السعودية مستشاراً عالمياً للتراث غير المادي لدى الـ«يونسكو»

تعدّ محركاً مؤثراً بمجال حفظه في البلاد

بدر العساكر رئيس مجلس إدارة الجمعية السّعودية للمحافظة على التّراث
بدر العساكر رئيس مجلس إدارة الجمعية السّعودية للمحافظة على التّراث
TT

السعودية مستشاراً عالمياً للتراث غير المادي لدى الـ«يونسكو»

بدر العساكر رئيس مجلس إدارة الجمعية السّعودية للمحافظة على التّراث
بدر العساكر رئيس مجلس إدارة الجمعية السّعودية للمحافظة على التّراث

أصبحت الجمعية السعودية للمحافظة على التراث «نحن تراثنا»، وبعد توصية دولية باتجاه لاعتمادها رسمياً، مستشاراً عالمياً للتّراث غير المادي، يؤهلها ذلك لتقييم الملفات للدّول الأخرى والاستشارات لمنظمة التربية والعلم والثقافة «يونيسكو».
وتعتبر جمعية «نحن تراثنا» أول منظمة سعودية وخليجية تجتاز المعايير والمتطلبات بتوصية من لجنة التراث الثّقافي غير المادي خلال اجتماع اللجنة الحكومية الرابع عشر لاتفاقية صون التراث الثّقافي غير المادي لمنظمة «اليونيسكو»، الذي عقد خلال الفترة 8 إلى 14 ديسمبر (كانون الأول) 2019، في مدينة بوغوتا بكولومبيا.
بناءً على هذه التوصية ستكون المرحلة الثانية هي قرار الاعتماد الرسمي خلال اجتماع الجمعية العمومية للتراث الثقافي غير المادي لمنظمة «اليونيسكو»، منتصف عام 2020، التي يتبعها مباشرة بدء عمل الجمعية في تقييم ملفات التراث الثقافي غير المادي للدول الأخرى، وتقديم خدمات استشارية لمنظمة «اليونيسكو» في المشروعات المتخصصة بصون التراث الثّقافي غير المادي.
وقال عبد الرحمن العيدان، مدير عام الجمعية السعودية للمحافظة على التراث، إنّها خطوة مهمة في تاريخ الجمعية على المستوى الوطني والدُّولي، مؤكداً أنّ هذا الإنجاز يأتي نتيجة عمل دؤوب سخّرت من خلاله الجمعية خبرات وقدرات منسوبيها على مدار السنوات الماضية، حيث جرى العمل على إعداد ملفات التراث الثقافي غير المادي التي سُجلت للسعودية، بالمشاركة مع المجتمع المحلي والجهات المعنية، لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في صون التراث الثّقافي، وإبرازه دولياً، لتصبح رموزاً تعكس الثراء الثقافي في الهوية السعودية للمجتمع وللعالم.
وتُعتبر الجمعية محركاً فاعلاً ومؤثراً في مجال حفظ التراث السّعودي، والوعي بأهميته وقيمته الوطنية والاستفادة منه، وفقاً لرؤيتها.
وتعد الجمعية، التي تتّخذ من منطقة المربع التاريخية موقعاً لها في أحد قصور الملك عبد العزيز، ذات جهد تنموي على صعيد صون التراث، ولإبراز الإرث الحضاري في البلاد، خصوصاً مع تنوع الاهتمام، واتجاه بوصلة العناية لآفاق تنموية في ملفات الثقافة السعودية، التي تعدّ قوة ناعمة تأمل منها الرياض أن تكون ذات حضور على منابر عالمية.
وتعنى الجمعية، التي يرأس مجلس إدارتها بدر العساكر، بمجالي التراث المادي، المتمثل في المواقع الأثرية ومجمّعات المباني التي لها قيمة استثنائية من وجهة النظر التاريخية أو الفنية أو العلمية والآثار، بما في ذلك الأعمال المعمارية، وأعمال النّحت والتصوير على المباني والنقوش، وغيرها من المعالم الأثرية التي لها قيمة استثنائية من وجهة النّظر التاريخية أو الجمالية؛ والتراث غير المادي المتمثل في الممارسات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات، وما يرتبط بها من آلات وقطع.
وللجمعية أهدافها في دعم الهيئات والمؤسسات والمراكز العلمية والبحثية المعنية بالتراث في المملكة، وتشجيع المواطنين والتعاون معهم من أجل المحافظة على التراث، ليبقى رصيداً لتاريخ المملكة، ومورداً للعلم، ورافداً للسياحة الثقافية، ودعم المشروعات الفردية والجماعية للحرف اليدوية، وتشجيعها والعمل مع الجهات المعنية من أجل المحافظة عليها وتطويرها للمساهمة في تكوين منتج اقتصادي بجودة عالية.


مقالات ذات صلة

اليونيسكو: مقتل 162 صحافياً خلال تأديتهم عملهم في 2022 و2023

العالم سيارة عليها كلمة «صحافة» بالإنجليزية بعد تعرض فندق يقيم فيه صحافيون في حاصبيا بجنوب لبنان لغارة إسرائيلية في 25 أكتوبر (رويترز)

اليونيسكو: مقتل 162 صحافياً خلال تأديتهم عملهم في 2022 و2023

«في العامين 2022 و2023، قُتل صحافي كل أربعة أيام لمجرد تأديته عمله الأساسي في البحث عن الحقيقة».

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق مقر اليونسكو في باريس (أ.ف.ب)

مبادرة سعودية تقود لإطلاق أول أسبوع عربي في «اليونسكو»

بمبادرة من السعودية، تنظم المجموعة العربية لدى منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونسكو»، الأسبوع العربي في اليونسكو.

شؤون إقليمية مصطفى أديب مندوب لبنان لدى اليونيسكو متحدثاً للمجلس التنفيذي (الشرق الأوسط)

اليونيسكو تلتزم بحماية 3 قطاعات في لبنان: التعليم والآثار والصحافة

لبنان يحرز نجاحاً دبلوماسياً في اليونيسكو ومجلسها التنفيذي يتبنى مشروع قرار بالإجماع واليونيسكو تلتزم بحماية ثلاثة قطاعات: التعليم والآثار والصحافة.

«الشرق الأوسط» (باريس)
المشرق العربي انهيار جزء من التاج العلوي لـ«قبة دورس» الأثرية المشادة من حجارة وأعمدة القلعة في بعلبك (أ.ف.ب)

تضرر قبة دورس الأثرية في بعلبك جراء قصف إسرائيلي (صور)

أفاد مسؤول لبناني اليوم الثلاثاء بتضرر معلم قبة دورس الأثري  جراء قصف إسرائيلي على مدخل بعلبك الجنوبي.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي الجامع العمري الكبير في مدينة غزة الشهر الماضي وتظهر عليه آثار عمليات القصف (أ.ف.ب) play-circle 02:47

آثار غزة تكابد حرباً لـ«دفن الذاكرة»

لم يكن متوقعاً أن تكون آثار غزة أفضل حظاً من سكانها بعد الحرب الإسرائيلية؛ غير أن مستوى التدمير يدفع خبراء للاعتقاد بأن حرباً أخرى تدور لـ«دفن الذاكرة».

«الشرق الأوسط» (غزة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».