية لحل المشكلة قريبا رغم النزاعات السياسية الداخلية في لبنان. والمسؤول عن ملف المفاوضات من الجانب اللبناني رئيس مجلس النواب نبيه بري ومن الجانب الأميركي وزارة الخارجية.
وبادرت كل من لبنان وقبرص إلى تقسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة لكل منهما إلى قطع بحرية. فقسم لبنان منطقته إلى 10 قطع، تم حتى الآن حفر بئر واحدة من قبل كونسورتيوم تقوده «توتال» وعثر على شواهد غازية، لكن ليس المكمن في قطعة رقم 4 في المياه الشمالية. ومن المفروض أن يحفر الكونسورتيوم بقيادة «توتال» أيضا في القطعة رقم 9 في المياه الجنوبية مقابل ساحل صور في الجنوب قبل نهاية العام، والقطع الجنوبية منطقة موعودة نظرا لطبيعتها الجيولوجية.
كما بادرت قبرص، رغم التهديدات التركية المستمرة، في تنفيذ برنامج استكشافي طموح اجتذب اهتمام ومشاركة عدد من كبرى الشركات النفطية العالمية (توتال وإيني وإكسون موبيل وقطر بتروليوم ونوبل إينرجي). وتم اكتشاف حقل «أفروديت» باحتياطي نحو 5 مليارات متر مكعب غازي، هذا بالإضافة إلى عدة حقول أخرى.
وتبنت مصر سياسة غاز جديدة بعد السياسات السابقة خلال عامي 2011 و2012 عندما لم تستطع الحكومة تلبية التزاماتها لتوفير الإمدادات لكل من السوق المحلية والتزامات التصدير عبر خط الغاز العربي لكل من الأردن وسوريا ومن خلال محطتي تسييل الغاز على ساحل البحر المتوسط لتصدير الغاز المسال إلى السوق الأوروبية. وقد أعطيت الأولوية الآن لاستعمال الإنتاج الغازي المحلي للاكتفاء الداخلي، بالذات بعد اكتشاف حقل «ظهر» في عام 2015 وبدء الإنتاج منه بوقت قياسي في عام 2017.
أما بالنسبة للتصدير، فأعطت الأولوية لتصدير الغاز المسال من مصنعي دمياط وإدكو (وهما الوحيدان لتسييل الغاز في شرق المتوسط حتى الآن) ما يوفر لمصر موقعا تنافسيا مميزا في المنطقة، إذ يعطيها الفرصة لتصدير الغاز للسوق الأوروبية بشحنه في بواخر مخصصة لنقل الغاز المسال، دون الاعتماد كليا على تشييد الأنابيب لنقل الغاز عبر المتوسط إلى الساحل الجنوبي لأوروبا . وبالاعتماد على مصنعي دمياط وإدكو تستطيع مصر أن تفي بتعهداتها للشركات الأوروبية في تصدير الغاز بعد أن توقفت عن ذلك منذ بداية هذا العقد وما خلفه هذا من التزامات مالية باهظة.
لكن، ومن أجل تغذية المصنعين بالغاز، اتفقت مصر مع كل من إسرائيل وقبرص لتزويدها بالإمدادات الغازية اللازمة التي ستعيد مصر تصديرها كغاز مسال، هذا بالإضافة إلى كميات محدودة جدا من الغاز المصري. وبهذا تكون مصر قد أعادت تشغيل المصنعين ووفت باتفاقاتها الدولية، والتزمت أيضا باستعمال معظم الإنتاج الداخلي لاستهلاك السوق المحلية. أما بالنسبة لخط الغاز العربي، والمفروض أن يمتد إلى تركيا ثم تصدير الغاز منه عبر أنابيب التصدير المتوفرة لنقل الغاز عبر تركيا إلى السوق الأوروبية، فقد توقف تشييد الخط في وسط غرب سوريا بسبب الحرب. ولا يتوقع تبني سياسة محددة بشأن الخط في القريب العاجل.


مقالات ذات صلة

تركيا تندد باتفاق دفاعي بين واشنطن ونيقوسيا يتجاهل القبارصة الأتراك

شؤون إقليمية قبرص كشفت في يوليو الماضي عن إنشاء قاعدة جوية أميركية قرب لارنكا (وسائل إعلام تركية)

تركيا تندد باتفاق دفاعي بين واشنطن ونيقوسيا يتجاهل القبارصة الأتراك

نددت تركيا بتوقيع الولايات المتحدة اتفاقية خريطة طريق لتعزيز التعاون الدفاعي مع جمهورية قبرص، ورأت أنه يُخلّ بالاستقرار الإقليمي ويُصعِّب حل القضية القبرصية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية إردوغان استقبل السيسي بحفاوة خلال زيارته أنقرة الأربعاء (الرئاسة التركية)

أصداء واسعة لزيارة السيسي الأولى لتركيا

تتواصل أصداء الزيارة الأولى للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لأنقرة، في وسائل الإعلام وعبر منصات التواصل الاجتماعي في تركيا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الاقتصاد حقل «أفروديت» البحري للغاز (أ.ف.ب)

خطة لتطوير حقل الغاز القبرصي «أفروديت» بـ4 مليارات دولار

قالت شركة «نيوميد إنرجي» الإسرائيلية، إن الشركاء بحقل «أفروديت» البحري للغاز الطبيعي، قدموا خطة للحكومة القبرصية لتطوير المشروع بتكلفة تبلغ 4 مليارات دولار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية ترقب واسع في تركيا لزيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (أ.ف.ب)

لماذا استبقت «الإخوان» زيارة السيسي لتركيا بمبادرة جديدة لطلب العفو؟

استبقت جماعة «الإخوان المسلمين»، المحظورة، زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المرتقبة لتركيا بمبادرة جديدة للتصالح وطلب العفو من الدولة المصرية.

سعيد عبد الرازق (أنقرة:)
المشرق العربي مسؤولون لبنانيون على متن منصة الحفر «ترانس أوشن بارنتس» خلال عملها في البلوك رقم 9... أغسطس 2023 (رويترز)

حرب الجنوب تُعلّق النشاط الاستكشافي للنفط بمياه لبنان الاقتصادية

تضافر عاملان أسهما في تعليق نشاط التنقيب عن النفط والغاز في لبنان؛ تَمثّل الأول في حرب غزة وتداعياتها على جبهة الجنوب، والآخر بنتائج الحفر في «بلوك 9».

نذير رضا (بيروت)

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
TT

ثماني محطات إيرانية بعد «طوفان الأقصى»

خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)
خامنئي يؤم صلاة الجنازة على القيادي في «الحرس الثوري» رضي موسوي ديسمبر الماضي (موقع المرشد الإيراني)

عندما بدأت عملية «طوفان الأقصى» ونشوب الحرب في غزة، كانت إيران تواجه تداعيات الاحتجاجات الشعبية غير المسبوقة إثر وفاة الشابة مهسا أميني، التي جعلت خريف 2022 الأكثر دموية في الداخل الإيراني.

اندلعت الحرب في قطاع غزة، في لحظة محورية بالنسبة لمؤسسة المرشد الإيراني؛ حيث زادت الضغوط الدولية عليه بسبب قمع الاحتجاجات الداخلية، وإرسال الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مع وصول المفاوضات النووية إلى طريق مسدود.

ومنذ الموقف الرسمي الأول، رأت طهران أن هجوم حركة «حماس» هو «رد فعل طبيعي وحركة عفوية على السياسات الحربية والاستفزازية والإشعال المتعمّد للصراعات من قبل رئيس الوزراء المتطرف والمغامر لإسرائيل».

دأب المسؤولون الإيرانيون على نفي أي دور في اتخاذ قرار عملية «طوفان الأقصى»، لكن الحراك الدبلوماسي والسياسي أوحى بأن أركان الدولة، بما في ذلك الجهاز الدبلوماسي، كان على أهبة الاستعداد للتطور الكبير الذي يهز المنطقة.

بعد أقل من أسبوع على هجوم «طوفان الأقصى» بدأ وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبد اللهيان، أول جولاته الخمس على دول المنطقة قبل وفاته في 19 مايو (أيار)؛ بهدف عقد مشاورات مع مسؤولي دول الجوار ولقاءات تنسيقية قادة جماعات «محور المقاومة» وتوجيه رسائل إقليمية، وتوجه إلى العراق وواصل زيارته إلى دمشق، ومنها إلى بيروت، وانتهى المطاف في الدوحة.

وحينها وجهت إيران رسالة لإسرائيل، بأنها قد تواجه عدة جبهات إذا لم تتوقف عملياتها العسكرية في غزة.

ودفعت طهران باتجاه تعزيز صورة الجماعات المسلحة في المنطقة، والعمل على إضفاء الشرعية على دورها في دعم تلك الجماعات، مستغلة الأوضاع السياسية والاضطرابات الإقليمية.

اجتماع ثلاثي بين عبداللهيان وزياد النخالة أمين عام «الجهاد الإسلامي» وصالح العاروري رئيس مكتب حركة «حماس» في بيروت مطلع سبتمبر 2023 (الخارجية الإيرانية)

وشكل هذا الموقف المحطة الأولى لإيران. وترى طهران أنها نقلت جماعات «محور المقاومة» من نطاق محصور إلى نطاق «عالمي»، أو ما يسميه الدبلوماسيون الإيرانيون من «عالم المقاومة» إلى «المقاومة العالمية».

بذلك، انتقلت إيران، التي حاولت الحفاظ على مرحلة التهدئة مع جيرانها الإقليميين، إلى وضع هجومي فيما يتعلق بالجماعات المرتبطة بها، وهو ما يراه البعض انعكاساً لاستراتيجيتها على توسيع نفوذها ودورها في المنطقة.

على المستوى الرسمي، بعثت إيران برسالة للأوساط الدولية بأن تلك الجماعات مستقلة، وتملك قرارها بنفسها، وتصنع أسلحتها، لكن عدة مسؤولين وقادة عسكريين إيرانيين أشاروا في تصريحاتهم إلى دور الجنرال قاسم سليماني وقوات الوحدة الخارجية في «الحرس الثوري» بتسليح تلك الجماعات وتزويدها بتقنيات صناعة الأسلحة.

أما ثاني محطة لإيران بعد «طوفان الأقصى»، فقد بدأت بعد شهر من اندلاع الحرب في غزة؛ حيث دعا المرشد الإيراني علي خامنئي إلى ما وصفه بـ«قطع الشرايين الاقتصادية» لإسرائيل، خصوصاً ممرات النفط والطاقة. ومنها دخلت الجماعات المرتبطة بطهران، وجماعة «الحوثي» تحديداً على خط الأزمة، وشنّت هجمات على سفن تجارية على مدى أشهر، أثرت على حركة الملاحة في البحر الأحمر.

كما باشرت الميليشيات والفصائل العراقية الموالية لإيران، هجمات بالطائرات المسيّرة على إسرائيل والقواعد الأميركية على حد سواء.

وبدأ الجيش الأميركي رده بعدما تعرضت له قاعدة في الحدود السورية بالرد على هجمات طالت قواته، مستهدفاً مواقع للفصائل المسلحة.

على المستوى السياسي، أصرت طهران على وضع شروط الجماعات الحليفة معها أولاً لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، ومنها أبدت معارضتها لأي تسويات دولية، خصوصاً إحياء مقترح «حل الدولتين». وفي ديسمبر (كانون الأول)، قال وزير الخارجية الإيراني إن رفض «حل الدولتين» نقطة مشتركة بين إيران وإسرائيل.

المحطة الثالثة: بموازاتها باشرت إسرائيل بشن هجمات هادفة ضد القوات الإيرانية في سوريا، واستهدفت رضي موسوي مسؤول إمدادات «الحرس الثوري» في سوريا في ديسمبر، وبعد شهر، أعلن «الحرس الثوري» مقتل مسؤول استخباراته هناك، حجت الله أميدوار، لكن أقوى الضربات جاءت في مطلع أبريل (نيسان) عندما استهدفت غارة جوية إسرائيلية اجتماعاً لقادة «الحرس» في مقر القنصلية الإيرانية، وقتلت أرفع مسؤول عسكري إيراني في سوريا ولبنان، الجنرال محمد رضا زاهدي.

المرشد الإيراني علي خامنئي يؤم صلاة الجنازة على جثامين زاهدي وجنوده في حسينية مكتبه 4 أبريل 2024 (أ.ف.ب - موقع المرشد)

أما المحطة الإيرانية الرابعة، فقد وصلت إيران فيها إلى حافة الحرب مع إسرائيل، عندما ردت على قصف قنصليتها، بشن أول هجوم مباشر من أراضيها على الأراضي الإسرائيلية بمئات الصواريخ والمسيّرات.

ورغم تأكيد الجانب الإسرائيلي على صد الهجوم الإيراني، فقد وجهت ضربة محدودة لإيران باستهداف منظومة رادار مطار عسكري في مدينة أصفهان، قرب منشأة نووية حساسة.

وزادت المواجهة من احتمال تغيير مسار البرنامج النووي الإيراني، مع تكاثر الحديث في طهران عن ضرورة التوصل لأسلحة رادعة، وأيضاً التهديدات الإسرائيلية بشن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.

امرأة غير محجبة تمر أمام لافتة دعائية للصواريخ الإيرانية في ساحة «ولي عصر» وسط طهران 15 أبريل الماضي (رويترز)

المحطة الإيرانية الخامسة، جاءت بعد مقتل الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في حادث تحطم مروحية قرب الحدود الأذربيجانية. وسارعت السلطات الإيرانية لنفي نظرية المؤامرة، مستبعدة بذلك أي احتمالات لتعرض أرفع مسؤول تنفيذي في البلاد لضربة إسرائيلية. وأصدرت هيئة الأركان بعد نحو 3 أشهر على مقتل رئيسي، تأكيداً بأن مروحيته سقطت نتيجة ظروف مناخية، رغم أنها لم تُجِب عن كل الأسئلة.

عبداللهيان خلال اللقاء الذي جمعه بنصر الله في ضاحية بيروت الجنوبية فبراير الماضي (إعلام «حزب الله»)

وفي هذه المرحلة، توسعت الحملة الإيرانية، مع دخول الموقف السياسي الإيراني مرحلة السبات فيما يخص تطورات الحرب في غزة، نظراً لانشغال السلطات بالانتخابات الرئاسية، والسعي لتشكيل حكومة جديدة.

وخلال حملة الانتخابات الرئاسية، تجنب المرشحون للانتخابات إثارة القضايا المتعلقة بحرب غزة والدعم الإيراني. على الرغم من الانتقادات الداخلية لتأجيل القضايا الإيرانية الملحة مثل رفع العقوبات وتعطل المسار الدبلوماسي لإحياء الاتفاق النووي.

وكان لافتاً أن تصريحات المرشحين بمختلف توجهاتهم لم تذهب أبعد من الإشادة بالبرنامج الصاروخي، وتوجيه الضربة لإسرائيل، والتعهد بتعزيز معادلات الردع.

المحطة السادسة: بمراسم تنصيب الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 30 يوليو (تموز)؛ إذ شهدت طهران أكبر تحول في حرب غزة، ألا وهو اغتيال رئيس حركة «حماس» إسماعيل هنية، في مقر تابع لـ«فيلق القدس» في شمال طهران.

هنية ونائب الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني ورئيس حركة «الجهاد الإسلامي» والمتحدث باسم الحوثيين في مراسم القسم الدستوري للرئيس الإيراني بطهران 30 يوليو الماضي (رويترز)

وتعهد المرشد الإيراني علي خامنئي حينها بالرد على «انتهاك السيادة الإيرانية» واغتيال «ضيف إيران»، وتنوعت نبرة ومفردات التهديد بين مسؤولين سياسيين وقادة عسكريين. وشدد المسؤولون الإيرانيون على حتمية الرد مع تقدم الوقت وتراكم الشكوك بشأن رد إيران.

وأثار اغتيال هنية في طهران الكثير من التساؤلات حول طبيعة العملية، خصوصاً مع وجود الاختراقات.

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

المحطة السابعة: كان عنوانها تفجيرات أجهزة «البيجر»، بالتزامن مع رسالة تهدئة من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، خصوصاً مع الولايات المتحدة، وشملت إسرائيل.

وقبل أن يتوجه إلى نيويورك، قال بزشكيان في مؤتمر صحافي إن بلاده لا تريد أن تكون عاملاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة، ولا تريد تصدير الثورة، مبدياً استعداده للانفتاح على واشنطن، إذا أثبتت أنها ليست معادية لطهران، وذهب أبعد من ذلك عندما استخدم وصف «الأخوة الأميركية».

واصل بزشكيان هذه النبرة في لقاءات على هامش حضوره أعمال الجمعية العامة في نيويورك، وقال: «إيران مستعدّة لوضع أسلحتها جانباً إذا وضعت إسرائيل أسلحتها جانباً»، حسب تسجيل صوتي انتشر من اللقاء نفسه. وقال إن تأخير الرد الإيراني على اغتيال هنية هو تلقي بلاده رسائل بأن اتفاقاً لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حماس» سيُبرم خلال أسبوع، مبدياً انزعاجه من عدم التوصل للاتفاق واستمرار الهجمات الإسرائيلية.

خامنئي يلقي خطاباً أمام مجموعة من أنصاره وفي الخلفية صورة نصر الله (موقع المرشد)

وقلل بزشكيان من قدرة «حزب الله» على مواجهة إسرائيل وحده، وهو ما مزق الصورة التي رسمها مسؤولون مقربون من المرشد علي خامنئي.

وزاد موقف بزشكيان وكذلك الفرضيات بوجود اختراق في هجمات «البيجر»، واستهداف قادة «حزب الله»؛ من الشكوك في طهران بوجود اختراقات للجبهة الإيرانية، وعززت أيضاً مخاوف داخلية من وجود اختراقات.

المحطة الثامنة والخطيرة، بدأت باغتيال الأمين العام لـ«حزب الله»، حسن نصر الله، ثاني أهم لاعب للاستراتيجية الإقليمية الإيرانية، بعد الجنرال قاسم سليماني، خلال 35 سنة من حكم المرشد علي خامنئي. كما أدت الغارة الجوية الإسرائيلية على مقر نصر الله، إلى تسجيل ثاني خسائر «الحرس الثوري» الكبيرة منذ «طوفان الأقصى»، وهو نائب قائد غرفة العمليات، الجنرال عباس نيلفروشان.

ويحظى نصر الله بأهمية كبيرة لدى حكام إيران وخصوصاً الأوساط المحافظة، لدرجة تداول اسمه في بعض الفترات لتولي منصب المرشد الإيراني بعد خامنئي بوصفه «ولي الفقيه»، ولو أن الترشيح بدا مثالياً لأنه ليس مسؤولاً إيرانياً، فسيكون مرفوضاً من غالبية الأطراف السياسية.

نظام القبة الحديدية الإسرائيلي يعترض الصواريخ الآتية من إيران (رويترز)

ورداً على اغتيال هنية في عمق الأراضي الإيرانية، ونصر الله، ونيلفروشان، وجهت إيران هجومها الصاروخي الثاني المباشر على إسرائيل، في خطوة هدّدت إسرائيل بالرد عليها مع التلويح ببنك أهداف غير محدودة تشمل مصافي النفط ومحطات الوقود وأيضاً المنشآت النووية والعسكرية، ما يجعل الأزمة بين إسرائيل وإيران مفتوحة على كل الاحتمالات.