سنوات السينما: The Night of the Generals

عمر الشريف وبيتر أوتول في «ليلة الجنرالات»
عمر الشريف وبيتر أوتول في «ليلة الجنرالات»
TT

سنوات السينما: The Night of the Generals

عمر الشريف وبيتر أوتول في «ليلة الجنرالات»
عمر الشريف وبيتر أوتول في «ليلة الجنرالات»

The Night of the Generals
(1967)
عمر الشريف النازي العادل
(جيد)
تعوّدت الأفلام التي تدور حول الحقبة النازية على سرد حكايات الحرب التي استعرت بين طرفيها العملاقين: ألمانيا وإيطاليا واليابان وتركيا من جهة والدول الأوروبية الغربية بالإضافة إلى الاتحاد السوفياتي (حينها) والولايات المتحدة (عندما دخلت على خط الحرب بعد تردد).
تلك الحكايات انتمت إلى نوع السينما الحربية غالباً. عدد كبير منها دار حول الهولوكوست بالطبع، وهناك فوج منها تم تحقيقه كأفلام دعائية مباشرة (أغلبها في الجزء الشرقي من أوروبا).
لكن هناك، وللعجب، فيلم واحد لم يتناول المسألة اليهودية ولم يهتم بالسياسة التي تسببت أو نتجت عن الحرب العالمية الثانية، ولم تصوّر مشاهد قتال بين القوّات الألمانية وقوّات الحلفاء كأفلام كثيرة العدد ومتشابهة الأجواء.
هذا الفيلم هو «ليلة الجنرالات» الذي استمد أحداثه عن رواية للألماني هانز هلموت كيرست ودارت حول جريمة قتل بشعة ارتكبها جنرال ألماني في وارسو (خلال الاحتلال الألماني للمدينة) ضحيتها مومس. الفيلم يبدأ بالجريمة ويبقي مرتكبها مخفياً عن الكاميرا والمشاهدين، لكنه يقدّم الكولونيل غراو (عمر الشريف) في دور المحقق الذي لن يهتم للحرب الدائرة ولا لمحاولة اغتيال هتلر (المحاولة التي عُرفت باسم «فالكيري» وأخقفت في تحقيق غايتها) بل ثابر على محاولة الكشف عن القاتل حتى تأكد له (بعد قيام القاتل بارتكاب جريمتي قتل أخريين) إنه الجنرال تانز (بيتر أوتول).
الفيلم من ساعتين و45 دقيقة ويحمل نبض الفيلم البوليسي لكن بحجم إنتاج أكبر بكثير من الأفلام البوليسية الأخرى، التي يدور معظمها في رحى مدن محددة وبيئات محسوبة. أنتجه الأميركي سام سبيغل الذي اعتاد الوقوف وراء إنتاجات ضخمة (بينها فيلما ديفيد لين «جسر على نهر كواي» و«لورنس العرب») وتوجه إلى المخرج الأوكراني الأصل أناتول ليتفاك طارحاً عليه فكرة الجمع مجدداً بين عمر الشريف وبيتر أوتول. كانا ظهراً في «لورنس العرب» حينما كانا لا يزالان غير معروفين وسبيغل رأي أن جمعهما معاً من جديد سيفيد الفيلم جماهيرياً.
التحدي هنا كان ذا وجهتين: بالنسبة للفيلم عليه أن ينجح في التغاضي عن قيام ممثل بوجه وملامح عربية بدور ألماني. بالنسبة لعمر الشريف، كان عليه أن يثبت أن تلك الملامح لن تمنعه من أداء الدور بالمهارة المطلوبة.
ساعد كثيراً أن دور الشريف (الذي يبلغ نحو ثلث الفيلم حين جمع مشاهده) هو محوري للغاية. ضابط مثقف وعادل ونبيل الغاية همّه تنفيذ القانون ويواجه في ذلك لا تعنّت بعض رؤسائه، بل نظرتهم الفوقية إليه بحكم الرتبة. هذا الوضع مكّن الممثل من الانفراد (مع دور آخر قام به البريطاني توم كورتناي) بنبله عن الشخصيات الأخرى الماثلة في الفيلم. هو البطل الفعلي وهم الأشرار الفعليون حتى وإن ارتكب واحد منهم فقط تلك الجرائم.
كيف كان عمر الشريف بالمقارنة مع ممثلين عالميين منهم بيتر أوتول ودونالد بلزنس وفيليب نواريه وكريستوفر بالأمر (في دور رومل) وتوم كورتناي؟. من بين الأفضل. عرف كيف يتحاشى فخ الادعاء وحافظ على نبرة صوت هادئة قليلة الانفعال وأداء متّزن. صحيح أن النقد تداول حقيقة أن ملامحه ليست أوروبية، لكن الممثل عوّض ذلك بموهبته.
الفيلم لا يخلو من تعرّجات في السرد وميل لتضخيم المفارقات (كما فعل الكتاب) بحيث إن الأحداث (التي يُقال إنها حقيقية) تذوب وسط دراما التخيّل. إخراج ليتفاك كلاسيكي الأسلوب والمعالجة في حقبة كانت بدأت تترك ذلك المنوال وراءها. لكن التصوير (للفرنسي هنري ديكاي) والموسيقى (موريس جار) تشترك في منح الفيلم إيجابياته.


مقالات ذات صلة

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

يوميات الشرق فيلم «الحريفة 2» اعتمد على البطولة الشبابية (الشركة المنتجة)

«الحريفة 2» ينعش إيرادات السينما المصرية في موسم «رأس السنة»

شهدت دور العرض السينمائي في مصر انتعاشة ملحوظة عبر إيرادات فيلم «الحريفة 2... الريمونتادا»، الذي يعرض بالتزامن مع قرب موسم «رأس السنة».

داليا ماهر (القاهرة )
يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.