التغيرات المناخية تُهدّد مواقع تراثية في أفريقيا

TT

التغيرات المناخية تُهدّد مواقع تراثية في أفريقيا

بشر كثيرون مرّوا في القارة السوداء، عبر العصور، تاركين بصماتهم بدءاً من الفن الصخري في جنوب أفريقيا وصولاً إلى الأهرامات على طول نهر النيل. حسبما ذكر موقع «بي بي سي» البريطاني.
بعد آلاف السنين على صمودها، خرجت دراسة حديثة لتحذّر العالم، من أنّ الأحداث المناخية المتطرفة وارتفاع مستوى سطح البحر وغيرها من التحديات المرتبطة بتغير المناخ، باتت تشكّل خطراً، بل وتهدد بتدمير الكثير من المعالم الثقافية التي لا تقدر بثمن في أفريقيا.
في هذا السياق، كتب باحثون من المملكة المتحدة، وكينيا، والولايات المتحدة في مجلة «أزانيا» يطالبون بـ«تدخل كبير» لإنقاذ تلك المواقع التراثية. ولتأكيد التحذير، حاول علماء الآثار في السودان خلال الأسابيع الأخيرة، منع مياه الفيضانات من نهر النيل من الوصول إلى موقع التراث العالمي، الذي وضعته الأمم المتحدة على قائمتها والذي يقع في منطقة «البجراوية».
جدير ذكره، أنّ النهر يفيض كل عام، ولكن من يعملون في هذه المنطقة لم يروا المياه ترتفع بهذا الشكّل حتى الآن.
فما هي المواقع المهدّدة بالدّمار؟
مؤلفو تقرير «أزانيا» حدّدوا بالأسماء عدداً من المواقع التي يرون أنّها مهددة وهي:
سواكن السودانية
ذات يوم، كانت مدينة سواكن الواقعة في شمال شرقي السودان، ميناءً هاماً للغاية على البحر الأحمر. بدأت قصته قبل 3 آلاف عام عندما حوّل الفراعنة المصريون الميناء ذي الموقع الاستراتيجي إلى بوابة للتجارة والاستكشاف. وأصبحت سواكن فيما بعد مركزاً للحجاج المسلمين المتجهين إلى مكة المكرمة كما لعبت دوراً مهماً في تجارة الرقيق بالبحر الأحمر.
تقول منظمة الأمم المتحدة للثقافة (يونيسكو)، إنّ الكثير من مناطق سواكن باتت اليوم، في حالة تدهور، لكنّها لا تزال تحتوي على نماذج رائعة من المنازل والمساجد.
تعمل البروفسور جوان كلارك من جامعة إيست أنجليا في المملكة المتحدة حالياً، على بحث لتحديد وتيرة وسرعة الضرر الناجم عن ارتفاع مستوى سطح البحر وتآكل السواحل. وفي هذا الإطار، قالت: «ما نعرفه هو أنّ ساحل البحر الأحمر سيتأثر في العقود المقبلة، مما يعني أنّ ما بقي على قيد الحياة حالياً سيضيع (من تدخل البشر)».

مدينة لامو الكينية القديمة
تعد البلدة القديمة في «لامو» أقدم مستوطنة سواحلية وأفضلها من حيث المحافظة عليها في شرق أفريقيا، وفقاً لليونيسكو.
وعلى عكس البلدات والقرى الأخرى على طول ساحل شرق أفريقيا التي جرى التخلي عن العديد منها، فقد ظلت «لامو» مأهولة بالسكان منذ أكثر من 700 عام. أضافت الأمم المتحدة أنّها أصبحت أيضاً مركزاً مهماً لدراسة الثقافات الإسلامية والسواحيلية. ومع ذلك، فقد «تأثرت لامو بشدة بتراجع الخط الساحلي»، مما يعني أنّها فقدت الحماية الطبيعية التي كانت توفرها الرمال والنباتات.
ويتعلق ذلك جزئياً بالتغير في مستويات سطح البحر، لكنّ كلارك تلقي باللوم أيضاً على بناء ميناء «لامو» الضخم شمال المدينة القديمة، «الذي يدمر غابات المنغروف التي تحمي الجزيرة من الفيضانات»، وتضيف: «لذا فإن الكثير مما يمكن أن نسميه التراث الطبيعي هو حماية للتراث الثقافي. فبينما ندمر التراث الطبيعي، نترك مواقع التراث الثقافي مكشوفة».
المواقع الساحلية في جزر القمر
هي أرخبيل بركاني يقع قبالة ساحل شرق أفريقيا، ويضم العديد من المواقع المحفوظة جيداً، بما في ذلك مدينة وقصر يعود تاريخهما إلى مئات السنين.
تقول كلارك يُعتبر الأرخبيل اليوم، أحد الأماكن «الأكثر تهديداً» بارتفاع مستوى سطح البحر في أفريقيا.
ووفق الدراسة، يكشف سيناريو معقول لانبعاثات الكربون العالمية المتوسطة إلى العالية، أن «أجزاء كبيرة من المنطقة الساحلية الأفريقية ستغرق بحلول عام 2100».
وكشفت الدراسة أيضاً، أنّه «بحلول عام 2050 ستكون غينيا، وغامبيا، ونيجيريا، وتوغو، وبنين، والكونغو، وتونس، وتنزانيا، وجزر القمر، كلها في خطر كبير من تآكل السواحل وارتفاع مستوى سطح البحر».
الحصون والقلاع الساحلية في غانا
تنتشر على ساحل غانا مراكز تجارية محصنة تأسست بين عامي 1482 و1786. وتمتد لمسافة 500 كيلومتر (310 أميال) على طول الساحل.
بُنيت القلاع والحصون بعد احتلالها في أوقات مختلفة من قبل تجار من البرتغال وإسبانيا والدنمارك والسويد وهولندا وألمانيا والمملكة المتحدة.
تقول البروفسور كلارك إنّ بعض الأمثلة على تلك العمارة تشمل حصن برينزينشتاين في كيتا، شرق غانا، التي «تتآكل في البحر». فبمقارنة الصور الحالية للقلعة بالصور التي التقطت قبل 50 عاماً، يصبح من السهل ملاحظة الطريقة التي انهار بها الهيكل.
الفن الصخري في «تويوفنونيتن»، ناميبيا
يمكن أن يؤدي تغير المناخ إلى زيادة الرّطوبة في المناطق القاحلة نسبياً، ومن ثمّ خلق الظروف الملائمة لتكاثر الفطريات والحياة الميكروبية على الصخور.
هذا بالضبط ما يحدث في مواقع مثل «تويوفنونيتن» بمنطقة «كينوين» في ناميبيا، التي تضمّ واحدة من أكبر تجمعات الفن الصخري في أفريقيا.
دجيني، مالي
تشكل منازل دجيني الطينية، بعضاً من أكثر الصور شهرة في مالي. وكانت المدينة، التي يعيش فيها السكان منذ عام 250 قبل الميلاد، مدينة تسوق ورابطاً مهماً في تجارة الذهب عبر الصحراء. لكنّ تغير المناخ أثّر على توافر الطين عالي الجودة الذي يستخدمه السكان الأصليون لتلك المباني.
وتقول الدراسة إنّ السكان المحليين الذين شهدوا أيضاً انخفاضاً في دخلهم بسبب تراجع المحاصيل يضطرون للاعتماد على مواد أرخص، مما سبب بتغيّر مظهر المدينة بشكل جذري.
وتتابع كلارك موضحة، أنّ «تغير المناخ يمكن أن يكون عاملاً مضاعفاً للتهديد وله تأثيرات غير مباشرة يمكن القول إنّها أكثر خطورة من التأثير المباشر».
«مواقع رائعة بشكل لا يصدق»
هناك بعض البلدان في وضع أفضل من غيرها للتعامل مع تأثير تغير المناخ على تراثها الثقافي.
مصر، على سبيل المثال، تقع في منطقة منخفضة معرضة لخطر شديد من حدوث فيضانات في العقود المقبلة، لكنّها مجهزة جيداً للتّعامل مع بعض التحديات.
في هذا السياق، تقول كلارك إنّه من الناحية الأثرية، توجد هناك بعض «المواقع الرائعة بشكل لا يصدق». ويهدف بحثها إلى إلقاء الضوء على تلك المواقع التي لا يعرف العالم إلّا القليل عنها، وتخشى أن «تختفي من دون أن يدري أحد بها».


مقالات ذات صلة

حلب «الشاهدة على التاريخ والمعارك» تستعد لنفض ركام الحرب عن تراثها (صور)

المشرق العربي لقطة جوية تُظهر قلعة حلب (أ.ف.ب)

حلب «الشاهدة على التاريخ والمعارك» تستعد لنفض ركام الحرب عن تراثها (صور)

أتت المعارك في شوارع حلب والقصف الجويّ والصاروخي على كثير من معالم هذه المدينة المُدرجة على قائمة اليونيسكو، لا سيما بين عامي 2012 و2016.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
يوميات الشرق آلة السمسمية (وزارة الثقافة المصرية)

مصر لتسجيل «الكشري» بقوائم التراث غير المادي باليونيسكو

بعد أن أعلنت مصر إدراج الحناء والسمسمية ضمن قائمة الصون العاجل بمنظمة اليونيسكو، تتجه لتسجيل الكشري أيضاً.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق تسجيل «الورد الطائفي» لدى اليونيسكو يعكس قيمته بعدّه أحد عناصر الثقافة السعودية (الشرق الأوسط)

«الورد الطائفي» في قوائم «اليونيسكو»

أعلن الأمير بدر بن عبد الله بن فرحان، وزير الثقافة رئيس مجلس إدارة هيئة التراث رئيس اللجنة الوطنية السعودية للتربية والثقافة والعلوم، نجاح السعودية في تسجيل.

عمر البدوي (الرياض) «الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق الحنة ترمز إلى دورة حياة الفرد منذ ولادته وحتى وفاته (الفنان العماني سالم سلطان عامر الحجري)

الحناء تراث عربي مشترك بقوائم «اليونيسكو» 

في إنجاز عربي جديد يطمح إلى صون التراث وحفظ الهوية، أعلنت منظمة «اليونيسكو»، الأربعاء، عن تسجيل عنصر «الحناء» تراثاً ثقافياً لا مادياً.

يوميات الشرق صابون الغار الحلبي الشهير من الأقدم في العالم (أ.ف.ب)

الحنّة والصابون الحلبي والنابلسي... «تكريم» مُستَحق

أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم، الحنّة والتقاليد المرتبطة بها، والصابون النابلسي، وصابون الغار الحلبي، في قائمة التراث الثقافي غير المادي.

«الشرق الأوسط» (لندن)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».