تمدد الوباء يخيّر أوروبا بين تشديد الإجراءات وإنقاذ الاقتصاد

مسؤول في «الصحة العالمية» يشدد على ضرورة توعية الشباب

رجال الشرطة الألمانية يقفون أمام متظاهرين ضد الإجراءات الاحترازية لتفادي الإصابة بـ «كورونا» في برلين أمس (رويترز)
رجال الشرطة الألمانية يقفون أمام متظاهرين ضد الإجراءات الاحترازية لتفادي الإصابة بـ «كورونا» في برلين أمس (رويترز)
TT

تمدد الوباء يخيّر أوروبا بين تشديد الإجراءات وإنقاذ الاقتصاد

رجال الشرطة الألمانية يقفون أمام متظاهرين ضد الإجراءات الاحترازية لتفادي الإصابة بـ «كورونا» في برلين أمس (رويترز)
رجال الشرطة الألمانية يقفون أمام متظاهرين ضد الإجراءات الاحترازية لتفادي الإصابة بـ «كورونا» في برلين أمس (رويترز)

يبدو المشهد الوبائي العالمي قاتماً أكثر من أي وقت مضى من مبنى منظمة الصحة العالمية، حيث استؤنفت أعمال التوسعة والصيانة التي كانت قد توقفت مع بداية جائحة «كوفيد - 19». ولا يخفي الخبراء قلقهم وهم يتابعون على مصفوفة البيانات الإلكترونية كيف تتحطّم الأرقام القياسية للإصابات من الهند إلى البرازيل والمكسيك، ومن بولندا والبلقان إلى جنوب أفريقيا، فيما تقترب رياح الموجة الثانية من أوروبا وآسيا، وتستعد العاصمة اليابانية لإعلان حالة الطوارئ مرة أخرى.
وفي أوروبا، وضعت أرقام الانهيار الاقتصادي في الأشهر الثلاثة المنصرمة الدول مجدداً أمام معضلة المفاضلة بين تشديد إجراءات الوقاية لاحتواء «كوفيد - 19» ومنع عودته إلى الانتشار في موجة ثانية باتت على الأبواب، واستئناف دورة الحياة الطبيعية حماية للاقتصاد. وفيما أفادت تقديرات المؤسسات الدولية أن بلداناً مثل إسبانيا قد خسرت ربع إنتاجها القومي في النصف الأول من هذا العام، تليها على مسافة غير بعيدة البرتغال وفرنسا وإيطاليا، عادت منظمة الصحة العالمية لتحذّر من مغبّة تبدية الاعتبارات الاقتصادية على الصحيّة، وذكّرت بأن القرائن العلمية والشواهد التاريخية قد أثبتت أن الدول السبّاقة في معالجة الأزمة الصحية واحتوائها هي الأوفر حظاً لاستعادة عافيتها الاقتصادية.
وعن البيانات الأخيرة حول انتشار الوباء الذي يسجّل كل يوم أرقاماً قياسية جديدة، يذكّر خبراء منظمة الصحة بأن «دولاً فقيرة تمكنّت في الماضي القريب من مواجهة وباء (إيبولا)، ونجحت في عزل الإصابات وتتبعها، فيما نلاحظ اليوم دولاً متطورة وغنيّة جداً عاجزة عن ذلك». ويسود بين العديد من خبراء المنظمة شعور بالإحباط، «لأننا منذ سنوات نحذّر من الأوبئة وندعو الدول إلى التحوّط واتخاذ الإجراءات اللازمة المفصّلة في اللوائح الدولية للصحة، لكن يبدو أن التحذير والدعوات لم تلقَ آذاناً صاغية»، كما تقول ريبيكا توماس من قسم مراقبة الأمراض السارية.
- تحذير من النظريات والأخبار الزائفة
وفي حديث خاص مع «الشرق الأوسط»، قال عضو المجلس التنفيذي لمنظمة الصحة العالمية ومستشار الحكومة الإيطالية والتر ريتشاردي: «يكثر الحديث هذه الأيام عن موجة ثانية من (كوفيد - 19) ومرحلة ما بعد الوباء، لكننا ما زلنا في خضمّ المرحلة الأولى، والانطباع السائد بأننا تمكّنا من احتواء الفيروس جعل الناس تنسى أننا لم نتمكّن بعد من القضاء عليه. لا بد أن يدرك الجميع أن الإهمال أو التراخي في هذه المرحلة سيعيدنا حتماً إلى الوراء، وتذهب كل التضحيات الضخمة أدراج الرياح».
ويحذّر ريتشاردي من تداول الآراء والنظريات المنكِرة للوباء، فيقول: «الأوساط العلمية متماسكة كلّياً في مواقفها من هذه الأزمة، أما الذين يقلّلون من شأنها فهذه مجرد آراء شخصية لا تستند إلى رؤية شاملة وواقعية هي التي تُبنى عليها المواقف العلمية التي تأخذ في الاعتبار كل البيانات السريرية والفيروسية والوبائية والجهوزية التنظيمية والصحة العامة. من الخطأ الفادح الخلط بين وجهات النظر الفردية الضيّقة والحقائق العلمية الشاملة».
ويعترف ريتشاردي بصعوبة المعضلة التي تواجه الحكومات عند المفاضلة بين الصحة والاقتصاد، ويقول: «عندما تكون السياسة متحالفة مع العلوم وتبنى عليها المواقف والخطط وتتجاهل الأخبار المزيّفة، عندئذ تتمكن من إنقاذ أرواح الناس والاقتصاد. فمن الثابت علميّاً أن المشكلات الاقتصادية الأكبر هي التي نشأت عن السياسات التي أدارت ظهرها للعلم. الصحّة دائماً قبل الاقتصاد، لأن النمو الاقتصادي الفعلي لن يحصل قبل القضاء نهائياً على الفيروس. هذه حقيقة لا تقبل الجدل».
ويدعو ريتشاردي الحكومات إلى الإسراع في وضع «خطط واسعة للتوعية تشرح للمواطنين، وبخاصة الشباب، بأن استئناف الحياة الطبيعية يجب أن يتمّ بصورة تدريجية ومنظّمة، وأن مثل هذا الجهد السلوكي لا يقارن بالخسائر الفادحة التي تنشأ عن عدم الالتزام به كي لا تذهب التضحيات الكبيرة سدى الإهمال والأنانية القصيرة النظر». وحذّر أيضاً من العودة إلى استئناف الأنشطة الدراسية من غير تنظيم واضح وانضباط، فقال إن «التجربة الأنجح في هذا المجال حتى الآن كانت في الصين، حيث أعيد فتح المدارس ضمن خطة صارمة تقوم على التباعد وتدابير النظافة المتشددة والسلوك الفردي المنضبط. أما الدول التي فعلت غير ذلك مثل فرنسا وإسرائيل، فقد واجهت مشكلات كبيرة واضطرت إلى إعادة النظر في خططها. العودة إلى المدارس هي الامتحان الأصعب بعد العطلة الصيفية التي ما زالت في بداياتها، ولا نعرف ما هي التداعيات الصحية التي ستنشأ عنها».
- تحرك أوروبي منسّق لتوفير اللقاح
على صعيد آخر، أوضحت المفوضية الأوروبية أن العقد الذي وقّعته مع شركة «سانوفي» لشراء 300 مليون جرعة لقاح مشروط بتوفّر الأدلّة على «سلامة اللقاح وفعاليته»، وإنها باشرت بمفاوضات مع مختبرات أخرى بهدف تأمين الجرعات اللقاحية الكافية لما يزيد عن 445 مليون أوروبي. وتجدر الإشارة إلى أن ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا كانت قد وقّعت منذ أكثر من شهر عقداً مع نفس هذه المختبرات لشراء اللقاح فور إنتاجه، لكن المفوضية تدخلت بسرعة وأجهضت الاتفاق، ودخلت هي مباشرة في مفاوضات مع المختبرات بالنيابة عن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي منعاً لأي احتكار، ومن أجل الحصول على شروط أفضل. ويجدر التذكير بأن هذه المعركة التي تتسارع فصولها حول اللقاح بين الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي تتجاوز البعد الصحي للأزمة، لأن اللقاح هو الذي سيمدّ المواطنين بمضادات الأجسام الكفيلة باستئناف النشاط الاقتصادي الإنتاجي، مما يعطي السبّاقين في الحصول عليه مزيّة نسبية كبيرة مقارنة مع الآخرين.
وكانت منظمة الصحة قد حذّرت من أن «التسابق المشروع والإيجابي على تطوير اللقاح وإنتاجه، لا يجب أن يتجاوز المعايير العلمية الأساسية التي تضمن فعالية اللقاح وسلامته، وألا يكون على حساب الدول الضعيفة وحرمانها من فرص الحصول عليه». وقد تعهدت المفوضية الأوروبية أمس بتوفير اللقاح، عند إنتاجه، لجميع الدول الضعيفة بعد أن جمعت مبلغ 16 مليار يورو لهذا الغرض.


مقالات ذات صلة

صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تعلمت البشرية من جائحة «كورونا» أن لا شيء يفوق أهميةً الصحتَين الجسدية والنفسية (رويترز)

بعد ظهوره بـ5 سنوات.. معلومات لا تعرفها عن «كوفيد 19»

قبل خمس سنوات، أصيبت مجموعة من الناس في مدينة ووهان الصينية، بفيروس لم يعرفه العالم من قبل.

آسيا رجل يرتدي كمامة ويركب دراجة في مقاطعة هوبي بوسط الصين (أ.ف.ب)

الصين ترفض ادعاءات «الصحة العالمية» بعدم التعاون لتوضيح أصل «كورونا»

رفضت الصين ادعاءات منظمة الصحة العالمية التي اتهمتها بعدم التعاون الكامل لتوضيح أصل فيروس «كورونا» بعد 5 سنوات من تفشي الوباء.

«الشرق الأوسط» (بكين)

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
TT

«أكسيوس»: بايدن ناقش خططاً لضرب المواقع النووية الإيرانية

الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)
الرئيس الأميركي جو بايدن (رويترز)

قدّم مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض جيك سوليفان للرئيس جو بايدن خيارات لـ«هجوم أميركي محتمل» على المنشآت النووية الإيرانية، إذا «تحرك الإيرانيون نحو امتلاك سلاح نووي» قبل موعد تنصيب دونالد ترمب في 20 يناير (كانون الثاني).

وقالت ثلاثة مصادر مطّلعة لموقع «أكسيوس» إن سوليفان عرض تفاصيل الهجوم على بايدن في اجتماع - قبل عدة أسابيع - ظلت تفاصيله سرية حتى الآن.

وقالت المصادر إن بايدن لم يمنح «الضوء الأخضر» لتوجيه الضربة خلال الاجتماع، و«لم يفعل ذلك منذ ذلك الحين». وناقش بايدن وفريقه للأمن القومي مختلف الخيارات والسيناريوهات خلال الاجتماع الذي جرى قبل شهر تقريباً، لكن الرئيس لم يتخذ أي قرار نهائي، بحسب المصادر.

وقال مسؤول أميركي مطّلع على الأمر إن اجتماع البيت الأبيض «لم يكن مدفوعاً بمعلومات مخابراتية جديدة ولم يكن المقصود منه أن ينتهي بقرار بنعم أو لا من جانب بايدن».

وكشف المسؤول عن أن ذلك كان جزءاً من مناقشة حول «تخطيط السيناريو الحكيم» لكيفية رد الولايات المتحدة إذا اتخذت إيران خطوات مثل تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 90 في المائة قبل 20 يناير (كانون الثاني).

وقال مصدر آخر إنه لا توجد حالياً مناقشات نشطة داخل البيت الأبيض بشأن العمل العسكري المحتمل ضد المنشآت النووية الإيرانية.

وأشار سوليفان مؤخراً إلى أن إدارة بايدن تشعر بالقلق من أن تسعى إيران، التي اعتراها الضعف، إلى امتلاك سلاح نووي، مضيفاً أنه يُطلع فريق ترمب على هذا الخطر.

وتعرض نفوذ إيران في الشرق الأوسط لانتكاسات بعد الهجمات الإسرائيلية على حليفتيها حركة «حماس» الفلسطينية وجماعة «حزب الله» اللبنانية، وما أعقب ذلك من سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا.

وقال سوليفان لشبكة «سي إن إن» الأميركية: «القدرات التقليدية» لطهران تراجعت؛ في إشارة إلى ضربات إسرائيلية في الآونة الأخيرة لمنشآت إيرانية، منها مصانع لإنتاج الصواريخ ودفاعات جوية. وأضاف: «ليس من المستغرب أن تكون هناك أصوات (في إيران) تقول: (ربما يتعين علينا أن نسعى الآن لامتلاك سلاح نووي... ربما يتعين علينا إعادة النظر في عقيدتنا النووية)».

وقالت مصادر لـ«أكسيوس»، اليوم، إن بعض مساعدي بايدن، بمن في ذلك سوليفان، يعتقدون أن ضعف الدفاعات الجوية والقدرات الصاروخية الإيرانية، إلى جانب تقليص قدرات وكلاء طهران الإقليميين، من شأنه أن يدعم احتمالات توجيه ضربة ناجحة، ويقلل من خطر الانتقام الإيراني.

وقال مسؤول أميركي إن سوليفان لم يقدّم أي توصية لبايدن بشأن هذا الموضوع، لكنه ناقش فقط تخطيط السيناريو. ورفض البيت الأبيض التعليق.