من بين 40 ممثلاً وممثلة أدّوا أدواراً رئيسية أو مساندة في فيلم «ذهب مع الريح»، كانت أوليفيا دي هافيلاند، التي رحلت يوم أول من أمس في منزلها في مدينة باريس، الوحيدة الباقية على قيد الحياة.
نعم. الجميع ماتوا بعضهم بعد سنوات قليلة من خروج ذلك الفيلم إلى العروض سنة 1939 وأحدثهم قبل ثماني سنوات (الممثلة آن روذرفورد) لكن هافيلاند بقيت حيّة حتى كاد التاريخ أن ينساها. هذا إلى أن وافتها المنية عن 104 سنة فكانت بذلك أعتق ممثلة أدوار أولى بقيت على قيد الحياة حتى ذلك الحين.
وُلدت في طوكيو في الأول من يوليو (تموز) سنة 1916 من أبوين بريطانيين. الأب وولتر كان محامياً وأمها روز كانت أستاذة لغة إنجليزية. بعد مولدها بنحو عام أنجبت العائلة جوان دي هافيلاند التي عُرفت كممثلة باسم جوان فونتين. بعد ثلاث سنوات على ولادة أوليفيا انفصل والداها وبقيت هي مع والدتها وشقيقتها.
كانت في التاسعة عشرة من عمرها عندما ظهرت على الشاشة للمرة الأولى في فيلم بعنوان Alibi Ike ومن حينها لم تتوقف عن العمل وبل كَبُر حجم أدوارها سريعاً فإذا بها تظهر في «هجوم الكتيبة الخفيفة» (The Charge of the Light Brigade) لمايكل كورتيز سنة 1936. بعد أربع سنوات تم ترشيح أوليفيا دي هافيلاند لأوسكار أفضل ممثلة مساندة عن دورها في فيلم فكتور فليمنغ «ذهب مع الريح». لكن أداء الممثلة الأفرو - أميركية هاتي ماكدانيال (التي توفيت سنة 1952) هو الذي انحاز لها ضد أداء دي هافيلاند لدى أعضاء الأكاديمية.
لعبت دي هافيلاند دور زوجة الممثل لسلي هوارد (1893 - 1943) ومنحت دورها تألقاً. في أدائها لذلك الدور عكست شيئاً من الشموخ مع قدر من التواضع لا يمكن الجمع بينهما إلا بصعوبة.
فازت دي هافيلاند بالدور رغم أن «ذهب مع الريح» كان من إنتاج مترو غولدوين ماير بينما كانت تنتمي، حسب نظام نجوم تلك الفترة، إلى شركة وورنر بعقد مدته سبع سنوات. والذي حدث هو أن المخرج جورج كوكر، الذي اسندت إليه مترو غولدوين ماير الإخراج أولاً طلبها من وورنر. قرأت دي هافيلاند السيناريو وأعجبت به وأعلنت موافقتها ثم اتجهت لرئيس وورنر (جاك وورنر) ملتمسة قبول الموافقة على تمثيل ذلك الفيلم. وهو، تحت ضغطها، وافق على ذلك بمضض.
- منافسة حامية
كانت دي هافيلاند قبل «ذهب مع الريح» انتقلت سريعاً في رحاب وورنر من ممثلة مبتدئة إلى ممثلة رئيسية. لجانب فيلم مايكل كورتيز «هجوم الكتيبة الخفيفة»، لعبت في عامي 1935 و1936 بطولة فيلمين آخرين من إخراج كورتيز وأمام إيرول فلين، أحد كبار نجوم الفترة، هما «كابتن بلود» و«مغامرات روبن هود».
عادت دي هافيلاند من «مترو غولدوين ماير» إلى عهدة «وورنر» التي لم تمتلك مشروعاً يوازي «ذهب مع الريح» ما ولّد لدى الممثلة شعوراً بالأسف. مثلها كآخرين عديدين، طمحت دي هافيلاند بأدوار في أفلام ذات قيمة إنتاجية وفنية عليا من بعد ذلك الفيلم، لكن وورنر وجّهتها صوب أعمال عادية من بينها «أجّل الفجر» و«ذا ستروبيري بلوند» و«الحيوان الذكر» و«في هذا حياتنا». الأفضل بين هذه الأفلام كان أولها، «أجّل الفجر» لميتشل ليسن (1941) الذي نالت عنه ترشيحاً آخر كأفضل ممثلة لكن شقيقتها جوان فونتين انتزعت الأوسكار منها عن دورها في فيل «ارتياب» لألفرد هيتشكوك.
لعبت وسائل الإعلام على المنافسة بين دي هافيلاند وشقيقتها جوان كثيراً. عملياً، لا يتكرر دخول شقيقتان سباق الأوسكار (أو أي جائزة سينمائية كبيرة أخرى) في عام واحد كثيراً. بعض التنافس كان بدأ قبل ذلك حسب ما ورد في مجلة «لايف» سنة 1942 التي نشرت حكاية مفادها أن جوان خططت، وهي في التاسعة من العمر، لقتل شقيقتها. حتى ولو كان هذا صحيحاً إلا أن الغالب لا يعدو فانتازيات يمر بها الأولاد ولا تُترجم إلى أفعال في النسبة الغالبة من المرات.
المؤكد أن التنافس ورد بعدما نجحت كل منهما في مشوارها الفني. هنا، في الأربعينات والخمسينات، تردد آنذاك أن جوان فونتاين عانت من سطوع ونجاح شقيقتها كثيراً. وفي حديث لمجلة فانيتي فير، أكدت دي هافيلاند ذلك حين ذكرت أن شقيقتها رفضت إبعادها عن هوليوود بحجة الدراسة في سان فرانسيسكو وقالت لها: «أريد تحقيق ما تقومين به أنت».
حتى منتصف الثلاثينات كانت جوان ما زالت تحمل اسم دي هافيلاند، لكنها ورغبة في الاستقلال عن درب شقيقتها حوّلته إلى فونتين. المزيد من قصص الخلافات والمكايدات سيحيد بنا عن لب هذا التحقيق ولو أنه فصل مثير من تاريخ هوليوود.
- انتصار على الاحتكار
إزاء ضعف العروض القادمة من وورنر رفضت دي هافيلاند العديد من الأدوار، مما أثار حنق جاك وورنر الذي ذكّرها بأنها ليست أكثر من موظفة تؤدي أدوارها على الشاشة الكبيرة: «أنت ممثلة لأنك جميلة وليس لأنك موهوبة» كما قال لها. لكن دي هافيلاند أصرّت وعندما انتهى عقدها بعد ست أشهر امتنعت فيها عن العمل ورفضت التمديد لستة أشهر أخرى من باب التعويض رفعت الشركة قضية على الممثلة وخسرتها. بناء على ذلك عادت دي هافيلاند إلى الشاشة وبقوّة فمثّلت بطولة «المرآة الداكنة»، فيلم نوار جيد لروبرت سيدوماك (1946) و«لكل مُلكه» (To Each His Own (ميتشل ليسن، 1946). عن هذا الفيلم الأخير نالت أول أوسكار لها.
بعد ذلك وافقت على دور صعب في فيلم لأناتول ليتفاك عنوانه «حفرة الأفعى» (1948). فيه لعبت دور امرأة على الحافة يتم إدخالها مستشفى الأمراض العصبية. هذه الدراما القاسية كانت مناسبة لنقد المؤسسات النفسية وما توفره من علاجات إلكترونية. دي هافيلاند عادت إلى ترشيحات الأوسكار لكنها خسرت الفرصة هنا أمام جين ويمان هذه المرّة.
لكن دي هافيلاند عادت إلى الأوسكار مرة ثانية عن فيلمها اللاحق «الوريثة» لويليام وايلر المستوحى من مسرحية لهنري جيمس عنوانها «واشنطن سكوار». النجاح كان من نصيبها هذه المرّة إذ استحوذت على أوسكارها الثاني وأكّدت، لمن شكك في قدرتها على النجاح بعيداً عن نظام النجوم، بأنها أقوى من مبدأ الاحتكار.
في بعض أحاديثها ذكرت أن الأفلام الثلاث الأقرب إليها هي «ذهب مع الريح» و«الوريثة» و«حفرة الأفعى».
ما أبدته دي هافيلاند في «ذهب مع الريح» من شموخ وتواضع في آن ساد أدوارها في العديد من الأفلام، لكن الأكثر تميّزاً في أدوارها كافة حقيقة أنها ربطت بين سلوك الشخصيات والقدرة على النطق السليم في التوقيت الصحيح وبالنبرة المناسبة. لا عجب أن المخرج فرانك لويد وصفها ذات مرّة قائلاً: «لو أن هناك ممثلاً وُلد ممثلاً بالفعل فإنه أوليفيا دي هافيلاند».
أوليفيا دي هافيلاند واجهت الاحتكار والمنافسة... وربحت
سيدة الشاشة المخضرمة رحلت عن 104 أعوام في باريس
أوليفيا دي هافيلاند واجهت الاحتكار والمنافسة... وربحت
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة