«جنود مجهولون»... يحاربون «كوفيد – 19» رغم الخوف

أكثر من 42 حالة وفاة بين سائقي الحافلات بلندن

 السيدة (س.ب) أثناء العمل
السيدة (س.ب) أثناء العمل
TT
20

«جنود مجهولون»... يحاربون «كوفيد – 19» رغم الخوف

 السيدة (س.ب) أثناء العمل
السيدة (س.ب) أثناء العمل

لم يكن أمامهم أي خيار. أمرٌ واحد لا بدّ من القيام به. الاستمرار في العمل. في كل ثانية من يومياتهم يواجهون الفيروس المستجد. وكغيرهم من سكان بريطانيا والعالم هم أيضاً يخشونه ويرتعبون منه. بيد أنّ فرصة العمل من المنزل لم تكن من نصيبهم.
لوح بلاستيكي يفصل بين سائق الحافلة وآلاف الرّكاب، وُجد قبل ظهور الوباء، وبعض البلديات قد لا تتمتع به. ليسوا من فئة «الجيش الأبيض»، ولا يمتّون بصلة للجهاز الطبي. لكنّهم على الجبهة الأمامية في محاربة العدو الخفي، ينقلون الطواقم الطبية، ورجال الشرطة والعمّال.
مجذوب الحاج عبد الله، سائق حافلة في العاصمة البريطانية، يقول لـ«الشرق الأوسط»، إنّ التواصل مع الرّكاب قبل جائحة «كورونا» كان مباشراً، وبعد أسبوعين تقريباً من انتشار الفيروس قرّرت هيئة النقل في لندن إغلاق الأبواب الأمامية للحافلات، وبات النقل بالمجان تجنّباً لأي اتّصال بين السائق والرّكاب، كما مُنع استخدام المقاعد القريبة من السائق وحُذّر الركاب من لمسها، وهناك التزام جيّد مع كل ما يرافقه من خوف وحذر.
في 20 أبريل (نيسان) الماضي، قالت كلير مان، مديرة عمليات الحافلات في هيئة النقل في لندن، إنّ سلامة السائق «أولوية مطلقة»، واتّخذت الحكومة إجراءات تنظيف مكثفة، وحماية لمقصورات السائقين.
ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ قرار استخدام الحافلات بالمجان كلّف هيئة النقل في لندن خسائر تجاوزت حتى أمس، 4 مليارات جنيه إسترليني.
كغيره من البشر في جميع أنحاء العالم، كان الحاج عبد الله يفضل، بل يتمنّى، البقاء في المنزل إلى أن تنجلي هذه الجائحة العالمية؛ لكنّه يقول: «لم يكن أمامي وزملائي سوى الاستمرار في العمل، مع التنبه إلى أخذ أقصى درجات الحيطة والحذر. خصوصاً بعد إصابة ثلاثة زملاء، فقدنا واحداً وشُفي اثنان».
وفي سياق حديثه يقول: «تعيش عائلتي خوفاً شديداً، وفي كل يوم أعود به إلى المنزل، أخضع لعملية تعقيم شاملة، من غسل الأيدي والوجه وتغيير الملابس قبل أن تطأ قدمي عتبة البيت». لا تكتفي العائلة «بتعقيم» الحاج عبد الله حسب قوله، بل تُخضعه لتحقيق يومي يتناول كل تحركاته في أثناء عمله، هل اقترب أو تواصل مباشرة مع أي راكب؟
ويختم كلامه، بالقول: «لو عاد القرار لي لفضّلت البقاء في البيت، ولكنّنا نحن العاملين في قطاع النقل العام، يجب علينا المشاركة في هذه الحرب الفيروسية، ومساعدة الأجهزة الطبية في التنقل من وإلى العمل، ورجال الشرطة وكل من لم يستطع التوقف عن العمل».
(س.ب)، فضّلت ألّا تذكر اسمها كاملاً، سائقة حافلة عربية، وصلت إلى بريطانيا عام 2003، حائزة شهادة في السياحة والسفر عام 2008 بسبب الأزمة الاقتصادية حينها وصعوبة إيجاد عمل، قرّرت الالتحاق بهيئة النقل في لندن.
تقول لـ«الشرق الأوسط»: «بكل صراحة، كنت أشعر بالرّعب من الفيروس كأي مواطن آخر. عندما أعود إلى المنزل وأخضع لجميع عمليات التعقيم اللازمة، وأضع رأسي على الوسادة لا أستطيع النوم، تراودني كوابيس مخيفة، هل جلبت الفيروس معي؟ وماذا عن ابنتي إن كنت مصابة وإن فارقت الحياة، كيف سأتركها وحيدة، يتيمة، فوالدها توفي منذ كانت في الثّامنة من العمر».
مع انتشار الفيروس واستفحاله، تساءلت (س.ب): «فكّرت كثيراً وحاولت تفنيد الأمور بيني وبين نفسي، هل بقائي في المنزل سيُبعدني ويجعلني بأمان من العدوى الفيروسية القاتلة؟ فليس من معيل لي ولابنتي، ولا بدّ علي أن أخرج للتّسوق وشراء حاجياتنا، وفي أي لحظة قد أكون عُرضة لالتقاط الفيروس، في الطريق وفي المحال التجارية، وقد يصيبني من مقبض باب؛ فبتّ مقتنعة أنّ عملي ليس معياراً للإصابة بل الوقاية هي الأهم. ولا أنكر أنّ الخوف يلازمني كما ابنتي التي تتجنب الاقتراب مني والسلام عليّ لدى دخولي من الباب، لتعود وتتراجع عن قرارها فتغمرني بعد ساعة معبّرة عن حبّها وشوقها لي».
أوّل حال وفاة في هيئة النقل العام في لندن طالت عاملاً بغرفة المراقبة، وتمّدد الفيروس إلى الكثيرين، ولا إحصاءات دقيقة عن المصابين، بيد أنّ وزير النقل البريطاني، غرانت شابس، كشف أمس، أنّ إجمالي من لقوا حتفهم بسبب (كوفيد - 19) بين العاملين في هيئة النقل بلندن، وصل إلى 42، تضاف إليهم 10 حالات وفاة لعمّال في شبكة السكك الحديدية وشركات تشغيل القطارات، ليصل إجمالي الوفيات إلى 52 حالة.
تقول (س.ب)، إنّ الأطباء والممرضين أكثر عرضة لالتقاط الفيروس، فهل يجب عليهم التزام منازلهم، ورفض معالجة المرضى؟ لا يمكن أن يتوقف البلد، هناك صفوف دفاعية أمامية ووظائف تفرض على أصحابها المواجهة.
«لم يُسمح لسائقي الحافلات والعاملين في هيئة النقل بارتداء الكمامات، ولكن بعد أن خطف (كورونا) أرواح عدد من الموظفين، سُمح للعاملين في المجال بارتدائها، واتُّخذت إجراءات لحمايتنا»، حسب (س.ب)، التي تضيف أنّ «الشركة تتكبّد خسائر كبيرة، ولا يزال الفيروس يتربّصنا».
تأسف (س.ب) على جميع ضحايا الفيروس، ولكنّها تشعر بحزن كبير على زميل لها فارق الحياة تاركاً عائلته مفجوعة، وتقول: «يتكوّن فريق العمل لدينا من 400 شخص، بينهم ست نساء. أصاب الفيروس نحو 12 رجلاً، ومات زميلنا (65 سنة) وبالفعل قد أحرق قلوبنا».
وتختم كلامها: «أتمنّى البقاء في المنزل، ولكن لا خيار لي. خوفي على ابنتي يؤرّقني ليل نهار، ولكنّني أعود وأشجّع نفسي، وأقول أنا امرأة قوية، آخذ كل الاحتياطات اللازمة، وفي النهاية أسلّم أمري إلى الله».
أعلنت وزارة الصحة البريطانية، اليوم، وفاة 494 مصاباً بـ(كوفيد - 19) خلال الساعات الأربع والعشرين الماضية، ليصل إجمالي الوفيات الناتجة عن إصابات مؤكدة بالفيروس إلى 33186، ومع حساب الوفيات من حالات الاشتباه بالإصابة ستتجاوز الحصيلة البريطانية 40 ألف وفاة.


مقالات ذات صلة

23 ولاية تقاضي إدارة ترمب بسبب قرار سحب المليارات من تمويل قطاع الصحة

الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي دونالد ترمب (إ.ب.أ)

23 ولاية تقاضي إدارة ترمب بسبب قرار سحب المليارات من تمويل قطاع الصحة

أقام ائتلاف من المدعين العامين بولايات أميركية دعوى على إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، اليوم الثلاثاء، بسبب قرارها سحب 12 مليار دولار من الأموال الاتحادية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ بيتر ماركس شغل منصب رئيس قسم اللقاحات في إدارة الغذاء والدواء الأميركية (رويترز) play-circle

استقالة مسؤول اللقاحات في «الغذاء والدواء» الأميركية

استقال كبير مسؤولي اللقاحات في الولايات المتحدة أمس الجمعة احتجاجاً على ما وصفه بـ«معلومات مضللة وأكاذيب» يروج لها وزير الصحة الجديد، وفقاً لما أوردته تقارير.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك الفيروس اكتُشف في الخفافيش بمدينة فورتاليزا شمال شرقي البرازيل (رويترز)

اكتشاف فيروس كورونا جديد لدى الخفافيش في البرازيل

أعلن عدد من الباحثين عن اكتشاف فيروس كورونا جديد لدى الخفافيش في البرازيل، يتشابه مع فيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية (ميرس) القاتل.

«الشرق الأوسط» (برازيليا)
الولايات المتحدة​ سيدة تقوم باختبار «كوفيد» في الفلبين (أ.ب)

بعد 5 سنوات من الجائحة... «كورونا» أصبح مرضاً متوطناً

بعد 5 سنوات من بدء جائحة «كورونا»، أصبح «كوفيد-19» الآن أقرب إلى المرض المتوطن، وفقاً لخبراء الصحة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم ألمانيا تطلب من علماء التحقق من الأدلة التي قدمها جهاز الاستخبارات بشأن نشأة فيروس كورونا في مختبر صيني (أ.ب)

علماء ألمان يتحققون من أدلة استخباراتية حول نشأة فيروس كورونا في مختبر صيني

كشفت تقارير إعلامية أن ديوان المستشارية الألمانية طلب من علماء التحقق من الأدلة التي قدمها جهاز الاستخبارات بشأن نشأة فيروس كورونا بمختبر بمدينة ووهان الصينية.

«الشرق الأوسط» (برلين)

الحدائق النيلية تجتذب الآلاف في إجازة عيد الفطر بمصر

حدائق القناطر تشهد إقبالاً كبيراً خلال العيد (وزارة الري المصرية)
حدائق القناطر تشهد إقبالاً كبيراً خلال العيد (وزارة الري المصرية)
TT
20

الحدائق النيلية تجتذب الآلاف في إجازة عيد الفطر بمصر

حدائق القناطر تشهد إقبالاً كبيراً خلال العيد (وزارة الري المصرية)
حدائق القناطر تشهد إقبالاً كبيراً خلال العيد (وزارة الري المصرية)

شهد العديد من الحدائق النيلية في القاهرة إقبالاً كبيراً خلال أيام عيد الفطر. وأعلنت وزارة الري المصرية عن تطوير العديد من الحدائق التابعة لها، لتستقبل المواطنين خلال أيام العيد بخدمات متنوعة.

وتراوحت أسعار تذاكر دخول الحدائق العامة خلال العام الحالي بين 40 إلى 10 جنيهات للفرد (الدولار يساوي 50.57 جنيه مصري)، ويجد كثير من الأسر المصرية المتوسطة في هذه الحدائق فرصة للاستمتاع بالطبيعة، بالإضافة إلى رحلات الأتوبيس النهري من شبرا حتى القناطر الخيرية (في نطاق القاهرة الكبرى)، التي لا يتجاوز سعرها 70 جنيهاً ذهاباً وعودة.

الخبير السياحي المصري محمد كارم عدّ «القناطر الخيرية من الوجهات الترفيهية الجاذبة للسائحين من الطبقات المتوسطة المصرية خلال الأعياد والمناسبات المختلفة»، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط»: «تجتذب القناطر بحدائقها ومساحاتها الخضراء العائلات والشباب على السواء، ومما يجعلها الوجهة الأبرز للتنزه في العيد قربها من القاهرة، ما ساهم في سهولة الوصول إليها لفئات متعددة ومن محافظات متنوعة».

القناطر الخيرية من أماكن جذب السياحة الداخلية خلال الأعياد في مصر (يوتيوب)
القناطر الخيرية من أماكن جذب السياحة الداخلية خلال الأعياد في مصر (يوتيوب)

وإن كانت بعض الحدائق العامة مثل حديقة الحيوان بالجيزة قد استقبلت قبل عامين نحو 22 ألف زائر في عيد «شم النسيم»، فقد برزت الحدائق النيلية كبديل للحدائق المغلقة في الاحتفال بعيد الفطر، وهو ما ظهر في الإقبال الكبير على هذه الحدائق، وفق بيان لوزارة الري المصرية.

وأبرزت وسائل إعلام محلية توافد المواطنين على ممشى أهل مصر الذي يمنح زواره إطلالة مباشرة على النيل بأسعار رمزية، ويضم العديد من الخدمات التي تجعل منه وجهة لأعداد من المواطنين خلال العيد.

فيما أكدت وزارة الري المصرية الإقبال الكبير على حدائق القناطر التي تصل مساحتها إلى 68 فداناً، والتي شهدت تطويراً وتوفير الخدمات للزائرين خلال عيد الفطر، وفق بيان للوزارة. وهي حدائق «لؤلؤة الشرق» و«المركز الثقافي» و«النيل» و«البحيرة» و«الياسمين» و«التوفيقي» و«الجزيرة» و«النخيل» و«الزهور».

فيما يوضح كارم أن «الأسر المصرية تبحث عن الاستجمام في الهواء الطلق ووسط الخضرة، ومن ثم تكون القناطر هي الوجهة المناسبة التي تحقق لهم هذا الهدف، بما تضمنه من حديقة الياسمين وحديقة المركز الثقافي وغيرهما، إلى جانب الرحلات النيلية والمظاهر الاحتفالية المختلفة».

وأنشأ محمد علي القناطر الخيرية بدايات القرن التاسع عشر على مساحة نحو 50 فداناً، وفي محيطها توجد عدة حدائق تشتهر بمساحاتها الخضراء الواسعة. وتستقبل تلك الحدائق كل عام آلاف المواطنين الذين يحتفلون بالأعياد عبر الاستمتاع بالمناظر الطبيعية أو العبور في الشلال أو ركوب الخيل.

حدائق القناطر خلال العيد (وزارة الري المصرية)
حدائق القناطر خلال العيد (وزارة الري المصرية)

من جهة أخرى، شهدت محافظات مصر إقبالاً كبيراً على الحدائق النيلية، ومن بينها حديقة النباتات في أسوان التي تعد من المزارات السياحية الرئيسية في المدينة، إلا أنها تأخذ طابعاً آخر خلال الأعياد، وفق محمد المصري (مخرج من أسوان).

موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «هذه الحديقة بالإضافة إلى كونها في جزيرة داخل النيل وتحتوي على العديد من النباتات والأشجار النادرة، فإنها تصبح متنزهاً شعبياً لأهالي أسوان خلال العيد، وتشهد زحاماً كبيراً خلال تلك الفترة».

وتضم مصر عشرات الحدائق النيلية، بخلاف الموجودة في القناطر الخيرية، فهناك نحو 6 حدائق في حي الزمالك (غرب القاهرة)، منها الريادي والحرية والأندلس وحديقة الأسماك، حيث شهدت إقبالاً خلال العيد أيضاً، فضلاً عن الحدائق المنتشرة على شريط النيل بمحافظات الدلتا والصعيد، التي تعد وجهة مهمة للسياحة الداخلية خلال الأعياد، بحسب الخبير السياحي، الذي أشار إلى جهود بذلت خلال الفترة الماضية لتطوير البنية التحتية للحدائق والمتنزهات العامة لتصبح جاهزة لاستقبال أعداد كبيرة من الجمهور على مدى العام، وخلال فترات الأعياد تحديداً، إلا أنه أكد ضرورة امتداد دور هذه الأماكن لتصبح مقاصد سياحية على مدار العام.