بالتزامن مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية التي أثرت على ملايين المواطنين حول العالم، بسبب جائحة «كورونا»، شهدت أسواق الموضة والتجميل تغييراً مماثلاً يتماشى مع «المستهلك الحذر» الذي يقتصد في عملية الإنفاق وفقاً لمفهوم الأولويات، لا سيما بعد فقدان الملايين لوظائفهم وتحقيق خسائر كبيرة في قطاعات عدة.
ويتوقع خبراء التجميل والموضة اختفاء صيحات لصالح أخرى، فمتاجر التجزئة مُثقلة بالفعل بالبضائع الشتوية والربيعية غير المبيعة، ولإنقاذ الموقف ذهب القائمون على السوق إلى إبراز سلع الرفاهية التي تكون في الوقت ذاته عملية وتراعي شرط الوظيفية أو الأهمية، فعام 2020 ليس عام الموضة والجمال، وفق أحمد عبد اللطيف، خبير الموضة اللبناني، الذي يقول لـ«الشرق الأوسط»: «العلامات الراقية أو التجارية لن تجد منقذاً من الإفلاس سوى تلبية رغبة المستهلك وإرضائه بقطع وظيفية تُسهل نمط الحياة الجديدة بعد الوباء، مثلاً متاجر الأزياء لجأت لتصنيع الكمامة التي أصبحت ملحقاً أساسياً متوقع تطوره، وأتوقع أيضاً التركيز على قطع منطقية وعملية يمكن اعتمادها يومياً بعيداً عن الابتكارات الصادمة».
وفي السياق، شهدت سوق التجميل، تغيرات مماثلة لعالم الأزياء والموضة، فقد شهدت مبيعات ماكياج العيون رواجاً لافتاً خلال الآونة الأخيرة، لا سيما أن العين من ضمن الحواس التي لا يتم إخفاؤها خلف «الكمامات المزعجة»، ونشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية تقريراً صادراً عن شركة «إن بي دي غروب» لأبحاث السوق، في منتصف شهر يونيو (حزيران) الماضي، يشير إلى ارتفاع مبيعات الرموش الصناعية داخل الولايات المتحدة الأميركية بنسبة 15 في المائة خلال شهر مايو (أيار) من العام الحالي، كذلك الماسكرات ارتفعت مبيعاتها بنسبة 11 في المائة في الفترة ذاتها، كما قفز الطلب على منتجات الحواجب بنسبة 5 في المائة، بينما تراجعت مبيعات أحمر الشفاه بنسبة 5 في المائة.
ويتوقع مسوقون إلكترونيون من بينهم هشام صفوت، الرئيس التنفيذي لموقع التسوق الإلكتروني «جوميا مصر»: «عدم توقف العملاء عن التسوق عبر المواقع الإلكترونية بعد انتهاء الوباء، بعدما شهدت هذه المواقع زيادة في حجم المبيعات خلال الآونة الأخيرة بسبب جائحة كورونا، مشيراً إلى أن معظم العملاء تخلو عن بعض العادات التقليدية في التسوق على غرار الاهتمام بالحماية والمنتجات الضرورية»، ويقول صفوت لـ«الشرق الأوسط»: «ارتفعت مبيعات منتجات العناية الشخصية، مثل منتجات البشرة والشعر، منذ بداية الجائحة، ويتوقع أن يستمر هذا السلوك حتى بعد إنهاء الإغلاق في مصر، لأنه رد فعل منطقي من متسوق قلق بشأن المستقبل».
ويقول الرئيس التنفيذي لموقع التسوق «جوميا مصر» إن مبيعات الأزياء شهدت انخفاضاً في حجم المبيعات خلال بداية الجائحة، لكنها عاودت الارتفاع مجدداً بفضل تسهيلات طرحتها العلامات التجارية المحلية في مصر، التي لعبت دوراً قوياً خلال الأزمة لتعويض نقص الإنتاج الذي واجهته العلامات العالمية».
ورغم أن عبد اللطيف يتوقع أن تشهد الأسواق «حركة بيع غير واعية» بعد أشهر من الإغلاق، يعرفها الخبراء باسم «التسوق الانتقامي»، فإنه يرى أنه «لا يمكن أن تعتمد العلامات التجارية على هذه المرحلة لأنها لن تطول، مؤكداً أن الملاذ الحقيقي لتعويض الخسائر الاقتصادية التي لحقت بسوق الموضة بشكل خاص سيأتي أولاً من اعتراف القائمين على هذه الصناعة بأن المتسوق هو من سيتصدر المشهد الآن، وله الأولوية في تحديد أي صيحات تستحق الاستمرار حسب مستجداته».
وحسب تقرير شركة «إن بي دي غروب» لأبحاث السوق، فإن مبيعات الأحذية الرجالية والنسائية تراجعت بنسبة 70 في المائة في شهري مارس (آذار) وأبريل (نيسان)، وخصوصاً أحذية الكعب العالي. وتقول بيث غولدشتاين، مُحللة سوق الأحذية لدى شركة «إن بي دي غروب»، لصحيفة «واشنطن بوست»، إن الاتجاه السائد الآن هو الحذاء الذي يحقق الراحة، لذلك تضاعفت مبيعاته خلال شهر أبريل، حتى بعد عودة سوق العمل من المتوقع رواج هذه النعال».
ويتوقع عبد اللطيف، عدم رؤية الأرفف المليئة باتجاهات الموضة الموسمية، ويرجح بيع كل ما هو أساسي وعملي وبعيد عن الابتكارات المبالغ فيها. ويقول: «ليس هناك فائض من المال يسمح بالإنفاق على صيحة تختفي خلال شهور، فربما يستمر (كورونا) لسنوات قادمة، وربما تفاجئنا أوبئة أخرى، لذلك من المتوقع الإقبال على القمصان المريحة والبناطيل الكلاسيكية والألوان الأساسية الراسخة التي لا تخضع لمؤشر الموضة مثل البيج والأسود، أما الفساتين والتنانير المُفصلة أصبحت خياراً لا يناسب امرأة لا تخرج إلا للضرورة، فليس هناك مجال للأمسيات والحفلات المسائية مثلما كان يحدث العام الماضي».
حتى صيحات الحقائب التي كنا نشاهدها على ممشى عروض الأزياء، التي تُعلي الابتكار والتميز على الوظيفية، من المتوقع تراجعها لأجل غير مسمى، فالنساء بحاجة لحقيبة كبيرة وعملية، حسب رأي مستشار الموضة اللبناني الذي يقول: «الجائحة جعلت من المستهلك شخصاً حذراً لا يسهل استقطابه إلا بما يحقق له النفع، ومن ثم على سوق الموضة أن تخفض الإنتاج لصالح الجودة التي تحقق الاستدامة».
ويتوقع الخبراء أيضاً زيادة الإنفاق على المنزل على حساب الموضة ومستحضرات التجميل، من بينهم صفوت، الذي يؤكد أن فترة الإغلاق عززت رغبة المتسوق في إضافة مزيد من الرفاهية لمنزله، قائلاً: «زاد الإقبال خلال الآونة الأخيرة على شراء فئات مثل الأجهزة المنزلية، والأجهزة الرياضية والأثاث المنزلي».
«كورونا» يضفي لمسته على الموضة والتجميل
الكمامة تطفئ ألوان الشفاه لصالح الرموش... والنعال تركل الكعب العالي
«كورونا» يضفي لمسته على الموضة والتجميل
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة