فكري غيبريسوس يرحل تاركاً 700 لوحة

الشيف المبدع مزج ذكريات طفولته في إريتريا مع حياته بالولايات المتحدة

لوحة «جنازة صائد السردين»
لوحة «جنازة صائد السردين»
TT

فكري غيبريسوس يرحل تاركاً 700 لوحة

لوحة «جنازة صائد السردين»
لوحة «جنازة صائد السردين»

خلق الشيف فكري غيبريسوس مساحة خيالية خاصة به، عبر مزج ذكريات الطفولة في شرق أفريقيا مع حياته اليومية كزوج وأب في نيو هيفين بولاية كونيتيكت. ولقد أوجد هذا العالم متعدد الطبقات داخل الاستوديو الخاص به؛ حيث ترك، إثر وفاته المفاجئة عند بلوغه خمسين عاماً في عام 2012، أكثر من 700 لوحة ومئات من الأعمال الفنية الأخرى التي لم تفارق الأوراق بعد. كما أنه مارس سحراً مماثلاً في مقهى «كافيه أدوليوس» الشهير؛ حيث كان يتكسب رزقه من طهي الوصفات الهجينة المستمدة من تراث الطهي الشعبي في بلاده الأصلية في إريتريا وإثيوبيا المجاورة.
إذا حاول أحد رواد مقهى «كافيه أدوليوس»، بطريق المصادفة، الذهاب إلى العاصمة الإريترية أسمرة، وسعى للحصول على طبق معروف من قوائم الطعام المحلية، فسيصاب بخيبة أمل حقيقية. تقول أرملة السيد غيبريسوس، وهي الشاعرة المعروفة إليزابيث ألكسندر، ورئيسة مؤسسة «أندرو ميلون»: «يطلب الناس القريدس في إريتريا، وهو غير متوفر هناك. وكان من الأمور الرائعة بحق فكري كشيف بارع، أنه كان يمارس الفن بجانب الطهي. إنه مثل الولوج إلى عالم خيالي من اللوحات. فهناك ما يتذكره وهناك ما يبدعه بنفسه».
ولم يحاول غيبريسوس عرض لوحاته علناً أبداً. وعن ذلك قالت أرملته: «اختلفتُ معه بشأن هذا الأمر، وأرى الآن أنه أراد مواصلة العمل فقط. وكان يعتقد أن الانتصار للذات لا مبرر له»، ولكنها تعتقد أنه سيكون مسروراً للغاية؛ لأن معرض «غاليري ليلونغ» في تشيلسي يعرض لوحاته الآن.
وكان من المقرر افتتاح معرض «البوابة الزرقاء»، وهو أول معرض له في نيويورك، في أواخر شهر أبريل (نيسان) الجاري. وعلى الرغم من تأجيل الافتتاح الفعلي حتى سبتمبر (أيلول) المقبل، فقد نشر المعرض صور بعض اللوحات الفنية على موقعه الإلكتروني.
وأحد أسباب اختيار السيد غيبريسوس عدم الترويج لأعماله الفنية في حياته، هو أنه فقد كثيراً من الوقت بالفعل. وقالت ألكسندر: «لقد عانى كثيراً، ومر به كثير من الأوقات العصيبة».
ولد غيبريسوس لأسرة قبطية في أسمرة، وتلقى تعليمه الأول في المدارس الكاثوليكية. وكانت نشأته في البلاد التي مزقتها الصراعات مع بداية حرب استقلال إريتريا عن إثيوبيا التي استمرت 30 سنة كاملة. وعندما التقى مع ألكسندر في نيو هيفين عام 1996، تشاركا في إعجابهما المشترك بكتاب «مذكرات آن فرانك». وتتذكر قائلة: «فهمنا الكتاب من زوايا مختلفة».
غادر غيبريسوس بلاده إريتريا في سن الـ16، في رحلة شاقة استمرت ثلاث سنوات كاملة، سافر خلالها إلى السودان، وإيطاليا، وألمانيا، قبل أن يستقر أخيراً في الولايات المتحدة الأميركية. ووجد مستقره في نيو هيفين بولاية كونيتيكت؛ حيث افتتح رفقة شقيقه مقهى «كافيه أدوليوس» في عام 1992. وفي عام 2000 جرى قبول التحاقه بكلية «ييل» للفنون. قالت باميلا فرانكس، مؤرخة الفنون التي تعرفت عليه في جامعة «ييل»، وهي مديرة متحف «ويليامز كوليدج» للفنون حالياً: «كان متميزاً للغاية من حيث تكريس حياته واهتماماته بالرسم. كان يواصل الرسم طول الوقت بلا انقطاع».
وعلى غرار غيره من اللاجئين، حمل معه خسارته وآلامه، بما في ذلك الانفصال عن عائلته، وآلام المعاناة التي كانت تصل إليه عن أحوال بلاده. وكانت أعماله المبكرة تضم كثيراً من المشاهد الليلية القاتمة مع مصدر وحيد للإضاءة، مثل المصابيح الأمامية للشاحنات أو نيران المخيمات البعيدة.
قال كاساهو شيكول، ناشر الدوريات الثقافية والأدبية المعنونة «أفريكا وورلد برس» و«ريد سي برس» من ولاية نيوجيرسي: «كل ما لاحظته في أغلب الفنون الإريترية التي تابعتها هو وجود عنصر الظلام اللازم فيها». ولقد تقابل شيكول مع غيبريسوس في نيويورك، وعملا سوياً على الأنشطة السياسية الرامية إلى إغاثة الحرب الإريترية. وفي ذلك قال شيكول: «ينعكس الاكتئاب الذي يعشش في صدور المنفيين أمثالنا على أعمالنا الفنية. ومع غيبريسوس، تحول الأمر جذرياً عندما التقى مع إليزابيث وانتقلا إلى كونيتيكت، وأنجبا الأطفال، إذ أصبحت أعماله الفنية أكثر إشراقاً وأملاً».
وفي واقع الأمر، ازدهرت موهبة غيبريسوس الفنية انطلاقاً من زواجه بإليزابيث في عام 1997، وإنجاب الطفلين سولومون وسيمون، وكلاهما طالبان جامعيان في جامعة «ييل».
وبالنسبة إلى الطهي، كانت مصادره فيه انتقائية تماماً، مثل الرسم والفنون. وكانت نقوش رقعة الشطرنج التي أدخلها في عديد من لوحاته تحمل رمزيات للسلال والتطريز التي نشأ عليها في شبابه. وكانت الألوان الوردية والبرتقالية تنبثق من ألوان منازل الجص المطلية في أسمرة، وهي المدينة التي احتلها الإيطاليون في عشرينات القرن الماضي، وأصبحت معلماً من معالم الحداثة الاستعمارية الهجينة، كمثل أعمال غيبريسوس الفنية.
وكانت الألوان الحمراء والزرقاء المشبعة في لوحات الفنانين الغربيين التي أحبها، ولا سيما ماتيس. ومن كُنيس غيوتو سكورفيني الذي شاهده في بادوفا الإيطالية، إلى اللوحات الحداثية، والمنحوتات الأفريقية التي درسها خلال زياراته المتكررة إلى معرض الفنون في جامعة «ييل»، استوعب غيبريسوس كل ما تعرض له من أعمال فنية مختلفة. كما كان شغوفاً بالموسيقى بصورة انتقائية واضحة. وقال صديقه الموسيقار جايسون موران: «كان يجمع قائمة من الأعمال الموسيقية التي تضم أعمالاً كنا نعرفها وأخرى لا نعرف عنها شيئاً، من أعمال نينا سيمون وموسيقى الجاز الإثيوبية المختلطة».
حصر التحفظ سمعة غيبريسوس ضمن دائرة ضيقة من أصدقائه المخلصين، حتى وفاته المفاجئة للجميع. وكان يشكو من شعور بالإعياء بعد يومين من عيد ميلاده الخمسين، وواصل رغم ذلك العمل والتمرين. ولم يعترف أحد بخطورة حالته الصحية إلا بعد فوات الأوان. ولقد عثر عليه نجله الأصغر مستلقياً على الأرض بسبب إصابته بقصور حاد في القلب.
وبعد مرور ثلاث سنوات، وبعد محاولة التأقلم مع الأحزان الشديدة والانتقال بالعائلة إلى نيويورك، كتبت ألكسندر مقالاً في مجلة «نيويوركر» وُسع فيما بعد عام 2016، ضمن أفضل المذكرات مبيعاً تحت عنوان «نور العالم»، الأمر الذي جعل من اسم غيبريسوس أكثر شهرة عن ذي قبل. ومع ذلك، كانت أعماله الفنية في انتظار الجمهور.
وأعقب المعرض الذي افتتح بعد وفاته في نيو هيفين بمعرض آخر في متحف الشتات الأفريقي في سان فرنسيسكو، في عام 2018. وبعد عرض الأعمال في جناحه بمعرض رابطة هواة الفنون الأميركية في الشهر الماضي، يقدم «غاليري ليلونغ» مجموعة مختارة من الأعمال التي تتناول رحلات السيد غيبريسوس غير المستقرة بين مختلف العوالم.
وكان محور المعرض لوحة ضخمة بمقاس 16 قدماً في 8 أقدام، على نسيج غير مشدود، تحت عنوان «جنازة صائد السردين». وكانت تصور صفاً من الملائكة في الأعلى يطلون بأبصارهم على حفنة من الأنشطة البشرية، وفي وسط اللوحة هناك سمكة عملاقة على خلفية زرقاء داكنة. ولكن ما الذي تفعله هاتان المظلتان في تلك اللوحة؟ ربما كانت أشكالهما الجميلة هي سبب وجودهما في اللوحة ليس إلا.
قالت الفنانة الأميركية إثيوبية الأصل جولي ميهريتو، عن أعمال السيد غيبريسوس: «إنني لا أعتبر أعماله من قبيل السيرة الذاتية؛ بل إنها لوحات تجريبية، وتمثل استكشافات عبر الألوان».
ومن واقع اللوحات اللاحقة، تمكن من خلق عالم مستقل، من خلال لوحات الصور المسطحة التي كانت فيها الأجسام مثل الأسماك، والأشجار، والأنماط الهندسية تتدافع بعضها في مواجهة بعض، في انطلاقة حرة وطليقة.
وقالت الفنانة جولي ميهريتو: «مع كثير من الفنانين القادمين من القارة الأفريقية، تُقرأ أعمالهم على اعتبارها تاريخاً من الماضي والزمن. وإنني لا أستشعر هذه التجربة بهذه الطريقة، فإنها غير مرتبطة بشخصيته أو هويته. وهناك احتمال أنه من خيالات الفنان الحالم. وهذا من الأمور المثيرة للاهتمام بالنسبة لي، أنه غير مقيد بنفسه في أعماله الفنية المختلفة».
- خدمة «نيويورك تايمز»



علاج فعّال يساعد الأطفال على التخلص من الكوابيس

العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)
العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)
TT

علاج فعّال يساعد الأطفال على التخلص من الكوابيس

العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)
العلاج أسهم في تقليل عدد الكوابيس لدى الأطفال (جامعة يوتا)

كشفت دراسة أميركية أن علاجاً مبتكراً للأطفال الذين يعانون من الكوابيس المزمنة أسهم في تقليل عدد الكوابيس وشدّة التوتر الناتج عنها بشكل كبير، وزاد من عدد الليالي التي ينام فيها الأطفال دون استيقاظ.

وأوضح الباحثون من جامعتي أوكلاهوما وتولسا، أن دراستهما تُعد أول تجربة سريرية تختبر فاعلية علاج مخصصٍ للكوابيس لدى الأطفال، ما يمثل خطوة نحو التعامل مع الكوابيس كاضطراب مستقل، وليس مجرد عَرَضٍ لمشكلات نفسية أخرى، ونُشرت النتائج، الجمعة، في دورية «Frontiers in Sleep».

وتُعد الكوابيس عند الأطفال أحلاماً مزعجة تحمل مشاهد مخيفة أو مؤلمة توقظ الطفل من نومه. ورغم أنها مشكلة شائعة، فإنها تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية والجسدية للأطفال، إذ تُسبب خوفاً من النوم، والأرق، والاستيقاظ المتكرر، وهذه الاضطرابات تنعكس سلباً على المزاج، والسلوك، والأداء الدراسي، وتزيد من مستويات القلق والتوتر.

ورغم أن الكوابيس قد تكون مرتبطة باضطرابات نفسية أو تجارب مؤلمة، مثل اضطراب ما بعد الصدمة، فإنها لا تختفي بالضرورة مع علاج تلك المشكلات، ما يتطلب علاجات موجهة خصيصاً للتعامل مع الكوابيس كاضطراب مستقل.

ويعتمد العلاج الجديد على تعديل تقنيات العلاج المعرفي السلوكي واستراتيجيات الاسترخاء وإدارة التوتر، المستخدمة لدى الكبار الذين يعانون من الأحلام المزعجة، لتناسب الأطفال.

ويتضمّن البرنامج 5 جلسات أسبوعية تفاعلية مصمّمة لتعزيز فهم الأطفال لأهمية النوم الصحي وتأثيره الإيجابي على الصحة النفسية والجسدية، إلى جانب تطوير عادات نوم جيدة.

ويشمل العلاج أيضاً تدريب الأطفال على «إعادة كتابة» كوابيسهم وتحويلها إلى قصص إيجابية، ما يقلّل من الخوف ويعزز شعورهم بالسيطرة على أحلامهم.

ويستعين البرنامج بأدوات تعليمية مبتكرة، لتوضيح تأثير قلّة النوم على الأداء العقلي، وأغطية وسائد، وأقلام تُستخدم لكتابة أفكار إيجابية قبل النوم.

وأُجريت التجربة على 46 طفلاً تتراوح أعمارهم بين 6 و17 عاماً في ولاية أوكلاهوما الأميركية، يعانون من كوابيس مستمرة لمدة لا تقل عن 6 أشهر.

وأظهرت النتائج انخفاضاً ملحوظاً في عدد الكوابيس ومستوى التوتر الناتج عنها لدى الأطفال الذين تلقوا العلاج مقارنة بالمجموعة الضابطة. كما أُبلغ عن انخفاض الأفكار الانتحارية المتعلقة بالكوابيس، حيث انخفض عدد الأطفال الذين أظهروا هذه الأفكار بشكل كبير في المجموعة العلاجية.

ووفق الباحثين، فإن «الكوابيس قد تُحاصر الأطفال في دائرة مغلقة من القلق والإرهاق، ما يؤثر سلباً على حياتهم اليومية»، مشيرين إلى أن العلاج الجديد يمكن أن يُحدث تحولاً كبيراً في تحسين جودة حياة الأطفال.

ويأمل الباحثون في إجراء تجارب موسعة تشمل أطفالاً من ثقافات مختلفة، مع دراسة إدراج فحص الكوابيس بوصفها جزءاً من الرعاية الأولية للأطفال، ما يمثل خطوة جديدة في تحسين صحة الأطفال النفسية والجسدية.