الكولاجين... استخدامات صحية وعلاجية

مركبات البروتين الأعلى وجوداً في الجسم والأقوى من الفولاذ

أغذية غنية بالكولاجين
أغذية غنية بالكولاجين
TT

الكولاجين... استخدامات صحية وعلاجية

أغذية غنية بالكولاجين
أغذية غنية بالكولاجين

الكولاجين هو البروتين الأكثر وفرة في جسم الإنسان، فهو موجود كمكوّن رئيسي في أنسجة العظام والعضلات والجلد والأوتار. الكولاجين هو المادة الأقوى من الفولاذ التي تضم مكونات الجسم كله بعضها مع بعض، لتعطي للجسم شكله المتماسك، عبر تشكيلها سقالة الهيكل البنائي للجسم (Body’s Scaffolding) كي يتمتع بالقوة وشكل البنية.
والكولاجين (Collagen) هو المادة التي تُؤدي مهام وظيفية متعددة، تدعم بها بنية الجسم من الانهيار والترهل والنزيف والضعف.
وفي الجسم، ثمة كولاجين يتم تصنيعه داخلياً (Endogenous Collagen)، كما أن هناك كولاجين خارجياً (Exogenous Collagen) يتناوله المرء من المصادر الغذائية الخارجية لهذه المركبات الحيوية في أنواع مختلفة من الأطعمة.
وإضافة إلى تلك الأدوار الوظيفية الطبيعية، يستخدم الكولاجين الخارجي بشكل واسع وبأمل واعد لعدد من الدواعي الطبية العلاجية والتجميلية لإصلاح وترميم بنية ومتانة أنسجة متعددة في الجسم، وهي الأنسجة التي إما أصابتها الأمراض المزمنة بتلف بنيتها، أو أثرت فيها عوامل التقدم في العمر أو العوامل البيئية وأدت إلى ضعفها وترهل بنيتها.

حقائق علمية
ومن جملة الحقائق العلمية حول الكولاجين أنه عبارة عن ألياف بروتينية غير قابلة للذوبان في الماء، وأنه يمثل الكتلة الكبرى للبروتينات في الجسم، وتحديداً أكثر من ثلث كمية البروتين في الجسم هي على هيئة كولاجين. وألياف الكولاجين البروتينية تتميز بأنها صلبة وذات بنية هيكلية قوية ولها خصائص المرونة العالية، لأن الجزيئات البروتينية الكبيرة في ألياف الكولاجين تترتب ضمن تراكيب معقدة. وبمقارنة بعض أنواع ألياف الكولاجين، غراماً مقابل غرام، فإن الكولاجين أقوى من الفولاذ.
وهنالك ما لا يقل عن 16 نوعاً مختلفاً من ألياف الكولاجين. وفي معظم أنواع الكولاجين، يتم تجميع الجزيئات معاً لتشكيل مركبات ليفية طويلة ورقيقة. وينتمي 90 في المائة من أنواع الكولاجين بجسم الإنسان إلى أنواع 1 و2 و3 (Types 1. 2. 3). وألياف النوع الأول من الكولاجين ذات قدرة عالية على التمدد.
وبأماكن انتشار الألياف الكولاجينية ضمن ما يُعرف علمياً بـ«مصفوفة خارج الخلايا» (Extracellular Matrix)، وبطريقة توزيعها وبهيئة تشكيلها، تتحدد الخصائص الفيزيائية لأنسجة الجسم. ويوجد الكولاجين في أنسجة جميع مناطق الجسم، خصوصاً في الجلد والعظام والأنسجة الضامة. ووجود الكولاجين في أنسجة الجسم، هو بمثابة هياكل تدعم حفظ توزيع الخلايا، وتعمل على ترابط الخلايا بعضها مع بعض لتكوين النسيج الحي. وعلى سبيل المثال فإن الكولاجين في الجلد هو ما يعطي القوة لطبقة الجلد كغطاء واقٍ للجسم، ويعطي المرونة والنضارة للجلد. وأيضاً يعمل الكولاجين بمثابة أغطية واقية للأعضاء الحساسة في الجسم، مثل الكلى.
ويتم إنتاج وإفراز الكولاجين من خلايا مختلفة بالجسم، ولكن بشكل أساسي عن طريق الخلايا الليفية في النسيج الضام (Connective Tissue Cells) في طبقة الأدمة من الجلد، وهي الطبقة المتوسطة من بين طبقات الجلد الثلاث، وفي العظام والغضاريف والشحوم. وتنتشر الخلايا الليفية في جميع أنحاء الأنسجة الضامة بالجسم. وعند إصابة أحد الأنسجة بالجرح، تهاجر الخلايا الليفية القريبة إلى الجرح لعزل وإصلاح الأنسجة من خلال تصنيع كميات كبيرة من الكولاجين في موقع الجرح، وكذا الحال تنشط تلك الخلايا في إنتاج الكولاجين عند تلف النسيج الضام بفعل أي عوامل بيئية أو داخلية.
والنسيج الضام (Connective Tissue) هو أحد أكبر 4 أنسجة حية في الجسم، أي بالإضافة إلى النسيج الضام أولاً، هناك ثانياً، النسيج الطلائي (Epithelial Tissue) الذي يغلف الجلد ويبطن الفم والمعدة والأمعاء والأوعية الدموية وغيرها من الأنابيب في الجسم. وثالثاً، النسيج العضلي (Muscle Tissue) في العضلات والمعدة والقلب والأمعاء والرحم وغيرهم. ورابعاً: النسيج العصبي (Nervous Tissue) في الجهاز العصبي المركزي في الدماغ والنخاع الشوكي، وفي الأعصاب الطرفية وفروعها المنتشرة على نطاق واسع بالجسم.

انحسار الكولاجين
وينخفض إنتاج الكولاجين بشكل طبيعي مع تقدم العمر والتعرض لعوامل بيئية ضارة مثل التدخين وضوء الأشعة فوق البنفسجية للشمس. وبالتالي تضعف شبكة الكولاجين في الأنسجة المختلفة، ما يؤدي إلى مشاكل في تجاعيد الجلد وغضاريف المفاصل وبنية العظام. وتواجه النساء انخفاضاً كبيراً في إنتاج الكولاجين بعد انقطاع الطمث وبلوغ سن اليأس من الحيض، كما بحلول عمر 60 عاماً للذكور، يكون الانخفاض الكبير في إنتاج الكولاجين أمراً طبيعياً.
ويعد الكولاجين من المركبات الكيميائية في الجسم التي يمكن تقسيمها وتحويلها واستيعابها مرة أخرى في الجسم (Resorbable). ويمكن أيضاً أن تتشكل في هيئة كتلة صلبة مضغوطة أو على هيئة شبكة من المواد الهلامية. وفي الجسم تقوم مركبات الكولاجين بعدد واسع ومتنوع من الوظائف، وكونها مركبات طبيعية توجد في منتجات غذائية طبيعية في الأبقار والضأن، يُعطي لها مجالات واسعة في الاستخدامات الطبية المحتملة، في الجوانب العلاجية والتجميلية، وفق ما تثبت الدراسات الطبية جدواها فيه.
وتقول ويتني بو، أخصائية الأمراض الجلدية في نيويورك، ومؤلفة كتاب «جمال البشرة القذرة»: «الكولاجين هو الغراء الذي يربط الجسم بعضه ببعض». وتضيف أن الكولاجين يشكل نحو 75 في المائة من صافي الوزن للجلد الجاف، ما يعطي للجلد قوام امتلاء الحجم ويمنع ظهور خطوط التجاعيد فيه. كما أنه غني بالأحماض الأمينية؛ برولين (Proline) وجلايسين (Glycine)، وهما مكونان أساسيان يحتاجهما الجسم في صيانة وإصلاح وترميم بنية الأوتار والعظام والمفاصل. ولكن مع تقدمنا في السن تنخفض قدرة الجسم على إنتاج الكولاجين، وفي الوقت نفسه ترتفع معدلات تفتيته وهدمه بما يفوق قدرة الجسم على تعويض ذلك في الأنسجة، خصوصاً الجلد».

حقن ومستحضرات
وتلاحظ انخفاض اللجوء إلى حقن الكولاجين في ممارسات العيادات الطبية، لأنه لا يدوم لفترة طويلة وقد يتسبب في تفاعلات الحساسية. كما تلاحظ أن وضع مستحضرات الكولاجين على الجلد لا يفيد، لأن مركبات الكولاجين كبيرة في الحجم ويتعذر امتصاصها عبر الجلد. أما عن تناول الكولاجين لجعل بشرة الجلد تبدو أكثر شباباً، فتقول الدكتورة بو: «فقط في السنوات القليلة الماضية، كانت هناك بعض الدراسات المثيرة للإعجاب التي تبين أن تناول الكولاجين يمكن أن يؤثر في مظهر البشرة». ووجدت دراسة أجريت على 69 امرأة تتراوح أعمارهن بين 35 و55 عاماً أن أولئك الذين تناولوا 2.5 أو 5 غرامات من الكولاجين يومياً لمدة 8 أسابيع أظهروا تحسناً كبيراً في مرونة الجلد، مقارنة بأولئك الذين لم يتناولوه. ووجدت دراسة أخرى أن النساء اللائي تناولن غراماً واحداً يومياً من مكملات الكولاجين المشتقة من الدجاج لمدة 12 أسبوعاً كان لديهم جفاف أقل بنسبة 76 في المائة، وانخفاض بنسبة 12 في المائة من التجاعيد الجلدية المرئية، وتدفق دم أفضل في الجلد، ومحتوى كولاجين أعلى بنسبة 6 في المائة في طبقة الجلد.
كما كشفت دراسة أخرى أجريت على 53 رجلاً مسناً مصاباً بحالة ساركوبينيا ضمور اللحم وفقدان العضلات بسبب الشيخوخة (Sarcopenia)، أن الذين تناولوا 15 غراماً من الكولاجين يومياً، بالإضافة إلى ممارسة تمارين رفع الأوزان 3 مرات في الأسبوع لمدة 3 أشهر، اكتسبوا مزيداً من العضلات وفقدوا مزيداً من الدهون، مقارنة بأولئك الذين مارسوا فقط تمارين رفع الأوزان.
ووجدت دراسة أيضاً شملت 98 من كبار السن الذين يعانون من القرحة الجلدية الناتجة عن الضغط (Pressure Ulcers)، أن أولئك الذين تناولوا مكملات الكولاجين 3 مرات يومياً لمدة 8 أسابيع رأوا أن جروحهم تلتئم مرتين بسرعة.

حشوات الجلد
ويمكن لحشوات الجلد (Skin fillers) بحقن الكولاجين إعطاء تحسين «مؤقت» لملامح الجلد التي تتغير بسبب إما التقدم في العمر أو التأثيرات السلبية للعوامل البيئية أو الإصابات الجلدية السابقة. والحشوات التي تحتوي على الكولاجين يمكن استخدامها بشكل تجميلي لإزالة الخطوط والتجاعيد من الوجه، كما يمكن أن يُحسن حقن الحشوات تلك مظهر الندبات الجلدية، وفي ملء المناطق التي زالت نضارة الامتلاء عنها.
ويتم الحصول على هذه الحشوات من البشر والأبقار، ولذا يجب إجراء اختبارات الجلد قبل استخدام الكولاجين من الأبقار لتجنب تفاقم أي حساسية لدى الشخص. وبالعموم، الكولاجين يمكن أن يملأ المناطق الجلدية السطحية نسبياً، بينما غالباً ما تُملأ الفجوات الأوسع والأعمق في الجلد بمواد مثل الشحوم أو السيليكون أو بالزراعة.
كما يمكن أن يساعد الكولاجين في التئام الجروح عن طريق جذب خلايا الجلد الجديدة إلى موقع الجرح، ما يعزز الشفاء ويوفر منصة حية لنمو الأنسجة الجديد. وضمادات الكولاجين (Collagen Dressings) يمكن أن تساعد في التئام الجروح المزمنة التي لا تستجيب للعلاج الآخر، والجروح التي ترشح وتنضح بسوائل الجسم مثل البول أو العرق، وفي حالات «تحبيب الجروح» (Granulating Wounds) التي تنمو فيها أنسجة مختلفة، وفي حالات الجروح النخرية المتعفنة (Necrotic Wounds)، والجروح الجزئية وكاملة السماكة للجلد، والحروق من الدرجة الثانية، ومواقع التبرع بالجلد (Skin Donation) وترقيع الجلد (Skin Grafts) في حالات الحروق والتشوهات الجلدية الأخرى. ولا ينصح باستخدام ضمادات الكولاجين للحروق من الدرجة الثالثة، أو الجروح المغطاة بقشرة الجلد الميت (Dry Eschar)، أو للمرضى الذين قد يكونون حساسين للمنتجات التي يتم الحصول عليها من الأبقار.

- عوامل تنشط إنتاج الكولاجين وأخرى تثبطه
> إن اتباع نظام غذائي صحي يمكن أن يساعد الجسم في إنتاج الكولاجين. * تشمل العناصر الغذائية التي قد تدعم تكوين الكولاجين:
- البرولين (Proline): المتوفر في بياض البيض واللحوم والجبن وفول الصويا والملفوف.
- مركبات أنثوسيانيد (Anthocyanidins): المتوفرة في التوت والكرز والعنب.
- فيتامين سي: المتوفر في البرتقال والفراولة والفلفل والبقدونس والقرنبيط.
- النحاس: المتوفر في المحار والمكسرات واللحوم الحمراء والبيض.
- فيتامين إيه (Vitamin A): المتوفر في الأغذية المشتقة من الحيوانات وفي الأغذية النباتية كالجزر والمكسرات.

> وبعض العوامل الضارة يمكن أن تستنفد مستويات الكولاجين داخل الجسم، وبالتالي فإن تجنبها يمكن أن يحافظ على صحة الجلد لفترة أطول. ومن أهمها:
- الإكثار من استهلاك السكر: يزيد النظام الغذائي الذي يحتوي على نسبة عالية من السكر من معدل السكر في الدم، وزيادة نشاط عملية التصاق السكريات في الدم بالبروتينات، لتشكيل جزيئات جديدة تسمى المنتجات النهائية المتقدمة للسكري (Advanced Glycation End Products). وهذه المركبات الضارة تتلف البروتينات القريبة التي من أهمها الكولاجين، ما يجعل الكولاجين جافاً وهشاً وضعيفاً.
- التدخين: كثير من المواد الكيميائية الموجودة في دخان التبغ تدمر الكولاجين والإيلاستين (Elastin) في الجلد، وهما المكونان الرئيسيان لنضارة الجلد بطبقة الأدمة. ويضيق النيكوتين الأوعية الدموية في الطبقات الخارجية من الجلد، وهذا يضر بصحة الجلد عن طريق تقليل توصيل العناصر الغذائية والأكسجين إلى الجلد.
- ضوء الشمس: تتسبب الأشعة فوق البنفسجية في ضوء الشمس بتحلل الكولاجين بسرعة أكبر، ما يؤدي إلى إتلاف ألياف الكولاجين وزيادة تراكم الإيلاستين غير الطبيعي. كما أن الأشعة فوق البنفسجية في ضوء الشمس تلحق الضرر بالكولاجين في الأدمة، وتتسبب في إعادة بناء الجلد بشكل غير صحيح، وبالتالي زيادة شكل التجاعيد.
- اضطرابات المناعة الذاتية: تتسبب بعض اضطرابات المناعة الذاتية في استهداف الأجسام المضادة للكولاجين.
- تتسبب عملية الشيخوخة في نضوب مستويات الكولاجين بشكل طبيعي مع مرور الوقت، ولا توجد وسيلة لمنع هذا. ولكن يمكن أن يساعد تجنب التبغ والإفراط في التعرض لأشعة الشمس واتباع نظام غذائي صحي وممارسة التمارين الرياضية في تقليل تأثيرات الشيخوخة المرئية وحماية الكولاجين، والحفاظ على صحة الجلد والعظام والعضلات والمفاصل لفترة أطول.

- استشارية في الباطنية


مقالات ذات صلة

بالعودة إلى «الأساسيات»... بروفيسور يجد الحل لإنقاص الوزن بشكل دائم

صحتك كيف تنقص الوزن بشكل دائم؟ (شاترستوك)

بالعودة إلى «الأساسيات»... بروفيسور يجد الحل لإنقاص الوزن بشكل دائم

دائماً ما يوجد حولنا أشخاص «يتمتعون بعملية أيض سريعة»، أو على الأقل نعتقد ذلك، هؤلاء الأشخاص لديهم شهية كبيرة، ومع ذلك لا يكتسبون وزناً أبداً.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الضغط الإضافي قد يؤدي إلى إتلاف ممرات الأنف ما يزيد من فرص حدوث نزيف مؤلم (رويترز)

طريقة تنظيف أنفك الخاطئة قد تضر بك... ما الأسلوب الأمثل لذلك؟

لقد لجأ مؤخراً أخصائي الحساسية المعتمد زاكاري روبين إلى منصة «تيك توك» لتحذير متابعيه البالغ عددهم 1.4 مليون شخص من العواقب الخطيرة لتنظيف الأنف بشكل خاطئ.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تلقي الإهانة من صديق مؤلم أكثر من استقبال التعليقات السيئة من الغرباء (رويترز)

لماذا قد تنتهي بعض الصداقات؟

أكد موقع «سيكولوجي توداي» على أهمية الصداقة بين البشر حيث وصف الأصدقاء الجيدين بأنهم عامل مهم في طول العمر

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك تورم القدمين قد يشير لعدد من المشكلات الصحية (رويترز)

8 إشارات تنبهك بها قدماك إذا كنت تعاني من مشاكل صحية

قالت صحيفة «إندبندنت» البريطانية إن الأقدام يمكن أن تساعد على التنبيه بوجود مشاكل صحية إذ إن أمراضاً مثل القلب والسكتات الدماغية يمكن أن تؤثر على القدمين.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الصين تقول إن فيروس «إتش إم بي في» عدوى تنفسية شائعة (إ.ب.أ)

الصين: الإنفلونزا تظهر علامات على الانحسار والعدوى التنفسية في ازدياد

قال المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، الخميس، إنه رغم ظهور علامات تباطؤ في معدل فيروس الإنفلونزا بالبلاد، فإن الحالات الإجمالية للأمراض التنفسية.

«الشرق الأوسط» (بكين)

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات
TT

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

اختلاف تكوين المخّ قد يدفع إلى تعاطي المخدرات

كشفت دراسة عصبية حديثة نُشرت في نهاية شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي في مجلة الرابطة الطبية الأميركية «JAMA Network Open»، عن احتمالية أن يكون لشكل المخ وتكوينه الخارجي دور مهم في التوجه إلى تجربة المواد المضرة المختلفة في سن مبكرة أثناء فترة المراهقة، ثم إدمانها لاحقاً في مرحلة الشباب. وبالتالي يكون هؤلاء الأطفال مدفوعين لتعاطي هذه المواد أكثر من غيرهم الذين يتمتعون ببنية مخية طبيعية.

دراسة المخ

الدراسة التي تم تمويلها من المعاهد الوطنية الصحية (NIH) بالولايات المتحدة وقام بها باحثون من جامعة واشنطن Washington University بسانت لويس أجريت على ما يقرب من 10 آلاف مراهق من جميع أنحاء الولايات المتحدة، حيث تمت متابعتهم عن طريق تحليل بيانات تم جمعها من دراسة سابقة (وهي: دراسة التطور المعرفي لمخ المراهقين ABCD Study التي تُعد أكبر دراسة طولية لتطور المخ في الأطفال والمراهقين في الولايات المتحدة)، التي يدعمها المعهد الوطني لتعاطي المخدرات التابع للمعاهد الوطنية للصحة (NIDA).

قام الباحثون بعمل مراجعة وتقييم لأشعة الرنين المغناطيسي التي أجريت على المخ لـ9804 أطفال عندما كانت أعمارهم تتراوح بين 9 و11 عاماً. وبطبيعة الحال لم يكن هناك أي طفل قام بتجربة أي مادة مخدرة.

وبعد ذلك قام الباحثون بتتبع المشاركين على مدى ثلاث سنوات لمعرفة بدء تعاطي المواد المختلفة وركزوا على مراقبة تعاطي الكحول والنيكوتين و / أو نبات القنب بشكل أساسي؛ لأن هذه المواد على وجه التحديد تعد الأكثر شيوعاً في مرحلة المراهقة المبكرة في الولايات المتحدة. وهذه المتابعة كانت من خلال سؤال المراهقين وذويهم بشكل مباشر، أو من خلال السجلات التي تفيد بتورط هؤلاء الطلاب في تجربة هذه المواد.

وتضمنت الأسئلة استخدام أي مواد غير مشروعة أخرى (مثل الأدوية العصبية من دون وصفة طبية والأقراص المخدرة). ثم قام الباحثون بعمل مقارنة بين صور الرنين المغناطيسي الخاصة بالمراهقين الذين أبلغوا عن بدء تعاطي المواد المخدرة بأنواعها المختلفة قبل بلوغهم سن 15 عاماً بأقرانهم الذين لم يقدموا على تجربة المخدرات، لمعرفة إذا كانت هذه الفرضية (ارتباط تشريح المخ بزيادة القابلية للمخدرات) صحيحة أم لا.

وقال معظم الطلاب (90.2 في المائة) الذين شملتهم الدراسة إنهم قاموا بتجربة تناول الكحوليات مرة واحدة على الأقل قبل عمر الخامسة عشرة. وقالت نسبة كبيرة منهم إنهم قاموا بشرب الكحول بالتزامن مع التدخين سواء النيكوتين أو نبات القنب. وفي المقابل، قال الأطفال الذين قاموا بتجربة التدخين في البداية إنهم بدأوا أيضاً في تعاطي الكحول بعد فترة بسيطة من التدخين، ما يعني أن تجربة مادة معينة في الأغلب تؤدي إلى تجربة بقية المواد.

اختلافات تشريحية

قام العلماء بتقييم الاختلافات التشريحية الظاهرة في الأشعة تبعاً لمقاييس معينة مثل الحجم الكلي للمخ، والسمك، وكذلك النتوءات الموجودة، وعمق طيات المخ depth of brain folds واهتموا بشكل خاص بطبقات القشرة المخية، وهي الطبقة الخارجية من المخ المليئة بالخلايا العصبية. وهي مسؤولة عن العديد من العمليات الإدراكية والعاطفية، مثل التعلم والإحساس والذاكرة واللغة والانفعالات العاطفية واتخاذ القرار (من المعروف أن هذه المقاييس والخصائص ترتبط بالتباين في القدرات المعرفية وردود الفعل والتوصيلات العصبية من شخص لآخر).

ووجد الباحثون اختلافات واضحة في بنية خلايا المخ للمراهقين الذين أبلغوا عن بدء تعاطي المواد المخدرة قبل سن 15 عاماً وأقرانهم الذين لم يقوموا بتجربة المواد. وعلى سبيل المثال، كانت هناك زيادة في حجم المخ الكلي، وأيضاً زيادة في حجم القشرة المخية للمراهقين الذين قاموا بتعاطي المواد المختلفة، سواء المخدرات أو الكحوليات. وأيضاً كان هناك ما يقرب من 39 اختلافاً إضافياً بين مخ الذين جربوا المواد وأقرانهم في الكفاءة الوظيفية للخلايا وسمك القشرة المخية. وقال الباحثون إنهم وجدوا في بعض الحالات اختلافات في شكل الخلايا وبنيتها بطريقة فريدة من نوعها تبعاً لطبيعة المادة المستخدمة.

الإدمان لا يحدث فقط بسبب الانحراف السلوكي بل ربما لسبب قهري

وأظهر تحليل حديث آخر للبيانات الخاصة بالدراسة نفسها (التطور المعرفي لمخ المراهقين ABCD Study) أن أنماط التوصيلات العصبية في المخ في مرحلة المراهقة المبكرة يمكن أن تتنبأ ببدء تعاطي المواد المخدرة في الشباب، وهو الأمر الذي يؤكد أن إدمان هذه المواد ليس فقط بسبب الانحراف السلوكي والمشاكل النفسية، ولكن ربما لسبب قهري مرتبط بشكل المخ والخلل الوظيفي في خلاياه.

أوضحت الدراسة أن هذه النتائج تعد بالغة الأهمية في لفت النظر إلى ضرورة وضع الأسباب البيولوجية في الحسبان عند التعامل مع مشاكل إدمان المراهقين وإقدامهم على تجربة أنواع معينة من المواد الضارة، ونصحت الدراسة أيضاً بضرورة عمل مسح عن طريق أشعة الرنين المغناطيسي للأطفال، وتوفير الدعم النفسي للأطفال الأكثر عرضة لتجربة هذه المواد تبعاً للتغييرات التشريحية في مخهم، وعمل دورات توعية باستمرار لهم، وتحذيرهم من عواقب الإدمان، وعلاجهم في حالة تعرضهم بالفعل لهذه المواد.

وفي النهاية، أكد الباحثون أن بنية المخ وحدها لا يمكنها التنبؤ بتعاطي المواد المخدرة أثناء المراهقة، ولا يجب استخدام هذه البيانات بوصفها أداة تشخيص قاطعة، ولكن يجب أن يتم التعامل معها بوصفها عامل خطورة إضافياً مثل: «البيئة، والاستعداد الوراثي الجيني، والتعرض لأحداث مأساوية في الطفولة»، خاصة في حالة وجود اختلافات واضحة في بنية المخ التشريحية في مرحلة الطفولة، قبل أي استخدام لهذه المواد.

* استشاري طب الأطفال.