فقر الدم الناجم عن نقص الحديد... الأسباب والتشخيص

إرشادات طبية جديدة لإجراء منظار المعدة والقولون

فقر الدم الناجم عن نقص الحديد... الأسباب والتشخيص
TT

فقر الدم الناجم عن نقص الحديد... الأسباب والتشخيص

فقر الدم الناجم عن نقص الحديد... الأسباب والتشخيص

أصدرت رابطة أمراض الجهاز الهضمي الأميركية AGA، في الثاني من سبتمبر (أيلول) الحالي إرشاداتها الإكلينيكية الجديدة حول تقييم سلامة الجهاز الهضمي لدى المصابين بـ«فقر الدم الناجم عن النقص المزمن للحديد». وتم نشرها في حينه ضمن مجلة الجهاز الهضمي Gastroenterology، كنهج إكلينيكي مبني على الأدلة العلمية الحديثة.
وأوضح الباحثون في مقدمة عرض هذه الإرشادات الإكلينيكية الجديدة أن «فقر الدم الناجم عن النقص المزمن للحديد» Chronic Iron Deficiency Anemia هو السبب الأكثر شيوعًا لفقر الدم في العالم. وأن من بين الأسباب الرئيسية، والعميقة في تأثيراتها الصحية، لنشوء «فقر الدم الناجم عن النقص المزمن للحديد» هو: وجود أمراض في الجهاز الهضمي يرافقها نزيف داخلي. وحينذاك يحصل تسريب للدم من الجسم وخروجه مع البراز إما بهيئة نزيف دموي واضح للعيان نتيجة لحصول نزيف حاد وشديد في وقت قصير، أو على هيئة نزيف دموي خفي Occult Bleedingنتيجة نزف بطيء ومستمر لفترات طويلة.
ولذا فإن في حالات «فقر الدم الناجم عن النقص المزمن للحديد»، التي لا تحصل نتيجة لسبب ظاهر، يجب فحص الجهاز الهضمي للتأكد من خلو أجزائه من أي أمراض يرافقها نزيف دموي داخلي. وخاصة عند ملاحظة تغيرات في لون البراز أو إثبات فحوصات البراز احتواءه على كميات ضئيلة وخفية من الدم FOB، أو وجود أعراض مرضية في الجهاز الهضمي أو الكبد.
- تسرب الحديد
وبتوضيح أدق، تناول الباحثون موضوع «تسريب» الحديد مع النزيف الدموي في الجهاز الهضمي عبر مقدمتين.
> المقدمة الأولى تتعلق بتعامل الجسم مع الحديد. أفاد الباحثون أن في الظروف العادية للجسم، يتم تنظيم التعامل مع الحديد بشكل دقيق في الدخول إلى الجسم والخروج منه. ودخول الحديد إلى الجسم يتم عبر امتصاص الأمعاء الدقيقة للحديد الموجود في الطعام. وبالنسبة لخروجه من الجسم، لا توجد آليه طبيعية تنظم عملية إخراج الحديد، كما هو الحال في المعادن الأخرى كالصوديوم والكالسيوم مثلاً عبر الكلى، ولكن الجسم «يفقد» يومياً في الحالات الطبيعية ما بين 0.25 (صفر فاصلة خمسة وعشرين) إلى 0.75 (صفر فاصلة خمسة وسبعين) مليغرام من الحديد، وذلك نتيجة تقشير خلايا الجلد الخارجية وإفراز العرق وتقشر خلايا بطانة أجزاء الجهاز الهضمي.
ويُعوض الجسم هذا الفقد عبر امتصاص الأمعاء لمزيد من حديد الطعام وعبر استخدام مخزون الحديد في الجسم. وثمة قدرة استيعابية جيدة للأمعاء الدقيقة في زيادة امتصاص للحديد Iron Absorptive Capacity، لتعويض النقص. وعليه، فإن نقص الحديد بالجسم يحدث فقط عندما ينفد مخزون الحديد في الجسم، وعندما يتجاوز فقدان الحديد القدرة الاستيعابية لامتصاصه في الأمعاء الدقيقة، وحينها تبدأ مراحل حصول حالة فقر الدم الناجم عن النقص المزمن للحديد.
> أما المقدمة الثانية للباحثين فتتعلق بكمية نزيف الدم. وأوضح الباحثون أن نزيف الجهاز الهضمي العلوي بكمية دم تفوق 100 مليلتر، قد يتسبب بتغير لون البراز عن الطبيعي وخروج براز ذي لون أسود Melena. ومعلوم أنه بسبب تفاعل أحماض المعدة مع الدم، يتحول لونه من الأحمر إلى البني الغامق أو الأسود، وهو ما يُغير لون البراز. ولكن فقدان ما بين 50 إلى 100 مليلتر من الدم قد لا يتسبب بتلك التغيرات الواضحة في البراز، وحينها يكون «نزيفاً خفياً» ولا يُلاحظ المريض أو الطبيب حصوله. وعندما يستمر هذا النزيف القليل الكمية لفترات زمنية طويلة، تظهر حالة فقر الدم الناجمة عن الفقدان المزمن للحديد.
- فحص الجهاز الهضمي
وعملياً، أفاد الباحثون أن أي آفة مرضية تسببت في تهتك الغشاء المخاطي المُبطن لأحد أجزاء الجهاز الهضمي، يمكن أن تكون السبب وراء حصول نزيف خفي، وبالتالي التسبب بفقر الدم الناجم عن نقص الحديد. وقال الباحثون: «في الواقع، ثمة طيف إكلينيكي واسع لمسببات فقر الدم الناجم عن نقص الحديد، لأن العديد من الآفات المرضية المختلفة - التي تحدث في العديد من المواقع المختلفة في الجهاز الهضمي- قادرة على التسبب بالنزف الدموي بطريقة خفية Bleeding Lesion».
وأوضحوا أن تقييم الجهاز الهضمي في هذه الظروف، يشمل بالدرجة الأولى كل من: منظار الجهاز الهضمي العلوي Upper GI، أي منظار المريء والمعدة والإثنا عشر Esophago-Gastro-Duodeno-Scopy، ومنظار الجهاز الهضمي السفلي Lower GI، أي منظار المستقيم والقولون Colonoscopy. وإجراء هاذين المنظارين لنفس المريض في نفس الوقت يُسمى إجراء «منظار داخلي ثنائي الاتجاه» Bidirectional Endoscopy.
- توصيات رئيسية
وتضمنت التوصيات الرئيسية للمبادئ التوجيهية الحديثة الصادرة عن رابطة أمراض الجهاز الهضمي الأميركية العناصر التالية:
> توصي رابطة أمراض الجهاز الهضمي الأميركية بشدة أن يقوم الأطباء بتوثيق وجود كل من نقص الحديد وفقر الدم بعناية قبل التقييم بالمنظار.
> توصي رابطة أمراض الجهاز الهضمي الأميركية بشدة أن يقوم اختصاصيو الجهاز الهضمي بإجراء منظار داخلي ثنائي الاتجاه (الجهاز الهضمي العلوي والجهاز الهضمي السفلي) للرجال الذين لا تظهر عليهم أعراض، وللنساء بعد سن اليأس المصابات بفقر الدم بسبب نقص الحديد.
> تقدم رابطة أمراض الجهاز الهضمي الأميركية بشكل مشروط نفس التوصية للنساء اللواتي في فترة ما قبل انقطاع الطمث، وتشجع في هذا الشأن على اتخاذ القرار بطريقة مشتركة بين الطبيب والمريضة. وإذا كان المريض يعاني من أعراض الجهاز الهضمي، فيجب تصميم التقييم التشخيصي وفقًا لذلك.
> إن أمكن، يجب إجراء التنظير الداخلي ثنائي الاتجاه في نفس الجلسة للمريض.
> إجراء اختبارات غير تدخلية Non-Invasive Testingلكشف عن كل من: بكتيريا هيليكوباكتر بيلوري Helicobacter pylori ( بكتيريا المعدة الحلزونية) ومرض سيليكCeliac Disease ( الداء البطني لتلف بطانة الأمعاء الدقيقة)، في المرضى الذين يعانون من فقر الدم بسبب نقص الحديد- ولا يشكون من أي أعراض لاضطرابات الجهاز الهضمي- قبل إجراء التنظير ثنائي الاتجاه. وتنصح رابطة أمراض الجهاز الهضمي الأميركية بعدم إجراء أخذ عينات خزعية Biopsiesمن أنسجة المعدة أو الاثني عشر إذا كانت لديهم نتائج سلبية لتلك الاختبارات.
> في المرضى الذين حالتهم مستقرة، ولا يشكون من أي أعراض لاضطرابات الجهاز الهضمي، والذين في نفس الوقت يعانون من فقر الدم بسبب نقص الحديد، ولم يتم تحديد أي مصدر محتمل لفقد الدم بعد التقييم الأولي باستخدام التنظير ثنائي الاتجاه وإجراء الاختبارات غير التدخلية، توصى رابطة أمراض الجهاز الهضمي الأميركية بإعطاء فرصة بتناول أدوية الحديد قبل التقدم بإجراء تقييم الأمعاء الدقيقة باستخدام التنظير الداخلي لكبسولة الفيديو Video Capsule Endoscopy.
- التنظير الافتراضي للقولون
> تفيد مصادر طب الجهاز الهضمي إلى التطورات في دقة فحوصات الأشعة المقطعية وفرت تقنية لفحص القولون بالأشعة المقطعية، وهي التي تُسمى طبياً بـ«تنظير القولون الافتراضي» Virtual Colonoscopy كوسيلة تشخيصية مفيدة وبديلة لمنظار القولون التقليدي، وخاصة في حالات سرطان القولون.
ويعتمد «تنظير القولون الافتراضي» على استخدام التصوير المقطعي المحوسب CT Scan للحصول على مئات الصور المقطعية العرضية Cross-Sectional Images لأعضاء البطن. ثم يتم جمع تلك الصور ودمجها بطريقة رقمية، للحصول على عرض مفصل لما هو داخل القولون والمستقيم.
وثمة دواع عدة لاستخدام هذه التقنية، ومن أهمها الكشف عن سرطان القولون في الأشخاص فوق سن 50 سنة والذين احتمالات وجود ذلك لديهم ليست مرتفعة ولا يتطلب الأمر خضوعهم لإزعاج إجراء منظار القولون. كما قد يرغب في ذلك بعض المرضى كبديل عن المنظار، أو كان الشخص عرضة لخطر مضاعفات النزيف بمنظار القولون، أو وجود عدد من الظروف الصحية الأخرى. وعادة ما يناقش الطبيب هذا الأمر مع مريضه.
- آليات مرضية متعددة
> فقر الدم هو حالة يفتقر فيها الدم إلى ما يكفي من خلايا الدم الحمراء «السليمة»، التي تنقل الأكسجين لأنسجة الجسم بكفاءة. ومن بين الأسباب المتعددة لفقر الدم، ثمة نوع «فقر الدم الناجم عن نقص الحديد». وفيه لا تحتوي خلايا الدم الحمراء على الكمية الكافية والفاعلة من مركبات الهيموغلوبين (التي تمنح الدم لونه الأحمر).
ومركبات الهيموغلوبين هي التي يرتبط بها الأوكسجين عند الانتقال من الرئة إلى أنسجة وخلايا الجسم كافة، وقلب مركب الهيموغلوبين هو عنصر الحديد.
وتحدث حالة «نقص الحديد» لسببين رئيسيين في الغالب: السبب الأول: زيادة تسريبه إلى خارج الجسم في حالات النزيف الخارجي أو النزيف الداخلي في الجهاز الهضمي، أو زيادة طمث الدورة الشهرية.
والسبب الثاني: نقص تزويد الجسم بالحديد. ونقص تزويد الجسم بالحديد يحصل في حالتين رئيسيتين. والحالة الأولى: نقص احتواء الغذاء اليومي على الكمية التي يحتاجها الجسم بشكل يومي من الحديد RDA، نتيجة لقلة تناول الأغذية الغنية بالحديد كاللحوم والبيض والخضروات الخضراء الغنية بالألياف والأطعمة المعززة بحمض الفوليك. وتعتبر اللحوم الحمراء من أفضل مصادر الحديد، لاحتوائها على الحديد في هيئة مركبات «حديد الهيم» Heme Iron، وهي سهلة الامتصاص على الأمعاء مقارنة بأنواع «حديد غير الهيم» الموجودة في أنواع المنتجات النباتية بالعموم. ولذا قد يكون الأشخاص الذين لا يتناولون اللحم أكثر عرضة للإصابة بفقر الدم الناتج عن نقص الحديد. كما يُمكن زيادة امتصاص الأمعاء للحديد من الغذاء، عبر زيادة تناول الأطعمة الغنية بفيتامين سي C.
والحالة الثانية: حصول «ظروف» غير طبيعية في الجهاز الهضمي تعوق امتصاص الحديد، كأمراض التهابات الأمعاء أو نقص أحماض المعدة أو ما بعد عمليات جراحات إنقاص الوزن وغيرها.
وعندما يكون فقر الدم الناتج عن نقص الحديد طفيفًا جدًا لا تتم ملاحظته وقد لا يتسبب بأي أعراض أو علامات، ولكن عند انخفاض مستوى الحديد في الجسم وتسببه بفقر واضح في الدم، تظهر عدة أعراض وعلامات، كالإرهاق الشديد، أو الضعف، أو شحوب الجلد، أو ألم الصدر، أو تسارُع ضربات القلب، أو ضيق النفس، أو الصُداع، أو الدوار، أو الدوخة، أو برودة اليدين والقدمين، أو التهاب أو ألم في اللسان، أو هشاشة الأظافر.
التنظير بالكبسولة... تصوير مباشر بالفيديو داخل الأمعاء
> يتمكن الأطباء اليوم من الحصول على صور نقل لمباشر لرؤية ما يجري داخل الأمعاء الدقيقة لفترة طويلة. والأمعاء الدقيقة تعتبر منطقة لا يمكن الوصول إليها بسهولة ولا يمكن تصويرها من الداخل باستخدام المناظير المرنة التقليدية المُستخدمة عادة لتصوير الجهاز الهضمي العلوي والقولون. ومعلوم أن التنظير التقليدي يتضمن استخدام أنبوب طويل مرن مزود بكاميرا فيديو وتمريره إما عبر الحلق إلى المريء والمعدة والاثنا عشر، أو عبر فتحة الشرج إلى المستقيم وأجزاء القولون إلى بدايته.
وعادة يتم إعطاء المريض تعليمات للإجراءات قبل وأثناء استخدام كبسولة التنظير. ومنها التوقُف عن تناوُل الطعام والشراب قبل الإجراء بـ12 ساعة على الأقل للحصول على صور أكثر وضوحاً للأمعاء الدقيقة. ويستطيع الشخص ممارسة الأنشطة المعتادة في حياته اليومية بعد ابتلاع الكبسولة، ولكن دون ممارسة التمارين الرياضية الشاقة أو رفع الأثقال.
ومن الناحية التقنية، فإن كبسولة التنظير بحجم كبسولة الفيتامينات الدوائية، وتحتوي على كاميرا فيديو. وبعد ابتلاعها مع الماء، تنتقل الكبسولة عبر مجرى أجزاء الهضمي، أي المريء ثم المعدة ثم الاثنا عشر ثم أجزاء الأمعاء الدقيقة ثم القولون ثم المستقيم، ثم تخرج مع البراز خلال بضعة أيام.
وخلال تلك الرحلة، تلتقط الكاميرا آلاف الصور التي تُرسل مباشرة إلى جهاز تسجيل يرتديه المريض على حزام حول خصره. وللتوضيح، يتم تثبيت رقع لاصقة على البطن، تحتوي كل منها على هوائي به أسلاك تتصل بمسجل. ويتم ارتداء المسجل على حزام خاص حول الخصر. وتعمل كاميرا الكبسولة على إرسال الصور إلى هوائي الرقع المثبتة على البطن، والتي ترسلها تباعاً إلى المسجل، الذي يقوم بتخزين الصور إلى حين مراجعتها وفحصها لاحقاً.
وتتعدد دواعي استخدام هذه التقنية التصويرية التشخيصية لمجاري الجهاز الهضمي، ومن أهمها استكشاف أسباب النزيف الدموي غير المبرر الذي من الممكن أن يكون مصدره الأمعاء الدقيقة بالذات. وكذلك تستخدم في الكشف عن مناطق الالتهاب في الأمعاء الدقيقة، أو لمراقبة رد الفعل المناعي تجاه تناول الغلوتين في داء سيليك (الداء البطني)، أو لكشف الأورام بأنواعها في الأمعاء الدقيقة أو أجزاء أخرى للمجرى الهضمي. وتشير مصادر طب الجهاز الهضمي إلى أن استخدام كبسولة التنظير هو إجراء تشخيصي آمن بالعموم، ويحمل مخاطر منخفضة جداً.
- استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

صحتك استهلاك الأطعمة التي تحتوي على «أوميغا 3» و«أوميغا 6» مثل الأسماك الزيتية يقلل معدل خطر الإصابة بالسرطان (جمعية الصيادين الاسكوتلنديين)

أطعمة تقلل من خطر الإصابة بـ14 نوعاً مختلفاً من السرطان

وجدت دراسة أن استهلاك «أوميغا 3» و«أوميغا 6»، وهي الأحماض الدهنية التي توجد في الأطعمة النباتية والأسماك الزيتية، قد يؤثر على معدل خطر الإصابة بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
يوميات الشرق الغضب لا يزال يشكل حافزاً مهماً للنجاح في العالم الحديث (رويترز)

الأشخاص الغاضبون «أكثر ميلاً للنجاح»... كيف؟

كشف أحد علماء الأعصاب أن الأشخاص الغاضبين أكثر ميلاً للنجاح، وقال الدكتور جاي ليشزينر إن الشعور بالغضب قد يكون «محركاً مهماً» للنجاح في العالم الحديث.

«الشرق الأوسط» (لندن)
العالم صورة تحت المجهر الإلكتروني والتي قدمها المعهد الوطني للحساسية والأمراض المعدية في عام 2024 لجزيئات فيروس جدري القردة باللون البرتقالي الموجودة داخل الخلايا المصابة باللون الأخضر (أ.ب)

كندا ترصد أول إصابة بسلالة فرعية من جدري القردة

أكدت وكالة الصحة العامة الكندية أمس (الجمعة) رصد أول حالة إصابة بالسلالة الفرعية 1 من جدري القردة في كندا لدى شخص في مانيتوبا.

«الشرق الأوسط» (مونتريال)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
صحتك سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

سمنة البطن مع وزن طبيعي للجسم... مشكلة صحية تستدعي الاهتمام

تعتمد الأوساط الطبية بالعموم في تحديد «مقدار وزن الجسم» على عدد الكيلوغرامات بوصفه «رقماً»

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف
TT

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي: خيارات العلاج المستهدف

الصداع النصفي ليس مجرد صداع عادي يعاني منه الجميع في وقتٍ ما، بل هو اضطراب عصبي معقد يمكن أن يُشعر المريض وكأن العالم قد توقف. مع كل نوبة، قد يبدو الألم لا يُطاق، مُصاحباً بأعراض شديدة كالغثيان والحساسية للضوء والصوت. وعلى الرغم من أن أعراض الصداع النصفي مؤقتة، فإن مدة ألم الصداع يمكن أن تجعل المريض يشعر باليأس وكأن الحياة قد انتهت.

ولكن ومع التطورات الطبية الحديثة، بدأت تظهر خيارات علاجية تُعيد الأمل لملايين المرضى حول العالم تتحكم في الصداع النصفي فور حدوثه ومنعه من التدخل في النشاط اليومي للمريض.

مؤتمر طبي

نظّمت الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، يوم الثلاثاء، 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024، مؤتمراً طبياً بعنوان «نهج جديد في علاج الصداع النصفي» (NEW APPROACH in MIGRAINE TREATMENT). وعُقد المؤتمر بالتعاون مع المركز الطبي الدولي وشركة «Abbvie» الطبية، وقام ملتقى الخبرات بتنظيمه.

غلاف كتيّب المؤتمر

شاركت في المؤتمر نخبة من المتخصصين، إذ قدّم الدكتور سعيد الغامدي، استشاري الأعصاب بمستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث بجدة، وأستاذ مساعد في جامعة الملك سعود بن عبد العزيز للعلوم الصحية، عرضاً حول خيارات العلاج المستهدف للصداع النصفي من خلال التجارب السريرية.

كما تناولت الدكتورة ميساء خليل، استشارية طب الأسرة ومتخصصة في الرعاية الوقائية وطب نمط الحياة، أهمية دور الرعاية الأولية في التعامل مع الصداع وعبء الصداع النصفي على عامة السكان.

واختتم الجلسات الدكتور وسام يمق، استشاري الأعصاب ومتخصص في علاج الصرع، بتسليط الضوء على الاحتياجات غير الملباة في العلاجات الحادة للصداع النصفي.

اضطراب عصبي شائع

في حديث خاص مع «صحتك»، أوضح الدكتور أشرف أمير، استشاري طب الأسرة، نائب رئيس الجمعية السعودية لطب الأسرة والمجتمع، ورئيس المؤتمر، أن الصداع النصفي (الشقيقة) يُعد من أكثر الاضطرابات العصبية شيوعاً على مستوى العالم. وأشار إلى أنه اضطراب عصبي معيق يُصيب نحو مليار شخص عالمياً، يتميز بنوبات من الألم الشديد النابض، غالباً في أحد جانبي الرأس، وترافقه أحياناً أعراض مثل الغثيان، التقيؤ، والحساسية الشديدة للضوء والصوت، مما يؤثر بشكل كبير على حياة المرضى اليومية.

وأكد الدكتور أمير أن الصداع النصفي يؤثر على أكثر من عُشر سكان العالم، مما يجعله إحدى أكثر الحالات انتشاراً، والتي تنعكس سلباً على جودة حياة المصابين، إضافة إلى تأثيره الواضح على الإنتاجية وساعات العمل.

وأضاف أن التطورات الحديثة في مجال الأبحاث الطبية أسهمت في فهم أعمق لآلية حدوث الصداع النصفي، وهو ما فتح الباب أمام تطوير علاجات مبتكرة وفعّالة. كما أشار إلى أن هذا التقدم يمثل تحولاً كبيراً في التعامل مع هذا الاضطراب، الذي كان يُعدُّ في السابق حالة مرضية غامضة يصعب تفسيرها أو السيطرة عليها.

وبائيات الصداع النصفي

يعاني أكثر من مليار شخص حول العالم من الصداع النصفي، أي حوالي 11.6 في المائة من سكان العالم. وتظهر الدراسات أن النساء أكثر عُرضة للإصابة به مقارنةً بالرجال.

وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، ترتفع النسبة إلى 11.9 في المائة. أما في السعودية، فيُقدَّر انتشار الصداع النصفي بـ9.7 في المائة، أي ما يعادل 3.2 مليون شخص، مما يجعله ثاني أكبر سبب للإعاقة بين السكان. وتُشير دراسات محلية، أُجريت في منطقة عسير، إلى أن الصداع النصفي أكثر انتشاراً في المدن (11.3 في المائة) مقارنة بالمناطق الريفية (7.6 في المائة)، وهو ما يعكس ارتباطه بعوامل بيئية وسلوكية متعددة.

عوامل الخطر والأسباب

* الآلية المرضية يُعتقد أن الصداع النصفي ينشأ من تفاعل معقد بين العوامل الوراثية والبيئية والعصبية. وتُشير الدراسات الحديثة إلى أن نوبات الصداع النصفي قد تنشأ من فرط استثارة في قشرة الدماغ، ما يؤدي إلى تنشيط الجهاز العصبي الثلاثي. ويمكن لبعض المُحفّزات، مثل التقلبات الهرمونية، الإجهاد، نقص النوم، والعوامل الغذائية، أن تُساهم في بدء نوبات الصداع النصفي لدى بعض الأفراد المُعرضين لذلك.

أما أسباب الصداع النصفي فتتضمن عوامل متعددة تشمل:

* العامل الجيني: تلعب الوراثة دوراً مهماً في زيادة احتمال الإصابة بالصداع النصفي، إذ تشير الأبحاث إلى ارتباط الجينات ببعض البروتينات العصبية مثل «الببتيد» المرتبط بجين «الكالسيتونين» (Calcitonin Gene-Related Peptide, CGRP).

* التغيرات في الدماغ: تساهم بعض الاضطرابات في نظام التفاعل بين الأوعية الدموية والجهاز العصبي المركزي في زيادة احتمال الإصابة.

* العوامل البيئية: يمكن أن تؤدي التغيرات البيئية مثل التوتر، أو النوم غير المنتظم، أو بعض أنواع الأطعمة والمشروبات إلى تحفيز النوبات.

مراحل الصداع النصفي والتشخيص

* مرحلة البادرة (Prodrome): تبدأ بتغيرات مزاجية، شعور بالتعب، أو حتى رغبة ملحة في تناول الطعام.

* مرحلة الهالة (Aura): تشمل اضطرابات بصرية أو حسية تحدث قبل نوبة الصداع، وتظهر لدى بعض المرضى فقط.

* مرحلة الألم: يصاحبها ألم شديد نابض، غالبًا في جهة واحدة من الرأس، وتستمر من 4 إلى 72 ساعة.

* مرحلة ما بعد الألم (Postdrome): تتسم بالإرهاق والارتباك، لكنها تُعد علامة على انتهاء النوبة.

* التشخيص: يعتمد أساساً على التاريخ المرضي والفحص السريري، مع استبعاد الأسباب العضوية الأخرى. وتشمل المعايير التي يعتمد عليها الأطباء في التشخيص حدوث خمس نوبات على الأقل متكررة من الصداع، تدوم بين 4 و72 ساعة، ومصحوبة بعلامتين من العلامات التالية: ألم من جهة واحدة، نبضات شديدة، ألم شديد، وأعراض مصاحبة كالغثيان.

خيارات علاجية تقليدية وحديثة

وتشمل:

* أولاً: مسكنات الألم. تاريخياً، اعتمدت إدارة الصداع النصفي على مزيج من العلاجات الحادة والوقائية، بما في ذلك مسكنات الألم المتوفرة بدون وصفة طبية، ومضادات المهاجمات، والأدوية الوقائية مثل مضادات الاكتئاب، ومضادة للصرع، وحقن البوتكس. وعلى الرغم من أن هذه العلاجات وفرت الراحة لكثير من المرضى، فإنها محدودة في فاعليتها ولا تخلو من الآثار الجانبية.

* ثانياً: خيارات علاجية «دوائية» حديثة. تؤكد الأبحاث العلمية أن تصميم عقار موجه خصيصاً لعلاج مرض معين يُعد الخطوة الأمثل لتحقيق فاعلية أعلى وتقليل الآثار الجانبية. ودفع هذا المبدأ الباحثين إلى الغوص عميقاً في دراسة آليات الصداع النصفي، ما قادهم لاكتشاف دور بروتين محدد يُعرف بـ«CGRP». ويُطلق هذا البروتين أثناء نوبة الصداع النصفي وينخفض مستواه بمجرد انتهاء النوبة.

في إحدى الدراسات، عندما تم حقن الأشخاص ببروتين (CGRP)، أُصيبوا بنوبات تُشبه الصداع النصفي، ما أكد دوره الحاسم في هذه الحالة. وأدى هذا الاكتشاف إلى تحول جذري في علاج الصداع النصفي، إذ تمت الموافقة في عام 2018 من قبل إدارة الغذاء والدواء الأميركية على أول جسم مضاد أحادي النسيلة يستهدف البروتين (CGRP) للوقاية من الصداع النصفي. ويعدُّ هذا العلاج المبتكر خياراً مستهدفاً ودقيقاً، إذ يعمل على تعطيل مسار البروتين العصبي المسؤول عن نوبات الصداع النصفي، مما يمثل نقلة نوعية في تحسين حياة المرضى.

وتشمل هذه الأدوية:

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة للببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP)، تمت الموافقة على أربعةٍ منها من قبل إدارة الغذاء والدواء: «إبتينيزوماب» (eptinezumab)، «إرينوماب» (erenumab)، «فريمانيزوماب» (fremanezumab)، و«جالكانيزوماب» (galcanezumab). وقد تم تصميمها للعثور على بروتينات (CGRP)، وقد أظهرت فاعليتها في تقليل شدة وتكرار النوبات، سواء أُعطيت عن طريق الفم أو الحقن تحت الجلد، مع حد أدنى من الآثار الجانبية مقارنة بالعلاجات الوقائية التقليدية.

- أجسام وحيدة النسيلة مضادة لمستقبلات الببتيد المرتبط بجين الكالسيتونين (CGRP). تحتضن هذه الأجسام المستقبلات بشكل أساسي بحيث تكون غير نشطة، هما اثنتان: «أبروجيبانت» (Ubrogepant) و«ريميجيبانت» (rimegepant)، وهما أحدث العقاقير لعلاج الصداع النصفي عند الحاجة والتي لا تؤدي إلى تضييق الأوعية الدموية. تعمل هذه الأدوية عن طريق الفم على حظر مستقبلات (CGRP) على أمل إيقاف نوبة الصداع النصفي المستمرة بالفعل. ومن حسنات هذه الأدوية أن ليس لها خطر الإصابة بالصداع الناجم عن الإفراط في تناول الأدوية مثل بعض علاجات الصداع النصفي الأخرى.

نظم الذكاء الاصطناعي وأدوات الصحة الرقمية تسهم في تحسين دقة التشخيص وإدارة المرض

علاجات بلا أدوية

* ثالثاً: خيارات علاجية «غير دوائية»، وتضم:

- أجهزة التعديل العصبي القابلة للارتداء. تُعد هذه الأجهزة طريقة علاجية مبتكرة لعلاج الصداع النصفي، إذ تستخدم نبضات كهربائية أو مغناطيسية إلى الرأس أو الرقبة أو الذراع لتعديل نشاط المسارات العصبية المحددة المشاركة في آلية حدوث الصداع النصفي، تعمل على إعادة النشاط الكهربائي غير الطبيعي في الدماغ إلى طبيعته.

وقد أثبتت الدراسات أن استخدام هذه الأجهزة، المعتمدة من قبل إدارة الغذاء والدواء أظهر نتائج واعدة في إدارة الصداع النصفي الحاد والوقائي، مما يوفر بديلاً خالياً من الأدوية، وهي آمنة وآثارها الجانبية قليلة جداً.

- استخدام الذكاء الاصطناعي. أسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين دقة التشخيص عن طريق تطوير خوارزميات تستطيع تحليل التاريخ المرضي وبيانات المرضى لتحديد الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بالصداع النصفي، مما يساعد في توفير علاجات موجهة وفعالة.

- أدوات الصحة الرقمية. بالإضافة إلى العلاجات الدوائية والقائمة على الأجهزة، أدت الصحة الرقمية إلى تطوير تطبيقات الهواتف المحمولة والتقنيات القابلة للارتداء التي يمكن أن تساعد في إدارة الصداع النصفي. يمكن لهذه الأدوات الرقمية مساعدة المرضى في تتبع أعراضهم، وتحديد المُحفّزات، وتقديم توصيات مخصصة للتعديلات في نمط الحياة وأساليب العلاج.

تعاون عالمي ومحلي

مع التطورات العلمية الحديثة في فهم آلية حدوث الصداع النصفي وتطوير خيارات علاجية مبتكرة، لم يعد الصداع النصفي حُكماً على حياة المرضى بالتوقف.

وتلعب الجمعيات الطبية والهيئات الصحية، مثل الجمعية السعودية للصداع، دوراً محورياً في تحسين حياة المرضى من خلال التوعية، وتوفير خيارات علاجية موجهة.

ويبدأ الحل بالبحث عن العلاج المناسب وعدم تجاهل هذه الحالة العصبية المعقدة. ومع الاستمرار في الابتكار، يمكننا تخفيف العبء وتحقيق جودة حياة أفضل للمرضى.

*استشاري طب المجتمع