كشف أسرار «المقبرة 40» في وادي الملوك بالأقصر

توثق لـ«الزيجات الدبلوماسية»... وتضم 20 من أبناء الملك

أثناء فحص تابوت فرعوني (جامعة بازل السويسرية)
أثناء فحص تابوت فرعوني (جامعة بازل السويسرية)
TT

كشف أسرار «المقبرة 40» في وادي الملوك بالأقصر

أثناء فحص تابوت فرعوني (جامعة بازل السويسرية)
أثناء فحص تابوت فرعوني (جامعة بازل السويسرية)

لا تنتهي مهمة البعثات الأثرية العاملة في مصر عند اكتشاف أحد المقابر الأثرية وحسب، ولكنها مجرد بداية لإجراء دراسة منهجية تتضمن تحديد أسرارها وخصائص الأفراد المدفونين، والعلاقات التي تربطهم ببعضهم البعض، والأمراض التي عانوا منها، وهو ما فعلته بعثة جامعة بازل السويسرية العاملة في منطقة وادي الملوك بالأقصر، التي نشرت دراسة مفصلة تتضمن نتائج أولية للفحص الذي تم إجراؤه على أحد الاكتشافات في المقبرة 40، والذي تم في عام 2014.
وأجريت حفريات هذه المقبرة، لأول مرة، من قبل عالم المصريات الفرنسي فيكتور لوريه، في عام 1899، ولكنه لم يصل وقتها إلا لمدخلها، وكان أغلبها مسدوداً بالحجارة والأنقاض، حتى تمكنت البعثة السويسرية، بالتعاون مع علماء مصريين، من اكتشاف 83 من الرفات البشرية في غرفة مركزية، وثلاث غرف جانبية من المقبرة في عام 2014، وأجري على هذه الرفات فحص أولي، أعلنت البعثة السويسرية نتائجه في دراسة نشرها الموقع الإلكتروني لدورية «العلوم الأثرية» في يناير (كانون الثاني) الحالي، وتنشره الدورية في عددها المطبوع خلال شهر فبراير (شباط) المقبل.
ووفق الدراسة، فإن النقوش الهرمية على أجزاء الفخار التي عثر عليها بالمقبرة، مكنت الفريق البحثي من التعرف على بعض الأفراد المدفونين في المقبرة 40، وهم أعضاء في البلاط الملكي لأمنحتب الثالث (حوالي 1400 - 1350 قبل الميلاد).
وكشفت الدراسة الأولية عن هوية أكثر من 30 شخصاً، من بينهم 14 يحملون لقب «ابنة الملك»، على سبيل المثال، فتاة تدعى نفرونيبو، و6 يحملون لقب «نجل الملك» على سبيل المثال ميري مونتي.
وبيّنت النقوش التي تم العثور عليها أيضاً، هوية مجموعة من النساء الأجنبيات، التي رجحت الدراسة أن بعضهن من النساء المصاحبات للأميرات الأجنبيات اللائي جلبهن الفراعنة إلى الديوان الملكي المصري في إطار «الزيجات الدبلوماسية»، ويفترض أنهن عشن في الأحياء الملكية.
ويتفق كاتب «علم المصريات» بسام الشماع، مع ما ذهب إليه الباحثون، لا سيما أنه من المعروف أن الملك أمنحتب الثالث تزوج من جيلوخيبة ابنه شاتورنا، وهو ملك إحدى الممالك الآسيوية، التي تسمى مملكة «ميتاني»، وكان عدد الوصيفات اللائي اصطحبتهن هذه الزوجة حوالي 317 وصيفة.
ويقول الشماع إن «هذه الزيجة كانت هي الثانية لأمنحتب الثالث، والد أخناتون، وجد توت عنخ هيمن، المعروف باسم «توت عنخ آمون»، وكانت لأغراض دبلوماسية، ولجأ إليها على الرغم من حبه الشديد للملكة «تي»، التي كانت تحظى بتقدير كبير في مصر الفرعونية.
إضافة لهذه المعلومات التي تم الحصول عليها من النقوش، أجرى الفريق البحثي دراسة تفصيلية على الرفات المكتشفة، تتضمن تحديد النوع والعمر والجنس، وكذلك بعض الأمراض الظاهرية، وذلك باستخدام بعض المقاييس العلمية.
واستخدم الباحثون، في هذا الإطار، طول عظمة الفخذ لتحديد أعمار الأطفال، واستخدموا معدل التغيرات التنكسية المميزة للمفاصل لتحديد أعمار البالغين، وخلصوا من تحليل رفات الـ83 شخصاً، أن منهم 53 شخصاً بالغاً، و30 من غير البالغين، ووجدوا أكبر عدد من الأفراد من فئة البالغين (63.8 في المائة)، تليها فئة الرضع.
ومن بين المعلومات المرضية، التي كشفت عنها الرفات، وجود ثقب في عظم العضد البعيد، ووجد الباحثون هذا الثقب في 37.7 في المائة من عظم العضد الأيمن، وفي 43.2 في المائة من عظم العضد الأيسر، ويمكن التأكيد على وجوده في 23 شخصاً من أصل 83 فرداً، أي ما يعادل 27.7 في المائة.
ولا تزال هناك العديد من الأسئلة التي يمكن الإجابة عليها من الرفات المكتشفة، والتي سيسعى الفريق البحثي للإجابة عليها عبر إجراء تحليلات الحمض النووي، التي يمكنها الكشف عن علاقة القرابة بين المدفونين بالمقبرة، كما يقول د. فرانك روهلي، الباحث الرئيسي بالدراسة لـ«الشرق الأوسط».
ويضيف: «تحليلات الحمض النووي ستكون ضمن مجموعة من الدراسات الأخرى التي سيكون موضوعها رفات المقبرة خلال الأشهر المقبلة، بهدف التحقق من حدوث بعض الأمراض الأخرى».
كان الفريق البحثي ذاته، قد أجرى دراسة عن حالات التقزم بين الأطفال الموجودين بالمقبرة، ونشرت في مجلة «لانسيت»، العام الماضي، كما يؤكد د. روهلي.
ويبقى السؤال المهم الذي ينتظره الأثريون، وهو من صاحب هذه المقبرة، وقد يقود الحمض النووي إلى الوصول لنتيجة في هذا الإطار، وربما يقود أيضاً إلى اكتشاف أن جيلوخيبة، زوجة أمنحتب الثاني، من بين المدفونين بها، كما يقول الشماع، الذي يوضح قائلاً: «سواء وصلوا لصاحب المقبرة أم لا، فإن اكتشاف وجود الأجانب في مقبرة بوادي الملوك، يؤكد على ما سبق وطالبت به، وهو تغيير اسم المكان، لأنه لم يعد خاصاً بالملوك وحدهم».


مقالات ذات صلة

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

شمال افريقيا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (يمين) يصافح رئيس الحكومة الآيرلندية سيمون هاريس خلال زيارة إلى دبلن (أ.ف.ب)

مصر تستعيد مجموعة قطع أثرية من آيرلندا

أعلنت وزارة الخارجية المصرية استعادة مجموعة من القطع الأثرية من آيرلندا، وذلك عقب الزيارة التي قام بها الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى العاصمة الآيرلندية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
العالم العربي رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

رئيس الوزراء المصري يستعرض إجراءات تخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير

عقد الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء المصري اجتماعاً، الأحد، لاستعراض إجراءات الطرح العالمي لتخطيط المنطقة المحيطة بالأهرامات والمتحف المصري الكبير.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق إناء شرب على شكل رأس بيس من واحة الفيوم في مصر يعود إلى العصر البطلمي - الروماني (القرن الرابع قبل الميلاد - القرن الثالث الميلادي)... (جامعة جنوب فلوريدا)

كوكتيلات مخدرة وطقوس سحرية: كشف أسرار أكواب المصريين القدماء

كشف الباحثون عن استخدام أكواب خاصة لتقديم مزيج من العقاقير المخدرة، والسوائل الجسدية، والكحول.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق كلب ضال أمام هرم خوفو في منطقة أهرامات الجيزة (أ.ف.ب)

بفضل «أبولو»... «كلاب الأهرامات» تجذب السياح وتنشِّط المبيعات

مقطع مصور غير اعتيادي لكلب يتسلق الهرم يجذب الزوار والسائحين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)