دراسة أميركية تفنّد أسطورة ميريت بتاح «كأقدم طبيبة في العالم»

قالت إن «بسيشت» الأحق باللقب

ميريت بتاح على يمين الصورة وبسيشت على يسارها (المصدر: الدكتور يعقوب كويسينسكي)
ميريت بتاح على يمين الصورة وبسيشت على يسارها (المصدر: الدكتور يعقوب كويسينسكي)
TT

دراسة أميركية تفنّد أسطورة ميريت بتاح «كأقدم طبيبة في العالم»

ميريت بتاح على يمين الصورة وبسيشت على يسارها (المصدر: الدكتور يعقوب كويسينسكي)
ميريت بتاح على يمين الصورة وبسيشت على يسارها (المصدر: الدكتور يعقوب كويسينسكي)

يكفي أن تكتب على محرك البحث «غوغل» باللغتين العربية والإنجليزية، اسم «ميريت بتاح»، لتأتيك عشرات النتائج التي تتحدث عنها كأول طبيبة عرفها التاريخ، الأمر الذي دفع الاتحاد الفلكي الدّولي إلى تكريم اسمها في 2016 بإطلاقه على إحدى الفوهات بكوكب الزهرة.
لكن الدكتور يعقوب كويسينسكي، مدرس في قسم علم المناعة وعلم الأحياء الدقيقة في جامعة كولورادو الأميركية، لم يستسلم لهذا الإجماع العالمي على شخصية ميريت بتاح، كأول طبيبة عرفها التاريخ، وكانت تساوره الشكوك أنّها شخصية وهمية، وهو ما تيقن منه وأعلنه في دراسة تنشرها دورية «تاريخ الطّب والعلوم المرتبطة به» في شهر يناير (كانون الثاني) المقبل.
ويقول كويسينسكي في تقرير نشره موقع جامعة كولورادو أول من أمس إنّ «ميريت بتاح كانت موجودة في كل مكان... منها المشاركات عبر الإنترنت حول النساء في العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، وألعاب الكومبيوتر وفي كتب التاريخ الشعبية، كما توجد إحدى الفوهات على كوكب الزهرة سميت باسمها، ومع كل هذه الإشارات، لم يكن هناك دليل على أنّها موجودة بالفعل، وسرعان ما أصبح واضحاً بالنسبة لي أنّه لم يكن هناك طبيبة مصرية قديمة بهذا الاسم».
ويصف ما قام به بأنه «مثل ما يقوم به ضابط المباحث»، حيث أخذ يتتبع قصة ميريت بتاح، وبالبحث في عمق السجل التاريخي، اكتشف أنّها شخصية وهمية، ووثق لبداية ظهور هذه الأسطورة في ثلاثينات القرن الماضي وخصوصا بعدما نشر كتاب «تاريخ المرأة في الطب: من أقدم العصور إلى بداية القرن التاسع» المنشور عام 1938، وهو لمؤرخة وطبيبة وناشطة تدعى «كيت كامبل هيرد ميد».
وزعمت هيرت ميرد، كندية المولد، في كتابها، أنه أثناء التنقيب في مقبرة بوادي الملوك، كانت هناك «صورة لطبيبة من الدولة القديمة تدعى ميريت بتاح، والدة كاهن كبير، وكان لقبها رئيس الأطباء».
ويقول كويسينسكي إنّه «لا يوجد سجل لمثل هذا الشّخصية كطبيبة»، مشيراً إلى أن (ميريت بتاح) كاسم، كان موجودا في الدولة القديمة ويعني (محبوبة الرب الأسطوري بتاح)، لكنّه لا يظهر في أي من القوائم المصنفة الخاصة بالمعالجين المصريين القدامى، ولا حتى كواحدة من الشّخصيات الأسطورية أو الحالات المثيرة للجدل. ويضيف «أنّها غائبة أيضاً عن قائمة إدارات الدولة القديمة، كما أنّه لا توجد مقبرة لها في وادي الملوك بالأقصر (جنوب مصر) حيث ذهبت القصة إلى أنّ مقبرة ابن ميريت بتاح وجدت هناك».
ورغم نفيه لوجود شخصية ميريت بتاح كأول طبيبة عرفها التاريخ، فإنّه لم ينفِ أنّ الدّولة القديمة في مصر الفرعونية أخرجت أقدم طبيبة في التاريخ، ولكنّها كانت تسمى «بسيشت».
ويوضح كويسينسكي، أنّه كانت هناك امرأة أخرى تحمل شبهاً واضحاً مع القصة التي التصقت برواية ميريت بتاح، حيث كشفت عملية تنقيب في الجيزة خلال الفترة من 1929 إلى 1930 عن مقبرة (أخيت حتب)، وهو من كهنة الدولة القديمة، وفي الداخل، كان هناك باب وهمي يصور امرأة تُدعى (بسيشت)، ويُفترض أنّها والدة صاحب المقبرة، التي وُصفت باسم (المشرف على الطبيبات). ويؤكد أنّه «بالبحث وجدت أيضا أنّ هناك مقبرة لكاهن آخر، ذكرت فيها اسم والدته وكانت (ميريت بتاح)، لكنّها لم تكن طبيبة، ويبدو أنّ الطبيبة والمؤرخة الطبية (كيت كامبل هيرد ميد)، اختلط عليها الأمر، وبدلاً من كتابة (بسيشت) كتبت (ميريت بتاح)، ليظل اسم الأخيرة يتردّد كأقدم طبيبة عرفها التاريخ على حساب مصرية أخرى تدعى (بسيشت)».
ويتفق بسام الشماع، عضو «الجمعية المصرية للدراسات التاريخية»، مع ما ذهب إليه كويسينسكي في دراسته، مشيراً في تصريحات خاصة لـ«الشرق الأوسط» إلى أنّ «ما وقعت فيه الطبيبة (كيت كامبل هيرد ميد) لم يقع فيه طبيب آخر وهو الدكتور جون نن».
ويقول الشماع إنّ «جون نن هو صاحب كتاب (الطب المصري القديم)، الذي يعدّ أحد أهم خمسة كتب عن مصر القديمة، وترجمه إلى العربية الدكتور عمرو شريف والدكتور عادل وديع، وفيه ذكر المؤلف اسم (بسيشت) كأقدم طبيبة، ولم يذكر اسم (ميريت بتاح)».
ويتعجب من أنّ المعلومة الخاطئة كان لها قوة الانتشار، مطالباً بتواصل المهتمين بالحضارة المصرية القديمة مع الاتحاد الفلكي الدُّولي لتغيير اسم فوهة كوكب الزهرة من (ميريت بتاح) إلى (بسيشت)، فمثل هذا التحرك قد يعيد لبسيشت حقّها الأدبي، كأول طبيبة عرفها التاريخ.


مقالات ذات صلة

كوكتيلات مخدرة وطقوس سحرية: كشف أسرار أكواب المصريين القدماء

يوميات الشرق إناء شرب على شكل رأس بيس من واحة الفيوم في مصر يعود إلى العصر البطلمي - الروماني (القرن الرابع قبل الميلاد - القرن الثالث الميلادي)... (جامعة جنوب فلوريدا)

كوكتيلات مخدرة وطقوس سحرية: كشف أسرار أكواب المصريين القدماء

كشف الباحثون عن استخدام أكواب خاصة لتقديم مزيج من العقاقير المخدرة، والسوائل الجسدية، والكحول.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق مشهد من جامع بيبرس الخياط الأثري في القاهرة (وزارة السياحة والآثار المصرية)

بعد 5 قرون على إنشائه... تسجيل جامع بيبرس الخياط القاهري بقوائم الآثار الإسلامية

بعد مرور نحو 5 قرون على إنشائه، تحوَّل جامع بيبرس الخياط في القاهرة أثراً إسلامياً بموجب قرار وزاري أصدره وزير السياحة والآثار المصري شريف فتحي.

فتحية الدخاخني (القاهرة )
يوميات الشرق كلب ضال أمام هرم خوفو في منطقة أهرامات الجيزة (أ.ف.ب)

بفضل «أبولو»... «كلاب الأهرامات» تجذب السياح وتنشِّط المبيعات

مقطع مصور غير اعتيادي لكلب يتسلق الهرم يجذب الزوار والسائحين.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
يوميات الشرق طريقة بناء الأهرامات تُمثل لغزاً كبيراً (الشرق الأوسط)

فيديو مولد بالذكاء الاصطناعي يُجدد الجدل بشأن طريقة بناء الأهرامات المصرية

جدّد مقطع فيديو قصير مُولد بالذكاء الاصطناعي، يشرح طريقة بناء الأهرامات، الجدلَ بشأن نظريات تشييد هذه الآثار الضخمة.

عبد الفتاح فرج (القاهرة)
يوميات الشرق اكتشاف عدد من اللقى الأثرية والأدوات الشخصية للجنود (وزارة السياحة والآثار المصرية)

مصر: اكتشاف ثكنات عسكرية ومخازن أسلحة أثرية بالدلتا

أعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية، الخميس، عن اكتشاف «ثكنات عسكرية ومخازن أسلحة» أثرية تعود لعصر الدولة الحديثة.

فتحية الدخاخني (القاهرة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».