اضطراب النوم في الصغر قد يقود إلى حالات التوحد

دراسة أميركية تدقق في العلاقة بينهما

اضطراب النوم في الصغر قد يقود إلى حالات التوحد
TT

اضطراب النوم في الصغر قد يقود إلى حالات التوحد

اضطراب النوم في الصغر قد يقود إلى حالات التوحد

لا شك أن النوم الكافي يعتبر عاملاً من أهم العوامل التي تلعب دوراً كبيراً في الحفاظ على صحة جسدية ونفسية جيدة بشكل عام. وبالنسبة للأطفال، بشكل خاص، تتعاظم أهمية النوم الكافي غير المتقطع، بشكل كبير، ما يجعله عنصراً مهماً جداً لاكتمال النمو بالنسبة للطفل.
- النوم والتوحد
إضافة إلى الراحة الجسدية اللازمة، فإن فترة النوم هي التي يتم فيها نمو المراكز المسؤولة عن الذاكرة والفهم والعواطف والإحساس في القشرة المخية، ولذلك هناك العديد من الدراسات التي رصدت العلاقة بين قلة النوم، والعديد من الأمراض التي يمكن أن تصيب الأطفال، منها التوحد، خصوصاً وأن 80 في المائة من الأطفال مرضى التوحد يعانون بالفعل من مشكلات في النوم، حيث يكون معدل النوم في العام الأول من العمر فيه مختلفاً، وفي الشهور الأولى من عمر الطفل تقريباً يقضى معظم اليوم نائماً، ويبدأ في النقصان بشكل تدريجي. وأيضاً يتم تغيير معدل الاستيقاظ أثناء النوم مع تقدم الرضيع في العمر.
أحدث هذه الدراسات التي نشرت في مطلع شهر مايو (أيار) من العام الحالي، بإشراف علماء أميركيين من «جامعة واشنطن» بالولايات المتحدة، ونشرت في «المجلة الأميركية للطب النفسي» (American Journal of Psychiatry)، أشارت إلى احتمالية أن تلعب مشكلات النوم في العام الأول من عمر الطفل دوراً ليس فقط في الإصابة بطيف من أطياف التوحد، ولكن أيضاً ربما تؤثر على مسار نمو بيولوجي لأجزاء معينة من المخ، وهي «hippocampus». وقد قام الباحثون بإجراء الدراسة على 432 من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و12 شهراً، ولاحظوا أن معظم الأطفال الذين تم تشخيصهم لاحقاً بالتوحد عانوا جميعاً من اضطراب النوم، وربما يوضح هذا الأمر السبب في تراجع بعض القدرات العقلية لدى مجموعة معينة من الأطفال ضحايا مرض التوحد، حيث إن التوصيلات العصبية والذاكرة الحسية يتم نموها ونضجها الوظيفي لحفظ المعلومات والمهارات، وأيضاً العواطف المختلفة فيما يمكن اعتباره شفرة بيولوجية تشكل طريقة تعامل الإنسان لاحقاً. ويحدث كل ذلك في هذه المنطقة من المخ بشكل أساسي أثناء النوم.
قام الباحثون بالتركيز على الأطفال الذين لديهم تاريخ عائلي من الإصابة بالتوحد، وتم إجراء مسح عن طريق استخدام أشعة الرنين المغناطيسي (MRI)، لمعرفة الرابط بين تغير معدل النوم والتوحد - والتغير البيولوجي أو العضوي في المخ، ومعرفة إذا كان اضطراب النوم مسبباً لطيف التوحد، أم أنه جزء من المرض. وقد دقق هذا الجانب خصوصاً، لأن العديد من الأطفال المصابين بطيف التوحد لا يتحسن اضطراب النوم لديهم بعد التدخل العلاجي السلوكي، ما يعنى أن السبب ربما يكون عضوياً، وليس مجرد سبب سلوكي، بمعنى أن التغير في المخ يؤدى إلى مرض التوحد الذي يتميز بمشكلات في النوم الطبيعي. ولذلك قام الباحثون بسؤال الآباء عن سلوكيات الأطفال، بشكل عام، وإذا كانت هناك ملاحظات على إدراك الأطفال من عدمه، وأيضاً قاموا بتوجيه بأسئلة خاصة تفصيلية تتعلق بمعدلات نوم هؤلاء الأطفال، ولأي مدى تعتبر معتادة، وأيضاً قاموا بقياس القدرات الإدراكية لهم باستخدام وسائل خاصة معينة مناسبة للعمر، وقاموا بتقييم هذه المجموعة في عمر 6 و12، وأخيراً 24 شهراً.
- فرضية جديدة
في بداية الدراسة، تم تقسيم الأطفال تبعاً لمعدلات خطورة إصابتهم بالتوحد من عدمه. وكانت النسبة الأكبر من هؤلاء الأطفال للاحتمالية العالية للإصابة هم الذين لديهم أخوة مصابون بالمرض، وكانوا حوالي ثلثي أطفال المجموعة على وجه التقريب. وبلغت نسبة احتمالية إصابتهم 20 في المائة، وهي نسبة عالية جداً إذا ما تمت مقارنتها بالنسبة العادية. وكانت هناك عينة من الأطفال بلغ عددها 127 تم تصنيفها على اعتبار أنها معدلات منخفضة لاحتماليات الإصابة، نظراً لعدم وجود عوامل وراثية في هؤلاء الأطفال. وحينما قام الباحثون بعد ذلك بعامين بمتابعة المجموعة نفسها، لمعرفة إذا كان أي من الأطفال أصيب، ومن واقع 300 طفل تم تصنيفهم على أن لديهم معدلات إصابة عالية تم بالفعل تشخيص 71 منهم بالتوحد.
لاحظ الباحثون أن الأطفال الذين أصيبوا بالمرض، ولديهم اضطرابات في النوم، كانت المنطقة المسؤولة عن الإدراك والعواطف في المخ أكبر حجماً من المعتاد، ولم يكن هناك أي تغيرات عضوية أخرى في القشرة المخية. وأفاد الآباء بمعاناة هؤلاء الأطفال من مشكلات في النوم. وعلى الرغم من أن الدراسة لم تجزم بمسؤولية اضطراب النوم عن الإصابة بالتوحد، إلا أنها أوصت بضرورة التفات الآباء إلى مشكلات اضطرابات النوم في الأطفال في أي مرحلة عمرية، وليس بالضرورة في العام الأول فقط.
وأوضح الباحثون أن كلمة اضطراب تشمل عدة معانٍ، مثل عدم النوم الكافي من 8 إلى 10 ساعات، أو البقاء متيقظاً لفترة تزيد عن الساعة في الفراش، أو الاستيقاظ مبكراً جداً من النوم، أو الذهاب للنوم في وقت متأخر، وربما تعنى أيضاً النوم لفترات طويلة أثناء النهار.
وفى النهاية، أشار الباحثون إلى ضرورة إجراء المزيد من التجارب لتأكيد هذه الفرضية العلمية، من عدمها، ولكن أكدوا على أهمية علاج اضطرابات النوم عن طريق أطباء ومراكز متخصصة في «طب النوم» (sleep medicine)، لتجنب آثارها الجانبية على الأطفال. وحذروا من خطورة عدم الاهتمام بالأمر، والتعامل معه بعدم جدية، على اعتبار أنه نوع من الأرق الطبيعي (في الأغلب لا يعاني الأطفال من الأرق، وفي حالة تأخر النوم، فإنه لا يزيد عن ساعة)، خصوصاً في العمر الصغير، حيث يمكن أن يمهد للإصابة بطيف من التوحد.
- استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

ممارسة الرياضة ساعة أسبوعياً قبل الإصابة بالسرطان تقلل فرص الوفاة للنصف

صحتك ممارسة الرياضة في العام السابق لتشخيص الإصابة بالسرطان تقلل من فرص الوفاة إلى النصف (رويترز)

ممارسة الرياضة ساعة أسبوعياً قبل الإصابة بالسرطان تقلل فرص الوفاة للنصف

أكدت دراسة جديدة أن ممارسة الرياضة في العام السابق لتشخيص الإصابة بالسرطان يمكن أن تقلل من فرص الوفاة إلى النصف.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك أكواب تحتوي على مخفوق الحليب بنكهات متعددة (أ.ب)

دراسة: كوب من الحليب يومياً يقلل خطر الإصابة بسرطان الأمعاء

كشفت دراسة حديثة عن أن كوباً واحداً من الحليب يومياً يقلل من خطر الإصابة بسرطان الأمعاء بنحو الخُمس.

«الشرق الأوسط» (لندن)
آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك تمارين النهوض بالرأس من التمارين المنزلية المعروفة لتقوية عضلات البطن

لماذا قد تُغير ممارسة التمارين الرياضية لساعتين في الأسبوع حياتك؟

نصح أستاذ أمراض قلب بجامعة ليدز البريطانية بممارسة التمارين الرياضية، حتى لو لفترات قصيرة، حيث أكدت الأبحاث أنه حتى الفترات الصغيرة لها تأثيرات قوية على الصحة

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

دراسة: عادات العمل قد تصيبك بالأرق

خلصت دراسة إلى أن عادات العمل قد تهدد نوم العاملين، حيث وجدت أن الأشخاص الذين تتطلب وظائفهم الجلوس لفترات طويلة يواجهون خطراً أعلى للإصابة بأعراض الأرق

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

ما أفضل وقت لتناول القهوة لحياة أطول؟... دراسة تجيب

رجل يحضّر فنجانين من القهوة بمقهى في كولومبيا (أرشيفية - إ.ب.أ)
رجل يحضّر فنجانين من القهوة بمقهى في كولومبيا (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

ما أفضل وقت لتناول القهوة لحياة أطول؟... دراسة تجيب

رجل يحضّر فنجانين من القهوة بمقهى في كولومبيا (أرشيفية - إ.ب.أ)
رجل يحضّر فنجانين من القهوة بمقهى في كولومبيا (أرشيفية - إ.ب.أ)

أشارت دراسة جديدة إلى أن تحديد توقيت تناول القهوة يومياً قد يؤثر بشكل كبير على فوائدها الصحية.

ووجد الباحثون أن الاستمتاع بالقهوة في الصباح قد تكون له فوائد أكثر من توزيع استهلاكك على مدار اليوم. وشارك أكثر من 40 ألف بالغ بالولايات المتحدة في دراسات طويلة الأمد تبحث في الصحة والتغذية وأسلوب الحياة.

كما وجد الباحثون نمطين مختلفين لشرب القهوة؛ أولئك الذين يشربون القهوة قبل منتصف النهار، وأولئك الذين يشربون القهوة طوال اليوم. وعدَّ فريق البحث أكثر من ثلث المشاركين في الدراسة (36 في المائة)، من شاربي القهوة في الصباح، بينما كان نحو 14 في المائة منهم من شاربي القهوة طوال اليوم، وفق ما أفادت صحيفة «إندبندنت» البريطانية.

وقام فريق البحث، بقيادة خبراء من جامعة تولين في الولايات المتحدة، بتتبع الأشخاص المشاركين في الدراسة لمدة عقد تقريباً. وخلال فترة المتابعة، تُوفي نحو 4295 شخصاً شاركوا في الدراسة.

وبعد أخذ عوامل مختلفة في الحسبان، وجد الباحثون أن شاربي القهوة الصباحية كانوا أقل عرضة للوفاة بنسبة 16 في المائة، مقارنة بأولئك الذين لم يشربوا القهوة على الإطلاق. وكانوا أقل عرضة للوفاة بسبب أمراض القلب بنسبة 31 في المائة. ولم يكن هناك انخفاض في المخاطر لدى شاربي القهوة طوال اليوم، مقارنة بأولئك الذين لم يشربوا أي قهوة.

وقال الباحثون إن تناول كميات أكبر من القهوة يرتبط «بشكل كبير» بانخفاض خطر الوفاة، ولكن فقط بين الأشخاص الذين يشربون القهوة في الصباح، مقارنة بأولئك الذين يشربون القهوة طوال اليوم.

وكتب الباحثون، في مجلة القلب الأوروبية: «قد يكون شرب القهوة في الصباح مرتبطاً بشكل أقوى بانخفاض خطر الوفاة، مقارنة بشرب القهوة في وقت لاحق من اليوم». وتابع الباحثون: «نظراً للتأثيرات التي يخلفها الكافيين على أجسامنا، أردنا أن نرى ما إذا كان وقت اليوم الذي تشرب فيه القهوة له أي تأثير على صحة القلب. هذه هي أول دراسة تختبر أنماط توقيت شرب القهوة والنتائج الصحية».

وقال الباحثون في الدراسة: «تشير نتائجنا إلى أنه ليس فقط ما إذا كنت تشرب القهوة أو كم تشرب، ولكن الوقت من اليوم الذي تشرب فيه القهوة هو المهم. لا نقدم عادةً نصائح حول التوقيت في إرشاداتنا الغذائية، لكن ربما يجب أن نفكر بهذا في المستقبل. ولا تخبرنا هذه الدراسة لماذا يقلل شرب القهوة في الصباح خطر الوفاة بأمراض القلب والأوعية الدموية، لكن التفسير المحتمل هو أن تناول القهوة في فترة ما بعد الظهر أو في المساء قد يعطل الإيقاعات اليومية ومستويات الهرمونات مثل الميلاتونين. وهذا بدوره يؤدي إلى تغييرات في عوامل الخطر القلبية الوعائية مثل الالتهاب وضغط الدم».

وتابع الباحثون أن «هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات للتحقق من صحة نتائجنا في مجموعات سكانية أخرى، ونحن بحاجة إلى تجارب سريرية لاختبار التأثير المحتمل لتغيير وقت اليوم الذي يشرب فيه الناس القهوة».

وفي مقال افتتاحي مرتبط، قال البروفيسور توماس لوشر، من مستشفى «رويال برومبتون وهارفيلد» في لندن: «إن كثيرين من شاربي القهوة طوال اليوم يعانون اضطرابات النوم». وكتب: «بشكل عام، يتعين علينا أن نقبل الأدلة القوية الآن على أن شرب القهوة، وخاصة في ساعات الصباح، من المرجح أن يكون صحياً. لذا اشرب قهوتك، ولكن افعل ذلك في الصباح».

وقد لوحظت نتائج مماثلة بين أولئك الذين شربوا القهوة المحتوية على الكافيين أو منزوعة الكافيين إما في الصباح أو طوال اليوم. وقال الباحثون إن المشاركين الذين يشربون القهوة في الصباح كانوا أكثر عرضة لاستهلاك الشاي والصودا المحتوية على الكافيين، لكنهم يستهلكون كمية أقل من القهوة، سواء أكانت تحتوي على الكافيين أم منزوعة الكافيين، مقارنة بأولئك الذين شربوا القهوة طوال اليوم.