«بروكس براذرز» تنتظر قُبلة الحياة في زمن التباعد الاجتماعي

كانت تعويذة الرؤساء ولغتهم الصامتة للتأثير على الرأي العام

تشتهر {بروكس براذرز} بتنوع تصاميمها ومخاطبتها لكل الأذواق
تشتهر {بروكس براذرز} بتنوع تصاميمها ومخاطبتها لكل الأذواق
TT

«بروكس براذرز» تنتظر قُبلة الحياة في زمن التباعد الاجتماعي

تشتهر {بروكس براذرز} بتنوع تصاميمها ومخاطبتها لكل الأذواق
تشتهر {بروكس براذرز} بتنوع تصاميمها ومخاطبتها لكل الأذواق

في رواية فرنسيس سكوت فيزتجرالد الشهيرة «ذي غرايت غاتسبي»، لا تتمالك دايزي بوكانان نفسها عن البكاء، وهي تنظر إلى مجموعة قمصان من تصميم «بروكس براذرز» وتقول: «إنها تجعلني حزينة لأني لم أرَ قمصانا أجمل منها من قبل». دايزي بوكانان لم تكن الوحيدة التي تقدر جمال تصاميم وخامات الشركة الأميركية، فإن 41 من بين 45 توالوا على رئاسة الولايات الأميركية يشاطرونها الرأي. ومنذ أكثر من قرنين من الزمن، وأغلبهم يعتمدون على هذه الشركة كلغة مؤثرة في حملاتهم الانتخابية وحفلات تنصيبهم، فضلاً عن زياراتهم الرسمية. فهي لم تكن بالنسبة لهم عنواناً للأناقة فحسب؛ بل أيضاً وسيلة فعالة لإيصال رسائل سياسية ووطنية مبطنة.
لهذا لم يكن يتصور أحد أن يصيبها «كوفيد- 19» ويكبدها خسائر فادحة، إن لم نقل بمقتل. فلا أحد يعرف حتى الآن إن كانت ستقوم من أزمتها سالمة أم لا. كل الأخبار المتداولة تقول إنها تحتضر وتنتظر تدخلات تُعيد إليها الحياة، بعد أن طلبت الشركة مؤخراً الحماية القانونية بموجب الفصل الحادي عشر من القانون الأميركي بشأن حالات الإفلاس، والذي يتيح للشركات إعادة هيكلة أنفسها بمنأى عن دائنيها.
ورغم أن بيع الشركة كان مطروحاً قبل اجتياح الوباء، في إطار دراسات استراتيجية تتعلق بمستقبل الشركة، وفق ما نشرته الشركة في بيان صحافي، فإن «كوفيد- 19» لم يمهلها الوقت الكافي لوضع استراتيجية إنقاذ، وألحق بها ضرراً لم تستطع التصدي له، لا سيما بعد فرض تدابير الحجر الصحي التي أدت إلى إغلاق 51 متجراً لها في الولايات المتحدة لأسابيع. وكانت الشركة قد سجلت في العام الماضي إيرادات قدرها مليار دولار، وفق صحيفة «وول ستريت جورنال» التي أشارت أيضاً إلى أن الشركة «تعتزم وقف التصنيع في ثلاثة مصانع أميركية في 15 أغسطس (آب) المقبل».
ولا يختلف اثنان أنه في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق لإنقاذها، فإن الولايات المتحدة الأميركية ستخسر واحدة من أهم أعمدتها التاريخية. فقد كانت منذ إنشائها في 1818، الشركة التي يعتمد عليها الرؤساء في مناسباتهم المهمة، من أبراهام لينكولن وتيودور روزفيلت إلى كينيدي وباراك أوباما، وأخيراً وليس آخراً دونالد ترمب؛ بل وصلت جاذبية تصاميمها إلى أوروبا، بما في ذلك باريس عاصمة الموضة العالمية. فقد كان الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك مولعاً بقمصانها وبدلاتها، كما اعتمد عليها نيكولا ساركوزي في الصورة الرسمية التي التقطت في قصر الإليزيه سنة 2007، من خلال بدلة شبيهة تماماً بتلك التي ارتداها جون كينيدي.
الآن من الصعب عدم ربط اسمها بتاريخ الولايات المتحدة. فعلاقتها الحميمة بها تعود إلى عام 1818، عندما صممت ملابس القيادات العسكرية التي شاركت في حرب 1812. حينها جذبت أنظار إبراهام لنكولن ليُصبح من أهم زبائنها؛ خصوصاً أنه وجد فيها ضالته؛ نظراً لطوله البالغ 6 أقدام و4 إنشات، الذي كان يحتاج منه إلى ملابس مفصلة.
لهذا ليس غريباً أن من بين أشهر القطع التي لا تزال الدار تعود إليها في كل موسم، معطف كلاسيكي ظهر به في حفل تنصيبه، وظهر به أيضاً كل من باراك أوباما ودونالد ترمب؛ لكن يبدو أن الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترمب اعتمدها مضطراً حسب رواية مالكها الإيطالي كلاوديو ديل فيكيو. كان ترمب حسب قوله من زبائن دار «بريوني» الأوفياء،
ولم يسبق له التعامل مع «بروكس براذرز» قبل ترشحه للرئاسة؛ لكن دي فيكيو استقطبه كزبون مشيراً عليه بأنها بمثابة تعويذة تجلب الحظ للرؤساء الأميركيين. يشرح ديل فيكيو وجهة نظره قائلاً: «لقد شرحت له أن الأمر أصبح تقليدياً، وأنه سيكون فألاً سيئاً على الرئيس المنتخب عدم ارتداء تصاميم من (بروكس براذرز) مثل سابقيه». وبالفعل نجح في إقناعه وفصَّل له معطفاً كلاسيكياً بتصميم ظهر به كل من باراك أوباما وقبله إبراهام لنكولن.
أما بالنسبة لمسألة أن الدار تجلب الحظ للرؤساء، فتبقى مفتوحة للنقاش إذا أخذنا بعين الاعتبار أن كلاً من جون كيندي ولينكولن وماكينلي اغتيلوا وهم يلبسون بدلات من الشركة. الحقيقة غير المشكوك فيها استحالة عدم ربط اسمها وتصاميمها بتاريخ أميركا، أو بالأحرى رؤسائها. تختلف سياساتهم وتوجهاتهم؛ لكن يلتقون دائماً في تعاملهم معها كلغة صامتة لكنها قوية للتأثير على المنتِخبين كما على الساحة العالمية.
مع الوقت أصبحت الشركة بمثابة مرآة تعكس الثقافة والسياسة الأميركية المبنية على الديمقراطية. فبينما تقدر أي قطعة أزياء من «بريوني» وغيرها من بيوت الأزياء العالمية بمئات الدولارات، إن لم نقل الآلاف، فإن الشركة تبنت استراتيجية أن تكون متاحة للأغلبية منذ بدايتها، بتبنيها التفصيل «السبور» بأسعار مقدور عليها. كما أنها ومنذ بداية القرن التاسع عشر أطلقت خط الأزياء الجاهزة عوض أن تقتصر على التفصيل على المقاس وحده، ليس فقط لخفض أسعارها؛ بل أيضاً لمواكبة متطلبات رجل دائم الحركة، وبالتالي يحتاج إلى أزياء بتصاميم تجمع الأناقة والانطلاق، وبالتالي تُشعره بالحرية.
الآن وبسبب فيروس «كورونا» المستجد، وما فرضه من تغيرات، على رأسها العمل من البيت، فإن الطلب على الأزياء الرسمية، وتحديداً البدلات وإن كانت «سبور» لم تعد له حاجة ماسة، وهو ما يضع الشركة في موقف صعب يتعدى إغلاق المحلات وفرض التباعد الاجتماعي، وما يُخلفه من عزوف عن التسوق ليشمل تغيير استراتيجياتها المستقبلية بشكل جُذري، في حال تمت عمليات الإنقاذ الجارية حالياً من قبل عدة جهات متنافسة.


مقالات ذات صلة

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

لمسات الموضة جانب من جلسات العام الماضي في الرياض (هارودز)

«ذا هايف»... نافذة «هارودز» على السعودية

في ظل ما تمر به صناعة الترف من تباطؤ وركود مقلق أكدته عدة دراسات وأبحاث، كان لا بد لصناع الموضة من إعادة النظر في استراتيجيات قديمة لم تعد تواكب الأوضاع…

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة «موكا موس» له تأثير حسي دافئ ولذيذ من دون بهرجة (برونيللو كوتشينيللي)

درجة العام الجديد «موكا موس»… ما لها وما عليها

الألوان مثل العطور لها تأثيرات نفسية وعاطفية وحسية كثيرة، و«موكا موس» له تأثير حسي دافئ نابع من نعومته وإيحاءاته اللذيذة.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

2024... عام التحديات

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئن صناع الموضة بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات استباقية.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».