سبل محاربة الوحدة في زمن «كورونا»

العمل بعيداً عن المكتب يسبب الاكتئاب للبعض

سبل محاربة الوحدة في زمن «كورونا»
TT

سبل محاربة الوحدة في زمن «كورونا»

سبل محاربة الوحدة في زمن «كورونا»

لم نكن نعلم قيمة العمل من المكتب ولم نقدّر نعمة الاختلاط، كنا ننزعج من أصوات بعض الزملاء، اليوم نحلم بأن نسمع منهم، وعندما يتصل بنا أحدهم نفرح، ومكالمة هاتفية قصيرة قد تنسينا الحجر المنزلي والوباء وتعيدنا إلى أجواء المكتب بميزاته الجميلة والمزعجة، تذكرنا تلك المكالمات بتبادل النكات والأحاديث الطريفة في مطبخ المؤسسة الصغير، ومشاركة الطعام في المطبخ الكبير، وتناول الشاي والقهوة مع الزملاء والأحباب. بالفعل نفتقد إلى كل هذا لأننا خلقنا لنعيش مع بعضنا بعضاً، والوحدة هي عدو الإنسان، وقد تؤدي إلى الاكتئاب وحالات أسوأ في بعض الأحيان.
الحالة التي نعيشها غير عادية وغير مسبوقة، هناك من هم اعتادوا على العمل من المنزل، لكن النسبة الأكبر منا تحاول التأقلم مع الوضع الجديد الذي أثبت بأنه صعب للغاية، والصعوبة ليست بتنفيذ العمل كما يجب، إنما تأثيرها على نفسية الموظف، ولا سيما إذا كان يعيش بفرده. الذهاب إلى المكتب كان مخرج الموظف الذي يعيش بمفرده الوحيد من العزلة واليوم وجد نفسه بين جدران المنزل، يعمل ولا يستطيع الفصل ما بين الحياة الخاصة والعمل تحت سقف واحد. في بريطانيا وحدها يعاني أكثر من مليونين ونصف المليون شخص من الوحدة، من جميع الأعمار ومن الجنسين، وهذه الظاهرة سيكون لها عواقبها في وقت لاحق. في الماضي كانت الوحدة معاناة كبار السن الذين يسكنون بمفردهم، أما اليوم فالوحدة تطال الكثير من الشباب بعدما أصبحت اللقاءات والتجمعات ممنوعة. في بريطانيا هناك جمعيات خيرية تقدم الوقت للتكلم مع الذين يعانون من العزلة والوحدة، وهذا يدل على حجم المشكلة وتفاقمها حالياً بسبب الوباء.
ولهذا السبب تكون التكنولوجيا هي الحل الأفضل في هذه الفترة، على الرغم من مساوئها في الأيام العادية، فينصح الاختصاصيون بتنزيل التطبيقات الخاصة بالتواصل الاجتماعي، وينصحون من يشعرون بالوحدة بالتواصل مع الآخرين عن طريق الفيديو أو تبادل الصور، الاتصال بأكثر من صديق أو زميل في الوقت نفسه؛ فهذه الطريقة تشعرك وكأنك معهم وتنسيك الوحدة. من أفضل التطبيقات لهذه الغاية «واتساب» و«ميسينجر» و«زووم «و«فايستايم» و«سلاك»، وغيرها من المنابر التي تساعد على التواصل بالصوت والصورة.
يساعد الاتصال بالغير في التغلب على الوحدة، فقم بوضع لائحة يومية بأسماء الأصدقاء والأقارب الذين تنوي الاتصال بهم، وقم بتنظيم يومك حتى لا تغرق في العمل المستمر، توقف عن قراءة الرسائل الخاصة بالعمل في الأوقات الخارجة عن الدوام، خذ الكثير من أقساط الراحة المتباعدة، تماماً مثلما كنت تفعل في المكتب، عندما تشعر بالتعب توقف عن العمل وتكلم مع أحد الزملاء، وهذه الطريقة ستذكرك بالروتين الذي اعتدت عليه في المكتب من حيت لا تدري.
إذا كنت معتاداً على الذهاب إلى النادي الصحي، يمكنك استبدال هذه العادة في ظل الظروف الراهنة وإقفال النوادي من خلال الخروج والمشي في الطبيعة، في الوقت نفسه الذي كنت تقوم فيه بالتمرينات.
ضع لائحة بما ستقوم به كل يوم، من عمل، اتصالات، اجتماعات افتراضية عبر «زووم» أو غيره من التطبيقات، ولا تنسَ بأن هذه التطبيقات تساعدنا على التواصل، لكنها تسبب التوتر والتعب الزائد في أداء العمل، ويجب التنبه من هذا الأمر.
في الاجتماعات الحقيقية، العيون تلعب دوراً مهماً في فهم الأفكار وتبادلها، إنما عندما يكون تركيزك على أكثر من شخص في شاشة صغيرة ومحصورة الحجم، فسيكون الأمر متعباً للعين، كما أن العقبات المزعجة الأخرى تكون بسبب شبكة الواي فاي وسرعة الإنترنت والبطء في تلقي كلام الغير، والحاجة إلى إعادة السؤال أكثر من مرة، أو سرد فكرة كاملة لتفاجأ بعدها بأن عدداً من المشاركين في الاجتماع الإلكتروني لم يتمكنوا من سماعك، كما أن الخلفية وراء الشخص المشارك في الاجتماع قد تؤثر على التركيز، وهنا ينصح باختيار خلفية غير حقيقية، وهذا الحل موجود على التطبيقات، يكفي بأن تختار خلفية لمعلَم سياحي تحبه، أو منظر تختاره لتحد من التأثير على تركيز غيرك، وفي الوقت نفسه لتحمي خصوصية أهل بيتك الذين قد يمرون خلفك وأنت تعقد اجتماعاً مهماً.
التكنولوجيا تساعدنا كثيراً في هذه الفترة، لكنها لا تحل مكان التلاقي والاختلاط ورؤية الأحباب والأصدقاء، لكنها تحل مشكلة كبرى وتجعل عزلتنا أرحم بكثير، فتخيلوا لو أن فيروس كورونا اختار فترة الثمانيات أو أوائل التسعينات، لكان الأمر مختلفاً تماماً، والاكتئاب والتوتر وتبعاتهما أكثر بكثير.
وفي اتصال أجرته «الشرق الأوسط» مع الدكتورة ميراي نعمة، المتخصصة بالأمراض النفسية والتوحد، قالت «يتسبب الإغلاق في حدوث نوعين متناقضين من مشكلات الصحة العقلية. فبالنسبة للبعض، قد يشعر الأشخاص العزاب بأنهم محاصرون في عزلتهم، وقد يكون التواصل مع الأصدقاء والجيران شريان حياة مهماً للحفاظ على التواصل الإنساني الذي نحتاج إليه جميعاً.
على الطرف الآخر من القياس، فإن بعض العائلات مقيدة بشدة في المنزل، إما أنها تحاول العمل أو تشعر بالقلق نتيجة لعمل أجيال عدة تحت سقف واحد. بالنسبة لهم، فإن ممارسة الرياضة تحت أشعة الشمس (لزيادة الثقة وتقدير الذات وتقليل القلق) والجهد المبذول للحفاظ على اليقظة والنشاط ربما يخفف من الإحساس بالوقت العصيب».
وقدمت الدكتورة نعمة النصائح لمن يحاولون التغلب على الشعور بالاكتئاب، فقالت «بالنسبة لهؤلاء الأشخاص الذين يعيشون وحدهم في المنزل، لدي بعض من التوصيات: المحافظة على الروتين أمر مهم، ثانياً: قلل من استهلاكك للكحول. ثالثاً، يمكن أن يساعد التواصل مع الأصدقاء بشكل منتظم وخاصة عبر مكالمات الفيديو في الاتصال. رابعاً، يمكن لأي نصيحة أو دواء مهني أن يستمر - فالكثير من المتخصصين يتبنون طرقاً لمساعدة عملائهم إلكترونياً. خامساً، التمارين تزيد الثقة واحترام الذات وتقلل من القلق. سادساً، كن حذراً بشأن كمية وجودة مصادر الأخبار التي تتطلع عليها، فالأخبار الكاذبة والمقلقة قد تكون ضارة في هذه الحالة. يجب أن يتم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي باعتدال. سابعاً، يمكن لمواكبة هواياتك حتى في هذه الأوقات أن يخلق توازناً لديك. ثامناً، يمكن أن يساعد تناول عشب (أشواجندا) وفيتامين (دي) في التغلب على الاكتئاب، وهو ما أوصي بهما لمرضاي».


مقالات ذات صلة

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

آسيا أحد أفراد الطاقم الطبي يعتني بمريض مصاب بفيروس كورونا المستجد في قسم كوفيد-19 في مستشفى في بيرغامو في 3 أبريل 2020 (أ.ف.ب)

«الصحة العالمية»: انتشار أمراض الجهاز التنفسي في الصين وأماكن أخرى متوقع

قالت منظمة الصحة العالمية إن زيادة حالات الإصابة بأمراض الجهاز التنفسي الشائعة في الصين وأماكن أخرى متوقعة

«الشرق الأوسط» (لندن )
صحتك جائحة «كورونا» لن تكون الأخيرة (رويترز)

بعد «كوفيد»... هل العالم مستعد لجائحة أخرى؟

تساءلت صحيفة «غارديان» البريطانية عن جاهزية دول العالم للتصدي لجائحة جديدة بعد التعرض لجائحة «كوفيد» منذ سنوات.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

ما نعرفه عن «الميتانيوفيروس البشري» المنتشر في الصين

فيروس مدروس جيداً لا يثير تهديدات عالمية إلا إذا حدثت طفرات فيه

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
صحتك فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية play-circle 01:29

فيروس رئوي قد يتسبب بجائحة عالمية

فيروس تنفسي معروف ازداد انتشاراً

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
الولايات المتحدة​ أحد الأرانب البرية (أرشيفية- أ.ف.ب)

الولايات المتحدة تسجل ارتفاعاً في حالات «حُمَّى الأرانب» خلال العقد الماضي

ارتفعت أعداد حالات الإصابة بـ«حُمَّى الأرانب»، في الولايات المتحدة على مدار العقد الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
TT

بارود «النار بالنار» موهبة صاعدة لفتت المشاهد

عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)
عابد فهد وتيم عزيز في مشهد من «النار بالنار» (خاص تيم)

منذ الحلقة الأولى لمسلسل «النار بالنار» لفت تيم عزيز المشاهد في دور (بارود). فهو عرف كيف يتقمص شخصية بائع اليانصيب (اللوتو) بكل أبعادها. فألّف لها قالباً خاصاً، بدأ مع قَصة شعره ولغة جسده وصولاً إلى أدائه المرفق بمصطلحات حفظها متابع العمل تلقائياً.
البعض قال إن دخول تيم عزيز معترك التمثيل هو نتيجة واسطة قوية تلقاها من مخرج العمل والده محمد عبد العزيز، إلا أن هذا الأخير رفض بداية مشاركة ابنه في العمل وحتى دخوله هذا المجال. ولكن المخرج المساعد له حسام النصر سلامة هو من يقف وراء ذلك بالفعل. ويقول تيم عزيز لـ«الشرق الأوسط»: «حتى أنا لم أحبذ الفكرة بداية. لم يخطر ببالي يوماً أن أصبح ممثلاً. توترت كثيراً في البداية وكان همي أن أثبت موهبتي. وفي اليوم الخامس من التصوير بدأت ألمس تطوري».
يحدثك باختصار ابن الـ15 سنة ويرد على السؤال بجواب أقصر منه. فهو يشعر أن الإبحار في الكلام قد يربكه ويدخله في مواقف هو بغنى عنها. على بروفايل حسابه الإلكتروني «واتساب» دوّن عبارة «اخسر الجميع واربح نفسك»، ويؤكد أن على كل شخص الاهتمام بما عنده، فلا يضيع وقته بما قد لا يعود ربحاً عليه معنوياً وفي علاقاته بالناس. لا ينكر أنه بداية، شعر بضعف في أدائه ولكن «مو مهم، لأني عرفت كيف أطور نفسي».
مما دفعه للقيام بهذه التجربة كما يذكر لـ«الشرق الأوسط» هو مشاركة نجوم في الدراما أمثال عابد فهد وكاريس بشار وجورج خباز. «كنت أعرفهم فقط عبر أعمالهم المعروضة على الشاشات. فغرّني الالتقاء بهم والتعاون معهم، وبقيت أفكر في الموضوع نحو أسبوع، وبعدها قلت نعم لأن الدور لم يكن سهلاً».
بنى تيم عزيز خطوط شخصيته (بارود) التي لعبها في «النار بالنار» بدقة، فتعرف إلى باعة اليناصيب بالشارع وراقب تصرفاتهم وطريقة لبسهم وأسلوب كلامهم الشوارعي. «بنيت الشخصية طبعاً وفق النص المكتوب ولونتها بمصطلحات كـ(خالو) و(حظي لوتو). حتى اخترت قصة الشعر، التي تناسب شخصيتي، ورسمتها على الورق وقلت للحلاق هكذا أريدها».
واثق من نفسه يقول تيم عزيز إنه يتمنى يوماً ما أن يصبح ممثلاً ونجماً بمستوى تيم حسن. ولكنه في الوقت نفسه لا يخفي إعجابه الكبير بالممثل المصري محمد رمضان. «لا أفوت مشاهدة أي عمل له فعنده أسلوبه الخاص بالتمثيل وبدأ في عمر صغير مثلي. لم أتابع عمله الرمضاني (جعفر العمدة)، ولكني من دون شك سأشاهد فيلمه السينمائي (هارلي)».
لم يتوقع تيم عزيز أن يحقق كل هذه الشهرة منذ إطلالته التمثيلية الأولى. «توقعت أن أطبع عين المشاهد في مكان ما، ولكن ليس إلى هذا الحد. فالناس باتت تناديني باسم بارود وتردد المصطلحات التي اخترعتها للمسلسل».
بالنسبة له التجربة كانت رائعة، ودفعته لاختيار تخصصه الجامعي المستقبلي في التمثيل والإخراج. «لقد غيرت حياتي وطبيعة تفكيري، صرت أعرف ماذا أريد وأركّز على هدف أضعه نصب عيني. هذه التجربة أغنتني ونظمت حياتي، كنت محتاراً وضائعاً أي اختصاص سأدرسه مستقبلاً».
يرى تيم في مشهد الولادة، الذي قام به مع شريكته في العمل فيكتوريا عون (رؤى) وكأنه يحصل في الواقع. «لقد نسيت كل ما يدور من حولي وعشت اللحظة كأنها حقيقية. تأثرت وبكيت فكانت من أصعب المشاهد التي أديتها. وقد قمنا به على مدى يومين فبعد نحو 14 مشهداً سابقاً مثلناه في الرابعة صباحاً صورنا المشهد هذا، في التاسعة من صباح اليوم التالي».
أما في المشهد الذي يقتل فيه عمران (عابد فهد) فترك أيضاً أثره عنده، ولكن هذه المرة من ناحية الملاحظات التي زوده بها فهد نفسه. «لقد ساعدني كثيراً في كيفية تلقف المشهد وتقديمه على أفضل ما يرام. وكذلك الأمر بالنسبة لكاريس بشار فهي طبعتني بحرفيتها. كانت تسهّل علي الموضوع وتقول لي (انظر إلى عيني). وفي المشهد الذي يلي مقتلها عندما أرمي الأوراق النقدية في الشارع كي يأخذها المارة تأثرت كثيراً، وكنت أشعر كأنها في مقام والدتي لاهتمامها بي لآخر حد»
ورغم الشهرة التي حصدها، فإن تيم يؤكد أن شيئاً لم يتبدل في حياته «ما زلت كما أنا وكما يعرفني الجميع، بعض أصدقائي اعتقد أني سأتغير في علاقتي بهم، لا أعرف لماذا؟ فالإنسان ومهما بلغ من نجاحات لن يتغير، إذا كان معدنه صلباً، ويملك الثبات الداخلي. فحالات الغرور قد تصيب الممثل هذا صحيح، ولكنها لن تحصل إلا في حال رغب فيها».
يشكر تيم والده المخرج محمد عبد العزيز لأنه وضع كل ثقته به، رغم أنه لم يكن راغباً في دخوله هذه التجربة. ويعلق: «استفدت كثيراً من ملاحظاته حتى أني لم ألجأ إلا نادراً لإعادة مشهد ما. لقد أحببت هذه المهنة ولم أجدها صعبة في حال عرفنا كيف نعيش الدور. والمطلوب أن نعطيها الجهد الكبير والبحث الجدّي، كي نحوّل ما كتب على الورق إلى حقيقة».
ويشير صاحب شخصية بارود إلى أنه لم ينتقد نفسه إلا في مشاهد قليلة شعر أنه بالغ في إبراز مشاعره. «كان ذلك في بداية المسلسل، ولكن الناس أثنت عليها وأعجبت بها. وبعدما عشت الدور حقيقة في سيارة (فولسفاكن) قديمة أبيع اليانصيب في الشارع، استمتعت بالدور أكثر فأكثر، وصار جزءاً مني».
تيم عزيز، الذي يمثل نبض الشباب في الدراما اليوم، يقول إن ما ينقصها هو تناول موضوعات تحاكي المراهقين بعمره. «قد نجدها في أفلام أجنبية، ولكنها تغيب تماماً عن أعمالنا الدرامية العربية».