«كورونا» فيروس يكشف النواة الفاسدة

لقد خاطرت الصين بنفسها وبالعالم بإساءتها التعامل مع تفشي فيروس «كورونا» في دولة ينظر لها بوصفها أرض علوم القرن الحادي والعشرين، ولا تزال تسير بسياسات قديمة.
فقد تنبأ الباحثون في الصين قبل عام في مقال بمجلة «الفيروسات» بأنه «من المحتمل جداً» حدوث انتشار لهذا الفيروس، ووصفوا الأمر بأنه «قضية عاجلة». وبمجرد انتشار الفيروس، تعرف علماء صينيون آخرون على الفيروس بسرعة كبيرة وتوصلوا إلى اكتشاف لتسلسل حمضه النووي ونشروه في 10 يناير (كانون الثاني) الماضي على موقع مخصص لعلم الفيروسات ليراه الجميع، في إنجاز رائع وسريع للغاية.
وفي الوقت ذاته، نظم الحزب الشيوعي عملية تستر، وأمر الشرطة باتخاذ إجراءات صارمة ضد ثمانية أطباء اتهموا بمحاولة تنبيه الآخرين إلى المخاطر. وشجبت البرامج التلفزيونية الأطباء مراراً لنشرهم ما وصفوه بالشائعات.
توفي أحد الأطباء الثمانية، لي وين ليانغ، الذي اكتشف الفيروس، مما تسبب في موجة غضب شعبي عارم.
وكتب أستاذ القانون في بكين، شو زانجرون، الشهر الجاري في مقال على الإنترنت تم حظره: «لقد كشف فيروس كورونا الوبائي عن النواة الفاسدة للحكم الصيني. مستوى الغضب الشعبي بركاني، والشعب اشتاط غضباً».
من المؤكد أن شو قد نحى خوفه جانباً، وتنبأ بأنه سيواجه عقوبات جديدة، لكنه أضاف: «لا يمكنني الصمت».
من الصعب معرفة إلى أين يتجه الطريق، لكن ذلك التناقض بين علوم القرن الحادي والعشرين وسياسة القرن التاسع عشر هو ما قد يسميه الماركسي تناقضاً. وهذا ما يخلق تحديات طويلة الأمد تنمو مع الطبقة الوسطى المتضخمة التي تفتقر إلى الصبر مع الإدارة الفاسدة والنرجسية.
يرى الصينيون العاديون الدعاية الحكومية ويدركون أن سوء التعامل مع فيروس «كورونا» ليس سوى مثال واحد على عدم كفاءة النظام.
في وقت سابق، تخبطت الصين في تعاملها مع فيروس «سارس»، وفي الحقبة الأولى من القرن الماضي، تسترت الصين على انتشار مرض الإيدز بسبب جهود جمع أكياس الدم المدعومة من الحكومة. مات عدد كبير من المزارعين والعمال الفقراء لأن استجابة الحكومة لم تكن لمساعدة المصابين بل لمعاقبة الأطباء الذين أبلغوا ببداية انتشار الفيروس.
على الأميركيين أن يتحلوا ببعض التواضع في نقد النظام الصيني لأنه بفضل تقدم الصين أصبح الطفل المولود في بكين اليوم يتمتع بعمر افتراضي أطول (82 عاماً) مقارنة بنظيره المولود في العاصمة واشنطن (78).
ومع ذلك، فقد جاء التقدم ثمرة لجهود التكنوقراطيين والأطباء والعلماء في الصين، ومن ضمن نتائج ذلك افتتاح جامعة جديدة كل أسبوع في الصين طيلة السنوات الماضية. ظهرت ذروة ذلك النهج التكنوقراطي البراغماتي تحت قيادة رئيس الوزراء تشو رونغ جي في أواخر التسعينات وأوائل الألفية الثانية.
ويعمل الأطباء على خط المواجهة على مدار الساعة في ظل إمدادات محدودة تحت ضغط الأقنعة الواقية وباستخدام نظارات مصنوعة من ملفات بلاستيكية، ولا يتناولون سوى وجبة واحدة فقط يومياً، ويرتدون الحفاضات لتقليل مرات الذهاب إلى الحمام (لكي يتجنبوا خلع غطاء الملابس الواقية من فوق ملابسهم).
حتى الآن، أصيب أكثر من 1700 عامل طبي وتوفي ستة على الأقل. إن رقماً كهذا لا بد أن يجعل التناقض بين الأطباء الأبطال والمسؤولين المتعثرين واضحاً وضوح الشمس.
بعدهذا يبدو غريباً أن يكرر الرئيس ترمب الحديث عن الرئيس الصيني قائلاً: «لقد تحدثت مع الرئيس شي... إنهم (الصينيين) يعملون بجد للغاية... وأعتقد أن الأمر سينجح بشكل رائع».
* خدمة «نيويورك تايمز»