سياسات تحفيز الدفع الإلكتروني في السعودية تؤتي ثمارها

انحسار ملحوظ لتداول النقد في الأسواق

مؤسسة النقد السعودية تعزز سياسات التحوّل لـ«مجتمع لا نقدي» في المملكة (تصوير: سعد الدوسري)
مؤسسة النقد السعودية تعزز سياسات التحوّل لـ«مجتمع لا نقدي» في المملكة (تصوير: سعد الدوسري)
TT

سياسات تحفيز الدفع الإلكتروني في السعودية تؤتي ثمارها

مؤسسة النقد السعودية تعزز سياسات التحوّل لـ«مجتمع لا نقدي» في المملكة (تصوير: سعد الدوسري)
مؤسسة النقد السعودية تعزز سياسات التحوّل لـ«مجتمع لا نقدي» في المملكة (تصوير: سعد الدوسري)

بدأت تلوح في الأفق ملامح انخفاض التداول بالنقد (الكاش) في السعودية مع استمرار سياسات تحفيز الدفع الإلكتروني في البلاد، إذ كشفت بيانات رسمية عن تراجع معدل السيولة النقدية المتداول بها مباشرة في أسواق الاقتصاد السعودي في الوقت الذي تتنامى فيه عمليات الدفع من خلال القنوات الإلكترونية المتعددة.
وكشفت بيانات رسمية سعودية أن حجم النقد المتداول في الاقتصاد السعودي على مستوى شهري بدأ في تسجيل تراجع طفيف ولكنه مضطرد وتحديداً بعد التوجه لإلزام بعض الأنشطة التجارية بتوفير وسائل الدفع الإلكتروني للمستهلكين والعملاء منذ الحديث عنه في مايو (أيار) الماضي وتم تطبيقه يوليو (تموز) الماضي، حيث فرضت الحكومة توفير أجهزة نقاط البيع والدفع الإلكتروني على ملاك محطات الوقود والمرافق الخدمية التابعة لها المنتشرة في أرجاء البلاد بتعاون بين مؤسسة النقد العربي السعودي ووزارة التجارة والاستثمار ووزارة الشؤون البلدية والقروية.
وتسعى السعودية إلى التحول لمجتمع رقمي ضمن استراتيجياتها المالية باتجاه رفع مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين والمقيمين، وتعزيز مستوى الأمان في المجتمع، وإتاحة وتطوير البيئة الخدمية للقطاع المالي الحيوي، وتبني أحدث تقنيات الدفع الإلكتروني في المنطقة.
وبحسب بيانات مؤسسة النقد فقد تراجع النقد المتداول خارج المصارف بواقع 0.36 في المائة في أغسطس (آب) مما هو عليه في يوليو إلى 191.4 مليار ريال (51 مليار دولار). وبالصورة الكلية، عند المقارنة مع مايو حينما كانت السيولة النقدية عند 196.8 مليار انخفضت في يونيو (حزيران) إلى 190.8 قبل أن تنمو بشكل طفيف إلى 192.1 ثم عادت للانخفاض إلى 191.4 مليار ريال في أغسطس الماضي، وهو ما يعني تراجعاً قوامه 2.7 في المائة من منتصف العام.
وعلى الرغم أن قيمة إجمالي الدفع بالنقد (أي الدفع المباشر عبر الكاش) منذ بداية العام يناير (كانون الثاني) لا تزال مرتفعة بقرابة 10 مليارات ريال عن المحقق في أغسطس الماضي، بيد أن الشهور الأربعة الأخيرة تعطي مؤشراً على تراجع كلي في ظل المرونة التي تبديها الجهات المالية في البلاد منها مؤسسة النقد العربي السعودي التي فتحت بيئة متكاملة أمام الشركات والتطبيقات الإلكترونية لبدء العمل المالي ضمن بيئة تجريبية وصرحت لـ21 شركة للعمل تحت هذا النطاق.
وكانت سياسات محفزة قامت عليها «ساما» لتشجيع استخدام التقنيات الآمنة للدفع من بينها رفع السقف الأعلى لتنفيذ عميات الدفع الإلكتروني عبر تقنية الاتصال قريب المدى لأكثر من 100 ريال (26.6 دولار) للعملية، والتصريح التقني لكل المصارف التجارية العاملة السعودية بتقديم خدمة «مدى باي» المختصة بالدفع عن طريق الأجهزة الذكية، وكذلك فتح الدفع عبر نظام الشبكة السعودية للمدفوعات «مدى» مباشرة في مبيعات الإنترنت، بالإضافة إلى التنسيق لإكمال العمل مع شركات الدفع العالمية لإتاحة قبول الدفع عن بعد.
وتؤكد «مؤسسة النقد» على دعم تطوير منظومة الدفع الإلكتروني بل تعتبرها واحدة من أبرز الأهداف التي تسعى إلى تحقيقها لتقليل الاعتماد على تداول النقد وتطوير البنية التحتية لأنظمة المدفوعات الوطنية بشكل مستمر، الأمر الذي يتسق مع رؤية المملكة 2030 تحت مستهدفات برنامج تطوير القطاع المالي الذي يرمي للتحول إلى مجتمع غير نقدي.
وهنا ألغت «ساما» الحد الأقصى لعمليات بطاقات «مدى» البنكية على أجهزة نقاط البيع وسط العمل على تحسين مدة استغراق إتمام تنفيذ العملية الواحدة لتصل إلى 3.4 ثانية، بالإضافة إلى تمكين حاملي بطاقات «مدى باي» من رقمنة بطاقاتهم البنكية واستخدامها للدفع عبر أجهزة الهاتف المحمول.
ويمكن الاعتماد على بعض الإحصاءات الحديثة في تثبيت رؤية انخفاض الشهية بالتعامل عبر النقد لدى المستهلكين في المملكة، حيث سجلت عمليات السحوبات النقدية من أجهزة الصراف الآلي تراجعاً منذ مايو الماضي بواقع 17.4 في المائة وتحديداً من قيمة 72.2 مليار ريال إلى 59.6 مليار ريال في أغسطس الماضي. وفي الاتجاه ذاته، سجلت أعداد نقاط البيع (التقنية) ارتفاعا ملحوظا منذ مايو المنصرم حينما كانت هناك 387.8 ألف نقطة بيع ليتزايد العدد إلى 401.8 ألف نقطة بيع إلكترونية في أغسطس الماضي تمثل زيادة 3.4 في المائة.


مقالات ذات صلة

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

الاقتصاد وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة).

عبير حمدي (الرياض)
الاقتصاد مستثمر يقف أمام شاشة تعرض معلومات سوق الأسهم السعودية «تداول» في الرياض (رويترز)

قطاعا البنوك والطاقة يعززان السوق السعودية... ومؤشرها إلى مزيد من الارتفاع

أسهمت النتائج المالية الإيجابية والأرباح التي حققها قطاع البنوك وشركات عاملة بقطاع الطاقة في صعود مؤشر الأسهم السعودية وتحقيقه مكاسب مجزية.

محمد المطيري (الرياض)
عالم الاعمال المائدة المستديرة في الرياض (تصوير: مشعل القدير)

مائدة مستديرة في الرياض تشدد على ضرورة «بناء أنظمة طاقة نظيفة ومرنة»

شدد مختصون بالطاقة النظيفة على ضرورة تنويع مصادر الإمداد وتعزيز قدرات التصنيع المحلية لضمان أمن الطاقة على المدى الطويل وتقليل نقاط الضعف.

فتح الرحمن يوسف (الرياض) فتح الرحمن يوسف (الرياض)
الاقتصاد عدد من المسؤولين خلال الاجتماع الوزاري المُنعقد في عُمان (واس)

منظومة الطيران السعودية تحقق نسبة امتثال تبلغ 94.4 % بمؤشر تطبيق معايير الأمن

أكد رئيس «الهيئة العامة للطيران المدني السعودي»، عبد العزيز الدعيلج، أن السعودية حريصة على التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة التحديات الأمنية.

«الشرق الأوسط» (مسقط)
الاقتصاد تتولى الهيئة الملكية لمدينة الرياض تنفيذ عدد من المشاريع الضخمة بالعاصمة السعودية (الهيئة)

«بارسونز» الأميركية تفوز بعقد قيمته 53 مليون دولار لبرنامج الطرق في الرياض

فازت شركة «بارسونز» الأميركية بعقد لإدارة تطوير شبكة الطرق بالرياض، في وقت تستعد العاصمة السعودية لاستضافة «إكسبو 2030» وكأس العالم لكرة القدم 2034.

«الشرق الأوسط» (الرياض)

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 
TT

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

وسط تحديات مناخية… كيف أصبحت السعودية أكبر منتج للمياه المحلاة عالمياً؟ 

قبل أكثر من مائة عام، بدأت رحلة السعودية ذات المناخ الصحراوي والجاف مع تحلية المياه بآلة «الكنداسة» على شواطئ جدة (غرب المملكة)، قبل أن تصبح اليوم أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، وحاصلة على 9 شهادات قياسية من «غينيس».

وسميت «الكنداسة» اشتقاقاً من اسمها اللاتيني (Condenser) والتي تعني المكثف، هذه الآلة كانت تعمل بالفحم الحجري لتكثيف وتقطير مياه البحر لتنتج المياه العذبة.

وفي عام 1926، وبسبب معاناة الحجاج والمعتمرين من قلة المياه العذبة عند وصولهم إلى جدة، إذ كانت بالكاد تكفي السكان، أمر الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود باستيراد آلتين كبيرتين لتقطير مياه البحر لتأمين احتياجهم من الماء.

أما نقطة التحول فكانت في 1974، العام الذي أنشئت فيه المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية (الهيئة السعودية للمياه حالياً). وتدير حالياً 33 محطة تحلية، من بينها 8 محطات على ساحل الخليج العربي و25 محطة على ساحل البحر الأحمر.

وتنتج هذه المحطات 5.6 مليون متر مكعب من المياه العذبة يومياً، ما يعادل نحو 70 في المائة من إنتاج المياه المحلاة في المملكة، ما يجعلها أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

وقد سجّلت في فبراير (شباط) الماضي المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة تسعة أرقام قياسية سعودية جديدة في موسوعة «غينيس» العالمية، وذلك لإنتاجها ما يزيد على 11.5 مليون متر مكعب يومياً.

استثمارات ضخمة

أصبحت السعودية من كبرى الدول في العالم من حيث حجم الاستثمارات في تحلية المياه، إذ ضخت استثمارات كبيرة في بناء محطات التحلية، بحسب وكيل الرئيس للشراكات الاستراتيجية والمحتوى المحلي في الهيئة السعودية للمياه المهندس محمد آل الشيخ، خلال حديثه في مؤتمر الأطراف (كوب 16) المقام حالياً في الرياض.

وأوضح آل الشيخ أن العاصمة الرياض على سبيل المثال تحصل على المياه المحلاة من بحر الخليج العربي عبر خط أنابيب يمتد لمسافة 500 كيلومتر، وهو نظام نقل مياه متطور لنقل المياه المحلاة، مضيفاً أن هناك استثمارات في البنية التحتية قد تمت على مدار أكثر من أربعة عقود.

ووفقاً لآخر الأرقام المعلنة، فقد رصدت البلاد ميزانية تجاوزت 80 مليار دولار لتنفيذ مئات المشاريع المائية خلال السنوات المقبلة.

تعميم التجربة

ولم تدخر السعودية الخبرات التي جمعتها منذ أن تحولت تحلية المياه من «الكنداسة» إلى أكبر منتج للمياه المحلاة في العالم.

فقد وقّعت في يوليو (تموز) 2024 اتفاقية مع البنك الدولي تهدف في أحد بنودها إلى تعميم تجربة المملكة الناجحة في قطاع المياه إلى الدول الأقل نمواً.

وتشمل أيضاً نقل المعرفة وتبادل الخبرات في إدارة الموارد المائية وتقليل التكاليف التشغيلية للمرافق.

وتسعى البلاد إلى مساعدة الدول الأخرى في تحسين كفاءة قطاع المياه وتطوير حلول مستدامة، ما يحقق الهدف السادس لهيئة الأمم المتحدة: «المياه النظيفة والنظافة الصحية»، وفق البيان.

تقنيات الطاقة

وفيما يخص التقنيات المتطورة في تحلية المياه، تحدث آل الشيخ عن التوجهات المستقبلية لتحسين تقنيات التحلية، إذ انتقلت المملكة من استخدام تقنيات التحلية الحرارية إلى تقنيات أكثر كفاءة وأقل استهلاكاً للطاقة بنسب تصل في توفير الطاقة لأكثر من 80 في المائة، وتهدف إلى أن تصبح 83 في المائة من مياه البحر المحلاة، وتعتمد على تقنية التناضح العكسي، وهو ما يمثل خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة.

وتُستخدم تقنية التناضح العكسي بشكل واسع في تحلية مياه البحر للحصول على مياه صالحة للشرب، وفي معالجة مياه الصرف الصحي، وكذلك في العديد من التطبيقات الصناعية التي تحتاج إلى مياه نقية وخالية من الشوائب.

آل الشيخ متحدثاً للحضور خلال إحدى الجلسات على هامش مؤتمر (كوب 16) بالرياض (الشرق الأوسط)

وأشار آل الشيخ إلى أن المملكة قامت بتنفيذ تجارب مبتكرة، مثل المشروع التجريبي في مدينة حقل (شمال غربي السعودية)، من خلال إنشاء محطة هجينة تعتمد على الطاقة الشمسية والرياح والطاقة التقليدية.

و«قد أثبت المشروع أن هذه التكنولوجيا يمكن أن تساهم في تقليل استهلاك الطاقة في تشغيل محطات التحلية، حيث يمكن للطاقة المتجددة أن تساهم في تشغيل المحطات بنسبة تصل إلى 60 في المائة في بعض الفصول».

انخفاض تكلفة الإنتاج

وفيما يتعلق بتكاليف الإنتاج، أكد آل الشيخ أن تكلفة تحلية المياه قد انخفضت بشكل ملحوظ، إذ كانت تكاليف إنتاج متر مكعب واحد من الماء تتجاوز 4 ريالات (1.06 دولار) في الماضي، بينما الآن لا تتجاوز التكلفة 2.5 ريال (نحو 0.67 دولار)، مع توقعات بتحقيق انخفاض أكبر في المستقبل.

وخلال الجلسة الحوارية على هامش «كوب 16»، قال المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار جاه إن الدول التي تعاني من ندرة المياه يجب أن تسعى إلى إعادة استخدام كل قطرة مياه في البلاد عدة مرات.

وأشار إلى أن سنغافورة تعد نموذجاً في هذا المجال، حيث تعيد استخدام كل قطرة مياه 2.7 مرة. وفيما يتعلق بالسعودية، ذكر أن المملكة تستخدم المياه مرتين تقريباً، مع إمكانية تحسين هذه النسبة بشكل أكبر في المستقبل.

المدير العالمي لقطاع الممارسات العالمية للمياه بمجموعة البنك الدولي ساروج كومار خلال الجلسة الحوارية (الشرق الأوسط)

وفيما يخص تكلفة تحلية المياه، قال إنها انخفضت بنسبة 80 في المائة تقريباً عالمياً، بفضل استخدام الطاقة الشمسية وتطور التقنيات المستخدمة في التحلية، مما يجعل هذه الطريقة أكثر جدوى في البلدان مثل السعودية التي تقل فيها معدلات هطول الأمطار.

ولفت كومار جاه إلى زيارته الأخيرة منطقة أنتوفاغاستا في تشيلي، وهي الأشد جفافاً في العالم، إذ لا تسقط فيها الأمطار على الإطلاق.

ورغم ذلك، تُعد هذه المنطقة من أكثر المناطق الاقتصادية ازدهاراً في العالم، بفضل تبني تقنيات تحلية المياه وإعادة استخدامها، مما يعكس إمكانية بناء المرونة المائية في المناطق الجافة مثل السعودية، بحسب كومار جاه.