الرمان... «شجرة الأجداد» تمنح البشرية الدواء والسعادة

حلو وحامض والبعض يتفنن في عصره ونزع قشرته

الرمان... «شجرة الأجداد» تمنح البشرية الدواء والسعادة
TT

الرمان... «شجرة الأجداد» تمنح البشرية الدواء والسعادة

الرمان... «شجرة الأجداد» تمنح البشرية الدواء والسعادة

لم تتخيل جموع الصبية الذين يقطفون ثمار الرمان، منتصف كل خريف، في الحقول المترامية بأنحاء مصر، أنهم وغيرهم في أماكن مختلفة من العالم، يمنحون البشرية قسطاً من السعادة، ووفرة من الوصفات الطبية. كل ما كان يشغلهم أنهم يمارسون عملاً اعتيادياً يتقاضون عليه أجراً.
فالرمان، الذي يطلق عليه المزارعون في البلاد، وخصوصاً في صعيدها: «الذهب الأحمر»، نظراً لأنه يمثل الدخل الرئيسي لغالبيتهم، خلدته الكتب السماوية، وكُتبت فيه الأشعار وتغنى بها المطربون، لكونه يمتلك قدراً من السحر والدفء، قد تستشعرهما وأنت بين شجيراته السامقة، أو تتذوقه عصيراً، أو حتى وأنت تنزع عنه قشرته الخارجية لتكشف عن لآلئه الحمراء، المتراصة بشكل مذهل.
فمع اتساع رقعة بساتين الرمان المنزرعة، وخصوصاً في مراكز البداري، ومنفلوط، وساحل سليم، بمحافظة أسيوط، (جنوب مصر) التي تنتج منه الحلو والحامض، يزداد عشاقه ومتذوقوه في أنحاء البلاد، منهم من يبتغي من تناوله الشفاء من العلل، وآخرون يرون فيه أنه يمنحهم قدراً من السعادة والانبساط، وتجديد النشاط أيضاً.
وإذا كانت كتب التاريخ قد نقلت أن أصل الرمان يرجع إلى قارة آسيا، ومنها انتقل إلى الشام ثم إلى شمال أفريقيا ومصر، ودول حوض البحر الأبيض المتوسط، فإن المصري القديم عرف الرمان مبكراً، وهو ما أظهرته بعض النقوش على معابد تعود إلى فترة عصور الدولة الحديثة، وهي تشير إلى معرفته منذ عصور مبكرة زراعة أنواع من الفواكه، كالتين والعنب، بالإضافة إلى الرمان والبطيخ.
وشجرة الرمان من النباتات المعمرة، وتستمر في الإنتاج نحو 50 عاماً، ويتراوح طولها ما بين 3 إلى 4 أمتار، بحسب راضي أبو علي، الذي ينتمي إلى مدينة أسيوط، متحدثاً عن عملية قطع الثمار، بحشد الفتية إلى البساتين من الصباح الباكر: «تقطيع الرمان يستمر مدة ثلاثة أشهر، تبدأ من أول شهر سبتمبر (أيلول) وتنتهي مع نهاية نوفمبر (تشرين الثاني)، وتتم تعبئته في كراتين أو (برانيك) بعد فرزه، لبيعه إلى تجار الجملة أو للتصدير».
ويضيف أبو علي لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأشجار مباركة ببركة القرآن، فهي هدية أجدادنا لنا، ونحن نعمل على رعايتها وتنميتها بالطرق الحديثة، حتى نخرج منتجاً يليق بالتصدير، وطعمه ما بين الحلو والحامض».
غير أن هذه الثمرة التي تعد من طعام أهل الجنة بوصف القرآن الكريم لها: «فيهما فاكهة ونخل ورمان»، وأسرفت المصادر الطبية في الحديث عن مدى نفعها والتداوي بها، تغزل فيها الأدباء والشعراء، ومنهم الراحل عبد الرحمن الأبنودي، الذي أتى على ذكرها بشكل عابر في أغنية للراحلة فايزة أحمد، حينما قالت: «مال عليا مال - فرع من الرمان - قلبي الأخضر شمعة ورقصت فوق الشمعدان»؛ لكن الراحل فتحي قورة أفرد لها مساحة أكبر في أشعاره، وتغنت بها الراحلة هدى سلطان: «رمان الجناين يا أخضر - رمان العرايس طاب - ليها حق العروسة الحلوة تتدلل على الخطاب - طول عمر الفرح متعود - بيحني الإيدين ويرقص وبسكر بناتنا ينقط».
وبجانب السعادة التي يستشعرها متذوقو الرمان، مع كثرة مقاطع الفيديو التي انتشرت مؤخراً والتي تتفنن في تقطيع وتفريط الرمان، فإن البعض يستهدف الرمان لأغراض علاجية، إذ ذهب كثير من الأطباء والمتخصصين في التغذية إلى أن ثمرة الرمان كفيلة بعلاج علل وأمراض كثيرة. وقال الدكتور علاء ياسين، المتخصص في أمراض القلب، إن هناك بحوثاً طبية حديثة أثبتت أن الرمان مفيد من جوانب كثيرة بالنسبة للقلب والشرايين، لافتاً إلى أن تناول حبة واحدة، سواء كانت عصيراً أو حَباً، فإنه يقوي عضلة القلب، ويحسن من مقاومة الجسم للأمراض السرطانية، فضلاً عن «كونه يساعد في علاج عسر الهضم وتنظيم السكر في الدم».
والأمر لم يتوقف عند المحتوى الداخلي لثمرة الرمان؛ بل إن كثيراً من المختصين في علوم التغذية، ومنهم الدكتور رشاد توفيق، دعا إلى عدم التخلي عن قشرة الرمانة وتناولها كمشروب ساخن أو بارد، بعد تجفيفها وسحقها في الخلاط، وقال إنها تحتوي على مضادات الأكسدة، وتقي من بعض الأمراض السرطانية، بالإضافة إلى قدرتها على خفض معدلات الكولسترول الضار في الأوعية الدموية، وتعزيز الجهاز المناعي.
ومن الدراسات الحديثة التي أثبتت فاعلية ثمار الرمان وقدرتها على التصدي لبعض الأمراض، الدراسة السويسرية التي نشرتها مجلة «نيتشر ميتابوليزم» الشهرية، في شهر يونيو (حزيران) الماضي؛ والتي أجراها باحثون من «معهد لوزان للعلوم التطبيقية»، و«المعهد السويسري للمعلوماتية الحيوية»، وشملت تجارب سريرية؛ حيث وجد الباحثون أن جزيئات «الإيليجيتان» الموجودة في فاكهة الرمان تتحول في الأمعاء البشرية عند البلع إلى مركب يسمى «اليوروليثين»، الذي ثبت أنه يبطئ من عملية شيخوخة الميتوكوندريا.
والميتكوندريا هي مصنع الطاقة داخل الخلية، وتقوم بعملية تحويل الطاقة من المواد الغذائية إلى شكل يسمح للخلايا باستخدامها، وتحتوي كل خلية على مئات منها، وبسبب ضعف هذه العملية مع بلوغ الشخص سن الخمسين، فإن عضلات الهيكل العظمي تبدأ في فقدان قوتها وكتلتها، غير أن الدراسة أكدت بالتجارب السريرية أنه يمكن تعزيز القوة من خلال تحسين أداء الميتوكوندريا باستخدام مركب «اليوروليثين».
ومع دخول موسم الشتاء، يقبل المصريون على شراء ثمار الرمان بكثرة، فمنهم من يحوله عصيراً، أو يمزجه مع «الجيلي»، أو يخزنه فترة طويلة. كما تنتشر في شوارع القاهرة محلات العصير التي تتفنن في اجتذاب زبائنها بعرض عصير الرمان محاطاً بشرائح الموز، أو مخلوطاً به؛ لكن يبقى أن المتيمين بالرمان لا يقبلون معه شريكاً، فهم يفضلونه دون إضافات عليه، كما يوضح أشرف صاحب محل للعصير بمنطقة فيصل بمحافظة الجيزة، مضيفاً: «يوجد إقبال كبير على شراء أكواب الرمان؛ خصوصاً من الشباب والأطفال».
وأمام ثراء ثمرة الرمان، اتجه البعض للاستفادة منها في أشياء كثيرة، منها ما يعرف بـ«دبس الرمان»، وهو مستحضر تقول عنه الشيف نجلاء الشرشابي، إنه يدخل في جميع أنواع الطبخ، وخصوصاً في تتبيل الدجاج واللحم، كما أنه يضاف إلى السلطات وأصناف المقبلات الأخرى.
ويحضر «دبس الرمان» من خلال وضع إناء على النار به كمية من عصير الرمان الطبيعي، وتضاف إليه كمية من السكر وعصير الليمون أو البرتقال، مع الاستمرار في التقليب إلى أن يغلي المزيج، ويترك ليغلي حتى يتبخر ما به من ماء، ويصبح المزيج كثيفاً، ثم يوضع في الثلاجة بعد أن يبرد تماماً.


مقالات ذات صلة

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

صحتك تناول وجبة إفطار متوازنة ودسمة يساعد على إدارة السعرات الحرارية اليومية (رويترز)

تخطي وجبة الإفطار في الخمسينات من العمر قد يسبب زيادة الوزن

أظهرت دراسة حديثة أن تخطي وجبة الإفطار في منتصف العمر قد يجعلك أكثر بدانةً، ويؤثر سلباً على صحتك، وفقاً لصحيفة «التليغراف».

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق رهاب الموز قد يسبب أعراضاً خطيرة مثل القلق والغثيان (رويترز)

وزيرة سويدية تعاني «رهاب الموز»... وموظفوها يفحصون خلو الغرف من الفاكهة

كشفت تقارير أن رهاب وزيرة سويدية من الموز دفع المسؤولين إلى الإصرار على أن تكون الغرف خالية من الفاكهة قبل أي اجتماع أو زيارة.

«الشرق الأوسط» (ستوكهولم)
صحتك رجل يشتري الطعام في إحدى الأسواق الشعبية في بانكوك (إ.ب.أ)

دراسة: 3 خلايا عصبية فقط قد تدفعك إلى تناول الطعام

اكتشف باحثون أميركيون دائرة دماغية بسيطة بشكل مذهل تتكوّن من ثلاثة أنواع فقط من الخلايا العصبية تتحكم في حركات المضغ لدى الفئران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق خبراء ينصحون بتجنب الوجبات المالحة والدهنية في مبنى المطار (رويترز)

حتى في الدرجة الأولى... لماذا يجب عليك الامتناع عن تناول الطعام على متن الطائرات؟

كشف مدرب لياقة بدنية مؤخراً أنه لا يتناول الطعام مطلقاً على متن الطائرات، حتى إذا جلس في قسم الدرجة الأولى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
يوميات الشرق قطع من الجبن عُثر عليها ملفوفة حول رقبة امرأة (معهد الآثار الثقافية في شينغيانغ)

الأقدم في العالم... باحثون يكتشفون جبناً يعود إلى 3600 عام في مقبرة صينية

اكتشف العلماء أخيراً أقدم قطعة جبن في العالم، وُجدت ملقاة حول رقبة مومياء.

«الشرق الأوسط» (بكين)

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
TT

«أبو حصيرة» من غزة إلى القاهرة

توابل  فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)
توابل فلسطينية تعزز مذاق الأسماك (الشرق الأوسط)

من غزة إلى القاهرة انتقل مطعم «أبو حصيرة» الفلسطيني حاملاً معه لمساته في الطهي المعتمد على التتبيلة الخاصة، وتنوع أطباقه التي تبدأ من زبدية الجمبري والكاليماري إلى الفسيخ بطريقة مختلفة.

وتعتبر سلسلة المطاعم التي تحمل اسم عائلته «أبو حصيرة» والمنتشرة بمحاذاة شاطئ غزة هي الأقدم في الأراضي الفلسطينية، لكن بسبب ظروف الحرب اتجه بعض أفراد العائلة إلى مصر؛ لتأسيس مطعم يحمل الاسم العريق نفسه، وينقل أطباق السمك الحارة المميزة إلى فضاء جديد هو مدينة القاهرة، وفق أحمد فرحان أحد مؤسسي المطعم.

«صينية السمك من البحر إلى المائدة»، عنوان إحدى الأكلات التي يقدمها المطعم، وهي مكونة من سمك الـ«دنيس» في الفرن بالخضراوات مثل البقدونس والبندورة والبصل والثوم والتوابل، وإلى جانب هذه الصينية تضم لائحة الطعام أطباق أسماك ومقبلات منوعة، تعتمد على وصفات قديمة وتقليدية من المطبخ الفلسطيني. وتهتم بالنكهة وطريقة التقديم على السواء، مع إضفاء بعض السمات العصرية والإضافات التي تناسب الزبون المصري والعربي عموماً؛ حيث بات المطعم وجهة لمحبي الأكلات البحرية على الطريقة الفلسطينية.

على رأس قائمة أطباقه السمك المشوي بتتبيلة خاصة، وزبدية الجمبري بصوص البندورة والتوابل وحبات القريدس، وزبدية الجمبري المضاف إليها الكاليماري، والسمك المقلي بدقة الفلفل الأخضر أو الأحمر مع الثوم والكمون والليمون، وفيليه كريمة مع الجبن، وستيك، وجمبري بصوص الليمون والثوم، وجمبري بالكريمة، وصيادية السمك بالأرز والبصل والتوابل.

فضلاً عن قائمة طواجن السمك المطهو في الفخار، يقدم المطعم قائمة متنوعة من شوربات السي فود ومنها شوربة فواكه البحر، وشوربة الكريمة.

يصف محمد منير أبو حصيرة، مدير المطعم، مذاق الطعام الفلسطيني لـ«الشرق الأوسط»، قائلاً: «هو أذكى نكهة يمكن أن تستمتع بها، ومن لم يتناول هذا الطعام فقد فاته الكثير؛ فالمطبخ الفلسطيني هو أحد المطابخ الشرقية الغنية في منطقة بلاد الشام، وقد أدى التنوع الحضاري على مر التاريخ إلى إثراء نكهته وطرق طبخه وتقديمه».

أطباق سي فود متنوعة يقدمها أبو حصيرة مع لمسات تناسب الذوق المصري (الشرق الأوسط)

وأضاف أبو حصيرة: «وفي مجال المأكولات البحرية يبرز اسم عائلتنا التي تتميز بباع طويل ومميز في عالم الأسماك. إننا نتوارثه على مر العصور، منذ بداية القرن الماضي، ونصون تراثنا الغذائي ونعتبر ذلك جزءاً من رسالتنا».

«تُعد طرق طهي الأسماك على الطريقة الغزاوية خصوصاً حالة متفردة؛ لأنها تعتمد على المذاق الحار المميز، وخلطات من التوابل، والاحتفاء بالطحينة، مثل استخدامها عند القلي، إضافة إلى جودة المكونات؛ حيث اعتدنا على استخدام الأسماك الطازجة من البحر المتوسط المعروفة»، وفق أبو حصيرة.

وتحدث عن أنهم يأتون بالتوابل من الأردن «لأنها من أهم ما يميز طعامنا؛ لخلطتها وتركيبتها المختلفة، وقوتها التي تعزز مذاق أطباقنا».

صينية أسماك غزوية يقدمها أبو حصيرة في مصر (الشرق الأوسط)

لاقت أطباق المطعم ترحيباً كبيراً من جانب المصريين، وساعد على ذلك أنهم يتمتعون بذائقة طعام عالية، ويقدرون الوصفات الجيدة، والأسماك الطازجة، «فنحن نوفر لهم طاولة أسماك يختارون منها ما يريدون أثناء دخول المطعم».

ولا يقل أهمية عن ذلك أنهم يحبون تجربة المذاقات الجديدة، ومن أكثر الأطباق التي يفضلونها زبدية الجمبري والكاليماري، ولكنهم يفضلونها بالسمسم أو الكاجو، أو خليط المكسرات، وليس الصنوبر كما اعتادت عائلة أبو حصيرة تقديمها في مطاعمها في غزة.

كما انجذب المصريون إلى طواجن السي فود التي يعشقونها، بالإضافة إلى السردين على الطريقة الفلسطينية، والمفاجأة ولعهم بالخبز الفلسطيني الذي نقدمه، والمختلف عن خبز الردة المنتشر في مصر، حسب أبو حصيرة، وقال: «يتميز خبزنا بأنه سميك ومشبع، وأصبح بعض الزبائن يطلبون إرساله إلى منازلهم بمفرده أحياناً لتناوله مع وجبات منزلية من فرط تعلقهم به، ونلبي لهم طلبهم حسب مدير المطعم».

تحتل المقبلات مكانة كبيرة في المطبخ الفلسطيني، وهي من الأطباق المفضلة لدى عشاقه؛ ولذلك حرص المطعم على تقديمها لزبائنه، مثل السلطة بالبندورة المفرومة والبصل والفلفل الأخضر الحار وعين جرادة (بذور الشبت) والليمون، وسلطة الخضراوات بالطحينة، وبقدونسية بضمة بقدونس والليمون والثوم والطحينة وزيت الزيتون.

ويتوقع أبو حصيرة أن يغير الفسيخ الذي سيقدمونه مفهوم المتذوق المصري، ويقول: «طريقة الفسيخ الفلسطيني وتحضيره وتقديمه تختلف عن أي نوع آخر منه؛ حيث يتم نقعه في الماء، ثم يتبل بالدقة والتوابل، ومن ثم قليه في الزيت على النار».

لا يحتل المطعم مساحة ضخمة كتلك التي اعتادت عائلة «أبو حصيرة» أن تتميز بها مطاعمها، لكن سيتحقق ذلك قريباً، حسب مدير المطعم الذي قال: «نخطط لإقامة مطعم آخر كبير، في مكان حيوي بالقاهرة، مثل التجمع الخامس، أو الشيخ زايد».