معظم صناع الموضة، إن لم نقل كلهم، بدأوا جدياً، ومنذ أكثر من عام، في التفكير في موضة مستدامة تأخذ بعين الاعتبار البيئة، وإيجاد طرق لا تستنزف الطبيعة أو القدرات البشرية. كان مفهوم الاستدامة اللغة الأكثر تأثيراً على جيل جديد ممن يعشق الموضة ولا يريد الاستغناء عنها؛ على شرط ألا تأتي على حساب البيئة. لهذا لم يكن غريباً أن يدخل ضمن استراتيجيات كل صناع الموضة والرفاهية، سواء باستحداث أقسام للبحث عن خامات جديدة أو إعادة تدوير خامات أخرى، وهكذا. ثم جاء فيروس كورونا ليُسرع بالعملية، أو بالأحرى ليُربك تخطيطاتهم. فما كانوا يخططون له لخمسة أعوام قادمة تطلب منهم قرارات آنية وجريئة لم تكن تخطر على البال في الماضي. فمن كان يتصور أن تُعلن محال «سيلفريدجز» الشهيرة أنها ستفتح الباب لبيع أزياء مستعملة أو لتأجير أخرى؟
الجواب على لسان آن بيتشر، مديرة المحل، كان أن «الجائحة غيرت كل المفاهيم وللأبد»، مضيفة «علينا الآن أن نعانق هذه التغييرات، خصوصاً أن ما ترتب عنها كان واضحاً على سلوكيات التسوق. كان علينا وضع البيئة والموضة المستدامة ضمن الأوليات». غني عن القول، إن المحال «الإسمنتية» أكثر من تأثرت بالجائحة؛ فإغلاقها على مدى أشهر وفرض التباعد الاجتماعي، وطبعاً عدوى «كوفيد – 19»، الذي لا يزال يهدد الأرواح، كلها أمور جعلت الناس يعزفون عن التسوق الفعلي، وهذه المحال تفقد عائدات تقدر بالمليارات. كان لا بد لها من استراتيجيات جديدة تُقلص مصاريفها وتعود عليها بأي قدر من الربح لتبقى صامدة. على الأقل إلى حين التوصل إلى لقاح. بالنسبة لـ«سيلفريدجز»، استغنت عن 450 وظيفة وأطلقت خدمة تأجير الأزياء، كما افتتحت ركناً للأزياء المستعملة بعد أن تمت معاينتها جيداً للتأكد من خضوعها لمعايير الأناقة ضمن خطة طويلة المدى. وتؤمن آن بيتشر، أن هذه واحدة من الطرق التي ستُغري المستهلك. فهي تختلف عن التسوق الإلكتروني ولا تنافسه، لكنها في الوقت ذاته «تخاطب شريحة تهتم بالتدوير، ولا ترى حرجاً في شراء قطع مستعملة ما دامت ستشتريها من مصدر موثوق منه». وتبدو آن بيتشر متأكدة أن كلاً من الإيجار وشراء سلع مستعملة سيكون لهما مستقبل في ظل التغيرات القادمة.
ورغم جُرأة الخطوة التي اتخذتها «سيلفريدجز» التي كانت إلى الأمس القريب وجهة عشاق آخر صيحات الموضة العالمية، فإنها لم تأت من فراغ. بل كانت نتيجة أبحاث عدة أفادت بأن مواقع متخصصة في بيع أزياء وإكسسوارات مستعملة تشهد انتعاشاً كبيراً بين أوساط الشباب تحديداً. فهي تراعي رغبتهم في مواكبة الموضة، وفي الوقت ذاته قدرات بعضهم المادية، ورغبات البعض الآخر في الالتزام بالمبادئ الأخلاقية التي يؤمنون بها. بل يتوقع الكثير من الخبراء أن مواقع السلع المستعملة ستنمو بوتيرة أسرع بكثير من مواقع السلع الأخرى مهما كانت رخيصة. من هذا المنظور، تعاونت «سيلفريدجز» مع «هير كوليكتيف» لإطلاق خدمة التأجير. فهذه الأخيرة منصة معروفة تأسست منذ سنوات بهدف الاستدامة والأناقة، وبالتالي لها باع طويل ومصداقية في تأجير قطع فخمة مقابل 20 في المائة فقط من سعرها الكامل، وتشهد إقبالاً كبيراً من قبل النجمات وسيدات المجتمع على حد سواء، لا سيما أن الانضمام للمنصة يحتاج إلى تزكية من زبون سابق وموثوق به.
كذلك سيكون الأمر بالنسبة لتأجير أي قطعة من «سيلفريدجز» لمدة تتراوح ما بين 4 و20 يوماً.
أما الركن الخاص ببيع الأزياء المستعملة، والذي سيُعرف بـ«ريسيلفرجز»، وهو اسم يجمع اسم المحل وأول حرفين من كلمة إعادة البيع بالإنجليزي RESALE، فسيتضمن مجموعة من منتجات «الفينتاج» التي تم انتقاؤها بعناية فائقة بعد التأكد من مصداقيتها وبجودتها. كما ستتيح الفرصة للزبائن ببيع إكسسواراتهم الخاصة لقاء شراء منتج آخر بدلاً منها. في هذا الصدد صدر بحث من مؤسسة «مينتيل لأبحاث السوق» يعيد أسباب زيادة الإقبال على تأجير الأزياء أو شراء المستعمل منها، إلى زيادة نسبة الوعي لدى الناس. فبعد الجائحة أصبح لديهم وقت أكبر للقراءة وسماع الأخبار، ومن بين الأخبار المتداولة والصادمة في الآونة، معاناة العاملين في المصانع والأوضاع المزرية التي يعملون فيها لقاء مقابل لا يسد احتياجاتهم الأساسية. ليس هذا فحسب، بل إن اضطرارهم إلى العمل خلال الجائحة، بما يعنيه ذلك من خطر على صحتهم وحياتهم زاد التعاطف معهم وحالات الغضب على الشركات المسؤولة. فهناك لائحة طويلة حالياً بأسماء شركات يطالب النشطاء بمقاطعتها مثل «بوهو» على سبيل المثال لا الحصر.
تقول آن بيتشر، إن «سيلفريدجز» كانت تنوي إطلاق مشروعها الكبير، «مشروع الأرض» (بروجيكت إيرث) التي تدخل ضمنه كل الخدمات الجديدة، في شهر أبريل (نيسان) الماضي، لكن إغلاق لندن أخّر الأمر، مضيفة أنها كانت تعمل عليه منذ فترة بالتعاون مع بيوت أزياء كثيرة من بينها «برادا»، لتطوير خامات جديدة «رحيمة بالبيئة» مثل القطن العضوي والنايلون المدور.
تجدر الإشارة إلى أن «سيلفريدجز» واحدة من بين الكثير من المحال والأسماء العالمية، مثل محال «زارا» و«إيتش آند إم» و«جون لويس» و«غوتشي»، إضافة إلى محال «إيكيا»، انتبهت لأهمية الموضة المستدامة، ووقّعت في العام الماضي اتفاقاً تتقيد بموجبه بكل المعايير البيئية والإنسانية.
«سيلفريدجز» تفتح أبوابها لتأجير الأزياء
تجاوباً مع تأثيرات الوباء الاقتصادية وتغير سلوكيات التسوق
«سيلفريدجز» تفتح أبوابها لتأجير الأزياء
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة