معركة فتاة أفغانية ضد «طالبان»

قصة غارقة في الآلام تكشف مجريات الحرب المستمرة

قاتلت الفتاة قمر غول (15 عاماً) حتى آخر طلقة ضد عناصر «طالبان» (نيويورك تايمز)
قاتلت الفتاة قمر غول (15 عاماً) حتى آخر طلقة ضد عناصر «طالبان» (نيويورك تايمز)
TT

معركة فتاة أفغانية ضد «طالبان»

قاتلت الفتاة قمر غول (15 عاماً) حتى آخر طلقة ضد عناصر «طالبان» (نيويورك تايمز)
قاتلت الفتاة قمر غول (15 عاماً) حتى آخر طلقة ضد عناصر «طالبان» (نيويورك تايمز)

كانت فتاة أفغانية مراهقة هي بطلة ليلة من القتل والذبح والإرهاب، تلك التي خلفت منزلها مليئاً بجثث القتلى عند سفح أحد التلال في غرب أفغانستان.
وقاتلت الفتاة الصغيرة «قمر غول» (15 عاماً) حتى آخر طلقة من طلقات الرصاص لديها، وأردت عناصر حركة «طالبان» الإرهابية قتلى ممن أقدموا على اقتحام منزل أسرتها وفتح النار في وحشية على والدها ووالدتها.
وفي الأيام التي أعقبت الهجوم الدموي خلال الأسبوع الماضي، كانت منصات التواصل الاجتماعي الأفغانية غارقة بالمدونات والصور الرائعة التي تحتفي أيما احتفاء بالفتاة الأفغانية الجسورة، وأطلق الجميع عليها مسمى «بطلتي». وقارن بعض المستخدمين بينها وبين نساء الأكراد المقاتلات في منطقة «عين العرب – كوباني» في سوريا، اللاتي كن يقاتلن العناصر المتطرفة من تنظيم «داعش» الإرهابي. ولقد نشر المسؤولون المحليون صوراً متعددة للفتاة قمر غول وهي تقف تحمل سلاحها الناري. وكان نائب الرئيس الأفغاني قد أشاد ببطولتها الفريدة النادرة ودفاعها المستميت ضد أعداء البلاد.
بيد أن قصة بطولتها الرائعة غارقة حتى القاع في خضم من الآلام والأوجاع في ثقافة رجعية ومتخلفة تنظر إلى النساء وتتعامل معهن في أغلب الأحيان وكأنهن ممتلكات لدى الرجال، وضمن آتون الحرب الأفغانية المشتعلة منذ سنوات طويلة، تلك التي حولت روابط العائلات داخل المجتمع الأفغاني إلى تشابكات بالغة التعقيد من الولاءات المتضاربة والعداوات الدامية.
ووفقاً لإفادات بعض الأقارب والمسؤولين المحليين، كان أحد عناصر «طالبان» المهاجمين الذي قتلته الفتاة قمر بنفسها هو زوجها الذي كان يقاتل إلى جانب حركة «طالبان»، ويسعى على ما يبدو إلى إعادتها بالإجبار إثر خلافات عائلية مع أسرة الفتاة.
ومع استمرار الحرب الدموية في أفغانستان، تحولت أعمال العنف إلى إحدى أدوات تصفية الخلافات المحلية على نحو متزايد. وعلى خلاف ما تعلنه مختلف عناوين الصحف والأنباء الرئيسية في البلاد بشأن الاشتباكات الكبرى التي تقع ما بين القوات الحكومية وبين حركة «طالبان» الإرهابية، فإن الواقع الراهن لمجريات الأمور يعكس حقائق هي أكثر تعقيداً من التنافسات المحلية على السلطة في البلاد، والصراعات غير المنتهية بين عصابات المافيا الأفغانية وعصابات تجارة وتهريب المخدرات، فضلاً عن المجتمعات الداخلية والعائلات التي مزقتها تلك الحروب تمزيقاً شديداً.
ويعتمد الجانبان – الجانب الموالي للحكومة والآخر الموالي لحركة «طالبان» – على المجموعات المحلية نفسها من السكان في استمالة وتجنيد المقاتلين.
وفي القرى والمناطق الريفية لا تعتبر حركة «طالبان» من القوى المجهولة لدى الجميع – فهي في الغالب تتألف من الأبناء والأشقاء والأزواج الذين يعرفهم جميع سكان البلاد هناك. ووجدت الحكومة الأفغانية نفسها تعتمد على عشرات الآلاف من رجال الميليشيات المحلية المسلحة عبر مساحات الأراضي الشاسعة من البلاد، والتي تُطلق على نفسها ميليشيات «الانتفاضة العامة»، في محاولات منها لفرض السيطرة على الأراضي. وكثيراً ما تتحمل تلك الميليشيات وطأة وأعباء القتال، بيد أن ضحاياهم نادراً ما يظهرون في السجلات الرسمية لأعداد القتلى والمصابين في الحرب على القوات الأفغانية. كانت مقاطعة غور – التي شهدت الواقعة البطولية المشار إليها – من المقاطعات الأكثر اضطراباً خلال السنوات الأخيرة وكانت معروفة بالوحشية التي تتعرض لها النساء بصورة خاصة في تلك المناطق. وفي المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة من تلك المقاطعة، تجري مقايضة الفتيات الصغيرات بالمهور للزواج في سن مبكرة للغاية. وظهرت مقاطع فظيعة للغاية تصور عقوبات الرجم بالحجارة والجلد بالسياط مراراً وتكراراً داخل المناطق التي تسيطر عليها حركة «طالبان» الإرهابية من المقاطعة نفسها.
وتقع القرية التي تضم منزل الفتاة قمر غول في منطقة تايوارا على شريط وسط يفصل ما بين مناطق سيطرة القوات الحكومية والأخرى الخاضعة لسيطرة حركة «طالبان»». غير أن مصير الأسرة قد تشابك في تعقيد غريب مع أعمال العنف السائدة في المنطقة قبل نشوب المعركة الأخيرة بسنوات كثيرة.
كانت السيدة فاطمة – والدة الفتاة قمر غول – قد تزوجت مرتين من قبل زواجها بوالد قمر الذي يُدعى شاه غول رحيمي، وذلك وفقاً لإفادة أحد أقارب الفتاة. ولقد توفي أول أزواج السيدة فاطمة من جرعة مخدرات زائدة عن الحد أثناء عمله في إيران، تاركاً وراءه طفلاً صغيراً أصبح بمرور الوقت ضابطاً في الشرطة الأفغانية. ثم تزوجت مرة أخرى لفترة وجيزة من قائد حكومي محلي تعرض للاغتيال في اشتباكات اندلعت مع عناصر «طالبان» في تسعينات القرن الماضي. ثم جاء زواجها الثالث والأخير من المدعو شاه غول رحيمي، وكان الشقيق الأصغر لزوجها الثاني. ورزقت منه بطفلين، الفتاة قمر غول وشقيقها حبيب الله الذي يبلغ من العمر 12 عاماً.
خلال السنوات الأخيرة، تولى غول رحيمي – الذي بلغ الأربعين من عمره – مسؤوليات شقيقه الأكبر كمسؤول محلي في مجتمع منطقة تايوارا. وكان كثيراً ما يساعد رجال ميليشيات «الانتفاضة العامة» في صد هجمات عناصر حركة «طالبان» عن المنطقة، وكان يشارك في المعارك التي تشنها الميليشيات على عناصر الحركة. بيد أنه لم يكن واضحاً إن كان غول رحيمي يتلقى الراتب من الحكومة الأفغانية من عدمه – فلقد كانت الميليشيات تدفع ما بين 50 و150 دولاراً، فضلاً عن توفير الذخيرة، وفقاً لما أفاد به جهاز الاستخبارات الأفغاني، أو ما إذا كان دوره يقتصر على الوساطة المحلية في شؤون المجتمع، وفق ما أفادت به مصادر محلية أخرى.
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

الجزائر تطالب بـ«كثير من الشراكة» لمحاربة الإرهاب

شمال افريقيا وزير خارجية الجزائر في مؤتمر أفريقي حول الأمن ومحاربة الإرهاب في 2023 (الخارجية الجزائرية)

الجزائر تطالب بـ«كثير من الشراكة» لمحاربة الإرهاب

اقترحت الجزائر على خبراء الأمم المتحدة، العاملين في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب، تنظيم زيارات إلى مناطق معينة في أفريقيا، تواجه خطر الإرهاب.

«الشرق الأوسط» (الجزائر)
شؤون إقليمية وزيرا الخارجية التركي هاكان فيدان والروسي سيرغي لافروف خلال لقائهما في أنطاليا جنوب تركيا مارس الماضي (الخارجية التركية)

موسكو تُحمّل أنقرة مسؤولية تعثر التطبيع مع دمشق: تتصرف كدولة محتلة

بحث وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، ونظيره الروسي سيرغي لافروف، ملف الأزمة السورية والجهود التي تقودها روسيا لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية إردوغان وبهشلي خلال الاحتفال بذكرى تأسيس الجمهورية التركية في 29 أكتوبر الماضي (الرئاسة التركية)

تركيا: انقسام حول المشكلة الكردية... وإردوغان قد يختار الانتخابات المبكرة

تعمق الجدل والانقسام حول احتمالات انطلاق عملية جديدة لحل المشكلة الكردية في تركيا... وذهبت المعارضة إلى وجود أزمة داخل «تحالف الشعب» الحاكم

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية أحد لقاءات الأسد وإردوغان في عام 2010 (أرشيفية - الرئاسة التركية)

​إردوغان يُبقي على آماله بلقاء الأسد واحتمال شنّ عملية عسكرية شمال سوريا

جدّدت تركيا رغبتها في تطبيع العلاقات مع سوريا من دون تحقيق شرط الانسحاب العسكري لقواتها الموجودة في مناطق الشمال السوري.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شمال افريقيا عناصر من «حركة الشباب» الصومالية الإرهابية (أ.ب)

مقديشو: مقتل 3 جنود صوماليين وأكثر من 20 إرهابياً من «حركة الشباب»

لقي ثلاثة جنود على الأقل مصرعهم، وأصيب ثلاثة آخرون من القوات الصومالية جراء انفجار لغم أرضي استهدف مركبة عسكرية في مديرية دينيلي بالعاصمة مقديشو.

«الشرق الأوسط» (مقديشو)

أكثر من 800 مليون مريض سكري بين البالغين حول العالم

أظهرت الدراسة أن أكثر من نصف المصابين الذين تزيد أعمارهم عن 30 عاما لا يتلقون العلاج (رويترز)
أظهرت الدراسة أن أكثر من نصف المصابين الذين تزيد أعمارهم عن 30 عاما لا يتلقون العلاج (رويترز)
TT

أكثر من 800 مليون مريض سكري بين البالغين حول العالم

أظهرت الدراسة أن أكثر من نصف المصابين الذين تزيد أعمارهم عن 30 عاما لا يتلقون العلاج (رويترز)
أظهرت الدراسة أن أكثر من نصف المصابين الذين تزيد أعمارهم عن 30 عاما لا يتلقون العلاج (رويترز)

كشفت دراسة جديدة أن أكثر من 800 مليون بالغ حول العالم مصابون بمرض السكري، وهو ما يعادل ضعف ما توقعته تقييمات سابقة.

كما أظهرت أن أكثر من نصف المصابين الذين تزيد أعمارهم عن 30 عاما لا يتلقون العلاج. وأضافت الدراسة المنشورة في ذا لانسيت أنه في عام 2022 كان هناك 828 مليون شخص تبلغ أعمارهم 18 عاما فأكثر مصابين بالسكري من النوعين الأول والثاني. وقال الباحثون إنه من بين البالغين الذين تبلغ أعمارهم 30 عاما فأكثر كان هناك 445 مليون مريض لا يتلقون العلاج.

وأشارت تقديرات سابقة لمنظمة الصحة العالمية إلى أن أكثر من 422 مليون شخص مصابون بالسكري، وهو مرض مزمن أيضي يؤثر على مستويات السكر بالدم وقد يتسبب في تدهور صحة القلب والأوعية الدموية والأعصاب وأعضاء أخرى إذا لم يُعالج. وأشارت الدراسة إلى أن معدل الإصابة بالسكري عالميا قد تضاعف منذ 1990 إذ ارتفع من سبعة بالمئة إلى 14 بالمئة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى ارتفاع أعداد الحالات في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل. وأوضح الباحثون أنه على الرغم من ارتفاع حالات الإصابة فإن معدلات تلقي العلاج في تلك المناطق لم تشهد ارتفاعا يذكر، في حين تحسنت الأمور في بعض الدول ذات الدخل المرتفع مما يؤدي إلى اتساع فجوة العلاج.

وفي بعض مناطق من أفريقيا جنوب الصحراء على سبيل المثال لم يحصل على العلاج سوى خمسة إلى عشرة بالمئة ممن تشير التقديرات إلى أنهم مصابون بالسكري. وقال واضعو الدراسة التي أجريت بالتعاون بين مؤسسة التعاون بشأن عوامل خطورة الأمراض غير السارية ومنظمة الصحة العالمية إنها تمثل أول تحليل عالمي يتضمن معدلات وتقديرات العلاج لجميع الدول. واستندت إلى أكثر من ألف دراسة تشمل أكثر من 140 مليون شخص.