مارتن سكورسيزي: الفيلم انعكاس الحياة عليك مخرجاً أو مشاهداً

المخرج السينمائي يفتح صفحات «الآيرلندي» لـ«الشرق الأوسط» ويتذكر

TT

مارتن سكورسيزي: الفيلم انعكاس الحياة عليك مخرجاً أو مشاهداً

مباشرة بعد مهرجان «كان» الأخير، بدا أنّ فيلم العام لن يكون إلا «ذات مرة في هوليوود» لكونتِن تارنتينو. ففي نهاية المطاف شهد عرضه العالمي في أكبر مهرجان سينمائي عالمي، وانتمى إلى سينمائي يعمل بمفردات لغوية كاملة يكتب ويخرج قصصاً مثيرة و... الأهم ربما، يتحدث عن هوليوود.
ما تبدّى ساد لبضعة أشهر، ثم ذاب قليلاً، ثم على نحو شبه كامل مع خروج «الآيرلندي» للعروض في بعض المهرجانات (نيويورك، لندن، القاهرة) وفي الصالات الأميركية وعلى الإنترنت.
تناولناه هنا أكثر من مرّة. أولاً من وجهة نظر الصّناعة والإنتاج وخلفيات العمل، ومرّة أخرى بالنقد. وتناوله لن ينتهي عند حد هذه المقابلة الكاشفة عن الكثير عنه وعن مخرجه مارتن سكورسيزي، بل سيتردّد مع كل وثبة يحقّقها الفيلم إلى الأمام في موسم الجوائز هذا.
هناك الكثير جداً مما يمكن الحديث فيه هنا؛ فالمتوقع للفيلم التنافس في ميادين الكتابة والتمثيل والإخراج والتصوير والتصاميم الإنتاجية، وسواها. وهو يستحق كل الأضواء التي سُلطت عليه وستسلّط عليه لاحقاً. إنّه فيلم مصنوع بما يوازي 76 سنة من حياة مخرجه، بينها 59 سنة من السينما. لا شيء يوازي هذه التجربة إلا عند قلائل اليوم: فرنسيس فورد كوبولا، وكلينت إيستوود، ووودي ألن، وبرايان دي بالما.
في حديثه التالي كشف عن خلفيات هذا المشروع. حقيقة قبوله بالعمل لدى شركة لن توزع الفيلم على شاشات السينما حول العالم، كما جرت العادة لمعظم أعماله. ماذا استفاد من التجربة وكيف؟ سيتحدّث عن تجربته الشخصية في أفلام العصابات وعن «النوستالجيا» التي تجمعه وممثليه لتلك الفترة.
حديث طويل وشيّق وشامل مع سينمائي من النوع الفريد.

* كلام كثير جداً تم تداوله في حقيقة أنّ طموحك الدائم هو تحقيق فيلم يعرض على شاشات السينما حول العالم ككل أعمالك الأخرى. كيف حدّ التعاون مع «نتفلكس» من هذا الطموح كونها شركة عروض منزلية مباشرة؟
- سؤال مهم. أستطيع أن أجيبك من خلال مراجعة سريعة. خلال السنوات السابقة من مهنتي، وكما تقول، اعتدت أنّ الشاشة الكبيرة في صالات السينما، في أميركا أو حول العالم، تعرض أفلامي وأفلام سواي. بالنسبة لي هي الملاذ الصحيح لأي مخرج. هي الاختيار الذي لا بديل له. كنتُ في الأعوام القليلة الماضية أبحث عن مناسبة للعمل مجدداً مع روبرت دي نيرو. لذلك كنتُ على اتصال معه من حين لآخر، لكي أعرف ما الذي يشتغل عليه، وكان هو أيضاً يسألني عن أعمالي. كنا نتطلع للعمل معاً من جديد.
• المرة الأخيرة التي تشاركتما في عمل واحد كانت سنة 1995 في فيلم «كازينو»...
- نعم، وهذه فترة طويلة يمكن لأي شيء أن يحدث فيها (يضحك). مع الوقت عرفت أنه قرأ رواية «سمعت بأنك تدهن منازل» لتشارلز برانت. أخبرني هاتفياً عنها وتحمست، ثم التقينا وتحمست أكثر. وجدت فيما سمعته من دي نيرو الفرصة التي أبحث عنها، لكي نعمل معاً مرّة أخرى. أحسست بأنني وجدت العمل الصحيح لكلينا، واتصلت بـ«كاتب السيناريو» ستيف زايليان، ووضعته في الصورة. لكن ذلك حدث سنة 2009.
• لماذا حدث هذا التأخير؟
- لدى كل منّا مسائل عائلية وارتباطات عمل. بالتأكيد كانت هناك مشروعات أخرى لي ولروبرت، وكان لا بد لنا من القيام بها.

- بلا شروط
• انتقد البعض في الصحف والمواقع الـ«دي آجينغ» (التصغير عبر الدجيتال)، على أساس أنّه لم يكن الحل الأمثل. هل توافق على ذلك؟
- لا، في ذلك الحين وحتى 2010 أو 2011. كان من الممكن عدم اللجوء إلى «دي آجينغ» على النحو الذي اضطررنا إليه الآن. حينها اعتقدت أنّنا نستطيع التغلب على ملامح الوجوه عبر التصوير من زوايا معينة، وبمساعدة فناني التجميل. أعتقد كان ذلك ممكناً إلى حد، لكن الزمن مرّ والفرصة انقضت. خلال تصوير فيلم «الصمت» (2016)، طلبتُ من بابلو هلمن (المسؤول عن الخدع البصرية)، البحث عن وسيلة مناسبة لتقديم آل باتشينو وروبرت دي نيرو وجو بيشي في سنوات مبكرة من حياتهم.
• لم يكن لديك أي خيار آخر؛ مثل الاستعانة بممثلين آخرين لفترة معينة ثم استبدال بهم آل وروبرت وجو لاحقاً؟
- كان ذلك ممكناً لو أردت، لكنّه ليس الحل الصحيح. ما فعلناه هو الحل الأفضل. ولعلمك تقنية «دي آجينغ» كانت تتطوّر باستمرار بينما كنا نصوّر، وحدث أكثر من مرّة أن أعدنا تصوير مشاهد بعدما لاحظنا هذا التطوّر التكنولوجي المتقدم.
• كيف توجه الفيلم إلى «نتفلكس» بعدما كانت شركة هوليوودية تبحث معك إمكانية تحقيقه؟
- بدأنا المباحثات مع عدّة أطراف. وبصراحة، لم يكن هناك حماس للمشروع حتى في السنوات الأولى منه. كثير من الوقت مضى في الاتصالات والمحاولات، لكنّنا في النهاية وجدنا أنّ الميزانية بدورها كانت تعرقل الوضع. شركات السينما كانت تنظر بريبة إلى احتمال نجاح المشروع مع أو من دون الممثلين الثلاثة المذكورين. فجأة قيل لنا إنّ «نتفلكس» مستعدة لاحتواء المشروع.
• ماذا كانت شروط «نتفلكس» بالمناسبة؟
- أبدت «نتفلكس» استعدادها بلا شروط. وافقت على الميزانية التي شكلت عائقاً لدى الشركات الأخرى، ومنحتني الحرية الإبداعية الكاملة. اسمع... لقد فكرت بالموضوع طويلاً قبل الموافقة. فكرت أنني بلغت الخامسة والسبعين، وفكرت أن السيناريو بات جاهزاً، وأستطيع المناورة خلال العمل على الفيلم لسد بعض الفجوات فيه.
• كان نوعاً من المبادلة: حريتك الإبداعية مقابل تمويل الفيلم؟
- صحيح، بالإضافة إلى أن «نتفلكس» ستسمح لي ببعض أسابيع العرض في صالات السينما قبل أن تطلقه على الإنترنت. هذه كانت في رأيي مبادلة عادلة. وبالمناسبة عملي مع «نتفلكس» كان مثالياً. لم أتمتع بالحرية الكاملة مع أي شركة تقليدية منذ بدايتي في السينما كما تمتعت بها مع «نتفلكس».
• لديك حظوظ مختلفة بالنسبة لتوزيع أفلامك في صالات السينما… لم تكن دائماً ناجحة.
- تماماً. هذا ما جال في بالي. «نتفلكس» ستعمد لعرض الفيلم في بعض الصالات في أميركا وحول العالم لأسابيع محدودة، لكن سبق لي وكما تقول، أن عرضت لي أفلام أنتجت للعرض على الشاشات الكبيرة ولم يستمر عرضها أكثر من أسبوع واحد. مثلاً «أليس لم تعد تعيش هنا مطلقاً» قبل 39 سنة افتتح لأسبوع واحد لكي يلحق الأوسكارات فقط. «ملك الكوميديا» استبدل في صالات السينما بعد أسبوع واحد (يضحك). فكرتُ، يا محمد، أن لكل وسيط (ميديوم) طريقته وشكله. أقصد أن من بين حسنات العمل مع «نتفلكس» هو أنك تستطيع أن تنجز فيلمك على النحو الذي تريد.
• ماذا تعني؟
- عندما تحقق فيلمك لصالح شركة سينمائية أنت مرتبط بحدود لا يمكن تجاوزها مثل مدة عرض الفيلم الزمنية. العادة كما تعلم ساعتين إلى ساعتين ونصف الساعة. هذا ممتاز، لكن العمل مع «نتفلكس» يكفل لك حرية أكبر بالنسبة للمدة الزمنية التي سيستغرقها العرض. عليك أن تتكيف. ستحذف مشاهد في الحالة الأولى لإبقاء الفيلم في مدة مقبولة، وستختار الحفاظ على تلك المشاهد في الحالة الثانية، ما دام لديك سيناريو جيد ومواد كافية.

- العالم الذي نعيش
• ما علاقتك بالتكنولوجيا الحديثة؟ هل تمارسها؟
- في حدودها الأدنى. هناك اليوم كثير من الوسائل لتصوير فيلم لا أجيدها. أنا وأنت من خارج هذا الزمن. يصوّرون الأفلام بهواتف «آيفون». هذا لا أجيده (يضحك). يستطيعون نقر زر على الكومبيوتر فيتهاوى جدار... لا أعرف كيف. بالنسبة لنا هذه ليست سينما... لكن مع الأيام ربما ستكون.
• هل هذا ما قصدته عندما صرّحت مؤخراً بأنّ أفلام المسلسلات ليست سينما؟
- إلى حد. هي طبعاً سينما بالنسبة لكثيرين من الجمهور ومن المنتجين. بالنسبة لي ليست أفلام دراما، ولا تتطلب حين مشاهدتها أكثر من النظر إليها.
• ما الذي تغير منذ أربعين سنة وإلى الآن؟ كانت السينما مصدرا خياليا أولاً.
- الذي تغير أساساً هو الموهبة. كثير من المخرجين اليوم لا يملكون الموهبة والموهبة هي ما يحتاجون إليه بشدة. عليهم استخدام السينما كوسيلة تعبير عما يكنّ في صدورهم وعلى نحو إبداعي. على المخرج الشاب البحث عن ملكَة السرد والكيفية البصرية للتعبير. عليهم هضمها بعد معرفتها. لا يمكن أن يكون الدافع هو مادي أو أريد أن أكون في السينما. المخرج الذي يتمتع بالموهبة والحوافز الإبداعية لا يستطيع أن يأكل أو أن ينام أو أن يتمتع بحياة طبيعية إلا إذا حقّق الأفلام. يستطيع أن يلمّ بكل شيء يريد الإلمام به. يستطيع أن يكون تلميذاً نجيباً، لكن إذا لم تكن هناك تلك اللمعة، فإنّ نجاحه محدود، وربما مفقود. ما يحتاج إليه هو أن يسعى قدر ما يستطيع لكي يثبت جدارته بعد ذلك... لكن لنكن صريحين، كم كاتب ورسام وموسيقار فشل رغم موهبته... الحال لا يختلف بالنسبة لإخراج الأفلام. قد تكون موهوباً وتنجح، وقد تكون موهوباً ولا تنجح.
• هل يقلقك العالم الذي نعيشه اليوم؟
- أنا لست سياسياً، لكن هذا لا يمنع. آخر مرّة نظرت إلى نفسي وجدتُ أنني ما زلتُ إنساناً. عندي ثلاث بنات وحفيدة، وأقلق عن العالم الذي نخلفه لهم. أنظر إلى بعض الأفلام التي حذرت من كثير مما نمرّ به اليوم، وأتساءل: كيف لم نعتبر أو نحذر. لدينا اليوم نقص في العدالة ناتجة عن نقص في الشفقة. هناك عدم مساواة اجتماعية. هناك مَن يملك ومَن لا يملك، ونقص في الكرامة الذاتية من البعض تجاه البعض الآخر، والناتج عالم مضطرب. لا يوجد احترام صوب الثقافات الأخرى. على الناس أن يعرف بعضها بعضاً قبل أن تدخل معهم في حروب لعلهم يستطيعون التواصل مع الآخرين على نحو أفضل.
• أنت أكثر مخرجي السينما ثقافة سينمائية، ودائماً ما تتحدث عن السينما غير الأميركية. متى بدأ اهتمامك بها؟
- بدأ اهتمامي بها باكراً. الستينات كانت سنوات الاكتشاف بأنّنا لسنا الوحيدين الذين نملك سينما. عندما شاهدت أفلاماً هندية ويابانية، أدركتُ أن الفضول شيء ومتابعة هذا الفضول شيء آخر. فهمت الثقافات. وأنا لا أقول إن عليك أن تكون هم، بل عليك أن تفهمهم.
• غريب أننا اليوم نستطيع التواصل مع الآخرين في ثوانٍ قليلة، لكننا أكثر انغلاقاً مما كان العالم عليه في الخمسينات.
- صحيح تماماً.

- اغتيالات
• سأصرف باقي الحوار على «الآيرلندي» لا كإنتاج بل كفيلم. أولاً سبق لك أن أخرجت أفلام غانغسترز، لكن المختلف هذه المرّة عنها جميعاً هو أن «الآيرلندي» لا يلمّـع أحداً ولا يوفر «بورتريهات» إيجابية كما الحال في «غودفيلاز» مثلاً.
- هذا سؤال جيد. أعتقد أنّه بعد «كازينو» على الأخص فكرت أنّ الوقت حان لكي أختار درباً جديداً، وأنّه علي التعامل مع موضوع يعبر عن «السلطة الحقيقية» والسلطة الحقيقية هادئة داكنة. إنّها قوى التاريخ المعتمة. لا ترى مَن يملكها. لا نعرف حقاً من اغتال جون ف. كندي. من اغتال بوبي (كندي) من اغتال مارتن لوثر كينغ. وهل هناك فرق لو علمنا؟ لا ندري. هذه أمور خارجة عن متناولنا. حين كنت صغيراً كنت أراقب في حيّنا الناس في انفعالاتها. كنت أعلم أنّ الخوف سائد بينهم. لا تستطيع إلا أن تبدي الاحترام للبعض وتمضي في سبيلك، إن لم تكن مشتركاً في أعمالهم. لذلك قرّرتُ هنا أن أسبر على نحو عميق غور هذه المسألة. والغور العميق هو أنّ اثنين أو ثلاثة رجال يلتفون في حانة أو مطعم أو سيارة. لا ضرورة للإفصاح عمّا ينوون القيام به. تستطيع أن تدرك ذلك بالنظر إليهم.
• رغم ذلك، أشعر بأنك في «الآيرلندي» تعيش «نوستالجيا» صوب الزمان وصوب الشخصيات...
- نعم. أعتقد أن هذا صحيح. أحياناً تكون النوستالجيا مصطنعة، لكنّها عندي لها علاقة بنشأتي وبآل (باتشينو) وبوب (دي نيرو) وجو (بيشي).
• هوفا عرّض نفسه، حسب الكتاب وحسب الفيلم، إلى غضبة المافيا. لعقود كان السؤال مَن قتله ولماذا؟ فيلمك لا يطرح السؤال بل يجيب عنه.
- هناك إشارات في الحوارات المتبادلة. جيمي هوفا استهان بالمافيا. لم يقرأهم جيداً. تلك جماعة لا يستطيع أحد الاستهانة بها. إذا فعلتَ أزاحوك من الطريق. تماماً مثل يوليوس قيصر عندما وضع نفسه في المأزق ذاته… كان على ابنه بالتبني بروتوس فعل الشيء ذاته.
• كلما ازداد الوضع خطورة في الفيلم ازداد تأطيرك للشخصيات إحكاماً.
- صحيح تماماً. الإطار يصبح أكثر ضيقاً. لم أحتج لفعل أي شيء آخر.
• لماذا اخترت رودريغو برييتو مديراً للتصوير؟
- لأنه إنسان لطيف (يضحك). لديه مرح ولديه تصوير جميل. عملت معه أكثر من مرّة ووجدته يتعامل مع المطلوب بإيجاد الوسائل لذلك. لا يقول لي: «لا أستطيع»، بل يعمل لكي يتجاوب ويجد الوسيلة. أشعر بالحرية التي يتعامل بها في عمله وبالشاعرية التي ينجز من خلالها لمساته. لديه عين شعرية بالنسبة لحركة الكاميرا، وبالنسبة للإضاءة على الأخص.
• حدثني عن «الكيمياء» بين ممثليك الثلاثة جو بيشي وآل باتشينو وروبرت دي نيرو... كيف تديرهم؟ هل هم أحرار في اختيار سلوكياتهم؟
- طبيعة القصة التي يمثلونها تفرض عليهم أن يكونوا متحررين. كذلك هم يعرفون شخصيات كتلك التي يمثلونها. يعرفون هذا العالم الذي تقع فيه الأحداث.
• لكن لا بد من إدارة ما. أين تتدخل؟
- حسناً. عندما نعلم موقع المشهد الذي سنصوّره، نعلم أين سيمضي وكيف سيلتحق بالمشهد التالي وذاك مع المشهد الذي يليه. إنه مثل فتح خريطة. كل نقطة فيها تؤدي إلى أخرى. وحال يفتحها كل منهم أتوقع منهم أن يتوسعوا فيها قليلاً، وتحويل الأداء من التنفيذ فقط إلى استيعاب الحياة.
• الفيلم يتصاعد جيداً، وفي رأيي أنّ قلة قليلة جداً تستطيع أن تحقق هذا الفيلم بتلك المعرفة المتوفرة عنه. ما رأيك؟
- أعتقد أن لكل مخرج منظوره الخاص. هذا المنظور يختلف من مخرج لآخر حسب تراكم خبرته. حسب المتغيرات التي تطرأ على حياتك وحياة من حولك. الفيلم انعكاس الحياة عليك مخرجاً أو مشاهداً.


مقالات ذات صلة

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

يوميات الشرق معابد الأقصر تحتضن آثار الحضارة القديمة (مكتبة الإسكندرية)

«تسجيلي» مصري يوثّق تاريخ الأقصر «أقوى عواصم العالم القديم»

لم تكن قوة الأقصر ماديةً فحسب، إنما امتدّت إلى أهلها الذين تميّزوا بشخصيتهم المستقلّة ومهاراتهم العسكرية الفريدة، فقد لعبوا دوراً محورياً في توحيد البلاد.

محمد الكفراوي (القاهرة )
يوميات الشرق مشهد من الفيلم السعودي «ثقوب» (القاهرة السينمائي)

المخرج السعودي عبد المحسن الضبعان: تُرعبني فكرة «العنف المكبوت»

تدور الأحداث حول «راكان» الذي خرج إلى العالم بعد فترة قضاها في السجن على خلفية تورّطه في قضية مرتبطة بالتطرُّف الديني، ليحاول بدء حياة جديدة.

أحمد عدلي (القاهرة )
سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)
سينما دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».