لم يخطط مارك ميلي، لقضاء حياته في الجيش. كان عليه أن يختار بين الانضمام إلى طاقم المجندين بمنطقة «ويست بوينت»، والالتحاق بإحدى جامعات «أيفي ليغ» المرموقة. فقد أوضح والده، وهو جندي سابق في «المارينز» (البحرية الأميركية) شارك في معركة «إيو جيما»، التي انتهت بانتصار الولايات المتحدة على اليابان في الحرب العالمية الثانية، أنه لا يريد لابنه أن ينضم إلى الجيش، بل إنه كلف ابناً آخر بإفساد زيارة ابنه الشاب مارك إلى «ويست بوينت»، بأن طلب من بعض معارفه إظهار الجانب البائس من الكلية الحربية.
فاز الأب ألكساندر ميلي بالمعركة، ولم يذهب مارك إلى «ويست بوينت»، بدلاً من ذلك توجه إلى مدينة برينستون، حيث أطال شعره، وانضم إلى فريق الهوكي. ميلي الأكبر، الذي توفي عام 2015، خسر المعركة، إذ لم يتمكن من إبعاد ابنه عن حياة الجيش. فقد أخبر مارك ميلي أصدقاءه أن شيئاً ما في قد زرع في عقله جعله يعتقد أنه محظوظٌ لأنه ولد في أميركا، وأنه من واجبه أن يسير على خطى والده. ففي برينستون، انضم إلى تدريبات الضباط الاحتياط.
من المقرر للجنرال مارك ميلي، الضابط الذي يحمل على كتفيه أربع نجوم، وله صولات وجولات في القتال طيلة 39 عاماً في الجيش، أن يؤدي القسم الدستوري كأرفع ضابط عسكري في البلاد، رئيساً لهيئة الأركان المشتركة خلفاً للجنرال جوزيف دونفورد جونيور من قوات «المارينز» الذي عينه الرئيس باراك أوباما. وسيكون الأمر متروكاً لميلي، الذي كثيراً ما يمزج بين المزاح والفظاظة، لإدارة ما قد تكون العلاقة الأكثر مهنية في حياته أن يصبح مستشاراً عسكرياً كبيراً لرئيس زئبقي وضع البنتاغون في المعركة السياسية بصورة دائمة وروتينية، وهو ما كان سبباً لعدم الارتياح للعديد من مسؤولي البنتاغون.
كان من ضمن الروايات التي انتشرت في البنتاغون رواية عن ترقيته وحصوله على أعلى وظيفة في وزارة الدفاع، أعلى حتى من الجنرال ديفيد غولدفين، وهي منصب رئيس أركان القوات الجوية، بناءً على اختيار جيم ماتيس، وزير الدفاع في ذلك الوقت، والسبب هو أنه تملق للرئيس دونالد ترمب، وتبادل معه النكات الودية التي تخللتها نقاشات حول كيفية تقليص النفقات العسكرية المتضخمة.
ترمب نفسه أشار إلى ذلك أثناء حفل تقديم ميدالية الشرف، العام الماضي، عندما أشار إلى محادثات جرت مع ميلي حول تكلفة القنابل باهظة الثمن. قال الرئيس: «لقد رأيت ذلك في عينيه عندما تحدثت عن تكلفة تلك القنابل... إنه جيد في إلقائها، وجيد أيضاً في تسعيرها».
(أشار الرئيس إلى نقطة مهمة: في عام 2016، عندما كان ميلي رئيس أركان الجيش، وكانت إدارته تجري بحثاً ودراسة مطولة لاختيار مسدس جديد، حينها انفجر ميلي غاضباً وقال: عامان لاختبار مسدس؟ وبكم؟ 17 مليون دولار؟ وقال للمكتب الاستشاري في واشنطن: أعطني 17 مليون دولار في بطاقة ائتمان، وسأتصل بشركة «كابيلا» الليلة لتوريد الشحنة).
في أواخر العام الماضي، ألغى ترمب صلاحيات ماتيس (الذي استقال بعد ذلك بفترة وجيزة بسبب نزاع بشأن القوات في سوريا والعديد من القضايا الأخرى المتعلقة برؤية الرئيس لها)، وأعلن فجأة قبل عام كامل تقريباً من انتهاء ولاية دانفورد، أنه كان يريد تعيين ميلي رئيساً لأركان الجيش.
يقول أصدقاء ميلي والأشخاص الذين عملوا معه، إن قدرته على التواصل مع ترمب هي ببساطة انعكاس لشخصيته كجنرال متحمس. على العكس من دانفورد الأكثر تحفظاً، لم يلتقِ ميلي أبداً بأي شخص لم يعجبه - على الأقل في البداية.
ميلي يكثر دائماً في الحديث، وهو أيضاً طالب متعطش للتاريخ بشكل عام، وللتاريخ العسكري بشكل خاص. يستشهد بالقديسين أوغسطينوس، وتوماس أكويناس، وهنري ديفيد ثورو في أحاديثه. لا تناقش معه ما دار في معركة القصرين التي تعد إحدى الجولات المهمة في الحرب العالمية الثانية في تونس، عندما تفوقت القوات الألمانية على القوات الأميركية، التي لم تكن جاهرة للمعركة بعد. (بالمناسبة، ميلي حاصل على درجة الماجستير في العلاقات الدولية من جامعة كولومبيا).
عندما يتحدث ميلي عن الحرب، فإنه يتحدث من وجهة نظر شخص تعرض للنيران عدة مرات. فأثناء حرب العراق، كان ميلي قائداً للواء وواحداً من مجموعة العسكريين المتطلعين لما هو أكبر في البنتاغون. من هؤلاء روبرت أبرامز، وهو الآن جنرال يحمل أربع نجوم وقائد للقوات الأميركية في كوريا، وستيفن لانزا، الذي ترقى ليصبح جنرالاً يحمل ثلاث نجوم وقائد لواء، وجيمس ماكونفيل الذي يحمل الآن أربع نجوم ويشغل منصب رئيس أركان الجيش حالياً.
خلال فترة وجوده في العراق، نزل ميلي إلى مجاري الصرف الصحي المفتوحة في أبو غريب، وتعرض لنيران القنابل الصاروخية في مدينة الصدر، وهاجم ضابطاً رفيع المستوى عندما تجرأ بالسؤال عما إذا كان يمكنه التعامل مع بغداد، وسط حالة التمرد المشتعلة، ورد ميلي عليه بقوله: «أيها الجنرال، نحن أكبر لواء متحرك لديك على الإطلاق. فقط ركز في العمل في مدينتك».
بصفته رئيس أركان الجيش، تعرض ميلي لانتقادات من بعض أفراد فريق العمليات الخاصة بسبب كمين نصب للقوات الأميركية عام 2017 في النيجر، الذي أودى بحياة أربعة جنود أميركيين. وأقنع باتريك شاناهان، الذي كان يشغل منصب وزير الدفاع بالإنابة، بالحد من عمليات المراجعة الواسعة، كما قام بمنع فصل الضابط الذي تلقى اللوم بسبب الكمين. دافع أنصار ميلي عن ذلك بقولهم إنه اكتفى بمنع الضابط من قيادة وحدة قتالية أخرى.
لكن غريزة ميلي هي إيجاد أرضية مشتركة مع أنواع مختلفة من الناس. في مؤتمر لكبار القادة العسكريين الأفارقة في أروشا بتنزانيا، في مايو (أيار) 2016، كسر ميلي حالة الجمود التي هيمنت على القاعة عندما افتتح خطابه الرئيسي بأن وجه الحديث إلى اللواء الأميركي الكبير الذي نظم المؤتمر، ووصفه بصاحب الرأس العنيد، ما أثار الضحك، وشبه الفترة التي قضاها في حرب العراق كمن قضى وقتاً وسط صراعات الجيوش الأفريقية.
وقال ميلي مخاطباً مسؤولين عسكريين كباراً من 37 دولة أفريقية، «كثيرون منكم في هذه الغرفة هم أحفاد المقاتلين الذين خاضوا حرب العصابات ضد الفرنسيين والبريطانيين والقوات الاستعمارية في أوروبا. إن أهم متطلبات الانضمام إلى جيوشكم هي معرفة كيفية خوض حرب العصابات».
قريباً، سوف يقاتل ميلي في نوع آخر من حرب العصابات، كأكبر مستشار عسكري لترمب. إنها مهمة حساسة ومتخصصة للغاية في السير على حبل مشدود لإعطاء الرئيس أفضل نصيحة عسكرية ممكنة، مع أداء التحية له واتباع التوجيهات التي قد لا يتفق معها تماماً.
*خدمة {نيويورك تايمز}