في الساعة العاشرة من صباح يوم أحد غير بعيد، دعت شركة «باراماونت» عدداً من الصحافيين والنقاد الأميركيين وغير الأميركيين للتجوال في بعض استديوهاتها بهدف معرفة كيف تم خلق شخصية موازية للممثل ويل سميث في فيلمه الجديد «جيميناي مان».
ليس فقط عملية صنع شخصية تشبهه بل اشتباكها الكلي معه؛ مزجهما في لقطات معارك، أو الحديث عن مقربة، والتقاط المشاهد من زوايا لا يمكن لها إلا أن تكون من صنع مؤثرات حديثة. ما هي؟ فوجئنا بأن المخرج آنغ لي والممثل ويل سميث سيتحدثان حولها.
في الطريق إلى استديوهات «باراماونت» العريقة في شارع ملروز في هوليوود تذكر هذا الناقد أن الحيلة الوحيدة التي كانت قادرة على تأمين ممثل يلعب دوراً مزدوجاً في مشاهد واحدة حتى عقود قليلة سابقة، كانت تصويره بنصف فتحة الكاميرا ثم إعادة تصويره بالنصف الثاني من فتحة الكاميرا. بهذه الخدعة (البسيطة) شوهد الكوميدي الفرنسي يلعب أمام نفسه في فيلم «كل ذهب العالم» سنة 1961، والأميركي بيو بدرجز في دور الملك لويس الرابع عشر وغريمه فيلب في «الفارس الخامس» (1979). وقامت جنيفييف بوجويلد بتأدية دور توأم في فيلم برايان دي بالما «هوس»، وقبلها قامت أوليفيا د هافيلاند بتمثيل التوأم في فيلم «المرآة المظلمة» لروبرت سيودماك (1946).
في النصف الأول سيرتدي الممثل (أو الممثلة) لباساً مختلفاً ويقوم بتصميم شعره على نحو مختلف لتسهيل مهمة المشاهد في الفصل بينه وبينه الآخر. في النصف الثاني من الكاميرا ستتغير الملابس والتصاميم وفي كلتا الحالتين سيؤدي الممثل دوره واقفاً إلى يمين اللقطة ومتحدثاً للهواء الذي سيملأه الممثل نفسه عندما يغير ثيابه وتصميم شعره ويقف إلى يسار اللقطة ويتحدث إلى الهواء المقابل. هذا قبل أن يجمع الفنيون في مراحل ما بعد التصوير بينهما ويلقونهما للمشاهدين الذين -إذا ما نجحت اللعبة- رفعوا حواجب أعينهم مندهشين.
في طريقة أخرى لاحقة يتم تصوير الممثل الذي سيلعب ضد نفسه كاملاً مع ممثل آخر لن يظهر في النتيجة النهائية. بعد قيام الممثل بتأدية دوره، سينتقل إلى الجانب الآخر ويمثل الشخصية المزدوجة المفترض به تمثيلها. بعد ذلك يتم تركيب لقطات الممثل الواحد بدل الممثل الذي لن يظهر في الفيلم، فإذا بنيكولاس كيدج يظهر جالساً أمام نفسه كما فعل في فيلم «اقتباس» قبل ثماني عشرة سنة.
منذ تلك العهود ودخولاً في عصر الديجيتال وإنجازاته، لم يعد هذا وارداً.
تم وضع هذه الحيلة في متحف التاريخ والاستعاضة بأساليب دمج مبتكرة وأكثر تعقيداً يؤدي فيها التصوير بالديجيتال وأنظمة الكومبيوتر المبتكرة الدور الأول. لكن «جميناي مان»، فكّرت وأنا أقود سيارتي شرقاً في يوم أحد بلا حركة سير تُذكر، يذهب لما بعد كل هذا. هناك ابتكار جديد يشمل قيام ويل سميث بلعب نفسه متلاحماً مع نفسه. سميث الأول رجل في الخمسين. سميث الثاني شاب في الثالثة والعشرين من عمره. الأول يفاجأ بالثاني. يتصارع وإياه في مشاهد قتال قبل أن يقف وإياه في صف واحد.
نقدياً، هناك كثيرون اعتبروا أن الإنجاز النقدي فاق الإنجاز الفني. أنا من بينهم.
الفضول لم يستبدّ بكل النقاد والصحافيين المدعوين. وقف المخرج آنغ لي على المنصّة وشرح أموراً تمهيدية عن الفيلم الذي لم يكن قد بوشر بعرضه تجارياً بعد. حكى عن القصّة وأشار إلى دور ويل سميث فيها وما حاول الفيلم إنجازه درامياً.
تطرّق إلى بعض العناصر التقنية التي استُخدمت لتحقيق «إنجاز غير مسبوق على هذا النحو من قبل» كما قال. مرّ على رموز وفاته شرحها مثل HFR و4K، وخصّ مدير التصوير ديون بيبي، بكثير من المدح.
قال عنه: «ديون مدير تصوير ذكي وهو واحد من أول مديري التصوير الذين خبروا معضلة التصوير بنظام الأبعاد الثلاثة خلال التصوير بنظام Z- AXIS».
ما يعني ذلك عملياً كسر الحاجز السابق الذي يحدّ من حركة الكاميرا العاملة بنظام الأبعاد الثلاثة وجعلها قادرة على استخدام العدسات والآليات المختلفة للكاميرا العادية (زوم، بوم، بان... إلخ).
الطريقة الإجمالية لا تبتعد كثيراً عما أقدمت عليه أفلام سابقة، لكنها أدق وأصعب على عدة مستويات بحيث لا يمكن التكهن بنتائجها إلا بعد الانتهاء منها جميعاً.
بعد نصف ساعة من الحديث في مكوّنات تقترب من الوضوح ولا تلج به سنحت لي فرصة الجلوس معه لأطلب منه -فعلياً- إعادة معظم ما قام بإيجازه على المنصّة:
> في البداية، هل كان دافعك لتحقيق هذا الفيلم تقنياً في المقام الأول؟
- كان دافعاً مزدوجاً. السيناريو تضمّن فكرة رائعة وهي أن يقوم الممثل الذي سيقود البطولة -ولم يكن الاختيار تم على ويل سميث بعد- بتأدية دور مزدوج. هو رجل يدعى هنري بروغان. قاتل محترف منذ سنوات. هناك من يرغب في التخلص منه ويجد أن الطريقة الوحيدة للتخلص منه هو خلق شخص آخر يشبهه تماماً. خلقه من الحمضيات النووية والجينات التي يمتلكها بحيث يختزن كذلك لا شكله الخارجي فقط بل مهاراته وذكاءه. فجأة يجد هنري نفسه أمام عدو هو في الواقع نفسه وقد انفصل عنه.
> لكن الحكاية هنا تتجاوز دمج شخصين في مشاهد واحدة. هناك فارق السن. هنري الكبير يواجه هنري الصغير…
- نعم. هذا ما جعلني أبحث في الطريقة المثلى لكي أضع هذا العنصر الذي هو عنصر روائي أو درامي بالدرجة الأولى داخل عملية تقنية جديدة. قررت ألا أرضى بالنظم المعهودة على حداثة هذه النظم. حفزتني حقيقة أن هنري الكبير يواجه هنري الصغير داخل الحبكة التي أرويها. بالنسبة إليّ كانت هذه الحقيقة ما أحتاج إليه للبحث عن إمكانيات جديدة لتوفير الدهشة.
> هل صحيح كما ذكرت بعض التقارير أنك أمضيت سنتين تعمل في الحقول التقنية لهذا المشروع؟
- صحيح. لكني لم أكن المخرج الأول لهذا المشروع. أعتقد أن السيناريو كُتب قبل عشر سنوات أو ربما أكثر بقليل ودار على عدد من المخرجين. شركة «باراماونت» أرسلت لي نسخة ثالثة أو رابعة من السيناريو في أواخر 2016، وأعلنت قبولي للمهمة في الشهر الثاني من 2017 ودخلنا التصوير بعد سنة وفي كل هذا الوقت كنا نعمل في الوقت ذاته على النواحي التقنية، أنا و500 تقني وفني.
> في السنوات الأخيرة شاهدنا بداية تحويل الممثلين إلى نسخ أصغر عمراً مما هم عليه. في هذه الفترة بالتحديد هناك فيلم مارتن سكورسيزي حيث يؤدي باتشينو ودي نيرو دوريهما في سن أصغر. هذا يعود إلى أكثر من عشر سنوات. ما الجديد في هذا الإنجاز؟ لماذا هو أفضل من سواه؟
- أعتقد أن الجواب واضح. تستخدم الممثل نفسه لكي تصنع منه هو شخصيته قبل بلوغه سناً متقدّمة. لكن المسألة هنا ليست فقط تصغير سن، هي تصغير سن بالإضافة إلى خلق شخصية أخرى من ذات الجينات تؤدي المشاهد جنباً إلى جنب الشخصية الرئيسية. إذن المسألة ليست فقط De- Aging. نستطيع اليوم خلق شخصيات عضوية لا سوابق لها. وأنت على حق في أن هذا النظام يعود إلى أكثر من عشر سنوات، لكن ليس بالدقة التي عمدنا إليها ولا بالتنويع الذي اشتغلنا عليه. لقد اشتغلنا على ابتكار شخصية جديدة من البذرة الأولى. في الفيلم هي شخصية تتمتع بجينات الأب ذاتها. في الواقع كله شغل ديجيتال ومؤثرات صعبة لدرجة أننا حتى الآن لسنا واثقين من درجة نجاحنا.
> ذكرت في كلمتك عن استخدام «هاي فريم رايت» (High Frame Rate). حسبما أعرف هي كيفية تتعلق بسرعة الفيلم داخل الكاميرا. لكن ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة إلى الفيلم؟
- يعني أننا اعتمدنا على نظام أصعب من العادي للتصوير. يضمن دقة قد لا تلاحظها العين على نحو مفصل لكنها تمنح الفيلم نتيجة تأثير مضاعفة عن المعتاد. إنه، ولا أدري إذا كنت سأجيد المقارنة، مثل مسح زجاج نظيف في الأصل لجعله أكثر لمعاناً.
> حسب ما تصفه لا بد أن كل قرار اتخذته تعلّق بقرار آخر أو بشرط مختلف لا بد أن يصاحبه. مثلاً عرض الفيلم بنظامي 3D و4K...
- نظام 4K وجع رأس مختلف. يتعلق بجودة رفع نسبة «البيكسل» لمنح الشاشة الكبيرة تجسيداً أفضل. وبالطبع هي مرتبطة بكل قرار آخر اتخذناه لأنه في كل مرّة نتقدم خطوة في مجال واحد من نظم الديجيتال والمؤثرات وCGI (كومبيوتر غرافيكس إيماجنري) علينا أن نتصدى لتبعات ذلك في مجالات أخرى.
> عمدت إلى شغل الديجيتال منذ فيلم «هَلّك» (Hulk) سنة 2003. كان لديك الممثل إريك بانا لكي ينتقل من حجم رجل عادي إلى حجم رجل ضخم جداً. كيف تنظر إلى التقدم التقني منذ ذلك الحين؟
- لا مجال للمقارنة. كانت بدايات مهمة لكن لا شيء هو نفسه تقريباً. أريد أن أختم لأقول لك إننا في وضع جديد تماماً. في هذا الوضع نبتكر شخصيات غير موجودة في الحياة على الشاشة، لكن الابتكار من التعقيد بحيث قد يلغي كل جهدك بل كل الفيلم إذا كان هناك خطأ في كيف ينظر الشخص المصنوع رقمياً أو كيف يعبّر بزمّ شفته أو بحركة إصبعه. إذا لم يكن كله جيداً في كل التفاصيل فإن العمل عليه سينتهي قبل أن يولد على الشاشة.
المخرج آنغ لي لـ«الشرق الأوسط» عن فيلمه الجديد: قررت رفض النظم المعهودة على حداثتها
تقنيات «جميناي مان» لم يبلغها عمل آخر وبطله ويل سميث
المخرج آنغ لي لـ«الشرق الأوسط» عن فيلمه الجديد: قررت رفض النظم المعهودة على حداثتها
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة