انقسام غربي ـ روسي إزاء اتهامات أممية لدمشق بـ«كيماوي» حماة

موسكو تشن حملة على تقرير «منظمة الحظر»... وبروكسل وأنقرة ولندن تطالب بـ«تدابير» ضد المتورطين

رجل يعقّم مخيماً للنازحين في ريف إدلب تحسباً لوباء «كورونا» (أ.ف.ب)
رجل يعقّم مخيماً للنازحين في ريف إدلب تحسباً لوباء «كورونا» (أ.ف.ب)
TT
20

انقسام غربي ـ روسي إزاء اتهامات أممية لدمشق بـ«كيماوي» حماة

رجل يعقّم مخيماً للنازحين في ريف إدلب تحسباً لوباء «كورونا» (أ.ف.ب)
رجل يعقّم مخيماً للنازحين في ريف إدلب تحسباً لوباء «كورونا» (أ.ف.ب)

آثار تقرير «منظمة حظر الأسلحة الكيماوية» الذي اتهم الحكومة السورية باستخدام أسلحة محظورة انقساما بين موسكو وعواصم غربية. إذ شنت الخارجية الروسية حملة على خلاصات التقرير، فيما طالب الاتحاد الأوروبي وتركيا وبريطانيا باتخاذ «التدابير اللازمة» بحقّ المسؤولين السوريين عن استخدام «الكيماوي».
ورأت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا أنه «مخالف للقانون الدولي». وقالت خلال إيجاز صحافي أسبوعي، بأن «دائرة ضيقة من الدول ذات المصلحة» فرضت قواعدها على منظمة حظر الأسلحة الكيماوية. وأضافت أن تلك الدول «فرضت تشكيل فريق للتحقيق خلافا للبنود الأساسية لاتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية وأعراف القانون الدولي المعترف بها»، وزادت أن «مهام فريق التحقيق المزعوم تمثل مساسا بالصلاحيات الاستثنائية لمجلس الأمن الدولي».
ورأت الدبلوماسية الروسية أن «أصحاب التقرير أصبحوا شركاء في الانتهاك المنظم لمبادئ وإجراءات منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، الخاصة بإجراء التحقيقات موضوعية»، والتي تتضمن ضرورة إرسال الخبراء إلى مكان الحادث.
وكانت موسكو رفضت مسار تحقيق فريق تقصي الحقائق الذي تولى وضع الاستنتاجات واتهمته بأنه «مسيس» وأن نشاطه استند إلى شهادات من المعارضة السورية في حين كان يتوجب عليه أن يقوم بفحوص ميدانية ويأخذ في الاعتبار المعطيات التي قدمتها موسكو ودمشق.
إلى ذلك، حذرت زاخاروفا من أن أكبر المخاطر الناجمة عن انتشار فيروس «كورونا» في سوريا، تلاحظ في المناطق الخاضعة لسيطرة الولايات المتحدة وحلفائها. وقالت إن «الوضع الأكثر خطورة والقابل للانفجار فيما يخص انتشار فيروس كورونا، يبرز في منطقة شرقي الفرات وحول التنف، أي في المناطق السورية التي تحتلها الولايات المتحدة وحلفاؤها».
وأشارت الناطقة إلى عدم وجود إمكانيات لنقل المساعدات الإنسانية إلى تلك المناطق، مضيفة أن هناك عددا كبيرا من الألغام التي لم تنفجر، ومستشفيين اثنين فقط يستمران بالعمل.
وحمل بيان روسي - سوري مشترك أصدره مركز التنسيق التابع لوزارة الدفاع لهجة مماثلة في التحذير. ولفت إلى أن الولايات المتحدة لا تراقب الوضع الوبائي في مخيمي الركبان والهول للنازحين السوريين، منوها بخطر جدي لتفشي فيروس كورونا فيهما. وقال المركز في بيان مشترك إن المنطقة الخاضعة لسيطرة القوات الأميركية في سوريا «لا تشهد أي إجراءات مراقبة على الوضع الوبائي على الإطلاق». وأضاف أن مخيمي الركبان والهول للنازحين يفتقران إلى الأدوية والأطباء المؤهلين، ولا تعمل فيهما مراكز الرعاية الطبية. وأكد أن الجانبين الروسي والسوري وجها دعوات عدة إلى الإجلاء السريع لجميع الراغبين في مغادرة مخيم الركبان إلى أراضي السيطرة الحكومية، بعدما تمت تهيئة كافة الظروف لاستقبالهم، ويجري حاليا اتخاذ التدابير اللازمة لمكافحة انتشار العدوى».
ولفت البيان، إلى أنه رغم إجراءات مكافحة كورونا التي تتخذها دمشق والتي أقرت الصحة العالمية وغيرها من المنظمات الصحية الدولية بفعاليتها، «تواصل الولايات المتحدة بوقاحة استغلال أزمة كورونا العالمية لتشويه سمعة القيادة السورية، وتعزيز حملة إعلامية للتشكيك في قدرتها على التصدي بشكل فعال لانتشار كورونا في البلاد، إضافة إلى تحميل دمشق المسؤولية عن تفاقم الوضع الوبائي، بما في ذلك في مخيمي الركبان والهول».
وزاد أن «الوجود غير القانوني للولايات المتحدة وحلفائها في الأراضي السورية يمثل اليوم العقبة الرئيسية التي تحول دون ضمان السلامة الصحية للمواطنين السوريين الذين يعيشون في المناطق الواقعة خارج سيطرة الحكومة الشرعية».
على صعيد آخر، أعلن سكرتير مجلس الأمن الروسي، نيكولاي باتروشيف، أن «المنظمات الإرهابية لم تتوقف عن محاولات نقل إرهابيين مدربين وذوي خبرة قتالية عالية من سوريا والعراق إلى روسيا». وقال إن «خطر الإرهاب، لا يزال قائما، وهو ناجم عن نشاط المنظمات الإرهابية الدولية وعمل «الخلايا النائمة» التآمرية في روسيا التي تجمع الأموال لأنشطتها». ولم يوضح المسؤول الروسي تفاصيل أوسع عن محاولات نقل المقاتلين من سوريا. وأعلنت «منظمة الحظر» في تقرير الأربعاء أن فريقها «خلص إلى وجود أسس معقولة للاعتقاد بأن مستخدمي السارين كسلاح كيماوي في اللطامنة في 24 و30 مارس (آذار) 2017 والكلور» في الـ25 من الشهر نفسه «هم أشخاص ينتمون إلى القوات الجوية العربية السورية». وقال وزير الخارجية الأوروبي جوزيب بوريل في بيان باسم الدول الأعضاء السبع والعشرين «يجب محاسبة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية على هذه الأعمال المرفوضة».
وقال بوريل إن الاتحاد الأوروبي «مصمم على ضمان أن يلقى هذا الانتهاك الواضح للمبادئ الأساسية للاتفاقية أقوى رد ممكن من جانب الدول الأطراف في اتفاقية الأسلحة الكيماوية». وشدّد على أن «المساءلة عن هذه الأفعال ضرورية لمنع إعادة استخدام الأسلحة الكيماوية مجدداً».
ودعت وزارة الخارجية البريطانية مجلس الأمن الدولي إلى «الرد بشكل حاسم» على تقرير المنظمة.
ونفت دمشق الخميس مضمون التقرير معتبرة أنه «مُضلل وتضمن استنتاجات مزيفة ومفبركة، الهدف منها تزوير الحقائق واتهام الحكومة السورية». وقالت منظمة «هيومن رايتس ووتش»، إن المساعي الروسية لتبرئة النظام السوري فشلت.
وطالبت وزارة الخارجية التركية بـ«محاسبة النظام المتورط بهجمات كيماوية على الشعب السوري».



واشنطن تكثّف الضربات على مواقع الحوثيين في صنعاء والحديدة

حفرة أحدثها صاروخ أميركي في ضربة استهدفت صنعاء (أ.ف.ب)
حفرة أحدثها صاروخ أميركي في ضربة استهدفت صنعاء (أ.ف.ب)
TT
20

واشنطن تكثّف الضربات على مواقع الحوثيين في صنعاء والحديدة

حفرة أحدثها صاروخ أميركي في ضربة استهدفت صنعاء (أ.ف.ب)
حفرة أحدثها صاروخ أميركي في ضربة استهدفت صنعاء (أ.ف.ب)

وسط قلق أممي ودعوات حكومية يمنية للسكان إلى سحب ذويهم من صفوف الحوثيين، كثفت الولايات المتحدة ضرباتها فجر الجمعة ومساء السبت على مواقع مفترضة للجماعة في صنعاء وضواحيها والحديدة، وصولاً إلى عمران ومأرب وجزيرة كمران في البحر الأحمر.

وتأتي هذه الضربات ضمن الحملة المستمرة التي أمر بها الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، منذ 15 مارس (آذار) الماضي؛ لإرغام الجماعة المدعومة من إيران على التوقف عن تهديد الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن، والكف عن مهاجمة إسرائيل بذريعة مساندة الفلسطينيين في غزة.

وتحدث إعلام الجماعة الحوثية عن التعرض لنحو 50 غارة مساء السبت وفجر الأحد، تركزت غالبيتها على صنعاء وضواحيها وعلى الحديدة، مع الإشارة إلى مقتل وإصابة 13 شخصاً تدعي الجماعة أنهم من المدنيين، دون التطرق إلى الخسائر العسكرية على مستوى العتاد والعناصر.

ووفق مصادر محلية، فقد استهدفت الضربات في مدينة صنعاء موقعاً عسكرياً للحوثيين في حي النهضة شمالاً، وموقعَين في الأحياء الجنوبية قال الحوثيون إنهما مقبرتان، إلى جانب استهداف معسكر الحفا أسفل جبل نقم شرقاً، والمقر السابق لما كانت تُعرف باسم «الفرقة الأولى مدرع» في الشمال.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري ترومان» لضرب الحوثيين (أ.ب)
مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري ترومان» لضرب الحوثيين (أ.ب)

وفي الضواحي الشرقية والغربية والشمالية لصنعاء، ضربت الغارات مواقع للجماعة في مديرية بني حشيش (شرق)، وفي مديريات بني مطر والحصن والحيمة الخارجية (غرب)، وفي منطقة ضروان التابعة لمديرية همدان (شمال). كما امتدت الضربات إلى منطقة حرف سفيان شمال محافظة عمران؛ حيث أقرت الجماعة بالتعرض لـ4 غارات، وإلى مديرية صرواح غرب مأرب، حيث تعرضت لغارة واحدة، وفق إعلام الجماعة.

وأغلب المناطق المستهدفة سبق أن ضربتها الغارات الأميركية خلال الأسابيع الماضية. ويعتقد أن الحوثيين يخبئون عتادهم في الكهوف والأنفاق الجبلية، وأنهم إثر كل استهداف يحاولون الوصول إلى بقية العتاد.

وفي محافظة الحديدة الساحلية غرباً، أقرت الجماعة الحوثية بالتعرض لـ13 غارة قالت إنها ضربت مواقع في ميناء الحديدة ومطار المدينة الخارج عن الخدمة منذ 10 سنوات، إلى جانب استهداف جزيرة كمران في البحر الأحمر بـ3 غارات، وهو الاستهداف الخامس للجزيرة التي تتخذ منها الجماعة قاعدة متقدمة لشن الهجمات البحرية.

ألف ضربة

وبهذه الغارات تكون الجماعة الحوثية قد تعرضت خلال 35 يوماً لنحو ألف غارة جوية وضربة بحرية، وفق ما أقر به زعيمها عبد الملك الحوثي؛ كان أشدها قسوة الضربات التي دمرت ليل الخميس الماضي ميناء رأس عيسى النفطي شمال الحديدة.

وتركزت الضربات على تحصينات الجماعة داخل المعسكرات والأنفاق الجبلية في صعدة وصنعاء وضواحيها وفي عمران، وطالت المئات منها خطوط التماس مع القوات الحكومية في مأرب والجوف وجنوب الحديدة.

مقاتلات أميركية دمرت ميناء رأس عيسى النفطي الخاضع للحوثيين في اليمن (أ.ب)
مقاتلات أميركية دمرت ميناء رأس عيسى النفطي الخاضع للحوثيين في اليمن (أ.ب)

كما استهدفت الغارات بدرجة أقل مواقع للاتصالات والقيادة والسيطرة ومخازن أسلحة في محافظات ذمار وإب والبيضاء وحجة، فضلاً عن ضربات استُخدمت فيها المسيّرات لضرب أهداف متحركة، وتجمعات للقادة والعناصر.

وخلال الأسابيع الستة الماضي، تحدث الحوثيون عن مقتل أكثر من 200 وإصابة نحو 350 آخرين من المدنيين، وزعم القطاع الصحي التابع لهم أن من بين القتلى نساء وأطفال، فيما لم يُتحقق من هذه المعلومات من مصادر مستقلة.

تحذيرات حكومية

في ظل المخاطر المحدقة بالسكان داخل مناطق سيطرة الحوثيين جراء استخدامهم دروعاً بشرية وتجنيدهم، حذرت الحكومة اليمنية من مغبة مساندة الجماعة، ودعت السكان إلى سحب ذويهم من صفوفها والابتعاد عن مواقع تمركزها.

وفي تصريح صحافي، خاطب وزير الإعلام اليمني، معمر الإرياني، مواطنيه في مناطق سيطرة الجماعة بالقول: «أبناؤكم يُساقون إلى المحارق، يُستخدمون وقوداً لحروب عبثية لا نهاية لها، ويدفعون أرواحهم في معارك لا تعنيهم؛ خدمةً لمشروع تدميري تديره طهران، لا يعرف الوطن ولا يعترف بدموع الأمهات».

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)
معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

واتهم الإرياني الجماعة الحوثية بأنها مستمرة في استغلال المدنيين بمناطق سيطرتها، وقال إنها «تُحوّل المدارس، والمستشفيات، والمساجد، والمنشآت العامة والخاصة، إلى أوكار عسكرية، وتستخدم المدنيين دروعاً بشرية».

وناشد وزير الإعلام اليمني السكان سحب أبنائهم وإبعادهم عن مواقع تمركز الجماعة الحوثية وتجمعاتها؛ بما في ذلك المعسكرات، ومراكز التحشيد والتجنيد، وأي منشآت «مدنية» تُستغل لأغراض قتالية.

ووفق الإرياني، فإن الجماعة «تتلقى ضربات دقيقة وموجعة، وخسائرها تتصاعد بشكل مستمر، كان آخرها مصرع المئات في ضربة نوعية استهدفت أحد معسكراتها، ولم ينجُ منهم أحد».

وأكد الوزير اليمني أن الميليشيات الحوثية «تتكتم على خسائرها وتخفي الحقيقة، خوفاً من انهيار معنويات من تبقى معها؛ لأن قادتها يعرفون جيداً أن حربهم خاسرة وأن مشروعهم إلى زوال».

يذكر أن القوات اليمنية الشرعية بتشكيلاتها المختلفة لا تزال ملتزمة التهدئة القائمة مع الجماعة الحوثية، ويتطلع مجلس القيادة الرئاسي اليمني إلى تحالف دولي يدعم قواته على الأرض لإنهاء تهديد الحوثيين، بوصف ذلك هو الحل الأمثل وليست الضربات الأميركية التي يشكك مراقبون يمنيون في قدرتها على الحسم.

قلق أممي

وفي حين تجمدت مساعي السلام التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن منذ انخراط الحوثيين في التصعيد البحري والإقليمي تحت مزاعم نصرة الفلسطينيين، عبر المبعوث، هانس غروندبرغ، في بيان، الأحد، عن شعوره بـ«القلق»، داعياً إلى خفض التصعيد.

وقال غروندبرغ: «أشعر بقلق بالغ إزاء تأثير الضربات الجوية الأميركية في ميناء رأس عيسى ومحيطه على المدنيين، لا سيما سائقي الشاحنات والعاملين في الميناء، وكذلك على البنية التحتية المدنية».

ورأى المبعوث أن سلسلة الهجمات التي يشنها الحوثيون في البحر الأحمر، والغارات الجوية الأميركية رداً عليها، «تقوّض جهود السلام، وتُنذر بجرّ اليمن إلى مزيد من الصراع الإقليمي».

وكرر غروندبرغ دعوته إلى «ضبط النفس، وخفض التصعيد، وحماية المدنيين والبنية التحتية المدنية من قبل جميع الأطراف، وفقاً للقانون الدولي».

وشدد المبعوث على وجوب أن تتوقف الهجمات في البحر الأحمر بضمانات موثوقة تحميه من أن يصبح ساحة صراع طويلة الأمد. وقال: «هذه الضمانات ضرورية، ليس فقط للأمن العالمي؛ بل أيضاً لمنع اليمن من الانزلاق بعيداً عن مسار السلام»، متعهداً «مواصلة العمل مع جميع الأطراف لتحقيق هذا الهدف من أجل تحقيق سلام مستدام في اليمن».

حطام مسيّرة زعم الحوثيون أنها أميركية وأنهم أسقطوها قبل أشهر (إعلام حوثي)
حطام مسيّرة زعم الحوثيون أنها أميركية وأنهم أسقطوها قبل أشهر (إعلام حوثي)

في غضون ذلك، لم يعلن الحوثيون عن أي هجمات جديدة على القوات الأميركية أو باتجاه إسرائيل، حتى لحظة كتابة هذه الملف، باستثناء تبنيهم إسقاط مسيّرة أميركية من طراز «إم كيو9»، زاعمين أنها سادس طائرة من نوعها يسقطونها خلال الشهر الحالي، والـ21 منذ انخراطهم في التصعيد البحري والإقليمي خلال نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

ومنذ بدء حملة ترمب، تبنى الحوثيون إطلاق 13 صاروخاً وعدداً محدوداً من المسيّرات باتجاه إسرائيل، دون أي تأثير عسكري لهذه الهجمات، كما يزعمون أنهم يهاجمون بشكل يومي القوات الأميركية التي تتولى ضربهم.