طهران تشيع سليماني وتتمسك بـ«الانتقام»... وخامنئي يجهش بالبكاء

حشود ضخمة في إيران لحضور جنازة قائد {فيلق القدس}... وابنته تحذر أميركا من «يوم أسود»

شاحنة تنقل جثامين قاسم سليماني ورفاقه خلال جنازة رسمية وسط حشود في ساحة انقلاب وسط طهران أمس (تسنيم) وفي الاطار المرشد الإيراني علي خامئني يبكي أثناء صلاة الجنازة (ا.ف.ب)
شاحنة تنقل جثامين قاسم سليماني ورفاقه خلال جنازة رسمية وسط حشود في ساحة انقلاب وسط طهران أمس (تسنيم) وفي الاطار المرشد الإيراني علي خامئني يبكي أثناء صلاة الجنازة (ا.ف.ب)
TT

طهران تشيع سليماني وتتمسك بـ«الانتقام»... وخامنئي يجهش بالبكاء

شاحنة تنقل جثامين قاسم سليماني ورفاقه خلال جنازة رسمية وسط حشود في ساحة انقلاب وسط طهران أمس (تسنيم) وفي الاطار المرشد الإيراني علي خامئني يبكي أثناء صلاة الجنازة (ا.ف.ب)
شاحنة تنقل جثامين قاسم سليماني ورفاقه خلال جنازة رسمية وسط حشود في ساحة انقلاب وسط طهران أمس (تسنيم) وفي الاطار المرشد الإيراني علي خامئني يبكي أثناء صلاة الجنازة (ا.ف.ب)

سلطت الجنازة الرسمية لقائد «فيلق القدس» قاسم سليماني، بعد ساعات من وصوله إلى مطار مهر آباد في طهران على متن طائرة شركة «ماهان»، الضوء على عمق العلاقة بين المرشد الإيراني علي خامئني والعقل المدبر لاستراتيجية «الحرس الثوري» للتوسع في غرب آسيا. وتقدم المسؤول الأول في النظام الإيراني، كبار المسؤولين الإيرانيين، إضافة إلى قادة «الحرس الثوري» وممثلين عن جماعات وميليشيات مرتبطة بإيران، جنازة رسمية لقائد «فيلق القدس» الذي قتل بغارة جوية مباغتة بمطار بغداد الجمعة، ليكون أبرز الخسائر العسكرية الإيرانية على مدى 4 عقود.
وأمر الرئيس الأميركي دونالد ترمب بهجوم الجمعة الذي قتل الجنرال، العقل المدبر لحملة إيران لتوسيع نفوذها في جميع أنحاء المنطقة ومهندس الاستراتيجية الإيرانية. ووعدت إيران بالثأر لمقتله. وكانت الضربة رداً على تنفيذ الفصائل الموالية لإيران في الشهرين الأخيرين هجمات صاروخية على منشآت في العراق تؤوي أميركيين، قتل في أحدها في أواخر ديسمبر (كانون الأول) متعاقد أميركي.
وكان سليماني في يوليو (تموز) 2018، توعد ترمب بخوض حرب غير تقليدية ضد القوات الأميركية ومصالحها في المنطقة، وذلك وسط سجال بين الرئيسين الأميركي والإيراني. وحذر حينذاك روحاني نظيره الأميركي من العبث بذيل الأسد، وقال إن الحرب مع بلاده «أم الحروب»، وفي المقابل حذر ترمب من «عواقب لم يواجهها إلا قلة في التاريخ». وقال سليماني إن الحرب سيبدأها ترمب لكن إيران من ستنهيها، قبل أن يخاطب ترمب: «أنا وقوات القدس كفيلان بك».
وتكررت أمس مشاهد من المناسبات الكبرى التي تحشد لها أجهزة الدولة الإيرانية. وامتلأ شارع آزادي وانقلاب في طهران بمئات الآلاف من الإيرانيين لتوديع سليماني. ونسبت «رويترز» إلى ابنة سليماني، زينب سليماني، أن وفاته ستجلب «يوماً أسود» على الولايات المتحدة. وقالت: «أيها... ترمب؛ لا تعتقد أن كل شيء قد انتهى باستشهاد والدي».
وأعاد حجم الحشود في طهران إلى الأذهان، الجماهير التي تجمعت قبل 3 أعوام في المكان نفسه، لتوديع الرئيس السابق علي أكبر هاشمي رفسنجاني وتحولت إلى مظاهرات منددة بالنظام. وتعد جنازتا سليماني وهاشمي رفسنجاني هما الأكبر بعد جنازة المرشد الأول (الخميني) في 1989.
وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إن مشهداً غير مسبوق، «تجسد في اتساعه من الوحدة الشعبية منذ المظاهرات والمظاهرات المضادة التي شهدتها البلاد في عام 2009 بعد الانتخابات الرئاسية حينها». ورغم الاحتجاجات الأخيرة لكن سليماني كان في نظر الكثيرين، من التيارات المنخرطة في العملية السياسية بطلاً قومياً، حتى كثير من أولئك الذين لا يعدّون أنفسهم من المؤيدين المخلصين لرجال الدين الذين يحكمون إيران.
وردد المشيعون المحتشدون في وسط طهران هتاف «الموت لأميركا» و«الموت لإسرائيل»، بينما كانت تشق شاحنة تحمل جثث سليماني وأبو مهدي المهندس، القيادي في الحشد الشعبي العراقي ورفاقهما الذين قضوا في ضربة أميركية في بغداد. وأحرق مشاركون الأعلام الأميركية والإسرائيلية. وبكى الرجال والنساء ودعوا إلى الانتقام لقائد «فيلق القدس».
وركز التلفزيون الإيراني على نقل لقطات من الجو لحشود وتجمهر الإيرانيين في الشارعين الرئيسيين والطرق المؤدية لهما، في تعبير سترحب به الحكومة عن الوحدة الوطنية بعد احتجاجات عنيفة في نوفمبر (تشرين الثاني).
وقال إسماعيل قاآني، القائد الجديد لـ«فيلق القدس» المكلف بتنفيذ العمليات الاستخباراتية والعسكرية لـ«الحرس الثوري»: «نتعهد بمواصلة مسيرة الشهيد سليماني بالقوة نفسها... والعزاء الوحيد لنا سيكون طرد أميركا من المنطقة».
وقال قائد الوحدة الصاروخية، أمير علي حاجي زادة، إن «ضرب كل القواعد الأميركية وقتلنا لترمب لا يعادل دماء الحاج قاسم. يجب أن نكف شر أميركا من المنطقة».
ونقلت وكالة «فارس» عن الجنرال حميد سرخيلي في بندر عباس، أن قوات الحرس «مستعدة للانتقام القاسي من أميركا». وقال: «العسكريون الأميركيون في الخليج على مرمى نيراننا».
وبنى سليماني لإيران شبكة وكلاء من القوات الإقليمية ليشكل نطاقاً من النفوذ امتد من لبنان عبر سوريا والعراق. ويشمل الحلفاء أيضاً جماعات يمنية وفلسطينية.
وأجهش المرشد الإيراني علي خامنئي بالبكاء أثناء الصلاة في جنازة سليماني في طهران. وقال موقع «تابناك»، التابع لقائد «الحرس الثوري» السابق محسن رضايي، إن «سليماني ترك طهران أيضاً للأبد».
وجنازة سليماني تاسع جنازة يحضرها خامنئي في طهران. وقال في دعاء: «اللهم لم نرَ منه إلا خيراً»، وهي عبارة أثارت جدلاً واسعاً بسبب عدم ذكرها في صلاة جنازة هاشمي رفسنجاني الذي اختلف مع خامئني في سنواته الأخيرة.
وبعد طهران، نظمت السلطات جنازة لسليماني في قم، وهي رابع مدينة بعد الأحواز ومشهد وطهران، على أنه تنتهي بجنازة المطاف اليوم في مقبرة بمدينة كرمان مسقط رأسه في جنوب شرقي البلاد. وكان سليماني يعدّ على نطاق واسع ثاني أقوى شخصية في إيران بعد خامنئي، وذلك بسبب الصلاحيات الواسعة التي حصل عليها سليماني ويعتقد كثيرون أنها تفوق صلاحيات أي مسؤول سياسي وعسكري في البلاد التي تعيش توتراً كبيراً مع الولايات المتحدة في وقت تحتفل بـ40 عاماً على مرور النظام.
وسافر إسماعيل هنية زعيم «حماس» إلى إيران للمرة الأولى منذ تولي منصبه في 2017 لحضور الجنازة. وقال هنية: «مشروع المقاومة على أرض فلسطين في مواجهة المشروع الصهيوني والمشروع الأميركي لن ينكسر، ولن يتردد ولن يضعف».
ووقف في الصف الأول خلف خامنئي، الرئيس حسن روحاني ونائب القضاء إبراهيم رئيسي وقائد «الحرس الثوري» حسين سلامي، ونائب سليماني ونائب أمين عام حزب الله اللبناني نعيم قاسم، وأمين عام ميليشيا النجباء أحد فصائل الحشد الشعبي العراقي.
وفي مارس (آذار) الماضي، منح خامنئي أرفع وسام عسكري لسليماني وهو وسام «ذو الفقار». وفي أبريل (نيسان)، أصدر خامنئي مرسوماً بتعيين حسين سلامي قائداً جديداً لـ«الحرس الثوري»، وذلك بعد أقل من 10 أيام على تصنيف الجهاز العسكري المتنفذ على قائمة الإرهاب الأميركي.
ووسط تنامي التوتر إثر استراتيجية الضغط الأقصى التي تتبعها إدارة ترمب لحد من أنشطة إيران، أمر خامنئي، بداية أكتوبر (تشرين الأول)، قادة «الحرس الثوري» بالتوسع الإقليمي.
وبالنسبة للكثيرين في جميع أنحاء الشرق الأوسط، كان سليماني شخصية خطيرة وقاد ميليشيات متعددة الجنسيات في سوريا والعراق وأرسل أسلحة إلى اليمن، في إطار استراتيجية التوسع الإقليمي. وبالنسبة للولايات المتحدة، كان الرجل المسؤول عن مقتل الجنود الأميركيين في العراق والهجمات التي لا حصر لها على العراقيين الذين يقاتلون إلى جانب القوات الأميركية.
وقالت وكالة «أسوشييتد برس» في تقرير أمس، إن سليماني كان بمثابة مساعد مخلص للمرشد الإيراني. اجتمع معه كثيراً وعزز بصمة طهران إلى ما وراء حدود البلاد، في سياق نهج النظام الإيراني لتصدير الثورة.
وإلى جانب سليماني، فقد «فيلق القدس» أقرب مساعديه على مدى 40 عاماً؛ وهو العميد حسين بور جعفري، بحسب وكالة «تسنيم» المنبر الإعلامي لـ«الحرس الثوري».
ويلقب بور جعفري من مواليد 1967 بـ«الصندوق الأسود» لقاسم سليماني. وهو أيضاً من أهالي كرمان ومن المقرر أن يدفن إلى جانب سليماني الثلاثاء.
وكانت جثة سليماني وصلت في ساعة مبكرة أمس إلى طهران، مقبلة من مشهد، على متن طائرة «ماهان» التي ارتبط اسمها في السنوات الأخيرة بنقل جنود وأسلحة إيران إلى سوريا وإعادة جثث قتلى قوات «الحرس» من هناك.
وخلال الأيام الأخيرة نقلت وسائل إعلام إيرانية أن رئيس القضاء إبراهيم رئيسي ورئيس البرلمان علي لاريجاني وجواد الشهرستاني، ممثل المرجع الشيعي علي السيستاني قدموا العزاء لأسرته في كرمان. ونقلت وكالة «إيسنا» الحكومية عن لاريجاني قوله في لقاء أسرته، إن بور جعفري «قدم خدمات كثيرة للثورة وكان مخلصاً وفعالاً». وأضاف: «خسرنا طاقة كبيرة». ونشرت وسائل إعلام إيرانية صورة من لقاء يجمع بور جعفري بأمين عام حزب الله اللبناني حسن نصر الله.
وقتل 3 إيرانيين أيضاً، قالت وسائل إعلام إيرانية إنهم فريق حماية سليماني.
وقال النائب علي مطهري إن مقتل سليماني سبب «الوحدة للإيرانيين» بعد الاحتجاجات العنيفة التي شهدتها البلاد في منتصف نوفمبر، ونقلت «رويترز» لاحقاً عن مصادر حكومية إيرانية أن 1500 شخص قتلوا فيها.
لكن المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي أشار إلى مطالب بعدم الرد الانتقامي على الولايات المتحدة، بحسب تصريحات وردت على وكالة «إيرنا» الرسمية.
ووصف ربيعي هؤلاء الذين لم يكشف هويتهم بأنهم «أفراد لا شك في إخلاصهم»، لكنه قال إنهم «يرتكبون أخطاء استراتيجية». وقال: «من المؤكد سنوجه رداً مناسباً للولايات المتحدة لكي نمنع تكرار سلوكها». وقال: «لحد الآن لم توجه إيران الرد المناسب»، وقال استناداً على «نظرية الأمن القومي» الإيراني، فإن «الصمت مقابل أميركا غير جائز».
وفي لندن، احتج السفير الإيراني حميد بعيدي نجاد على صحيفة «التايمز» بسبب نقلها معلومات عن تهديدات إيرانية لقتل الجنود البريطانيين.
وكتبت الصحيفة البريطانية في عددها الصادر أمس، أن «إيران سوف تتخذ رد فعل بالتأكيد، ولكن سيتعين عليها حساب رد فعلها بعناية شديدة. نظام الحكم الذي أضعفته العقوبات الاقتصادية (الأميركية) سيرغب في فعل شيء ما يبدو قوياً بما يكفي من أجل إظهار القوة داخل البلاد، ولكن لن يكون قوياً لدرجة استفزاز الولايات المتحدة من خلاله للدخول في نزاع عسكري ستفوز به أميركا بالتأكيد».
وحذرت الصحيفة البريطانية من استعداد أميركي لأي رد فعل إذا ردت إيران على مقتل سليماني. وذكرت أن «الإيرانيين يقولون إن رسالة واشنطن عن طريق وسيط سويسري لطهران تمثلت في أنه يجب أن يكون رد الفعل متناسباً... ومع ذلك ستكون عواقب مقتل (سليماني) ملموسة بالنسبة للشرق الأوسط والعالم لفترة طويلة».



إيران «لن تعرقل» مفتشي «الطاقة الذرية»

غروسي يجري محادثات مع محمد إسلامي رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية في فيينا منتصف سبتمبر الماضي (الوكالة الدولية للطاقة الذرية)
غروسي يجري محادثات مع محمد إسلامي رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية في فيينا منتصف سبتمبر الماضي (الوكالة الدولية للطاقة الذرية)
TT

إيران «لن تعرقل» مفتشي «الطاقة الذرية»

غروسي يجري محادثات مع محمد إسلامي رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية في فيينا منتصف سبتمبر الماضي (الوكالة الدولية للطاقة الذرية)
غروسي يجري محادثات مع محمد إسلامي رئيس المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية في فيينا منتصف سبتمبر الماضي (الوكالة الدولية للطاقة الذرية)

تعهدت إيران بعدم «عرقلة» مهمة ممثلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة لتفتيش مواقعها النووية. وقال رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية محمد إسلامي، السبت، إن إيران لن تعرقل دخول ممثلي الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة إلى مواقعها وتفتيشها. ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن إسلامي قوله: «لم ولن نضع أي عقبات أمام عمليات التفتيش والمراقبة التي تنفذها الوكالة (الدولية للطاقة الذرية)».

وأضاف: «نعمل في إطار الضمانات كما تعمل الوكالة وفقاً لضوابط، لا أكثر ولا أقل».

ووفقاً لتقرير صدر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الخميس الماضي، قبلت إيران تشديد الرقابة على منشأة فوردو النووية بعدما سرّعت طهران بشكل كبير من تخصيب اليورانيوم ليقترب من مستوى صنع الأسلحة. وقبل أيام ذكرت الوكالة أن إيران ضاعفت وتيرة تخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو إلى درجة نقاء تصل إلى 60 بالمائة، أي قريباً من نسبة 90 بالمائة اللازمة لإنتاج أسلحة.

وأعلنت الوكالة أنها ستناقش الحاجة إلى إجراءات وقائية أكثر صرامة، مثل زيادة عمليات التفتيش في منشأة فوردو لتخصيب اليورانيوم، وهي واحدة من منشأتين تصلان إلى هذا المستوى العالي من التخصيب.

وجاء في التقرير السري الموجه إلى الدول الأعضاء: «وافقت إيران على طلب الوكالة زيادة وتيرة وشدة تنفيذ إجراءات الضمانات في منشأة فوردو، وتساهم في تنفيذ هذا النهج المعزز لضمانات السلامة».

ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، يمكن لـ«فوردو» الآن إنتاج أكثر من 34 كيلوغراماً شهرياً من اليورانيوم المخصب بنسبة تصل إلى 60 في المائة، مقارنة بـ5 إلى 7 كيلوغرامات كانت تنتجها مجتمعة في فوردو ومنشأة أخرى في نطنز فوق الأرض.

ووفقاً لمعايير الوكالة، فإن نحو 42 كيلوغراماً من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المائة تكفي نظرياً، إذا تم تخصيبها أكثر، لصنع قنبلة نووية. إيران تمتلك بالفعل أكثر من أربعة أضعاف هذه الكمية، بالإضافة إلى ما يكفي لصنع المزيد من الأسلحة عند مستويات تخصيب أقل.

وتؤكد القوى الغربية أنه لا يوجد مبرر مدني لتخصيب إيران إلى هذا المستوى، حيث لم تقم أي دولة أخرى بذلك دون إنتاج أسلحة نووية. فيما تنفي إيران هذه الادعاءات، مؤكدة أن برنامجها النووي ذو أهداف سلمية بحتة.