الغياب المزمن يؤرّق النظام التعليمي في ظل وباء «كورونا»

مخاوف من تعميق الهوة الاجتماعية في أميركا

كشف الطالب الأميركي دانيل غونزاليز أن نصف زملائه في الفصل يحضرون الدراسة عبر الإنترنت في مركز مايوود في مقاطعة لوس أنجليس (نيويورك تايمز)
كشف الطالب الأميركي دانيل غونزاليز أن نصف زملائه في الفصل يحضرون الدراسة عبر الإنترنت في مركز مايوود في مقاطعة لوس أنجليس (نيويورك تايمز)
TT

الغياب المزمن يؤرّق النظام التعليمي في ظل وباء «كورونا»

كشف الطالب الأميركي دانيل غونزاليز أن نصف زملائه في الفصل يحضرون الدراسة عبر الإنترنت في مركز مايوود في مقاطعة لوس أنجليس (نيويورك تايمز)
كشف الطالب الأميركي دانيل غونزاليز أن نصف زملائه في الفصل يحضرون الدراسة عبر الإنترنت في مركز مايوود في مقاطعة لوس أنجليس (نيويورك تايمز)

يعتبر الغياب المزمن للطلاب مشكلة تواجه النظام التعليمي الأميركي حتى في أفضل أوقاته، لكن اليوم مع إغلاق السواد الأعظم من المؤسسات التعليمية بالبلاد أبوابها، وبدء بث الدروس عن بعد، زادت أعداد الطلاب المتغيبين عن الدروس أكثر من أي وقت مضى ـ فهم إما لا يسجلون الدخول إلى الفصول الإلكترونية وإما لا ينجزون الواجبات الموكلة إليهم.
وتبدو معدلات الغياب مرتفعة على نحو خاص في المدارس التي تضم الكثير من الطلاب من أبناء الأسر منخفضة الدخل، والذين ربما يواجهون مشكلة استدامة في إمكانية استخدام كمبيوتر داخل المنزل والقدرة على الحصول على خدمة الإنترنت. وأشار بعض المعلمين إلى أن أقل من نصف طلابهم ينتظمون في المشاركة في الدروس الإلكترونية.
وأثارت هذه الظاهرة الجديدة قلقاً واسع النطاق بين المعلمين، مع حديث البعض عن حاجة محتملة لعقد دروس صيفية أو بدء العام الدراسي الجديد مبكراً في الخريف أو ربما اضطرار بعض أو حتى جميع الطلاب لإعادة العام الدراسي بمجرد أن يصبح باستطاعة الأميركيين الانتظام داخل الفصول الدراسية من جديد.
اليوم، يواجه الطلاب صعوبة بالغة في الدخول إلى شبكة الإنترنت مع بعضهم البعض داخل الضواحي الكبيرة والصغيرة على حد سواء. من جهتها، أعلنت لوس أنجليس، الأسبوع الماضي، أن قرابة ثلث طلاب المدارس الثانوية لديها لا يشاركون في الفصول الإلكترونية. في الوقت ذاته، تواجه المناطق الريفية تحديات هائلة، حيث يعيش الكثير من الطلاب في مناطق غابات لا يوجد بها شركات توفير خدمة الإنترنت.
ويقول معلمون إن بعض الطلاب وذويهم انقطع اتصالهم بالمدرسة تماماً ـ ولم يعودوا متاحين من خلال الهاتف أو البريد الإلكتروني أو أي وسيلة اتصال أخرى ـ في وقت تناضل الأسر في مواجهة التداعيات الاقتصادية والصحية الأوسع لتفشي وباء «كورونا».
وحتى قبل تفشي الوباء، كان الغياب المزمن مشكلة في الكثير من المدارس، خاصة تلك التي تضم الكثير من أبناء الأسر منخفضة الدخل. وهناك الكثير من العقبات التي باستطاعتها الحيلولة دون تمكن الأطفال الذين يعيشون حياة الفقر، من الوصول إلى المدارس، مثل تعطل سيارة أحد الوالدين أو حاجة الفتى أو الفتاة المراهقة للجلوس بالمنزل لرعاية أشقاء أصغر. أما الدروس عبر الإنترنت فتنطوي على عقبات جديدة، خاصة فيما يتعلق بالمستويات المتباينة من التكنولوجيا ورقابة البالغين.
من ناحيتها، تعتبر تيتيلايو ألوكو، 18 عاماً، الطالبة بمدرسة لاندمارك الثانوية في مانهاتن، واحدة من الطلاب الذين يجاهدون للاستمرار في الدراسة التي تقوضت بسبب عدم قدرتها على استخدام التكنولوجيا. ورغم أنها حصلت على جهاز «لاب توب» من سلطات الضاحية، فإنها تفتقر إلى شبكة خدمة «واي فاي» داخل منزلها في برونكس نظراً لعدم قدرة أسرتها المادية على سداد التكلفة الشهرية لخدمة الإنترنت.
وقد حاولت ألوكو إنجاز الواجبات الموكلة إليها والمشاركة في الفصول الدراسية باستخدام خاصية الـ«فيديو كونفرنس» فيما يخص بعض المواد الدراسية مثل الإحصاء والعلوم العصبية، عبر هاتفها المحمول، لكن في بعض الأحيان بدا هذا الأمر مستحيلاً.
وعن ذلك، قالت ألوكو: «إنني بحاجة حقيقية إلى المدرسين الذين يعرفونني جيداً ويفهمونني كي يساعدوني، لكن هذا الأمر غير متاح لدي الآن. وكثيراً ما أقول لنفسي: يا إلهي، قد لا أجتاز هذا العام الدراسي. الحقيقة أشعر بخوف بالغ على مستقبلي».
ويتعارض هذا الحضور الواهن للطلاب في بعض الضواحي مع تقارير قادمة من العديد من المدارس رفيعة المستوى التي يرتادها أبناء الأثرياء التي تقترب نسبة مشاركة الطلاب في الدروس الإلكترونية بها من مائة في المائة وتبدو هذه الفجوة الدراماتيكية في طريقها نحو تعميق الفجوات التقليدية القائمة بين الطلاب الفقراء ومتوسطي الدخل والأثرياء على صعيد الإنجاز الأكاديمي.
من جهته، أعرب مايكل كاسرلي، المدير التنفيذي لمجلس مدارس غريت سيتي، شبكة من منظومات التعليم الحضرية، عن اعتقاده بأن حجم الجهود المطلوبة لمعاونة الأطفال الفقراء على اللحاق بأقرانهم أكاديمياً واجتماعياً «هائل». وأشار إلى إمكانية ظهور مشكلة «تعلم لا ينتهي» من هذه الفترة، الأمر الذي سيمثل «مشكلة خطيرة قد تترك تبعات لسنوات مقبلة».
وثمة جدال بين قيادات المدارس عبر البلاد بالفعل حول كيفية معاونة الطلاب المتضررين على اللحاق بأقرانهم. ومن أجل الحفاظ على مبدأ «التباعد الاجتماعي»، ربما تقدم بعض المناطق على إعادة الطلاب إلى المدارس في صورة موجات، من تقليص أعداد الأشخاص داخل الفصل الدراسي والبنايات التعليمية في أي لحظة بعينها.
كما أن هناك قلقا بخصوص ما إذا كانت أعداد كبيرة من الطلاب ستحتاج إلى إعادة كل من المنهج الدراسي الحالي.
في هذا السياق، قال كاسرلي: «الكثير من المهارات تبنى على بعضها البعض. إذا ما تغيب طفل عن درس شرح فكرة محورية ما، فإنه فجأة سيجد نفسه عاجزاً عن فهم أفكار أخرى إضافية. والسؤال: هل سنحتاج إلى تحليل بداية العام لتحديد إلى أي مدى وصل الأطفال وحجم المعلومات التي غابت عنهم؟» .
فيما يخص الكثير من الطلاب، يبدو أن الإجابة: «نعم، الكثير».
في الإطار ذاته، يبذل الكثير من المدارس جهوداً لتوزيع خدمات رقمية على الطلاب الذين يفتقرون إليها في ديارهم. على سبيل المثال، تحاول لوس أنجليس توفير خدمات رقمية إلى أكثر عن مائة ألف طالب. كما وزعت مدارس مقاطعة ميامي دادي العامة ما يزيد على 80 ألف هاتف محمول من أجل خدمة التعلم عن بعد، وما يزيد على 11 ألف هاتف ذكي للعمل كمصادر لخدمة «واي فاي» بالمنازل، تبعاً لما أفادته متحدثة رسمية باسم المدارس.
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

دراسة: «كورونا» تسبب في ضعف إدراكي مستمر للمرضى

صحتك فيروس كورونا أدى إلى انخفاض مستمر في الذاكرة والإدراك (أ.ف.ب)

دراسة: «كورونا» تسبب في ضعف إدراكي مستمر للمرضى

وجدت دراسة فريدة من نوعها أن فيروس كورونا أدى إلى انخفاض بسيط، لكنه مستمر في الذاكرة والإدراك لعدد من الأشخاص.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق اعترف غالبية المشاركين بالدراسة بالحنين إلى الماضي (جامعة كوبنهاغن)

العاملون من المنزل يعانون «نوبات الحنين» لما قبل «كورونا»

أفادت دراسة أميركية بأنّ العاملين من المنزل يشعرون بالضيق ويتوقون إلى ماضٍ متخيَّل لِما قبل انتشار وباء «كوفيد–19»، حيث كانوا يشعرون بالاستقرار.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
صحتك العلماء يعتقدون أن الإنفلونزا أكبر تهديد وبائي في العالم (رويترز)

أول لقاح للإنفلونزا يمكن تعاطيه ذاتياً في المنزل دون إبر

وافقت إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA) أمس (الجمعة) على أول لقاح للإنفلونزا يمكن تعاطيه ذاتياً في المنزل.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك أجهزة الاستشعار الورقية الجديدة سريعة وسهلة الاستخدام (جامعة كرانفيلد)

تقنية جديدة تكشف أمراضاً معدية بالصرف الصحي

توصّل باحثون في بريطانيا إلى طريقة لتحديد العلامات البيولوجية للأمراض المعدية في مياه الصرف الصحي باستخدام أجهزة استشعار ورقية بتقنية الأوريغامي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
آسيا رجل أمن بلباس واقٍ أمام مستشفى يستقبل الإصابات بـ«كورونا» في مدينة ووهان الصينية (أرشيفية - رويترز)

دراسة جديدة تدعم فرضية تفشي «كوفيد 19» من سوق ووهان

كشفت دراسة حول مصدر فيروس كورونا، نشرت الخميس، عناصر جديدة تعزز فرضية انتقال العدوى إلى البشر عن طريق حيوانات مصابة كانت في سوق في ووهان (الصين) نهاية عام 2019.

«الشرق الأوسط» (باريس)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».