يستقبل السودانيون عيد الأضحى هذا العام، مثل غيرهم في عالم «جائحة كورونا»، وما ألحقته من أذى لاقتصادات الدول وبناها الصحية والاجتماعية، لكن ضائقة السودانيين «خاصة» لأنهم في الأصل يعانون ضائقة اقتصادية وسياسية واجتماعية موروثة من نظام الإسلاميين الذي حكم البلاد ثلاثين عاماً، خرب خلالها الاقتصاد والبنى السياسية والاجتماعية. وعادة، لا يقتصر احتفاء السودانيين بعيد الفداء على بعده الديني فقط، فهم يعتبرونه مناسبة اجتماعية وسياسية، يتبادلون فيها التهاني والهدايا ويبحثون خلالها شؤونهم. فرغم أهمية «الأضحية» ببعديها الديني والاجتماعي، فهي أيضاً تعد مناسبة للإكثار من أكل اللحوم، والانتقام من حرمان تسبب فيه الارتفاع الكبير لأسعار اللحوم الحمراء، ما يجعل من يوم الأضحى مناسبة لإشباع شهية الناس من اللحم.
وتأتي الأضحية وسط مخاوف من تزايد حالات الإصابة بفيروس «كورونا» المستجد، بسبب حميمية أعياد الناس في السودان، وهو ما دفع اللجنة العليا للطوارئ الصحية، للتحذير من التخلي عن إجراءات الاحتراز بما في ذلك التباعد الاجتماعي لثلاثة أسابيع، رغم إعلانها تراجع الإصابات والوفيات، خوفاً من حدوث موجة ثانية من الوباء.
وتصاعدت أسعار خراف الأضحية بصورة خرافية خلال الأشهر الماضية، نتيجة للتدهور الكبير في سعر صرف الجنيه السوداني - نحو 145 جنيهاً للدولار الأميركي - وارتفاع معدلات التضخم بصورة غير مسبوقة - قفز إلى 136 في المائة خلال ثلاثة أشهر - ما قلل من فرص الكثيرين في الحصول على أضحية لهذا العام.
وتراوحت الأسعار في الخرطوم بين 11 - 25 ألف جنيه (نحو 75 - 175 دولاراً أميركياً)، وهو مبلغ زهيد بمقاييس العالم، بيد أنه مبلغ كبير مقارنة بمعدلات الدخول في السودان، حيث يبلغ الحد الأدنى للأجور ثلاثة آلاف جنيه (20 دولاراً بسعر السوق الموازية). وبالتالي يحتاج العامل لأجر أكثر من ثلاثة أشهر لشراء خروف واحد من أجل الأضحية.
ويقول محمود آدم، وهو عامل بسيط، إن «ورطته» كبيرة، فأطفاله لا يتسامحون مع عدم وجود «خروف العيد»، لكن مداخليه لا تسمح له بالشراء، وهو مضطر لفعل المستحيل لإرضاء أطفاله. ويتابع: «لست مكلفاً بسنة الأضحية لأنني فقير، لكنني لن أحتمل رؤية المسكنة على وجوه أبنائي، أضحيتنا ليست مجرد سنة دينية، بل سنة اجتماعية تجب مراعاتها بغض النظر عن وجهة نظر الدين».
أما عيسى عبد الله فيقول إنهم كأسرة كبيرة كانوا يجتمعون سوياً، ويذبحون خروف أحدهم طوال أيام التشريق، أما هذا العام فهم مضطرون لشراء خروف واحد أو خروفين على الأكثر، يدفعون ثمنها بالتشارك. ويتابع: «هذه ليست أضحية، بل إرضاء للأطفال وكبار السن الذين قد لا يقبلون بوقف سنة الأضحية. نحن مضطرون لذلك».
ويرجع تاجر الخراف علي تاج الدين ارتفاع أسعار الأضحية لعدة أسباب، تشمل زيادة تكاليف النقل من مناطق الإنتاج لمناطق الاستهلاك بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، وارتفاع أسعار الأعلاف، فضلاً عن ارتفاع كلفة المعيشة بالنسبة للتاجر والمنتج، ما يضطرهما لرفع الأسعار ليتمكنا من العيش. وبحسب التاجر تاج الدين، هناك الكبش الكباشي، والكبش الحمري، أو الزغاوي، أو البلدي، ولكل منها مميزاته ويختلف سعره حسب نوع وسنه.
وقبل سنين أصدرت السلطات الدينية السودانية فتوى تبيح تقسيط الأضحية، ونقلت تقارير عن حكومة ولاية الخرطوم أنها أنشأت «محفظة لتمويل الأضحية»، بالتعاون مع بنك العمال، لتوفير الأضحية للعاملين بالدولة بسعر 13950 جنيهاً للكبش الواحد.
ويقول عبد الله السر وهو عامل مياوم: «نحن بالطبع لا نستطيع الذبح، لكنا سنحصل على حصة (محترمة) من اللحم من هدايا الجيران والأهل الميسورين، نقبلها عن رضى ونشيح بأوجهنا عن أعين أطفالنا الذين يسألون إلحافاً عن الخروف، فصوت الخروف (باع... باع) قبل الذبح يسبب لنا حرجاً بالغاً، لكنها أوضاع البلاد، لن نفقد مذاق الأضحية، لكننا حتماً سنفقد سعادة أن يفرح أطفالنا بخروف في بيتهم».
ومع «يأس» الكثيرين من شراء الأضحية والركود اللافت لحركة البيع والشراء، يتوقع تجار المواشي ارتفاع الطلب على الخراف، مستندين في ذلك إلى خبرتهم في أن الطلب يتزايد في الساعات الأخيرة وفي أيام التشريق، فكثيرون يفضلون ذبح الخروف مباشرة، بدل الاحتفاظ به لأيام وتحمّل كلفة رعايته قبل ذبحه.
الأضحى في السودان... ارتفاع أسعار الماشية ومخاوف من موجة ثانية لـ«كورونا»
الأضحى في السودان... ارتفاع أسعار الماشية ومخاوف من موجة ثانية لـ«كورونا»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة