سلفادور دالي يصل إلى موسكو عبر معرض يروي مسيرة حياته وإبداعه

لا تزال أعماله الفنية تثير دهشة الجميع

معرض ضخم لأعمال دالي في موسكو
معرض ضخم لأعمال دالي في موسكو
TT

سلفادور دالي يصل إلى موسكو عبر معرض يروي مسيرة حياته وإبداعه

معرض ضخم لأعمال دالي في موسكو
معرض ضخم لأعمال دالي في موسكو

العظماء لا يرحلون... وسلفادور دالي فنان عظيم، وفق ما يجمع النقاد وعشاق الفن. وعلى الرغم من رحيله منذ أكثر من ثلاثة عقود، «وصل» دالي إلى موسكو، عبر معرض ضخم لأعماله، التي تروي سيرة حياته، يمكن مشاهدتها كاملة في صالات «مانيج» للمعارض وسط العاصمة الروسية. وقام متحف «دالي ودراسة إرثه الفني»، بالتعاون مع «مركز الملكة صوفيا للفنون»، بتنظيم هذا المعرض الفريد من نوعه في موسكو، في وقت يصادف فيه مرور 31 عاماً على رحيل هذا الفنان الكبير، الذي لا تزال أعماله تثير دهشة وإعجاب الجميع، وقال بعضهم عنه في تقديم المعرض إن «دالي ليس مجرد فنان سيريالي، قدم أعمالاً (فوق واقعية)، وإنما فنان تؤكد معظم أعماله أنه لا يزال ساحراً حتى الآن، محرض استفزازي، محب لنفسه وزوجته وفنه».
خلال افتتاحه معرض أعمال دالي في موسكو، أمس، قال مونسيه آغير، مدير «متحف دالي»، للحضور من فنانين ونقاد وعشاق فن، «قررنا أن نعرض أمام الجمهور الروسي دالي كاملاً».
وهو صادق فيما قال، ذلك أن اللوحات والرسومات والمخطوطات والمنحوتات التي أبدعها دالي بريشته وأنامله، والتي قدمها «المتحف» للمشاركة في هذا المعرض، تشكل «رحلة في مسيرة حياته عبر أعماله»، وجاءت وفق تسلسل زمني بدءاً من محاولاته الفنية الأولى، وصولاً إلى أعماله في آخر سنين حياته. في تعليقها على الأعمال وترتيبها الزمني ضمن المعرض، قالت الخبيرة الفنية ألكسندار دانيلوفا: «دالي أحجية. لا أدري إن كان هناك مَن تمكن مِن فهمه حتى النهاية أم لا. كان بسيطاً ومعقداً للغاية في آن واحد»، وأضافت: «هذا المعرض جيد لأنه لا يقدم لنا دالي واحداً، بل شخصية بتنوع مدهش».
في الصالة الأولى من المعرض، تنتشر على الجدران أعمال دالي الانطباعية في مرحلة الشباب، ويعود معظمها إلى نهاية العقد الأول من القرن العشرين. وفي الصالة التالية مجموعة من أعماله «التكعيبية». ومنها ينتقل الزائر إلى صالة الإضاءة فيها خافتة، تولد شعوراً بالانتقال إلى فضاء ضبابي مجهول، تنتشر فيها مجموعة من الرسومات والأعمال الغرافيكية التي وضعها دالي بمناسبة الذكرى الـ700 للشاعر الإيطالي دانتي أليغري، صاحب «الكوميديا الإلهية». ويستمر العرض من صالة لأخرى، وصولاً إلى مجموعة من أعماله في آخر حياته، ومنها لوحة «هلوسة رفائيل» التي تعود إلى عام 1979.
وبالطبع كان هناك قسم في المعرض مكرس لزوجته «غالا» التي شغلت مكانة خاصة في حياته، وانتقلت إلى مكانة مميزة في فنه، ويتضمن المعرض مجموعة من لوحاته لزوجته، التي قال عنها «إنها مصدر إلهامي الوحيد. عبقريتي وحياتي. أنا دونها لا شيء». هذا هو دالي الذي تراه موسكو «كاملاً وبكل تنوعه»، لأول مرة، عبر المعرض الفريد لأعماله في صالة «مانيج».



من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
TT

من طهران إلى كابل... حكايات نساء يتحدّيْن الظلم في «البحر الأحمر»

وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)
وجوه من فيلم «السادسة صباحاً» (غيتي)

في الدورة الرابعة من مهرجان «البحر الأحمر السينمائي الدولي»، تنافست أعمال استثنائية نقلت قصصاً إنسانية مؤثّرة عن واقع المرأة في إيران وأفغانستان. وسط أجواء الاحتفاء بالفنّ السينمائي بوصفه وسيلةً للتعبير والتغيير، قدَّم فيلما «السادسة صباحاً» للإيراني مهران مديري، و«أغنية سيما» للأفغانية رؤيا سادات، شهادتين بارزتين على تحدّيات النساء في بيئاتهن الاجتماعية والسياسية.

«السادسة صباحاً»... دراما الصراع مع السلطة

يروي الفيلم قصة «سارة»، الشابة الإيرانية التي تتأهّب لمغادرة طهران لإكمال دراستها في كندا. تتحوّل ليلة وداعها مواجهةً مفاجئةً مع «شرطة الأخلاق»؛ إذ يقتحم أفرادها حفلاً صغيراً في منزل صديقتها. يكشف العمل، بأسلوب مشوّق، الضغط الذي تعيشه النساء الإيرانيات في ظلّ نظام تحكمه الرقابة الصارمة على الحرّيات الفردية، ويبرز الخوف الذي يطاردهن حتى في أكثر اللحظات بساطة.

الفيلم، الذي أخرجه مهران مديري، المعروف بسخريته اللاذعة، يجمع بين التوتّر النفسي والإسقاطات الاجتماعية. وتُشارك في بطولته سميرة حسنبور ومهران مديري نفسه الذي يظهر بدور مفاوض شرطة يضيف أبعاداً مرعبة ومعقَّدة إلى المشهد، فيقدّم دراما تشويقية.

لقطة من فيلم «أغنية سيما» المُقدَّر (غيتي)

«أغنية سيما»... شهادة على شجاعة الأفغانيات

أما فيلم «أغنية سيما»، فهو رحلة ملحمية في زمن مضطرب من تاريخ أفغانستان. تدور الأحداث في سبعينات القرن الماضي، حين واجهت البلاد صراعات سياسية وآيديولوجية بين الشيوعيين والإسلاميين. يتبع العمل حياة «ثريا»، الشابة الشيوعية التي تناضل من أجل حقوق المرأة، وصديقتها «سيما»، الموسيقية الحالمة التي تبتعد عن السياسة.

الفيلم، الذي أخرجته رؤيا سادات، يستعرض العلاقة المعقَّدة بين الصديقتين في ظلّ انقسام آيديولوجي حاد، ويُظهر كيف حاولت النساء الأفغانيات الحفاظ على شجاعتهن وكرامتهن وسط دوامة الحرب والاضطهاد. بأداء باهر من موزداح جمال زاده ونيلوفر كوخاني، تتراءى تعقيدات الهوية الأنثوية في مواجهة المتغيّرات الاجتماعية والسياسية.

من خلال هذين الفيلمين، يقدّم مهرجان «البحر الأحمر» فرصة فريدة لفهم قضايا المرأة في المجتمعات المحافظة والمضطربة سياسياً. فـ«السادسة صباحاً» و«أغنية سيما» أكثر من مجرّد فيلمين تنافسيَّيْن؛ هما دعوة إلى التأمُّل في الكفاح المستمرّ للنساء من أجل الحرّية والمساواة، مع الإضاءة على دور الفنّ الحاسم في رفع الصوت ضدّ الظلم.

في هذا السياق، يقول الناقد السينمائي الدكتور محمد البشير لـ«الشرق الأوسط»، إنّ فيلم «السادسة صباحاً» ينساب ضمن وحدة زمانية ومكانية لنقد التسلُّط الديني لا السلطة الدينية، واقتحام النيات والمنازل، وممارسة النفوذ بمحاكمة الناس، وما تُسبّبه تلك الممارسات من ضياع مستقبل الشباب، مثل «سارة»، أو تعريض أخيها للانتحار. فهذه المآلات القاسية، مرَّرها المخرج بذكاء، وبأداء رائع من البطلة سميرة حسنبور، علماً بأنّ معظم الأحداث تدور في مكان واحد، وإنما تواليها يُشعر المُشاهد بأنه في فضاء رحب يحاكي اتّساع الكون، واستنساخ المكان وإسقاطه على آخر يمكن أن يعاني أبناؤه التسلّط الذي تعيشه البطلة ومَن يشاركها ظروفها.

على الصعيد الفنّي، يقول البشير: «أجاد المخرج بتأثيث المكان، واختيار لوحات لها رمزيتها، مثل لوحة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي للهولندي يوهانس فيرمير، ورسومات مايكل أنجلو على سقف كنيسة سيستينا في الفاتيكان، وغيرها من الرموز والاختيارات المونتاجية، التي تبطئ اللقطات في زمن عابر، أو زمن محدود، واللقطات الواسعة والضيقة».

يأتي ذلك تأكيداً على انفتاح مهرجان «البحر الأحمر السينمائي»، ومراهنته على مكانته المرتقبة في قائمة المهرجانات العالمية، وترحيبه دائماً بكل القضايا المشروعة.

ونَيل «أغنية سيما» و«السادسة صباحاً» وغيرهما من أفلام هذه الدورة، التقدير، وتتويج «الذراري الحمر» للتونسي لطفي عاشور بجائزة «اليُسر الذهبية»، لتقديمه حادثة واقعية عن تصفية خلايا إرهابية شخصاً بريئاً... كلها دليل على أهمية صوت السينما التي أصبحت أهم وسيلة عصرية لمناصرة القضايا العادلة متى قدّمها مُنصفون.

وأظهر المهرجان الذي حمل شعار «للسينما بيت جديد» التزامه بدعم الأفلام التي تحمل قضايا إنسانية عميقة، مما يعزّز مكانته بوصفه منصةً حيويةً للأصوات المبدعة والمهمَّشة من مختلف أنحاء العالم.