عُزلة «كورونا» تترك أثراً فنياً على الجدران في مصر

ضمت رسوم غرافيتي داخل البيوت وخارجها

TT

عُزلة «كورونا» تترك أثراً فنياً على الجدران في مصر

رغم حالة الضيق التي توحي بها العزلة المنزلية في زمن «كورونا»، فإنه يبدو أنها مصدر شحن لطاقات العديد من الفنانين حول العالم، ولو عبر خلق مساحات إبداعية على جدران بيوتهم، هكذا هو الحال بالنسبة للفنان المصري مصطفى سيف النصر، الذي حصل قبل أشهر على جائزة صالون الشباب في مصر، حيث ألهمته العُزلة المنزلية برسم كلبه «لوكا» بالحجم الكبير على أحد جدران بيته، ضمن عدد من الأفكار التي يقوم حالياً بتنفيذها، متخذاً من جدران بيته إطاراً لها.
وبحسب مصطفى، فإنه لولا الأزمة الحالية التي فرضت نمط العزلة والحجر المنزلي كأسلوب حياة، لما كان قد أقدم على تلك المشروعات الفنية المنزلية، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «بقدر ما تُحرّض فترة العزلة أحياناً على العمل، بقدر ما هي فترة صعبة جداً، قُمت برسم غرافيتي لكلبي لوكا على مدار يومين، وأعمل على تنفيذ أعمال أخرى على الجدران حالياً علاوة على بعض اللوحات».
ويعيش مصطفى سيف النصر كما زملائه من الفنانين التشكيليين في مصر من مختلف الأجيال أجواء استثنائية فرضها عليهم فيروس كورونا، بعد أن تم وقف الفعاليات التشكيلية داخل قاعات العرض الفني ضمن الإجراءات الاحترازية للحكومة التي تنتهجها وزارة الثقافة وقطاع الفنون التشكيلية في مصر، والاكتفاء بتقديم بعض المعارض الفنية عبر تكنولوجيا العرض عن بُعد عبر فضاء الإنترنت.
حالة الاقتراب من الأعمال الجدارية ليست مُقتصرة فقط على حوائط البيوت، فقد قرر الفنان أحمد عادل نور، الشهير بـ«نور» ومعه ابن عمته أحمد علي، في بدايات أزمة «كورونا» الرسم على واحدة من الجداريات بمحافظة الجيزة، تُصوّر كمامة سوداء ضخمة ومن ورائها كوكب أحمر، يصفها أحمد عادل نور، بأنها ترمز لعصر الوباء كما تصوره هو وشريكه في اللوحة.
يُعد أحمد عادل نور أحد الفنانين الذين شاركوا في رسم وتزيين مقاعد كورنيش محافظته المنيا (جنوبي مصر) ويوالي منذ ذلك الحين رسم جداريات في محافظته حتى بات معروفاً بها بلقب «أسرع رسّام في المنيا» لقدرته على إنجاز مساحات رسم كبيرة في وقت قصير، وهنا يروي الشاب العشريني نور، لجوءه إلى رسم جداريتين، الأولى حسب روايته لـ«الشرق الأوسط» عبارة عن غرافيتي يتصوّر فيه فتاة نصف وجهها شمس والنصف الآخر يظهر وهي ترتدي كمامة، وتلوح بجوار الصورة عبارة مُقتبسة من أغنية اللبنانية جوليا بطرس «بكره بيخلص ها الكابوس بدل الشمس بتضوي شموس»، ويضيف: «بعد هذه الجدارية، قُمت برسم جدارية تعبيرية تحمل تحية خاصة للطواقم الطبية على جهودهم الضخمة وتضحياتهم في مواجهة فيروس كورونا».
يعتبر نور أن تلك الجداريات التي قام برسمها ستبقى شاهدة على فترة عصيبة ولن تُنسى، يقول: «عادة ما يلجأ الجميع إلى التقاط الصور السيلفي في كل المناسبات كتخليد لها، بالنسبة لي فألجأ في تخليد المناسبات الخاصة أو التي أنفعل بها بشكل عام داخل اسكتش رسم خاص بي، أما في حالة (كورونا) فأردت أن أجعله تخليداً على الجدران لأن هذا الوقت سيمضي، وسوف نتذكر كيف كنا نعيش في ظل هذا الخوف، وكنا نحاول تحديه ولو بالرسم».


مقالات ذات صلة

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

شمال افريقيا الزحام من أسباب انتشار العدوى (تصوير: عبد الفتاح فرج)

مصر: تطمينات رسمية بشأن انتشار متحور جديد لـ«كورونا»

نفى الدكتور محمد عوض تاج الدين مستشار الرئيس المصري لشؤون الصحة والوقاية وجود أي دليل على انتشار متحور جديد من فيروس «كورونا» في مصر الآن.

أحمد حسن بلح (القاهرة)
العالم رجلان إندونيسيان كانا في السابق ضحايا لعصابات الاتجار بالبشر وأُجبرا على العمل محتالين في كمبوديا (أ.ف.ب)

الاتجار بالبشر يرتفع بشكل حاد عالمياً...وأكثر من ثُلث الضحايا أطفال

ذكر تقرير للأمم المتحدة -نُشر اليوم (الأربعاء)- أن الاتجار بالبشر ارتفع بشكل حاد، بسبب الصراعات والكوارث الناجمة عن المناخ والأزمات العالمية.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
صحتك امرأة تعاني من «كورونا طويل الأمد» في فلوريدا (رويترز)

دراسة: العلاج النفسي هو الوسيلة الوحيدة للتصدي لـ«كورونا طويل الأمد»

أكدت دراسة كندية أن «كورونا طويل الأمد» لا يمكن علاجه بنجاح إلا بتلقي علاج نفسي.

«الشرق الأوسط» (أوتاوا)
صحتك «كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

«كوفيد طويل الأمد»: حوار طبي حول أحدث التطورات

يؤثر على 6 : 11 % من المرضى

ماثيو سولان (كمبردج (ولاية ماساشوستس الأميركية))

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.