أكثر من سُدس النمو الصيني تحت رحمة «كورونا»

إجراءات عزل واسعة... وبداية تداعيات صناعية وتجارية

تداعيات فيروس «كورونا» الجديد على الاقتصاد الصيني قد تفوق في خطورتها تلك التي أحدثها وباء «سارس» (أ.ف.ب)
تداعيات فيروس «كورونا» الجديد على الاقتصاد الصيني قد تفوق في خطورتها تلك التي أحدثها وباء «سارس» (أ.ف.ب)
TT

أكثر من سُدس النمو الصيني تحت رحمة «كورونا»

تداعيات فيروس «كورونا» الجديد على الاقتصاد الصيني قد تفوق في خطورتها تلك التي أحدثها وباء «سارس» (أ.ف.ب)
تداعيات فيروس «كورونا» الجديد على الاقتصاد الصيني قد تفوق في خطورتها تلك التي أحدثها وباء «سارس» (أ.ف.ب)

بينما كانت بكين تعول على عام 2020 ليكون بداية العودة إلى مسار انتعاش النمو الاقتصادي، الذي بلغ أدنى مستوياته في 30 عاما خلال العام الماضي، تشير توقعات عدد من الخبراء والمراكز البحثية أن انتشار فيروس كورونا في مختلف القطاعات من شأنه أن يطيح بسدس النمو المتحقق العام الماضي عند مستوى حول 6 في المائة.
وقال زانغ مينغ، وهو اقتصادي رفيع في الأكاديمية الصينية للعلوم، التي تعد أحد المراكز البحثية الحكومية المرموقة، إن النمو الاقتصادي قد يهبط إلى مستوى 5 في المائة - أو أقل - في الربع الأول من العام الجاري، إذا تفشى المرض بشكل وبائي وبلغ ذروته في وقت مبكر من شهر فبراير (شباط) المقبل، وانتهت الجائحة مع نهاية مارس (آذار). داعيا الحكومة الصينية لبذل مزيد من جهود التحفيز لتلافي المزيد من التراجع الاقتصادي.
وبدوره، حذر بنك الاستثمار الدولي «نومورا» من أن تداعيات فيروس «كورونا» الجديد على الاقتصاد الصيني قد تفوق في خطورتها تلك التي أحدثها وباء «سارس» الذي ضرب البلاد في الفترة ما بين عامي 2002 إلى 2004.
وتوقع البنك في تقرير بثته بلومبرغ الأربعاء، أن يتراجع الناتج المحلي الإجمالي للصين في الربع الأول من 2020 عن 6 في المائة المحقق في الربع الأخير من عام 2019، مشيرا إلى أن نسبة التراجع قد تتعدى 2 في المائة، أي أعلى من معدل الانخفاض الذي تسبب به وباء «سارس» في الربع الثاني من عام 2003 مقارنة بالربع الأول من العام ذاته.
ورجح البنك أن يلجأ صناع القرار في الصين إلى سرعة توفير السيولة النقدية وتقديم الدعم الائتماني لا سيما لأصحاب الشركات المتضررة، لكنه حذر من أن هذه التدابير قد لا تكون كافية لدفع عجلة النمو بالبلاد وسط توقعات بضعف الطلب المحلي في ظل انتشار الفيروس المميت، الذي بدأ أكثر فتكا وانتشارا عن وباء «سارس» متسببا في وفاة 132 شخصا حتى الآن.
وأوضح «نومورا» أن سرعة انتشار عدوى الفيروس الصيني - وما استتبعه من فرض قيود على رحلات السفر في الداخل والخارج حول العالم - سيؤثر سلبا على الاقتصاد العالمي نظرا لعمق وتشابك العلاقات الاقتصادية الصينية بدول العالم شتى التي لم تكد تنفض غبار حرب بكين التجارية مع الولايات المتحدة حتى تجد نفسها في مواجهة شبح الفيروس المميت وخطورته على حياة البشر والاقتصاد.
وأكد البنك أن مدينة ووهان الصينية (موطن فيروس كورونا) ستكون أكبر المتضررين اقتصاديا، كونها مركزا لأهم شركات تصنيع السيارات وشركات الحديد في الصين، مما يعكس حجم الضرر البالغ الذي ستتكبده قطاعات السياحة والتصنيع والإنتاج جراء عزل المدينة التي يقطنها أكثر من 11 مليون شخص؛ في خطوة لمحاولة احتواء انتشار العدوى. موضحا أن حجم اقتصاد المدينة يقدر بنحو 214 مليار دولار، أي 1.6 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الصيني.
وبحسب بيانات رسمية نشرت أمس، تجاوز عدد الإصابات بفيروس «كورونا» المستجد داخل الصين عدد الإصابات بوباء «سارس» الذي شهدته البلاد بين عامي 2002 و2003، ليصل عدد المصابين بالفيروس الجديد 5974 إصابة، بزيادة قدرها 1400 عن اليوم السابق، بينما ارتفع عدد الوفيات إلى أكثر من 132.

إجراءات عزل
وحرصا منها على احتواء انتشار الوباء، أوصت الصين مواطنيها بـ«تأجيل» رحلاتهم «غير الضرورية» خارج حدودها، بعدما علقت الرحلات الجماعية، فيما عززت دول عدة تدابير الوقاية.
وعزلت السلطات الصينية مدينة ووهان ومحافظة هوباي بكاملها تقريبا عن باقي الصين على أمل احتواء الوباء. ويشمل هذا الطوق الصحي 56 مليون نسمة وآلاف الأجانب.
وأعلنت منظمة الصحة العالمية الثلاثاء إرسال خبراء دوليين «بأسرع وقت ممكن» إلى الصين لتقاسم المعلومات حول الفيروس وتقديم «رد عالمي» لمواجهته. وقال الرئيس الصيني شي جينبينغ لدى استقباله مدير منظمة الصحة العالمية تادروس أدناهوم غيبريوس «الوباء شيطان، ولن نسمح للشيطان بأن يختبئ».
وأعلنت هونغ كونغ أنها خفّضت إلى النصف الرحلات الآتية من الصين القارية وأغلقت ستّ نقاط عبور من أصل 14 على حدودها، فيما نصحت عدة دول منها ألمانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة رعاياها بعدم التوجه إلى الصين.
وبينما أثيرت أنباء عن تفكير عدد من كبرى الشركات الجوية حول العالم إلغاء رحلات من وإلى الصين، أعلنت شركة بريتيش إيرويز البريطانية الأربعاء التعليق الفوري لجميع رحلاتها إلى البر الصيني، بعدما أعلنت شركة «يونايتد إيرلاينز» الأميركية الثلاثاء خفضا كبيرا في عدد رحلاتها إلى الصين نتيجة تراجع عدد الركاب، وهو إجراء اعتمدتها «إير كندا» أيضا.

تداعيات صناعية
وفيما تثير الأزمة مخاوف من الانعكاس على الاقتصاد العالمي، أرجأت شركة «أبل» الأميركية العملاقة للإلكترونيات إعادة فتح مصانعها في الصين، السوق الأساسية لمنتجاتها، إلى 10 فبراير المقبل.
كما أعلنت شركة تويوتا موتورز كورب اليابانية لصناعة السيارات وقف أنشطتها في الصين حتى 9 فبراير المقبل لتنضم إلى قائمة متزايدة من الشركات التي قلصت أو أوقفت أنشطتها في الصين بسبب انتشار فيروس كورونا المتحور الجديد في البلاد.
ونقلت بلومبرغ عن ماكي نيمي المتحدث باسم تويوتا القول إنه «في ضوء العوامل المختلفة، بما في ذلك الحكومات المحلية والإقليمية وموقف إمدادات المكونات كجزء حتى يوم 29 يناير (كانون الثاني)، قررنا وقف العمل في مصانعنا بالصين حتى 9 فبراير... نحن نراقب الموقف وسنتخذ المزيد من القرارات بشأن عملياتنا اعتبارا من 10 فبراير».

تجارة مهددة
أيضا، أعلنت شركة كوتاك كوموديتي سيرفسيز، إحدى أكبر شركات تصدير القطن في الهند، اعتزامها وقف بيع أي شحنات قطن جديدة إلى الصين بسبب المخاوف من اضطرار الصين وهي أكبر مشتر للقطن في العالم، إلى إغلاق موانئ أو بنوك بسبب تفشي الفيروس.
ونقلت بلومبرغ عن فيناي كوتاك مدير الشركة الهندية الموجود مقرها في مومباي القول إن الشركة ستبحث عن مشترين جدد للقطن في دول مثل بنغلاديش وإندونيسيا وتايوان وفيتنام بهدف مواجهة أي تراجع محتمل في مبيعاتها للصين.
وأضاف كوتاك: «دعونا لا نصاب بالفزع اليوم، لكن إذا واصل الفيروس انتشاره ولم تتم السيطرة عليه خلال العشرة أو الخمسة عشر يوما المقبلة، فستكون هناك مشكلة كبيرة لصناعة القطن في العالم... إذا تم إغلاق البنوك والموانئ، فإن هذا سيكون قوة قاهرة» ستجبر الشركة على وقف تصدير القطن إلى الصين.
وأشار إلى أن الشركات في الهند شحنت بالفعل ما بين 600 ألف و700 ألف بالة تزن 170 كيلوغراما من القطن لكل شركة إلى المشترين الصينيين خلال الموسم الحالي، وأن نحو 75 في المائة من هذه الكميات في الطريق. والمتوقع أن تشحن الشركات الهندية 300 ألف بالة أخرى إلى الصين بنهاية فبراير المقبل، لكن قد لا يحدث هذا إذا واصل الفيروس انتشاره.
يذكر أن الصين منتج كبير للقطن على مستوى العالم، لكنها في الوقت نفسه أكبر مستورد له في العالم. وكان مخزون القطن لدى الصين قد تراجع خلال العام الماضي بعد الرسوم العقابية التي تم فرضها على واردات القطن من الولايات المتحدة، وهي أكبر مصدر له في السوق الصينية.
ويأتي ذلك في حين تشير التقديرات إلى ارتفاع إنتاج الهند من القطن خلال الموسم الحالي إلى 35.45 مليون بالة، مقابل 31.2 مليون بالة في الموسم الماضي، بحسب تقديرات اتحاد القطن الهندي، مشيرا إلى أنه لا يتوقع تغير في كمية الصادرات التي بلغت في الموسم الماضي 4.2 مليون بالة.


مقالات ذات صلة

وزيرا خارجية السعودية وفرنسا يناقشان المستجدات الإقليمية

الخليج الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي (الشرق الأوسط)

وزيرا خارجية السعودية وفرنسا يناقشان المستجدات الإقليمية

ناقش الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي هاتفياً مع نظيره الفرنسي جان نويل بارو المستجدات الإقليمية والموضوعات المشتركة.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
تحليل إخباري الأمير محمد بن سلمان والرئيس إيمانويل ماكرون أمام قصر الإليزيه في يونيو 2023 (إ.ب.أ)

تحليل إخباري مساعٍ فرنسية لرفع العلاقة مع السعودية إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»

السعودية وفرنسا تسعيان لرفع علاقاتهما إلى مستوى «الشراكة الاستراتيجية»، و«الإليزيه» يقول إن باريس تريد أن تكون «شريكاً موثوقاً به» للسعودية في «كل المجالات».

ميشال أبونجم (باريس)
الخليج الأمير خالد بن سلمان خلال استقباله سيباستيان ليكورنو في الرياض (واس)

وزير الدفاع السعودي ونظيره الفرنسي يبحثان في الرياض أفق التعاون العسكري

بحث الأمير خالد بن سلمان وزير الدفاع السعودي مع سيباستيان ليكورنو وزير القوات المسلحة الفرنسية، مستجدات الأوضاع الإقليمية وجهود إحلال السلام في المنطقة والعالم.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق أعضاء اللجنة الوزارية أعربوا عن رغبتهم في تعزيز التعاون بما يعكس الهوية الثقافية والتاريخية الفريدة للمنطقة (واس)

التزام سعودي - فرنسي للارتقاء بالشراكة الثنائية بشأن «العلا»

أكد أعضاء اللجنة الوزارية السعودية - الفرنسية بشأن تطوير «العلا»، السبت، التزامهم بالعمل للارتقاء بالشراكة الثنائية إلى مستويات أعلى.

«الشرق الأوسط» (باريس)
الخليج وزير الخارجية السعودي مع نظيره الفرنسي خلال لقاء جمعهما على غداء عمل في باريس (واس)

وزير الخارجية السعودي يبحث مع نظيره الفرنسي تطورات غزة ولبنان

بحث الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي مع نظيره الفرنسي جان نويل، الجمعة، التطورات في قطاع غزة وعلى الساحة اللبنانية، والجهود المبذولة بشأنها.

«الشرق الأوسط» (باريس)

«السيادي» السعودي يُكمل الاستحواذ على 15 % من مطار هيثرو

صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)
صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)
TT

«السيادي» السعودي يُكمل الاستحواذ على 15 % من مطار هيثرو

صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)
صندوق الاستثمارات العامة السعودي يهدف لدعم تحقيق النمو المستدام في مطار هيثرو (أ.ب)

أعلن صندوق الاستثمارات العامة السعودي، الخميس، اكتمال الاستحواذ على حصة تُقارب 15 في المائة في «إف جي بي توبكو»، الشركة القابضة لمطار هيثرو من «فيروفيال إس إي»، ومساهمين آخرين في «توبكو».

وبالتزامن، استحوذت شركة «أرديان» الاستثمارية الخاصة على قرابة 22.6 في المائة من «إف جي بي توبكو» من المساهمين ذاتهم عبر عملية استثمارية منفصلة.

من جانبه، عدّ تركي النويصر، نائب المحافظ ومدير الإدارة العامة للاستثمارات الدولية في الصندوق، مطار هيثرو «أحد الأصول المهمة في المملكة المتحدة ومطاراً عالمي المستوى»، مؤكداً ثقتهم بأهمية قطاع البنية التحتية، ودوره في تمكين التحول نحو الحياد الصفري.

وأكد النويصر تطلعهم إلى دعم إدارة «هيثرو»، الذي يُعدّ بوابة عالمية متميزة، في جهودها لتعزيز النمو المستدام للمطار، والحفاظ على مكانته الرائدة بين مراكز النقل الجوي الدولية.

ويتماشى استثمار «السيادي» السعودي في المطار مع استراتيجيته لتمكين القطاعات والشركات المهمة عبر الشراكة الطويلة المدى، ضمن محفظة الصندوق من الاستثمارات الدولية.