عالم فرنسي يحذر من وسائل إعلام «تعرف كيف تبيع وتسوّق الخوف»

تناول في كتابه الجديد الإرهاب البيولوجي وأشاد بتجربة الصين

عالم فرنسي يحذر من وسائل إعلام «تعرف كيف تبيع وتسوّق الخوف»
TT

عالم فرنسي يحذر من وسائل إعلام «تعرف كيف تبيع وتسوّق الخوف»

عالم فرنسي يحذر من وسائل إعلام «تعرف كيف تبيع وتسوّق الخوف»

في الوقت الذي تسابق بلاده والعالم الزمن لمحاصرة تفشي وباء «كورونا»، فاجأ ديدييه راؤولت، العالم الفرنسي المتخصص في علم الميكروبيولوجي والفيروسات المعدية، الرأي العام والأوساط العلمية بكتاب جديد، ساعياً من خلاله إلى التهدئة، بالتقليل من خطورة جميع الأمراض المعدية عن طريق الجهاز التنفسي، بسبب تطور الظروف العلاجية، واستخدام المضادات الحيوية التي تسمح بتقليل العدوى القاتلة من جانب، وظهور التطعيمات ضد الأمراض الرئوية لدى الأطفال والشباب، الأمر الذي يحمى بالتبعية كبار السن من جانب آخر.
الكتاب يحمل عنوان «الأوبئة بين المخاطر الحقيقية والتحذيرات المزيفة... من إنفلونزا الطيور إلى كوفيد-19»، وصدر عن دار النشر الفرنسية «ميشيل لافون»، في 176 صفحة من القطع المتوسط. ورغم خروج الكتاب إلى النور في 26 مارس (آذار) الماضي، فإنه شهد إقبالاً واسع النطاق، رغم إغلاق المكتبات هناك، حيث وصل حجم مبيعات الكتاب، خلال بضعة أيام فقط، إلى 50 ألف نسخة، ومعظم هذه النسخ قد تم بيعها إلكترونياً. وإيماناً بأهمية وضرورة هذا الكتاب في هذا التوقيت الحساس المهم، فقد أعده المؤلف في شهر واحد فقط، شجعه في ذلك تحمس دار النشر، ومتابعتها مراحل نشره في هذه الفترة القصيرة، في إطار الاستفادة من خبرة المؤلف الفريدة في مجابهة فيروس كورونا «العدو الخفي»، وتأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن المجتمع الفرنسي أضحى في حالة «حرب صحية»، على خلفية انتشار هذا العدو.
وعلاوة على راهنية وحساسية الموضوع الذي يتناوله، فإن مؤلفه متخصص دولي فريد في الأمراض والفيروسات المعدية، وهو أستاذ الميكروبيولوجي بالمعهد الصحي الجامعي بجامعة مارسيليا، وسبق أن اكتشف مع فريق عمله أكثر من 60 فيروساً جديداً، كما يعد واحداً من أهم 10 باحثين فرنسيين في هذا المجال، وتعد أبحاثه ودراساته مرجعاً عالمياً أساسياً في الحمى، هذا بالإضافة إلى أنه تم تصنيفه في 2014 سابع أفضل متخصص في علم البيولوجيا على مستوى العالم، ضمن قائمة ضمت 400 عالم على المستوى العالمي.
ويسعى المؤلف نحو محاولة تخفيف حدة ووتيرة الرعب والهلع التي تسيطر على الرأي العام، على خلفية انتشار فيروس كورونا المستجد، حيث يسوق للقارئ معلومة مهمة للغاية، مشدداً على أن الفيروسات التي تصيب الجهاز التنفسي غير مسؤولة إلا عن وفاة 4.5 مليون فرد فقط في العالم منذ 30 عاماً، وقد تراجعت هذه النسبة الآن إلى 2.6 مليون فرد خلال العشرين عاماً الماضية. وفي المقابل، فإن هناك أوبئة أخرى قد طالتها يد الإهمال، وعدم الاهتمام بالقدر الكافي، مثل الكوليرا في أفريقيا، خاصة في هاييتي، حيث أودت بحياة 10 آلاف فرد هناك، إضافة إلى وباء «الكلوستريديوم» الذي يودى بحياة 60 إلى 100 ألف فرد سنوياً في العالم.
ومن واقع خبرته في المهام التي كُلف بها، وأيضاً الأزمات التي أدارها بتكليف من وزارة الصحة الفرنسية، يرى أنه من العبث إطلاق كل هذه التحذيرات في كل مكان، وإنفاق المليارات على أدوية لم ترى النور، وتطعيمات لم تظهر إلى الوجود.
خصص البروفسور راؤولت الفصل الثامن من كتابه لفيروس كورونا، ليخلص في نهاية هذا الفصل إلى أن علاج هذا الفيروس يتأسس على علاج «الكلوروكين»، وهو العلاج نفسه الذي سبق استخدامه في علاج الملاريا (تستخدمه معظم الدول حالياً في العلاج)، مشدداً على أنه يعد وبحق من أفضل الأدوية المناسبة لعلاج فيروس كورونا، وقد أثبتت التجارب والأبحاث التي أجراها فاعلية ودقة نتائجه.
وأشاد راؤولت بالتجربة الصينية في مجابهة تفشى فيروس كورونا، من حيث سرعة تجاوبها تجاه انتشار الفيروس، الأمر الذي ساعد كثيراً في السيطرة عليه، مؤكداً أن علاج «الكلوروكين» يعد العلاج المعجزة لفيروس كورونا، إلا أنه رغم فاعليته الممتازة أحدث انشقاقاً كبيراً داخل الأسرة العلمية لأسباب كثيرة.
ورغم ذلك، فقد رفع المؤلف راية التحدي في وجه الجميع، بين شريحة كبيرة من زملائه في قلب الأسرة العلمية ووسائل الإعلام التي أضحت تمثل ملتقى دائماً للخبراء في هذا المجال، بالإضافة إلى جهات أخرى لها مصالح من انتشار الخوف من الأمراض الجديدة، بين مصالح المعامل التي تبيع الأدوية المضادة للفيروسات، ومصالح منتجي التطعيمات، هذا بالإضافة إلى قائمة طويلة من الخبراء الذين أضحوا ضيوفاً دائمين على شاشات التلفزيون.
وأخيراً، يشدد راؤولت على فاعلية دواء «الكلوروكين» الذي اختاره لعلاج «فيروس كورونا»، خاصة أنه قام بتجربته على 80 حالة مرضية، وأثبت تقدماً ملحوظاً على جميع الحالات، الأمر الذي دفعه لأن يصفه بالمعجزة، أو بالدواء الذي هبط علينا من السماء.
ويذكر المؤلف أن العالم شهد خلال السنوات الماضية سلسلة من الأوبئة المتتالية، بين فيروس أنتراكس وإيبولا، مروراً بإنفلونزا الطيور والخنازير والسارس، وصولاً إلى فيروس كورونا المستجد «وهي أوبئة كنا نتنبأ خلال فترة انتشارها، ومع بداية ظهورها، بفقدان ملايين الأشخاص، ولكن لم يحدث ذلك على أرض الواقع. ولكن فيما يتعلق بفيروس كورونا المستجد الذي ضرب العالم أجمع، مصحوباً بموجة من الهلع، فإن هذه الموجه تعود في جزء كبير منها إلى مبالغة وسائل الإعلام التي تعي تماماً كيف تبيع وتسوّق الخوف».


مقالات ذات صلة

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

صحتك أطباء يحاولون إسعاف مريضة بـ«كورونا» (رويترز)

«كورونا» قد يساعد الجسم في مكافحة السرطان

كشفت دراسة جديدة، عن أن الإصابة بفيروس كورونا قد تساعد في مكافحة السرطان وتقليص حجم الأورام.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
أوروبا الطبيب البريطاني توماس كوان (رويترز)

سجن طبيب بريطاني 31 عاماً لمحاولته قتل صديق والدته بلقاح كوفيد مزيف

حكم على طبيب بريطاني بالسجن لأكثر من 31 عاماً بتهمة التخطيط لقتل صديق والدته بلقاح مزيف لكوفيد - 19.

«الشرق الأوسط» (لندن )
الاقتصاد السعودية تصدرت قائمة دول «العشرين» في أعداد الزوار الدوليين بـ 73 % (واس)

السعودية الـ12 عالمياً في إنفاق السياح الدوليين

واصلت السعودية ريادتها العالمية بقطاع السياحة؛ إذ صعدت 15 مركزاً ضمن ترتيب الدول في إنفاق السيّاح الدوليين.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
صحتك تم تسجيل إصابات طويلة بـ«كوفيد- 19» لدى أشخاص مناعتهم كانت غير قادرة على محاربة الفيروس بشكل كافٍ (رويترز)

قرار يمنع وزارة الصحة في ولاية إيداهو الأميركية من تقديم لقاح «كوفيد»

قرر قسم الصحة العامة الإقليمي في ولاية إيداهو الأميركية، بأغلبية ضئيلة، التوقف عن تقديم لقاحات فيروس «كوفيد-19» للسكان في ست مقاطعات.

«الشرق الأوسط» (أيداهو)
أوروبا أحد العاملين في المجال الطبي يحمل جرعة من لقاح «كورونا» في نيويورك (أ.ب)

انتشر في 29 دولة... ماذا نعرف عن متحوّر «كورونا» الجديد «XEC»؟

اكتشف خبراء الصحة في المملكة المتحدة سلالة جديدة من فيروس «كورونا» المستجد، تُعرف باسم «إكس إي سي»، وذلك استعداداً لفصل الشتاء، حيث تميل الحالات إلى الزيادة.

يسرا سلامة (القاهرة)

كل الحروب سياسية... والاستراتيجية الرديئة تزيدها سوءاً

الحرب الكورية
الحرب الكورية
TT

كل الحروب سياسية... والاستراتيجية الرديئة تزيدها سوءاً

الحرب الكورية
الحرب الكورية

اشتهر كارل فون كلاوزفيتز، كبير فلاسفة الحرب في الغرب، بملاحظته أن الحرب امتداد للسياسة، كما أشار إلى نقطة ثانية، وهي أن الحرب تابعة للسياسة، ومن ثم فهي تتشكّل من خلالها، مما يجعل «تأثيرها ملموساً حتى في أصغر التفاصيل العملياتية».

نحن نرى هذا اليوم في الشرق الأوسط، حيث قد تسترشد محاولات إنقاذ الرهائن الفتاكة، والاغتيالات الكبرى، كتلك التي أودت بحياة حسن نصر الله زعيم «حزب الله»، بنقاط سياسية بقدر ما تسترشد بالرغبة في إنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن. وعلى الجانب الآخر من المعادلة، يبدو أن أحدث سرب من الصواريخ الباليستية الإيرانية، التي انفجر معظمها من دون ضرر فوق إسرائيل، كان عملاً من أعمال المسرح السياسي الذي يهدف في المقام الأول إلى رفع المعنويات على الجبهة الداخلية.

من المفيد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وآية الله علي خامنئي من إيران، ناهيكم عن الرئيس الأميركي المقبل، أن يقرأوا كتاب جفري فافرو «حرب فيتنام: تاريخ عسكري» (652 صفحة، دار «بيسك بوكس» للنشر).

إنه يُلقي أفضل نظرة عامة على المغامرة الأميركية في جنوب شرقي آسيا، ومن المؤكد أنه سوف يصبح كتاباً معيارياً عن تلك الحرب، وبينما نتابع المعاناة الجارية في الشرق الأوسط، فإن هذا الكتاب يقدّم لنا أيضاً دروساً قوية بشأن المخاطر المترتبة على شن حرب مفتوحة من دون إستراتيجية حقيقية.

تركّز أغلب كتب التاريخ عن حرب فيتنام على الدبلوماسية والسياسة في الصراع، بالعودة إلى العمليات العسكرية للأحداث الرئيسية فقط، مثل هجوم «تيت» ومعركة مدينة «هوي»؛ إذ يتبع واورو، المؤرخ في جامعة نورث تكساس، نهجاً أكثر تنويراً.

ووفقاً لرأي فافرو، كان التدخل الأميركي في فيتنام بمثابة درس كبير في كيفية تجنّب شنّ الحرب، وقد أدى الاعتقاد الطائش في فاعلية القوة النارية المحضة، إلى حملات القصف الأميركية المدمِّرة التي كما يقول واورو: «أدّت إلى إحراق سُبع أراضي جنوب فيتنام» و«خلقت خمسة ملايين لاجئ داخلي»، على أمل دفع قوات «فيت كونغ» الفيتنامية إلى العراء، ورفض الخصم الشيوعي القتال بهذه الطريقة، بل كانوا يشتبكون سريعاً، ثم ينسحبون عندما يردّ الأميركيون بوابل عنيف من نيران المدفعية والغارات الجوية. في الأثناء ذاتها، كلما حاول الرئيس ليندون جونسون - الذي لم يدرس مبادئ كلاوزفيتز - فصل الحرب عن السياسة، بالكذب بشأن تكاليفها ورفض تعبئة الاحتياطي العسكري؛ صارت الحرب أكثر سياسية، وهيمنت على الخطاب الأميركي، ثم عصفت به خارج الرئاسة.

لم يكن أداء أميركا أفضل مع الهجمات المستهدفة، وكما هو الحال مع أجهزة البيجر المتفجرة التي استخدمتها إسرائيل، فإن برنامج «فينكس» من إعداد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لاغتيال أعضاء «فيت كونغ» قد «ركّز على (القبض أو القتل)»، كما كتب واورو، وأدى إلى سقوط ضحايا أبرياء، كما أنه لم يؤدِّ إلى الاقتراب من نهاية الحرب؛ لأن البرنامج بأكمله كان مبنياً على «أرقام ملفقة»، كما يوضح المؤلف، «وليس على الواقع الحقيقي»، وكان البرنامج عبارة عن طريقة أخرى لقتل الناس من دون فهم الحرب.

جعلتني قراءة التاريخ الرائع الذي كتبه فافرو أفكّر في نتيجة لازمة جديدة لنظريات كلاوزفيتز: كلما كانت الاستراتيجية أقل تماسكاً في الحرب، أصبحت أكثر تسييساً، دخلت الولايات المتحدة الحرب لأسباب سياسية ودبلوماسية غامضة (الظهور بمظهر الصرامة أمام خصوم الحرب الباردة ليس نهاية المطاف). بعد عقدين من الزمان كان الغزو القصير والفوضوي لجنوب «لاوس» من قِبل القوات البرّية الفيتنامية الجنوبية والقوة الجوية الأميركية بمثابة «مسرحية سياسية، وليس حرباً»، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية عام 1972، لم تكن هناك نهاية في الأفق، وكان الدافع وراء الهجوم هو رغبة الرئيس ريتشارد نيكسون في جعل الأمر يبدو وكأن فيتنام الجنوبية تتولّى زمام الأمور في القتال، وبدلاً من ذلك، زاد من زعزعة استقرار المنطقة، ولم يفعل شيئاً يُذكر لقطع خطوط إمداد العدو.

لحسن الحظ، خلال الحرب العالمية الثانية استخدمت الولايات المتحدة السياسة لخدمة المجهود الحربي بدلاً من العكس، وإن لم يكن الجميع يرَون الأمر على هذا النحو. في كتاب «أميركا أولاً: روزفلت ضد ليندبيرغ في ظل الحرب» (444 صفحة، دار «دوبلداي للنشر»)، يُصوّر إتش دبليو براندز، نجم الطيران الشهير تشارلز ليندبيرغ، الذي تحدث عن النزعة الانعزالية في البث الإذاعي الوطني، بوصفها أمراً ساذجاً، ولكن صادقاً، في حين يُصوّر الرئيس فرانكلين روزفلت بأنه مخادع بشكل ملحوظ في جهوده لدفع الولايات المتحدة إلى الحرب.

لكن في الواقع، كان فرانكلين روزفلت هدفاً كبيراً لهذه التهمة؛ إذ تعهد الرئيس أثناء حملته الانتخابية للفوز بولاية ثالثة غير مسبوقة، قائلاً: «لن يُرسَل أبناؤكم إلى أي حروب خارجية»، وكان جيمس، نجل روزفلت، يتساءل عن سبب اتخاذ والده هذا الموقف، فقال والده موضحاً: «جيمي، كنت أعلم أننا ذاهبون إلى الحرب، كنت متأكداً من أنه لا يوجد مخرج من ذلك، كان لزاماً أن أثقّف الناس بشأن الحتمية تدريجياً، خطوة بخطوة»، ربما يكون هذا مخادِعاً، لكن هذه السياسة ساعدت الأميركيين على المشاركة في المجهود الحربي، كان كلاوزفيتز ليفخر بذلك.

في الوقت نفسه، عندما يرفض ليندبيرغ الدعوة إلى هزيمة ألمانيا في أواخر يناير (كانون الثاني) 1941، يُعيد إلى الأذهان رفض دونالد ترمب دعم المعركة الأوكرانية ضد العدوان الروسي، ويلاحظ براندز، وهو مؤرخ في جامعة تكساس فرع أوستن، ليونةَ ليندبيرغ إزاء ألمانيا النازية، ولكن - في رسم صورة متعاطفة للرجل - يستبعد عديداً من التفاصيل التي تظهر في كتب أخرى، مثل السيرة الذاتية تأليف «إيه سكوت بيرغ»، الفائزة بجائزة بوليتزر لعام 1998.

لا يذكر براندز، على سبيل المثال، أن ليندبيرغ رفض في مايو (أيار) 1940 الحديث عن مخاطر انتصار النازية، بوصفه «ثرثرة هستيرية»، أو أنه، في العام نفسه، ألّفت زوجة الطيار آن مورو ليندبيرغ كتاب «موجة المستقبل»، وفيه جادلت بأن العهد الجديد ينتمي إلى أنظمة استبدادية، وكان ذلك الرجل يحمل مثل هذه الولاءات المُرِيبة حتى بعد بيرل هاربر، كما قال ليندبيرغ (في تصريحات أغفلها براندز أيضاً): «إن بريطانيا هي السبب الحقيقي وراء كل المتاعب في العالم اليوم».

إن مثل هذه الإغفالات تجعل كتاب براندز يبدو وكأنه مُوجَز متحيّز إلى ليندبيرغ أكثر من كونه كتاباً تاريخياً نزيهاً. كتب براندز يقول: «لقد أصاب ليندبيرغ كثيراً في حملته ضد الحداثة، لكنه أخطأ في أمر واحد كبير- فهو لم يرَ أن الأميركيين كانوا على استعداد للتدخل في الصراعات الخارجية». وأودّ أن أزعم أن ليندبيرغ كان مخطئاً أكثر من ذلك؛ فقد عبث بمعاداة السامية، وهو شيء ينتقص براندز من أهميته، وعلى نحو مفاجئ بالنسبة لطيار شهير، لم يكن يبدو أن لديه الكثير من البصيرة في دور القوة الجوية في الحرب، وحتى في القراءة الأكثر تعاطفاً، لا بد أن كلاوزفيتز كان ليحتدم غيظاً.

الجنرال البروسي العجوز هو موضوع تحليل جديد لاذع، وربما شديد التحريض من ناحية «أزار غات»، المؤرخ الفكري في جامعة تل أبيب. في كتابه «أسطورة كلاوزفيتز: أو ملابس الإمبراطور الجديدة» (228 صفحة، دار «كرونوس للنشر»)، يزعم غات أن كتاب كلاوزفيتز «عن الحرب» مؤثر بصورة رئيسية؛ لأنه مُحير للغاية. ويَخلُص إلى أن «الكثير من سمعة الكتاب تستند إلى سوء فهم دائم لما يعنيه في الواقع».

هناك في الأساس اثنان من كلاوزفيتز؛ الأول ألّف في وقت مبكر من حياته المهنية الكثير من كتب «عن الحرب»، بينما يسعى إلى فهم انتصارات نابليون السريعة والساحقة على بروسيا، والآخر كان يحاول بعد سنوات رسم مسارٍ لاستعادة بروسيا مكانتها في أوروبا، ولكن بدلاً من تأليف كتاب ثانٍ، كما يقول غات، عاد الضابط البروسي ونقّح كتاب «عن الحرب» بطرق تتناقض على نحو جَلِيّ مع بعض الأجزاء الأسبق من نفس الكتاب. بدأ كلاوزفيتز بكتابة أن النصر يعتمد على هزيمة سريعة للعدوّ في معركة كبيرة واحدة. وفي وقت لاحق أدرك أن العديد من الأطراف الفاعلة، سيما الأضعف منها، قد يكون لديها سبب لإطالة أمد القتال. وشرع في التنقيح، لكنه لم يكن لديه الوقت لعلاج هذا التضادّ قبل وفاته عام 1831.

وبينما كنت أقرأ كتاب غات، ظللتُ أفكّر في أنه لم يدرك النقطة الأكثر أهميةً؛ قد تشوب الأعمال الكلاسيكية حالة من النقص إلى حد بعيد؛ إذ تطرح أسئلة أكثر مما تقدّم من إجابات، وهو ما كان بمثابة طريق أكثر أماناً للاستمرار عبر الزمن. في الواقع، كانت واحدة من أشهر ملاحظات كلاوزفيتز تتعلّق بطرح الأسئلة، وهو يقول إنه قبل أن تتصاعد أعمال العنف يجب على القادة المفكرين أن يسألوا أنفسهم: ما نوع هذه الحرب؟ وما الذي تريد أمّتي تحقيقه؟ وهل يمكن أن تحقّق ذلك فعلاً؟

هذه اعتبارات جيدة. إن مواصلة حرب استنزاف لا نهاية لها، سواء في جنوب شرقي آسيا، أو في الشرق الأوسط، من غير المرجّح أن تؤدي إلا إلى المزيد من الفوضى والموت، وعلى نحو مماثل، لو تعامل قادة أميركا بجدّية مع نهاية المسألة قبل غزو فيتنام، ناهيكم عن العراق أو أفغانستان، ربما كانت حروبهم لتسير على نحو أفضل كثيراً، أو ربما لم تكن لتحدث على الإطلاق.

-------------------

خدمة: «نيويورك تايمز».